دور الدوائر الرسمية الأمريكية في قصف العقول وتوزيع الدولارات
11 ذو الحجه 1426

تعد جبهة الحرب الإعلامية من اسخن الجبهات التي تقود الولايات المتّحدة فيها معارك ضارية تشحذ فيها كل إمكانياتها المالية و السياسية للفوز بها . و الحجّة في ذلك هو ضرب "الإرهاب" فكريا و إعلاميا , لكنّ الغاية الحقيقية هي تشويه الحقائق و طمسها و تغيير الوقائع و قلب الحكايات و الروايات و ابتزاز الآخرين و محو ذاكرتهم الحضارية و الفكرية و تشويه سمعتهم وحشرهم بالزاوية و قصف عقولهم بالمعلومات الكاذبة و المصطنعة و بسيل من الأفلام السياسية و السيناريوهات الهوليودية.<BR>منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 و الدوائر الأمريكية الرسمية و غير الرسمية تولي مهمّة الدعاية والبروبجندا الموجهّة أهمية أكبر ممّا كانت عليه سابقا لديها, و لا شكّ أنّ هذا الاهتمام تمخّض في شكل حملات إعلامية و إصدارات و نشرات صحفية و تلفزيونية و دراسات عن مراكز أبحاث تصبّ كلّها في هذه الغاية.<BR>و لا شكّ أنّ هذا الاهتمام كان يحتاج إلى دعم وتمويل كبير خاصّة أنّ الحرب الإعلامية لا تقلّ أهمية عن الحرب العسكرية بل و نستطيع أن نقول: "إنّ الجبهة الإعلامية قد تكسبك الحرب حتى قبل خوضها عسكريا". و في هذا الإطار سنعرض لدور الدوائر الرسمية الأمريكية في هذه الحرب الإعلامية القذرة في قصف العقول وكسب القلوب و توزيع الدولارات.<BR><BR>&#61558; دور البنتاجون: بربرية عسكرية, و لكن تزييف و قصف إعلامي أيضا!!<BR>المعروف أن وزارة الدفاع الأمريكية (التي سميت خطأ بهذا الاسم الذي يجب استبداله بـ"وزارة الاعتداء و الاستعمار الخارجي") تهتم بالشؤون العسكرية و هذا أمر طبيعي في أي بلد في العالم. لكن أن تكن مسؤولة عن قطاعات إعلامية واسعة تعمل على التزييف و قصف العقول و تقديم الرشى للكتّاب و الصحفيين و تمرير البروبجندا المختلفة الألوان عبرها فهذا هو غير الطبيعي, وفي بلد يوصف بالديمقراطي أيضا!! و في هذا الإطار نتحدّث عن دور البنتاغجون الأسود في هذا المجال من خلال ما يلي:<BR><BR>أولا: البنتاجون يرصد 400 مليون دولار لبرنامج غسيل الدماغ الإعلامي<BR><BR>نستطيع تلمّس مسار تزييف وزارة الدفاع الأمريكية للحقائق و تركيزها على الدعاية لغسل عقول الآخرين من خلال ما نقلته صحيفة (يو إس أيه توداي) الأميركية في عددها الصادر بداية شهر ديسمبر من أنّ وزارة الدفاع تشن حربا تتكلف 400 مليون دولار لتحسين صورة واشنطن، وتتضمن هذه الحرب وضع رسائل مؤيدة للولايات المتحدة بوسائل الإعلام الأجنبية دون الكشف أن الحكومة الأميركية هي مصدر الرسائل!! و كشفت الصحيفة عن تعاقد البنتاجون شركات ثلاث تدير هذه الحملة، منها شركة لنكولن جروب . وبحسب "مايك فورلونج" نائب مدير جهاز دعم العمليات النفسية المشارك بالحملة أنّ الجيش لن يكشف دوما عن دوره بتوزيع الرسائل المؤيدة للولايات المتحدة!!<BR>و أشارت الصحيفة إلى تقرير يقول إن الحملة التي يديرها خبراء بالحرب النفسية في قيادة العمليات الأميركية الخاصة، ستشمل كافة أنحاء العالم بما في ذلك الدول الحليفة والدول التي لا تخوض معها واشنطن نزاعا عسكريا!! فعن أي إعلام أمريكي منصف يتحدّثون؟! و أي ديمقراطية يصفون؟<BR><BR>ثانيا: فضيحة الصحف العراقية و ما خفي كان أعظم<BR><BR>يبدو أن التطبيق العملي للقرار الذي ورد في البند الأول قد تمّ تطبيقه بشكل سريع, فقد اكتشفت فضيحة تقديم أمريكا و وزارة الدفاع الأمريكية تحديدا أموالا طائلة في العراق مقابل كتابة و نشر مقالات و تقارير تشيد بالاحتلال الأمريكي و جنوده.<BR>و قد انتشرت هذه الفضيحة عندما كشفت صحيفة "لوس انجليس تايمز" هذا الشهر عن قيام وزارة الدفاع الأمريكية بتقديم مكافآت مالية سرية لصحف عراقية لنشر مقالات كتبها عسكريون أميركيون و ترجمتها فيما بعد إلى اللغة العربية بمشاركة شركة "لينكولن جروب" الأميركية للعلاقات العامة على أن تقدم هذه المقالات على أنها لصحافيين مستقلين، وتشيد خصوصا بعمل الأميركيين والعراقيين على الأرض لإعادة إعمار العراق و إدانة عمليات المقاومة و تشويه صورتها.<BR>و قد كشفت المجموعة الإعلامية الأميركية "نايت ريدر" في وقت لاحق أن الجيش الأميركي دفع أيضا لصحافيين عراقيين مبالغ تبلغ نحو مائتي دولار ليكتبوا مقالات تشيد بقوات الاحتلال <BR>و دفع أيضا إلى أعضاء في نادي الصحافة في بغداد وهو منظمة أقامها ضباط أميركيون منذ أكثر من عام و تتّخذ من مطار بغداد الدولي مقرّا لها.<BR>و يبدو أن الولايات المتّحدة تخسر حربها الإعلامية خاصّة مع تنظيم القاعدة، و هذا ما يفسّر دفاع الجيش الأمريكي عن هذه الرشاوى بالقول: "نحن نفعل ذلك من أجل تطويق "الأكاذيب" التي ينشرها تنظيم القاعدة في العراق و العالم"!!.<BR>لا بل إن المتحدّث باسم الجيش الأمريكي الجنرال ريك لينش قال بشكل مضحك "نحن لا نكذب ولا نحتاج إلى الكذب بل نسمح لقادتنا على الأرض بان يكونوا قادرين على نقل المعلومات إلى الرأي العام العراقي"!! بعد كل هذه الأكاذيب التاريخية التي يجب علينا إصدار موسوعة بشأنها لعلّها تسمى "موسوعة أكبر الأكاذيب الأمريكية الشاملة", يقول لينش: إنهم لا يكذبون!! إذن لماذا يستأجرون المرتزقة من الصحفيين من جنودهم لا و بل من المستعربين و المستعرقين "نسبة إلى العراقي" لمدح الاحتلال و تشويه صورة المقاومة؟<BR> على العموم و بدلا من أن تعترف وزارة الدفاع بما تفعله من نفاق و أكاذيب تتنافى حتى مع أبسط القواعد الموضوعية و الأخلاقية و المهنية الصحافيّة, قامت وزارة الدفاع بالدفاع عن هذه التصرفات تحت حجّة محاربة "الإرهاب", و رفض (المتحدث باسم البيت الأبيض) سكوت ماكليلان التعليق على الفضيحة مكتفيا بالقول: "الولايات المتحدة رائدة في الدفاع عن حرية الصحافة واستقلالها في العالم وسنستمر في ذلك"!! و يذكرني هذا المشهد بالذين صدّعوا رؤوسنا بقضية الكوبونات النفطية التي ادّعوا أن العراق كان يقدّمها للصحفيين, و لعلّ أمريكا تفضّل "الكاش" على "الكوبونات"!!<BR><BR>&#61558; دور وزارة الخارجية: تحسين لصورة أمريكا أم تزييف لوعي الآخرين؟<BR>دخلت وزارة الخارجية على خط التنافس المحموم الذي تتسابق فيه الدوائر الرسمية الأمريكية في مجال البروبجندا الموجّهة و الأكاذيب. و للأمانّة فانّ وزارة الخارجية الأمريكية كانت السبّاقة في هذا المجال و الرائدة له, فيما قامت الوزارات الأخرى باتّباع أسلوبها و نمطها في العمل. و على العموم نرصد عّدة محطات مهمة في دور وزارة الخارجية الرخيص.<BR><BR>أولا: إنشاء القوات الخاصّة المعلوماتيّة<BR>بعد أن أدركت أمريكا شراسة المعركة الإعلامية مع المقاومة العراقية و غيرها من التنظيمات الإسلامية و الأحزاب المعارضين للنهج الأمريكي , و تيقّنت من إمكانية وقوعها في الهزيمة المحتّمة, سارعت الخارجية الأمريكية إلى إنشاء "قوّات خاصّة معلوماتيّة" بعد أن قامت الإدارة الأمريكية و بشخص جورج بوش بتعيين كارين هيوز (المستشارة المؤتمنة للرئيس الأميركي جورج بوش التي طالما ساعدت في رسم صورة إيجابية لسياسته عبر النفاق و التشويه) في منصب مساعدة لوزيرة الخارجية مكلفة بـ"الدبلوماسية العامة". و هدف هذه القوات الخاصّة المعلوماتية كما ذكرت كارين هيوز هو "مراقبة وسائل الإعلام ومساعدة واشنطن في الوصول إلى تعامل سريع مع الإشاعات والمعلومات التي تفتقد الدقة وخطابات الكراهية و استغلال الفرص التي تتيحها التكنولوجيا و خاصة الانترنت في نشر المعلومات من خلال غرف الدردشة على الانترنت وصور الفيديو الرقمية وحتى الرسائل النصية عبر الهواتف النقالة, و ذلك لهزم الإرهابيين ليس فقط في ساحة المعركة لكن أيضا في ساحة الأفكار".<BR>و قامت هذه القوات الخاصّة بتكذيب العديد من التقارير التي نشرها عدد من المواقع الالكترونية الإسلامية و القوميّة إبان الحرب الأمريكية على الفلوجة, خاصّة تلك التقارير التي تتحدّث عن استخدام الأمريكيين للأسلحة الكيماوية. و أكثر من ذلك سارعت الخارجية إلى نشر ثلاث ردود على هذه المواقع و التقارير، وذلك على موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الانترنت واتّهمتهم فيها بالكذب و الخداع و التضليل و بأن تقاريرهم استندت إلى معلومات القاعدة والإرهابيين. ثمّ ظهر بعد كل هذا تقرير مصوّر في التلفزيون الايطالي يؤكّد استخدام الأمريكيين للأسلحة الكيماوية و الأسلحة المحظورة ضدّ المدنيين و حرق أكثر من ثلاث أرباع المدينة بمن فيها.<BR> و تقول وزارة الخارجية بعد هذا, نحن لا نكذب!!. إذا كانت هذه المواقع و غيرها من المواقع التي تنقل ما تسميه الخارجيّة الأمريكية "أكاذيب, و تضليلات" فلماذا تهتم بها هي لدرجة إصدار عدّة تقارير تشنّ من خلالها هجوما كاسحا عليها؟! ثمّ إذا كانت هذه المواقع تنشر "الأكاذيب" فما حاجة الولايات المتّحدة إلى إنشاء مركز خاص "للدبلوماسيّة العامّة" (و هو تعبير ملطّف بدلا من مركز ترويج الأكاذيب و غسيل الأدمغة و شراء الإعلام), و ما هي حاجة الولايات المتّحدة إلى إنشاء "قوات خاصّة معلوماتية"؟! ثمّ إذا كان لديها كل هذه الوسائل من الدعاية الإعلام المرئية والمسموعة و المكتوبة التي تقدر أن تؤثّر على عقول الناس فلماذا تهتم بعدّة مواقع على الانترنت من أصل ملايين المواقع الأجنبية ؟!!<BR><BR>ثانيا: إصدار المنشورات و المجلات الموجّهة لقصف العقول<BR>قامت وزارة الخارجية بإصدار توجيهات لإصدار مجلّة "هاي" لخدمة أهدافها الترويجية في العالم العربي والإسلامي, وقدمت المجلة لدى إصدارها في يوليو عام 2003 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بأشهر قليلة, بوصفها عنصرا أساسيا في "الدبلوماسية الحكومية" الأميركية لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم العربي. هذه المجلة الشهرية موجهة إلى الشباب بين سن 18 و35 سنة ويتم توزيع 55 ألف نسخة منها في 18 بلدا وتبلغ كلفتها 4.5 ملايين دولار سنويا. و بحسب وزارة الخارجية, فانه يتم بيع 2500 نسخة من المجلة أما الباقي فيوزع مجانا. <BR>و قد فشلت هذه المجلّة فشلا ذريعا في مهمّتها كما فشلت الأدوات الأمريكية الأخرى من إذاعات و محطّات فضائية مؤمركة تمّ افتتاحها بنفس الغرض في وقت سابق. فقد أعلنت الإدارة الأميركية الشهر الفائت تعليق إصدارها , حيث لم تتعد مبيعاتها 2500 نسخة من اصل 55 ألف نسخة يتم طبعها.<BR><BR>ثالثا: تدجين الصحفيين عبر الدورات الخاصّة بحجّة الترويج للديمقراطية<BR> <BR>أعلنت (وزيرة الخارجية الأمريكية) كونداليزا رايس في منتصف شهر ديسمبر 2005 عن إطلاق برنامج لتدريب الصحفيين الأجانب في الولايات المتحدة على كيفية "توصيل رسالة الديمقراطية" إلى بلادهم.<BR>وقالت رايس في بيان لها نشره موقع الخارجية الأمريكية: "يسعدني أن أعلن عن برنامج مبتكر لوزارة الخارجية بتبادل الصحفيين الدوليين, وهذا البرنامج هو برنامج شراكة وتعاون بين الإدارة الأمريكية والإعلام, و سيبدأ في إبريل المقبل و سيتبناه مكتب الشئون الثقافية والتعليمية بوزارة الخارجية بالتعاون مع 7 جامعات أمريكية منها معهد أسبن الرائد.<BR>وأفادت وزيرة الخارجية بأن البرنامج سيشمل حلقات دراسية أكاديمية تعقدها الجهات المشاركة حول القواعد الصحفية، مع إتاحة الفرصة للصحفيين الدوليين بمراقبة عمل الصحافة الأمريكية على الطبيعة, و قالت: "إن تلك الجهات ستعمل سويًّا على تنمية المهارات الصحفية حول العالم". <BR>و إذا ما ربطنا هذا الكلام بما قيل في بداية المقال و بما حصل من شراء لأقلام صحفية و رشوة لصحفيين و دعوة لمرتزقة إعلامية, ندرك أن هذا البرنامج المزعوم هو بمثابة المصنع الذي ينتج خامات عربية مدجّنة و مؤمركة يكون شغلها الشاغل الترويج لأمريكا و تشويه كافة صور المقاومة الثقافية و الحضارية و الإعلامية و العسكرية.<BR>و ما نقلناه هنا ليس إلا جزء صغير جدا من جزء ظاهر من الحقيقة و الفضائح الأمريكية, و ما خفي كان أعظم.<BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><BR><br>