ما بعد وفاة أمير الكويت
17 ذو الحجه 1426

بعد أن وارى الكويتيون أميرهم الثرى, عادوا ليلقوا استحقاقات تركة ربما لا يدرك سوى النخبة الكويتية ثقلها وتبعات تحملها, فالأمير الراحل الذي غادر الدنيا عن عمر يناهز 77 عاماً مفعمة بالأحداث الخطيرة التي مرت بالخليج العربي, وعبر محطات كثيرة ومنعطفات حرجة للكويت ومحيطها قد أبقى بين يدي النظام الذي خلفه ما يفتح أبواب التكهنات الكثيرة بشأن ما الكويت مُقْدِمة عليه. <BR><BR>نحو ثلاثين عاماً قضاها الشيخ جابر الأحمد الصباح (أمير الكويت) في الحكم بقدر ما شهدت حوادث مهمة في تاريخ الكويت الحديث, بقدر ما شهدت استقراراً على الصعيد الداخلي, وفي بنية حكمه العريقة, وجدير بالنظر أن التحولات الإقليمية والحروب والتي طاولت السيادة الكويتية عبر احتلال الكويت في العام 1988 وما أعقبها من حوادث وما سبقها من محاولات لتغيير نظام الحكم الكويتي عبر محاولة اغتيال الأمير الراحل في العام 1985 لم تتمكن من النيل من التماسك الوطني الداخلي واستقرار النظام الأميري ورغبة الشعب الكويتي في الحفاظ عليه وعلى أميره, وعلى ذلك فالكويت اليوم هي بصدد حالة لم تعالجها منذ ثلاثة عقود تغير فيها وجه العالم من حولها وغدت مأخوذة باستحقاقات ربما بعضها مخيف في ظل معطيات جديدة لخريطة بدت جديدة للمنطقة. <BR><BR>الداخل كما الخارج قد تبدل وأشكل على المراقبين توقع تكرار ماضيه في ضوء متغيرات طرأت عليه؛ فالحالة التي يعاينها الكويتيون غير تلك الحالات التي حدث بها تسليم هادئ للسلطة خلال القرنين الماضيين؛ إذ تكاد تكون هذه حالة فريدة تمر بها الأسرة الكويتية التي عانت خلال السنوات القليلة الماضية من غياب فعلي لأميرها وولي عهده المريضين عن تسيير أمور الدولة, وتمركز السلطات الفعلية في يد الرجل الثالث في الأسرة الحاكمة, وهو الشيخ صباح الأحمد الصباح رئيس الوزراء.<BR>وقد أوقع ذلك الوضع في الحقيقة الأسرة في إشكال ربما ليس هناك من هو مسؤول عنه, وإنما قاد القدر إليه الأسرة الحاكمة بحيث جعل حفاظها على التقليد الأسري المتبع بجعل منصبي الأمير وولي العهد بالتناوب ما بين جناحي آل جابر وآل سالم في الأسرة داعٍ إلى إسناد الحكم "الفعلي" للبلاد من جابري إلى آخر إذا ما صدقت الأنباء عن دقة الحالة الصحية للأمير الجديد, وهو ما حدا بعميد الأسرة الشيخ سالم آل علي الصباح (رئيس الحرس الوطني، والثالث في التسلسل الهرمي للأسرة الحاكمة) إلى اقتراح إقامة لجنة لمساندة القيادة تضمه هو و(رئيس الوزراء) الشيخ صباح الأحمد الصباح، والشيخ مبارك عبد الله أحمد الصباح، وهو شخصية تحظى بتقدير أكثر من طرف في الأسرة, قبل أشهر ثلاثة من وفاة الشيخ جابر أمير البلاد الراحل, منتقداً في الوقت نفسه ما دعاه بـ"استغلال بعض أعضاء الأسرة مواقعهم للانفراد بالقرارات" بحسب ما جاء في القبس الكويتية في العاشر من أكتوبر الماضي، وهو ما فتح جدلاً كبيراً في الصحف الكويتية والدواوين, واعتبر أكبر نقد أو ربما تخوف يتم تداول حيثياته عبر صفحات الجرائد, ويردف ذلك شعور بأن تنامي سلطتي البرلمان والإعلام في الكويت قد خلق واقعاً جديداً لا يمكن القفز عليه من داخل أروقة الأسرة التي ما تفتأ تفاخر بهامش الحرية والديمقراطية الممنوحتين للشعب الكويتي وقواه السياسية بما لا يمكن المراقب من استنساخ نماذج من التوافق الداخلي للأسرة الحاكمة في الكويت بعد منعرجات مرت بها من قبل. <BR><BR>الداخل أيضاً يلحظ مراقبوه أنه قد أنيط بمنظومة الحكم القادمة التعاطي مع كرات جديدة/قديمة وضعت في سلتها ويتوجب التعامل معها بقدر أعلى من الاهتمام, ككرة "البدون" الذين تقدر بعض المصادر تعدادهم بنحو 120 ألف شخص في الداخل الكويتي و240 خارجه, وهي الكرة الثلجية التي تجد طريقها للتعاظم كلما مر عليها الزمن من دون حل, وهناك الكرة أو بالأحرى القنبلة الشيعية الموقوتة التي لا يدري أحد متى يصل عدادها للصفر, ومعلوم أن في الكويت أقلية شيعية تكاد تلامس خمس تعداد السكان البالغ عددهم 1.9مليون نسمة, وهم بادوا النية منذ أن تغير ميزان القوة الخارجية لمصلحتهم في كسب أرض جديدة يخليها السكان الأصليون للكويت (ينحدر نصف تعداد الأقلية الشيعية في الكويت لأصول إيرانية لا يخفي كثير منهم الآن اعتزازهم بالدولة الإيرانية ويتمنى بعضهم استنساخ نموذجها المللي للحكم).<BR>وتحولت كثير من المعطيات في الداخل لمصلحتهم من إقامة الحسينيات والمساجد واعتلاء المنابر الإعلامية الرسمية وطباعة الكتب والدعوة لمذهبهم وفقاً لمدارسهم التقليدية في الكويت: الفارسية والشيرازية والشيخية, وتبوء بعض المناصب وإقامة الاحتفالات الدينية الخاصة مثل يوم الغدير ويوم عاشوراء الذي تسعى بعض الرموز الشيعية الكويتية، ومنهم خمسة نواب في البرلمان الكويتي (يمثلون 10% من عدد نواب البرلمان) إلى جعله يوم عطلة رسمية.<BR><BR>كلتا الكرتين تعد تحدياً للمنظومة الحاكمة القادمة ترغب معها أسرة الصباح أن تندمل جميع خلافات الأسرة قبل أن تفتح هذه الملفات فجأة لاسيما بعدما تواردت أنباء استخبارية تعزز مخاوف الأسرة وتحدثت منذ شهور عن اتصالات تجريها بعض فئام الشيعة والبدون مع شباب في أسرة الصباح بغية تغيير الثوابت الحاكمة في الكويت للوصول إلى صيغة تتحقق معها أحلام الطائفة الشيعية وتنال فيها قطاعات البدون الجنسية الكويتية بما يغير التركيبة السكانية للبلاد.<BR><BR>والخارج بدوره مفعم بالتغيرات التي ضاعفت من ثقل ضغوطها على مرحلة ما بعد الأمير الراحل, بعد عامين من زوال حكم صدام حسين الذي جعل ذهابه من سدة الحكم في العراق ـ برغم عدائها الشديد معه ـ مؤذناً بغد تخشى فيه الدوائر الكويتية من استفراد الإيرانيين بالدولة العربية الصغيرة, خصوصاً وأن أحلام فارس الكبرى لم تعد خيالاً بعيداً بعدما صار الجنوب العراقي شبه إقليم فارسي, ما يفتح شهية الأقلية في الكويت للعب دور أكبر مما تلعبه الآن, لاسيما وأنها قد بدأت تذيع على نطاق واسع أن نسبتها في الكويت تبلغ ثلث تعداد سكانها!! وهو ذات السيناريو المعمول به في كل دول الخليج وصدقه ما جرى في العراق إثر الغزو الأمريكي له. <BR><BR>وفيما يتدفق النفط بسعره الجديد من حقول الكويت, والطريق ممهدة أكثر من أي وقت مضى للتدخل من أكثر من جهة؛ تبدو التحديات تتوالى على منظومة الحكم الكويتية الجديدة التي باتت مدعوة شعبياً وبرلمانياً وإقليمياً لإغلاق أي ثغرة يمكن أن ينفذ منها الراغبون. <BR><BR><br>