خطط لتقسيم تركيا
13 ذو الحجه 1426

الزيارة المريبة التي قام بها (رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية) روبرت ميلور، وبعده (رئيس المخابرات الأمريكية) بورتر غوث إلى أنقرة تؤكد بأن الإدارة الأمريكية ضغطت أخيرا على زناد تنفيذ خطة تقسيم تركيا من خلال إنشاء دولة كردية في شمال العراق تبتلع معها جنوب شرق البلاد، ورغم أن اقتحام رؤساء المخابرات الأمريكية المفاجئ لأنقرة لقي أصداء مختلفة في الصحف التركية العلمانية التي بدأ أغلبها يشيع أجواء كاذبة من التفاؤل من أن (الحليفة أمريكا قررت التحرك مع تركيا أخيرا لتصفية المنظمة الانفصالية) إلا أنه تبين فيما بعد بأن الخطة الأساسية تقوم على تبليغ أنقرة بالتعليمات الأخيرة المتعلقة بإنشاء الفيدرالية الكردية بشمال العراق..<BR><BR>لقد نشرت مجلة "أيدنليك" التركية في عددها الأسبوعي الأخير خبرا كشفت فيه أسارير الكواليس السياسية تحت ادعاء بأن اليد الأمريكية نجحت في الوصول إلى (زعيم حزب الحركة القومية التركي) دولت باهشلي، و(رئيس المخابرات السابق) شنغال أتاسغون وأقنعتهما بضرورة إقامة فيدرالية كردية في جنوب شرقها، كما كشفت المجلة أن (رئيس الاستخبارات السابق) شنغال أتاسغون قام قبل مدة قصيرة من تقديم استقالته بزيارة "وداع" إلى زعيم حزب الحركة القومية دولت باهشلي.. <BR>في الواقع؛ زيارة أتاسغون "الوداعية" لباهشلي لم تكن لتثير الاهتمام كثيرا وكانت ستبدو عادية بالفعل لولا تواصلها أيضا عقب استقالته من جهاز المخابرات، وعلى هذا الأساس انطلقنا لنبحث عن خلفية هذه الزيارات فتوصلنا إلى أول معلومة من زعيم أحد الأحزاب السياسية في البرلمان الذي قال :"نعم، نحن أيضا على علم بهذه الزيارات حتى أن أتاسغون مرابط في مقر الحزب منذ شهرين تقريبا لرغبته في أن يصبح نائبا".. إلا أن المجلة نفسها أكدت نقلا عن مصادر وثيقة أن مرابطة أتاسغون في مقر حزب الحركة القومية ليس نابعا من حماسه في أن يصبح نائبا بل هو يتحرك في إطار الدور المفصل له في خطة تقسيم تركيا إلى فيدرالية.. <BR><BR>ديار بكر لؤلؤة مشروع الشرق الأوسط الكبير<BR><BR>(رئيس الوزراء) رجب طيب إردوغان قال أثناء محاورته في برنامج سياسي: "إن الولايات المتحدة تريد أن تجعل من مدينة ديار بكر لؤلؤة مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا". ولقد لاحظنا أنه ما أن صدر منه هذا التصريح منه حتى تلقفته كل وسائل الإعلام لتبدأ بتلميع صورة دولت باهشلي مباشرة مع أنه كان ينطق كلاما فارغا من المضمون كعادته إلا أن الإعلام نسي مهمته الأساسية وبدأ يصفق له.. وقبل أسابيع بدأت تتضح الصورة أكثر مع أحداث شمدينلي التي طفت على الواجهة حين حمل عشرات الآلاف من الأكراد راية الفيدرالية ومن ثم تبين أن (رئيس المخابرات الحالي) إمرا تانر أجرى لقاء سريا هاما مع مسعود البارازاني لكن الأهم من ذلك هو اللقاء الذي أجراه مع الزعيم الكردي الانفصالي عبد الله أوجلان المسجون في جزيرة إمرالي.. وبذلك، فإن تركيا كانت تمضي شيئا فشيئا في طريق الأشواك المؤدي إلى الفيدرالية يدعمها في ذلك النقاشات التي فجرها رجب طيب إردوغان عن الهوية التركية الأساسية والتي كانت تمهد الأرضية التحتية للفيدرالية.. علاوة على ذلك تأتي تصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش التي وصف فيها البارزاني "بالرئيس" في الوقت الذي اقترب فيه موعد تقاعد (رئيس هيئة الأركان) حلمي أوزكوك. <BR>أما الزيارة التي قام بها قائد القوات البرية التركي الجنرال يشار بيوكانيت إلى واشنطن بالتزامن مع هذه الأحداث المهمة قد تركت وراءها أسئلة مهمة حول ما إذا كانت "صدفة أو متعمدة". وهل يا ترى أن هناك محاولة لإشراكه في خطة تقسيم تركيا وإقامة فيدرالية كردية؟.. الجنرال يشار بيوكانيت أكد في تصريح له بأنه (لم يكن على علم مسبق بتزامن زيارته مع زيارة المخابرات الأمريكية لتركيا وبأنه لم يذهب إلى الولايات المتحدة ليأخذ منها إجازة بل هو يأخذ إجازته فقط من أتاتورك والشعب التركي).. لكن ما لاحظناه هو الحملة الإعلامية الكبيرة ضد الجنرال يشار بيوكانيت قبل زيارته لواشنطن، والتي كانت تهدف بمجملها إلى شن حرب نفسية عليه لإحباط معنوياته ومن ثم ترويضه تحت تهديد احتمال تمديد مدة رئاسة أركان القائد الحالي حلمي أوزكوك لعام أخر وبالتالي سد طريق الرئاسة أمامه.. <BR>اللافت للنظر بأن هذه الحرب النفسية كان مصدرها القوميين الذين أشاعوا هذه الأنباء مما يثبت بأنه تم توزيع الأدوار على هؤلاء القوميين المزيفين لتنفيذ الخطة. <BR><BR>فيدرالية تقسيم تركيا<BR>قد يتساءل القارئ عن أي "فيدرالية" نتحدث هنا!!.. فنقول بأنها فيدرالية تقسيم تركيا. فكما تعلمون بأن العراق أصبح فيدراليا منذ زمن طويل لكن اليوم قد حان دور فصل دولة "إسرائيل" الثانية في شماله عن العراق. بمعنى آخر، لقد وصلت تركيا اليوم إلى الطريق المسدود الذي طالما حذر منه الخبراء الاستراتيجيين من أنها مهددة بخطط أمريكية "إسرائيلية" لسلب إقليم ديار بكر منها وتسليمه إلى الأكراد.. <BR>خطة الولايات المتحدة بإقامة "الفيدرالية" في تركيا مثلها مثل الخطط الأمريكية الباقية أما نسبة نجاحها فتبقى محل نقاش لأنها ستصطدم بالمعارضة القوية للشعب التركي دون شك لهذا وعند هذه النقطة بالذات يبرز الدور الخاص للثنائي باهشلي-أتاسغون اللذين يبدوان في الواجهة معاديين لأمريكا لكنهما في المضمون متعاونان معها.. وتقول المجلة التركية بأن دولت باهشلي هو في الصورة زعيم لحزب قومي متعصب يبدو من أكثر المعادين للمنظمة الانفصالية بل وفي بعض الأحيان للأكراد أيضا.. لكن إذا عدنا بالذاكرة إلى ملف إعدام عبد الله أوجلان الذي تم تحويله إلى باهشلي عندما كان نائبا لرئيس الوزراء نرى بأنه هو الذي رفض التوقيع عليه وبالتالي تم إنقاذ أوجلان من حبل المشنقة!!. وهكذا نرى بأن أمريكا نجحت في إبطال مفعول القوى التي من الممكن أن تعارضها في المستقبل. <BR>واليوم هي بدأت تمهد لمسألة الفيدرالية علنا بعد أن حضرت المناخ المواتي لها لذا فهل هناك أفضل من القوميين المزيفين ليكونوا شركاء لها.. حزب العدالة والتنمية قام بدوره لكن الاستمرار الأمريكي معه أصبح صعبا لأن هذا الحزب يفتقر سلطة السيطرة على الجيش لهذا هي تفتش عن سلطة جديدة تكون قادرة على كسر معارضة القوميين من جهة بينما تظهر في موقع الحكومة العلمانية لمراضاة الجيش وجره إلى فخ الفيدرالية.<BR>كما تعلمون بأن أنباء التفكك الذي حصل بين إدارة بوش وحكومة إردوغان بدأت تأخذ مكانها في كل الصحف التركية بكثرة مقابل تلميع صورة القوميين وارتفاع أصواتهم الشعبية. وفي ضوء هذا التطور، فإن الولايات المتحدة ستحاول ركوب ظهر القوميين لتحقيق هدفها. <BR>وتقول مجلة "أيدينلي" نقلا عن مصادر موثوقة " بأن رئيسي الـ"أف بي أي" والـ"سي أي إيه" جلبا معهما ملفا يتحدث عن "مراقبة القوى الوطنية، وسبل إبطال مفعولها" وهنا يبرز بأن أمريكا ستدعم دور باهشلي الذي يخضع لمراقبتها حاليا بينما ستبطل مفعول القوى الوطنية الأخرى التي تعارضها مثل "حزب العمل" وهو اشتراكي ثوري..وكما تعلمون بأن المخابرات الأمريكية متفننة في أساليب إبطال مفعول القوى المعارضة للولايات المتحدة. <BR>الجدير بالذكر أن مجموعات شركات كوتش وصابانجي الضخمتين يوكلان شركة سرية بمهمة إجراء استطلاعات عامة كل أربعة أشهر لمعرفة الأحزاب الصاعدة في تركيا. والنتيجة التي تم التوصل إليها في الاستطلاعات الأخيرة التي أجريت في أغسطس الماضي أزعجت الولايات المتحدة بل وأثارت قلقها حينما علمت أن أصوات حزب العمل تجاوزت الخمسة بالمئة من مجموع عشرة بالمئة من حاجز نسبة الانتخابات مما يعني أن هناك صعودا لافتا له وبما أن ارتفاع أصوات هذا الحزب المعروف بمعارضته الشديدة للفيدرالية يمكن أن ينسف خططها فإنها وجهت اهتماماتها حاليا لإبطال مفعوله وتقسيمه.<BR>حسنا، وكيف سيتمكنون من إقناع الشعب التركي بالفيدرالية؟؟. طبعا لن يقدم أحد الفيدرالية على أنها تقسيم لأرض تركيا وتجزيئها بل سيحاول تلميعها بشتى الطرق.. فكما نذكر بأنه عندما تم تسليم عبد الله أوجلان السلطات التركية تم إعلان ذلك اليوم على أنه يوم "النصر" للأتراك تحت اعتقاد بأن المنظمة الانفصالية ستنتهي وتتشتت مع إعدام زعيمها لكن ماذا حصل فيما بعد؟ لا شيء.. <BR>لا شك أن المخابرات الأمريكية لديها خطط مشابهة للفيدرالية أيضا ولا بد وأننا سنسمع في الأيام القادمة الكثير من هذه الحملات الدعائية النفسية سيما أن أول حملة قامت بها بالفعل في شمدينلي والتي جردت فيها تركيا كليا من سلاح المقاومة ولم تترك أمامها أي حل آخر لمكافحة "الإرهاب". ويبقى القول؛ بأن إعلان فيدرالية كردية في تركيا سوف يبلور خريطة الأعوام الخمسين القادمة في الشرق الأوسط وطبعا بدعم من أمريكا و"إسرائيل".<BR><BR><br>