التواطؤ الألماني مع الأمريكيين في غزو العراق
26 ذو الحجه 1426

فضيحة أخرى فجرتها وسائل الإعلام عن تواطؤ ألماني مع الاستخبارات الأمريكية لتسهيل" مهمة الحرب" على العراق.<BR> ألمانيا التي ظلت تعارض الحرب، هي نفسها التي حسب ما كشفته وكالة "رويترز" للأخبار بأنها أمدت الاستخبارات الأمريكية بمعلومات في غاية الخطورة عن تحركات الجيش العراقي، وعن التحركات التي كان يقوم بها رجال المخابرات العراقية إبان حكم صدام.. الغريب في الأمر أن الخارجية الألمانية أعلنت أنها تركت فعلا رجال مخابراتها في العراق، وأنهما كانا هناك في "إطار تنسيق روتيني" ليس أكثر، علما أنه لم يكن ثمة أي موظف أو مواطن ألماني في العراق منذ أن صارت الحرب وشيكة، وهو الشيء الذي يثير الكثير من الجدال في ألمانيا بالخصوص إزاء الدور الحقيقي الذي تكون قد لعبته ألمانيا بشكل مزدوج، أي مع العراقيين ومع الأمريكيين في الوقت نفسه! <BR><BR>جريدة "برن" الألمانية التي كانت أول من تكلم قبل سنة تقريبا عن تواطؤ ألماني أمريكي محتمل في مجال "تبادل المعلومات" إبان الحرب على العراق عادت من جديد للحديث عن الدور الذي تكون قد لعبته ألمانيا وفرنسا في تلك الحرب، فمن المنظور الإعلامي، كانت معارضة الألمان والفرنسيين بمثابة الجبهة الشعبية الأوروبية التي حركت الرأي العام الدولي أيضاً ضد الحرب نفسها، لكن تلك الجبهة كما جاء في افتتاحية جريدة"برن" لم تكن في النهاية سوى غطاء لدعم عسكري ومخابراتي كبير. لقد انطلقت الطائرات من ألمانيا لتزويد الطائرات الحربية الأمريكية بالوقود، وتم الاستعانة بالقاعدة الأمريكية الألمانية لنقل الجرحى وللتزود بالمئونة، لهذا كيف يمكن القول أن ألمانيا لم تشارك ضمنياً في تلك الحرب؟ يقول "كارل شميشل" في تقرير بثته إذاعة ألمانيا الدولية.. <BR><BR>ما جاء في تقارير وكالة الأنباء الفرنسية قبل أسبوع يؤكد أن الألمان أمدوا ضباط الاستخبارات الأمريكية بمعلومات في غاية الخطورة ساعدت في قصف أهداف عسكرية عراقية، ومن ضمنها مكان اشتبه في تواجد صدام حسين فيه وتم قصفه قصفا مدمرا، مما خلف سقوط عشرات من الضحايا من دون أن يكون صدام بينهم! ساهمت المعلومات أيضاً في قصف بيت سكني في بغداد القديمة اشتبه في أن ضباط عسكريين عراقيين أقاموه مركزا لاجتماعاتهم السرية، ونتج عن القصف سقوط العديد من الضحايا من المدنيين أغلبهم من الأطفال لقرب الموقع من حضانة أطفال.. <BR><BR>التواطؤ الألماني الذي اتضحت معالمه بشكل كامل إذا، ساهم أيضا في تزويد الأمريكيين بقائمة تضم أسماء الضباط "الأكثر خطورة" والذين كانوا في الحقيقة يرأسون خلايا سرية جاهزة للعمل العسكري في إطار المقاومة في حال نشوب الحرب، وهو الأمر الذي أدى بالأمريكيين إلى ذكر أسماء ضباط عراقيين كانوا غير معروفين أصلا حتى من قبل زملائهم في الدفاع العراقي، وكان ذكر الأسماء بمثابة الإعلان الرسمي عن وقوع خيانة كبيرة داخل الجيش العراقي مما ساهم في إحباط الجنود العراقيين الذين رفضوا الاستسلام ووضع السلاح. <BR><BR>الكيل بمكيالين:<BR>ما جاء في جريدة اللوموند الفرنسية يضاف إلى الحقيقة الإعلامية التي انفجرت في لندن أولا، ومن ثمة في ألمانيا، والتي مفادها أن بعض " الضباط" العراقيين الذين أرادوا الحرب على النظام العراقي، وساندوها، وساهموا في انتشارها كانوا يعتمدون على "الوساطة" الألمانية فيما يخص الاتصالات بالمخابرات الأمريكية، بحيث أن علاقة السفارة الألمانية ظلت جيدة ظاهريا مع النظام العراقي المخلوع، إلى درجة أن النظام العراقي نفسه تكلم عن اجتماع دبلوماسي داخل السفارة الألمانية حضره طارق رمضان شخصيا أسبوعين قبل الحرب. <BR><BR>وهو الأمر الذي يؤكد ـ حسب جريدة اللوموند ـ الدور المزدوج الذي كانت تلعبه ألمانيا مع العراقيين ومع الأمريكيين في الوقت نفسه، وإن كانت مصالحها مع الأمريكيين بدت أكبر من مصالحها مع نظام آيل للسقوط! من جهة أخرى، ذكرت قناة "فوكس" الألمانية في ملف أخباري أن الضابطين الألمانيين من وكالة الاستخبارات الألمانية " بي إن دي" بقيا في العراق باتفاق مسبق مع الخارجية الألمانية وباتفاق آخر مع العراقيين أيضا، وبموافقة "سرية" من الأمريكيين الذين كانوا على اتصال بهما بشكل غير مباشر، وأنهما في الوقت نفسه كانا على علاقة جيدة بضباط عراقيين مرموقين، مما سهل مهمة "تسريب المعلومات" إلى الأمريكيين، وأكثر من ذلك القيام بوساطة " للاستسلام" لمن يرغب في عدم الدخول الحرب مقابل حوافز أمريكية ذهبت إلى درجة منح الجنسية وحق الإقامة في أية دولة يرغبها، بمن فيها الولايات الأمريكية، والمحافظة على خصوصية كل ضابط يسلم نفسه ويمنح للأمريكيين فرصة القضاء على صدام حسين ونظامه، حسب ما ورد في نفس المحطة التلفزيونية. <BR>وإن انفجرت ـ بعد سقوط العراق ـ قضية " الخيانة" التي تعرض إليها الجيش العراقي من قبل جنرالاته، إلا أن الأمر صار مؤكداً أن الخيانة لم تتم مباشرة، بل بوساطة أوروبية صار مؤكداً أن ألمانيا كانت ضلعاً فيها، بمعية جهات أوروبية أخرى بقيت في العراق في نفس المدة، وكانت معارضة بشكل ظاهري لتلك الحرب، كفرنسا مثلاً التي تتكلم بعض الجهات الإعلامية فيها عن "مدى" براءة الجهات الفرنسية بالخصوص وأنها شكلت مع ألمانيا نفسها جبهة ثنائية للدفاع عن "استقلال العراق"! افتتاحية مجلة " النوفل أوبسرفاتور" الفرنسية ذهبت إلى حد التشكيك في نزاهة فرنسا التي لا يعقل التصديق أنها كانت تجهل ما قامت به ألمانيا، باعتبار أن الخارجية الألمانية صرحت في نهاية الأسبوع الجاري أنها كانت على "علم" بتواجد ضابطي المخابرات الألمانية في العراق، وبالتالي على علم باتصالاتهما مع ضباط عراقيين فكيف لا تكون على علم باتصالاتهما مع ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية؟ <BR>وإن حاولت الصحف الفرنسية توريط الألمانيين بشكل مباشر، فقد ذهبت الصحف الأمريكية إلى حد نشر مقابلات مع ضباط أمريكيين اعترفوا بشكل صريح بالدعم اللوجستيكي الضخم الذي تلقوه من الألمان، ليس على أساس ما قام به الضابطين الألمانيين، بل أيضا ما قامت به جهات ألمانية في الدفاع والداخلية في تزويد الأمريكيين بملفات دقيقة حول المصانع والمؤسسات التي دعمت العراق في مجال التطوير العملي والتكنولوجي والصناعي، والطبي أيضا، وبالتالي تقريراً شاملاً عما في العراق من تجهيزات ساهمت ألمانيا في حصولها عليها.. وهو التصريح الذي أكد أن مساندة الألمان استمر حتى بعد سقوط بغداد، بمعنى أن النفاق السياسي الألماني لم يكن أكثر من غطاء سياسي للضحك به على ملايين من الألمان ومن غير الألمان! <BR><BR>ضحايا التسريبات الخاطئة:<BR>حسب صحيفة لوسوار البلجيكية فإن " الدعم اللوجستيكي" الألماني للأمريكيين خلف أكثر من 1230 ضحية من المدنيين، في عمليات عسكرية قام بها الطيران الأمريكي ضد أهداف عراقية قيل أن ضباط من الجيش العراقي كانوا متواجدين فيها، أو اشتبه أن صدام حسين ينام فيها!<BR> <BR>و الحال أن المعلومات الكثيفة التي تنشرها الصحف الأمريكية حول الدعم الألماني أحرجت الألمان كثيرا، وإن بدت الشانسلييه الألماني غير مكترثة بالحكاية، إلا أنها لم تتردد في التصريح إلى جانب جورج دابليو بوش أنها تساند الإدارة الأمريكية في حربها على الإرهاب، وتساند البيت الأبيض في مخاوفه على أمن إسرائيل التي يهدده الرئيس الإيراني بالـ"تدمير"، نفسها الشانسيلييه الألماني اعتبرت التهديدات على إسرائيل "تطرفا إرهابيا" لا يجب السكوت عليه، بينما يتوجب السكوت على القتلى الأبرياء الذين ذهبوا ضحية التواطؤ الألماني في الحرب الأمريكية على العراق، ويتوجب السكوت أكثر على الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بل ويجب البكاء على الجزار شارون الذي يعاني من "الشلل الدماغي" بعد أكثر من نصف قرن من المجازر المرتكبة تباعاً ضد الفلسطينيين أباً عن جد! التقارير الإعلامية الكثيرة التي تنشر هنا وهناك، عن التواطؤ الغربي / الأوروبي في قضية السجون الأمريكية بما تشتمل عليه من تعذيب غير إنساني ضد السجناء العرب الذين تجرهم جرا من معتقلات غوانتنامو ليتم تعذيبهم وتصفيتهم في سجون أوربية متحركة على متن طائرات عسكرية أمريكية لم تكن بمعزل عن علم وموافقة الأوروبيين الذين يتحملون مسؤولية صمتهم وتأييدهم السري للأمريكيين على حساب هؤلاء المعتقلين. <BR><BR>فالغرب " المتقدم والمتحضر والحر والحضاري!" هو الذي يطالب الدول العربية والإسلامية بالإصلاحات والديمقراطية والحرية، ويتهم الدول البطيئة بالتطرف، ويدينها ويهددها بالعقوبات الاقتصادية أيضا إن هي لم تفتح أبوابها للحرية والفسق والفساد الغربي الذي أثبت إفلاسه بشكل كبير وجلي وواضح. الغرب، وأوروبا نفسها من يتعامل معنا اليوم بنفاق السياسة، تكيل بمكيالين لتدافع في النهاية عن مصالح إسرائيل وكأن الفلسطينيين جاؤوا من فراغ، وكأن الأمة العربية والإسلامية مجرد "قطيع من ورق مقوى"، وكأن الإسلام خرافة.. <BR><BR>هو الغرب الذي ينكشف على حقيقته اليوم، بحيث أن الذي يتكلم عن قضيتك منهم لا بد أنه يبيع دمك لعدوك كي يحافظ على "شرف" البقاء في الوقت الضائع، بين قتيلين واحد اسمه "الإنسان" والثاني اسمه الضمير! <BR><br>