فوز حماس.. ترتيب الأوراق الدولية والإقليمية من جديد
29 ذو الحجه 1426

ربما هي المرة الأولى التي تضطر فيها دول غربية إلى إعادة النظر في ملفاتها السابقة، وسياساتها الحالية، بناءً على انتخابات عربية تتعلق بأحقية تولي القيادة والحكم.. <BR>فعلى مدى سنوات طويلة؛ بقيت الدول العربية رهينة صناديق اقتراع الناخبين "الإسرائيليين" والأمريكيين والأوروبيين. ورهينة بالحكومات المتعاقبة، التي تتراوح ما بين أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فيما بقيت سياساتنا العربية (ثابت) رغم تعاقب السنون، والتبدلات في المواقف والمتغيرات الدولية.<BR> <BR>فقد أحدث دخول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بوابة العمل السياسي الحكومي في الأراضي الفلسطينية، هزة عنيفة داخلية وخارجية، طرقت أبواب الحكومة "الإسرائيلية" والأمريكية والحكومات الأوروبية، فضلاً عن تأثيراتها المباشرة على الحكومة الفلسطينية المنتهية الصلاحية.<BR>وخلال ساعات قليلة، بعيد إعلان النتائج الأولية للانتخابات الفلسطينية، بدأت الكثير من الحكومات العربية والإسلامية والعالمية، تستبق الأحداث، مطلقة مبادرات تراوحت بين السلب والإيجاب، كردود فعل أولية على إمكانية قدوم الفائز الجديد إلى السلطة الفلسطينية.<BR><BR>حماس ذات التاريخ العسكري الطويل، والنضال القتالي الشاق، امتلكت مقومات عسكرية ساعدتها في التصدي عسكرياً للاحتلال "الإسرائيلي"، رغم بساطة صناعاتها العسكرية.<BR>واليوم، أعطاها الشعب الفلسطينية دعماً قوياً، امتلكت من خلاله مقومات شعبية، ستساعدها في التصدي سياسياً للاحتلال "الإسرائيلي".<BR><font color="#FF0000">نبض الشارع الفلسطيني نبض أقرب للحقيقة: </font><BR>على عكس الكثير من الحكومات العربية والعالمية، امتلك الشعب الفلسطيني (بالخبرة التراكمية) نظرة أوسع من النظرة التي كان يرى بها القادة السياسيين.<BR>ففي حين ترى الحكومة المصرية والأردنية والفلسطينية، وحتى الأمريكية والأوروبية، أن الإجراءات الأخيرة التي قامت بها الحكومة "الإسرائيلية" من تحركات أحادية الجانب، تنصبّ في مصلحة الشعب الفلسطيني، معتبرة إياها إحدى الخطوات على طريق تحقيق (خارطة الطريق) التي ستفضي إلى إعلان دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة، رأى الشعب الفلسطيني أن تلك الإجراءات تنصب في مصلحة "الإسرائيليين" أولاً وآخراً. وأنها لا يمكن أن تكون تراجعاً في عمليات الاحتلال "الإسرائيلية" لصالح الفلسطينيين، بأي شكل من الأشكال.<BR><BR>الحكومات العربية القريبة من ملف التفاوض الفلسطيني "الإسرائيلي"، والحكومات الغربية الراعية لتلك السياسيات؛ كانت تنظر إلى أن الإجراءات الأخيرة "من انسحاب إسرائيلي إحادي الجانب، وتسيلم معابر غزة إلى السلطة الفلسطينية، وفتح الحدود مع مصر، وتقليل التضييق والحواجز الإسرائيلية الكثيرة في وجه الفلسطينيين"، قد تدعم إعادة انتخاب فتح مرة أخرى على رأس السلطة، وتمكّن لحكومة قريع مجدداً، وتبعد حركة (حماس) عن أي وصول محتمل، خوفاً من إفشالها السياسات التي سارت حتى الآن. <BR>إلا أن هذا لم يحدث.. فقد قرر الشارع الفلسطيني أن ينفي حكومة فتح، ويساعد حماس (ذات التاريخ النضالي العسكري الطويل) للوصول إلى الحكم، وإعادة ترتيب الأوراق الفلسطينية من جديد.<BR><BR>وفي تقرير لها عن فوز حماس في الانتخابات التشريعية، تقول صحيفة (الجارديان) البريطانية: " إن السياسيون الغربيون ساذجين بالقدر الكافي لأن يعتقدوا أن الانسحاب "الإسرائيلي" من غزة يعتبر إحدى المراحل على طريق تنفيذ خطة (خريطة الطريق)، التي ستنهي صراع الدولتين. إلا أن الناخبون الفلسطينيون الذين يعيشون في مأزق ميئوس منه، كانت لديهم نظرة أوسع. إذ قالوا للعالم عبر تصويتهم لصالح حماس: " إن لم نحصل على دولتنا الفلسطينية، فإننا نفضل المقاومة المسلحة على المفاوضات".<BR><BR>كما أن الملف الأمني الداخلي كان معقّداً لدرجة بات الفلسطيني يخاف على نفسه من أخيه الفلسطيني في بعض الأحيان، أكثر من خوفه من "الإسرائيليين"، خاصة مع انتشار السلاح في يد جميع الفصائل الفلسطينية المسلحة، وتكرار عمليات المواجهات المسلحة بين مختلف الفصائل، بمن فيها قوات الأمن الحكومية، التي لم تستطع تجنيب الفلسطينيين مخاطر انتشار السلاح في يد من لا يحسن استخدامه. <BR><font color="#FF0000">موقف حركة (فتح): </font><BR>على عكس ما حاولت الحركة تأكيده في السابق، فقد أشارت نتائج فرز الأصوات شبه النهائية، حصول حركة (حماس) على معظم مقاعد المجلس التشريعي الفلسطينية (67 مقعداً)، لتحل بالمركز الأول، فيما تراجعت حركة (فتح) إلى المركز الثاني، بحصولها على (43 مقعداً).<BR><BR>ورغم أن (قتح) أصدرت نتائج استطلاعات للرأي قبيل إجراء الانتخابات، عبر مراكز معلومات حكومية وأهلية (!)، واتهمت (حماس) بأنها تتلاعب بنتائج الانتخابات، إثر إعلان حماس أن النتائج تشير إلى تقدمها على فتح، إلا أن الأخيرة اعترفت بالهزيمة حال ظهور النتائج الأولية للانتخابات، في إشارة ربما إلى معرفتها السابقة باحتمال فوز حماس عليها.<BR><BR>رئيس الحكومة الفلسطينية أحمد قريع (أحد قادة فتح) أعلن على الفور، استقالة حكومته، والاحتفاظ بالمنصب كرئيس حكومة مؤقتة، إلى حين تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تقودها (حماس)، مشيراً إلى انتظار أن تقوم حماس باستكمال مشاوراتها لتشكيل حكومة جديدة.<BR>وعلى الرغم من أن العملية التي قام بها قريع هي عملية دستورية، (حيث ينص الدستور الفلسطيني على أن تستقيل الحكومة حال ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الجديدة)، إلا أن (الغير دستور) هو تلك التصريحات التي أطلقها قادة فتح، والتي أشاروا فيها إلى أن الحركة لن تشارك حماس في أية حكومة فلسطينية جديدة. وهو ما يعكس رأي حكومة قريع بشكل أو بآخر.<BR>وهذا ما أكده صراحة محمد دحلان (أحد قادة فتح، وأحد الفائزين في الانتخابات التشريعية) الذي أعلن رفض حركته المشاركة في أي حكومة قادمة لحماس.<BR><BR>ويبدو أن أنصار فتح واجهوا أزمة ثقة في حركتهم، بعد الخسارة التي منيت بها، وهو ما زاد من حدة الضغط على قادة (فتح)، خاصة بعد خروج الآلاف من أنصار الحركة في مظاهرات، مطالبين قادتهم بالتنحي عن الحكم، والاستقالة من مراكزهم. <BR><font color="#FF0000">مواقف "إسرائيلية" رسمية وشعبية: </font><BR><BR>الفوز الساحق لحماس في الانتخابات الفلسطينية ترك "الإسرائيليين" منقسمين بين مؤيد ومعارض للتفاوض مع الحركة المسلحة، التي لم تعترف بما يطلق عليه اسم (الدولة العبرية)، والتي حققت انتصارات عسكرية واسعة عبر أسلحتها محلية الصنع، ضد العتاد "الإسرائيلي" المتطور.<BR><BR>فقد أشارت استطلاعات للرأي نشرتها صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية بعد يوم من ظهور النتائج الأولية للانتخابات، إلى أن غالبية "الإسرائيليين" (48%) يفضلون دخول الحكومة "الإسرائيلية" في مفاوضات مع حكومة فلسطينية تترأسها حماس، فيما قالت نسبة أقل بقليل (43%): " إن على الإسرائيليين عدم فتح باب المفاوضات مع حكومة بقيادة حماس".<BR><BR>وفيما حدث هذا الانقسام بين المستوطنين "الإسرائيليين"، شهدت القيادة "الإسرائيلية" ذات الانقسام.<BR>إذ لم يستطع القادة "الإسرائيليون" إخفاء حجم غضبهم من إمكانية وصول حماس إلى السلطة الفلسطينية، بعد سنوات طويلة من العمل التفاوضي مع (فتح)، وسنوات من الصراع العسكري مع (حماس).<BR>منددين بالانتخابات التشريعية، ومركزين على تسمية (حماس) بأنها حركة (إرهابية!!).<BR><BR>حيث أجرى (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بالوكالة، إيهود أولمرت، اتصالات مع قادة مصر والأردن، ليؤكد لهم أن حكومته لن تجري أية اتصالات مع حكومة فلسطينية تقودها حركة (حماس).<BR>فيما أعربت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" عن صدمتها من وصول (حماس) إلى رأس السلطة الفلسطينية، مدّعية بالقول: " إن الانسحاب الإسرائيلي من غزة خلال صيف العام الماضي؛ فتح فرصة لإطلاق مفاوضات السلام، لكن بانتخاب حماس الأخير، أغلق الفلسطينيون الباب أمام تلك المفاوضات"!!<BR><BR>على الجانب الآخر، وجد قادة "إسرائيليون" إمكانية إقامة محادثات مع قادة حماس، حيث صرّح (السياسي الإسرائيلي المحنّك) شمون بيريز، أن الحكومة "الإسرائيلية" قادرة على استئناف المفاوضات مع قيادة فلسطينية لحماس، بحال غيّرت الحركة من سياستها الرامية إلى تدمير "إسرائيل".<BR>كما دعا إيفي ديشتر (رئيس الأمن السابق والمسؤول البارز في حزب كاديما الجديد)، إلى انتظار ما ستعلن عنه (حماس) خلال الأيام القادمة. مشيراً إلى احتمال موافقتها على تغيير بعض سياساتها لصالح (التفاوض).<BR><BR>أما بنيامين بن إليعازر (وزير الدفاع الإسرائيلي السابق) فقد كان أكثر وضوحاً، حيث قال: " سنكون جاهزين لأن نتفاوض مع أي شخص يقر بحقنا للعيش"، وأضاف " إذا كانت حماس، فلتكن، وإن أقرّت بحقنا، فلن تكون كما كانت في السابق".<BR><font color="#FF0000">الموقف الأمريكي والأوروبي: </font> <BR>الولايات المتحدة وبريطانيا وعدّة دول أوروبية أخرى، أعلنت أنها لن تتعامل مع إدارة فلسطينية بقيادة (حماس) إلا إذا تنازلت عن أعمالها العسكرية، وتخلّت عن المقاومة! واعترفت بما وصفته أنه "حق إسرائيل في التواجد".<BR><BR>ويبدو أن الولايات المتحدة قررت البدء بالضغط على الفلسطينيين، عبر ورقة المعونات المالية، التي كانت تتسلمها السلطة الفلسطينية، كثمن للمفاوضات السلمية(!)، التي أقامتها مع الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة.<BR>حيث أعلن البيت الأبيض وقف معوناته المالية للفلسطينيين، وقال شون مكورماك (المتحدث باسم الخارجية الأمريكية): "نقولها بمنتهى الوضوح.. إننا لا نقدم أموالاً إلى منظمات (إرهابية)"، وأضاف "سنراجع كل جوانب برامجنا للمعونات".<BR>وذهبت وزارة الخارجية الأمريكية خطوة أبعد، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ستراجع كل الأموال التي تقدم للفلسطينيين من خلال الأمم المتحدة أو الجماعات الأهلية، بالإضافة إلى المساعدات المباشرة للسلطة الفلسطينية.<BR><BR>يذكر أن الولايات المتحدة قدّمت نحو 400 مليون دولار للسلطة الفلسطينية العام الماضي، فيما أقر الكونجرس الأمريكي تقديم 200 مليون دولار لها خلال العام الحالي، مقابل تقديم أكثر من 2 مليار دولار لـ"الإسرائيليين" خلال عام 2005!!<BR><BR>ونحى الاتحاد الأوروبي ذات المنحى المالي الذي اختارته واشنطن، حيث قال خافير سولانا (مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي): " إن أوروبا قد توقف مئات الملايين من الدولارات التي يتضمنها برنامج المعونة إلى الفلسطينيين، إذا رفضت حماس الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود".<BR>وأضاف "إذا أرادت السلطة الفلسطينية خرق اتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي، فيتوجب عليها أن تستعد لتغيرات في الوضع".<BR>من جهتها، أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستسخدم أي نفوذ من أجل ضمان السير في ذات الاتجاه الذي كان معمولاً به خلال الحكومة الفلسطينية السابقة.<BR>وقال توني بلير (رئيس الحكومة البريطانية): " يجب أن نستخدم نحن والبيت الأبيض أي نفوذ من أجل الاستمرار في تنفيذ خطة خريطة الطريق".<BR><BR>وتراهن الحكومات الأمريكية والأوروبية على الملف المالي، في سبيل إقناع حماس في تغيير سياساتها، في وقت لا تستبعد فيه بعض الأوساط السياسية من أن يؤدي تمسّك حماس بسياستها إلى دعم أمريكي أوروبي لأي سياسة توسعية "إسرائيلية" جديدة في المنطقة، والتغاضي بشكل كامل عن أي عمليات اغتيال قد تطال قادة الحكومة الفلسطينية القادمة، بحجة أنها حكومة (إرهابية)!<BR><BR>إلا أن ذلك لم يخف وجود مفاوضات بين جماعات فلسطينية وحكومات أوروبية من أجل تمكين خالد مشعل (رئيس لمكتب السياسي لحركة حماس) العودة إلى غزة، للمشاركة في تشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة.<BR><font color="#FF0000">العرب بين الغموض والترحيب: </font><BR>بادرت العديد من الدول العربية إلى الترحيب في قدوم (حماس) على رأس السلطة الفلسطينية، بدأها الأمير تركي الفيصل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، الذي انتقد الإعلانات المتهافتة من قبل الدول الغربية، حول مخاوفها من قدوم حماس للسلطة.<BR>ونقلت شبكة الـ (CNN) عن الأمير السعودي قوله: " أرى أن فوز حماس في هذه الانتخابات يجب ألا يثير قلق أي من العواصم العربية أو عواصم الدول الأخرى، طالما التزم المجتمع الدولي بتعهداته، المتمثلة في حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائم على دولتين تعيشان جنباً إلى جنب".<BR>وأكد الفيصل أن الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" هو السبب الرئيس لمعظم حالات عدم الاستقرار والإرهاب في العالم.<BR><BR>كما تلقى قادة حماس اتصالات هاتفية من عدة قادة ووزراء دول عربية، للتعبير عن تضامن دولهم مع حماس، القادمة إلى السلطة.<BR>حيث أجرى فؤاد السنيورة (رئيس مجلس الوزراء اللبناني) اتصالاً هاتفياً بـ(رئيس المكتب السياسي لحماس) خالد مشعل، بعيد إعلان النتائج الأولية، هنّأه فيه على النتائج التي حصدتها حركته في الانتخابات.<BR>وتمنى الرئيس السنيورة خلال الاتصال أنْ تكون هذه النتيجة "خطوة متقدمة إلى الأمام لدعم حقوق الشعب الفلسطيني"، وفق ما نقلت صحيفة (السفير).<BR>كما أجرى (الرئيس اليمني) علي عبد الله صالح اتصالاً مع مشعل، هنأه فيها على فوز حماس.<BR>وقال المكتب الإعلامي في حركة (حماس): " إن الرئيس اليمني أشاد بالديمقراطية الفلسطينية خلال الانتخابات".<BR>فيما أجرى (وزير الخارجية السوري) فاروق الشرع اتصالاً بمشعل أيضاً، من أجل تهنئة حماس بفوزها، وهو ما وصفته الحركة بأنه تعبير عن دعم الدول العربية لقدوم حماس على رأس السلطة.<BR><BR>فيما لا يزال موقف بعض الدول العربية الأخرى غامضاً، بانتظار -ربما- إملاءات خارجية حول المواقف التي يجب أن تعلنها تلك الدول لاحقاً!!<BR><BR><BR><br>