حماس.. رحلة المقاومة نحو النجاح السياسي
23 ذو القعدة 1426

تتزامن ذكرى انطلاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الثامنة عشر مع تحقيقها تقدماً كبيراً في المجالس البلدية بكل من المدن الفلسطينية الأربع التي جرت فيها الجولة الرابعة للانتخابات البلدية، وهي نابلس والبيرة وجنين ورام الله، إضافة إلى نجاحات في بلديات أخرى بالقرى والبلدات. <BR>فقد عززت حركة حماس مكاسبها في انتخابات مجالس البلدية الفلسطينية على حساب حركة فتح حيث حصدت حماس 13 مقعداً من بين 15 مقعداً في نابلس ثاني أكبر مدن الضفة الغربية، وفي جنين فازت بتسعة مقاعد فيما فاز تحالف حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بستة مقاعد فقط، كما حققت الحركة نصراً كبيراً في مدينة البيرة القريبة من رام الله، حيث حصلت على تسعة مقاعد مقابل أربعة لفتح في حين فاز بالمقعدين المتبقيين المستقلون الذين تقودهم الجبهة الشعبية.<BR>وفي رام الله المحور الاقتصادي والسياسي الفلسطيني ومقر قيادة السلطة الفلسطينية لم ينجح التحالف الذي تقوده فتح إلا في الارتباط بتحالف تقوده الجبهة الشعبية واستطاع كلاهما معا الفوز بستة مقاعد من بين مقاعد المجلس الخمسة عشر فيما فازت حماس بثلاثة مقاعد. وكانت حماس قد أبلت بلاء حسناً في ثلاث جولات سابقة من الانتخابات.<BR><BR>من الواضح أن حماس قد حققت نتائج جيدة في مواجهة حركة فتح، وخصوصاً في البلديات الكبيرة، وبهذا يزداد انخراط حماس في الحياة السياسية بصورة لافتة بمشاركتها بمثل هذه الانتخابات.<BR>وبدا أن حركة حماس استفادت من الانقسامات داخل حركة فتح وعززت موقفها بشكل كبير قبل انتخابات المجلس التشريعي المزمع أجراؤها في يناير، والمتابع للشأن الفلسطيني سيلاحظ ببساطة ازدياد التأييد لحركة حماس على حساب حركة فتح التي وجه لها الفلسطينيون اتهامات بالفساد وعدم الكفاءة والتي تسعي الآن لمداواة انقسام بين الحرس القديم والأعضاء الأصغر سنا، وقد يعزز الانقسام داخلها من فرص حركة حماس بشكل كبير في أول انتخابات تشريعية تشارك فيها.<BR>الحقيقة التي تؤكدها هذه الحصيلة على أرض الواقع هي أن حركة حماس باتت فاعلاً سياسياً حقيقياً على الساحة الفلسطينية ينافس فتح بشراسة، فحماس تملك من الأدوات الدعائية والتنظيمية ما يؤهلها لمزيد من ارتفاع شعبيتها والمحافظة عليها بالقدر الذي ربما يحدث ما يشبه الهزة في الانتخابات التشريعية لصالحها تكتسبت معها زخماً شعبياً تصويتياً كبيراً في الضفة الغربية وقطاع غزة.<BR>وتدرك حماس أن تحقيقها لإنجازات إيجابية كبيرة في الانتخابات يعني ضمنيا امتلاكها أوراق ضغط وتأثير على عملية صنع القرار في مؤسسات السلطة الفلسطينية وهو ما أكده (القيادي في حركة حماس) سعيد صيام، الذي قال: إن حركته مهتمة بالانضمام إلى الحكومة الفلسطينية بعد الانتخابات التشريعية، وأضاف إن الحركة تعتقد أن الدخول إلى الحكومة سيساعدها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي وإنهاء ظاهرة الفساد. وقال صيام: إن حركة حماس مهتمة بالإمساك ببعض فروع الأمن الفلسطيني، التي وصفها بأنها إحدى بؤر الفساد، وهدف في برنامج الإصلاح للحركة.<BR><BR><font color="#0000ff">أسباب النجاح:</font><BR>تعود أسباب نجاح حركة حماس إلى قدرتها على تقديم خطاب إسلامي معتدل يجد صداه الواسع لدى الجماهير، يدعمه الديناميكية العالية التي تتميز بها الحركة، والتي مكنتها من التفاعل والتكيف السريع مع الأحداث والتطورات المختلفة، فرغم تعددت المرات التي أعلنت فيها السلطات الإسرائيلية الحرب الشاملة على حماس، أو القضاء على كتائب القسام، ما تلبث حماس أن تنهض من جديد أقوى شوكة وأوسع انتشاراً.<BR>متانة التماسك الداخلي والانضباط التنظيمي في الحركة أبعد عنها خطر الانشقاق أو الانقسام الذي تعاني منه الفصائل الأخرى، وخصوصاً حركة فتح، وقد ساعد على ذلك تمتعها ببنية مؤسسية "شوريّة" فاعلة. كما تمكنت طوال المدة الماضية من الالتصاق بالشعب الفلسطيني وحمل همومه وقضاياه، وكانت أكثر الجهات فاعلية في مجالات العمل الخيري والتطوعي والتكافل الاجتماعي، بحيث صارت جزءاً من نسيج الشعب الفلسطيني ومكوناته مما جعل من الصعوبة بمكان محاصرتها.<BR><BR>من جهة أخرى لم تتحمل حماس أوزار الاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية المتعددة وما حملته من خيبة للآمال، ولم تضع على عاتقها المسؤولية الرسمية لإدارة السياسة العامة الفلسطينية مما جعل اللّوم يقع في حالات الضعف والتقصير على السلطة الفلسطينية وحركة فتح الذي يدعمها، زاد عليها روائح الفساد والابتزاز والصفقات المشبوهة التي طالت العديد من شخصيات السلطة، في حين حافظت حماس على صفحتها البيضاء.<BR>ثم إن حماس برزت في الإطار العسكري وقدمت أعداداً كبيرة من الشهداء وعلى رأسهم قادتها، كما أنها أكبر حركة فلسطينية يعاني أفرادها من الأسر في سجون الاحتلال. وعلى ذلك فقد حققت حماس شرعية وريادة في المقاومة مما أكسبها احترام الجميع في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي.<BR><BR>وحماس وهي تتقدم في جنيها ثمار ما زرعت، تواجه واقعياً ثلاثة خيارات إزاء تعاطيها مع منظمة التحرير وحركة فتح هي إما الانضواء تحت راية المنظمة والعمل من داخلها ومحاولة السيطرة عليها وتوجيهها بما يتواءم مع برنامجها على ما في ذلك من صعوبات بالغة, وإما العمل من خارجها وتحديها على جبهة التمثيل الفلسطيني وإعلان نفسها بديلاً عنها, وإما اختيار حل وسط بحيث تعمل من خارجها لكن من دون الإعلان عن أنها بديل عن المنظمة, وهو الذي تبنته حماس، لكن هذا الخيار فهم من المنظمة ومن السلطة الفلسطينية وحركة فتح على أنه تحد لشرعيتها وقاد إلى توتر دائم في العلاقة بين الطرفين.<BR><BR><font color="#0000ff">ذرائع واهية:</font><BR>أمام هذا التقدم للحركة قدم الاحتلال الإسرائيلي حج وذرائع واهية تسانده في ذلك الإدارة الأمريكية بزعمها إنه لا يجوز السماح بمشاركة تنظيم يتبنى "العنف والإرهاب" في إشارة للمقاومة ضد الاحتلال، فما الذي يدفع تصعيد دولة الاحتلال من لهجتها وإقدامها على عدوانها ضد قطاع غزة عموما وحركة حماس على وجه الخصوص بعد النجاح الذي أنجزته في الانتخابات البلدية.<BR>لقد أثار ذلك قلق إسرائيل، إذ إن حماس تعارض إجراء مفاوضات مع الدولة اليهودية وكانت في طليعة المواجهة خلال الانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ خمسة أعوام رغم أنها التزمت إلى حد كبير بهدنة أعلنت قبل عشرة أشهر. وهي تعتقد أن سيطرت حركة حماس علي الساحة السياسية الفلسطينية فسيعني هذا نهاية عملية السلام.<BR><BR>(إسرائيل) تعد أن على حماس أن تختار بين أن تصبح حزباً سياسياً أو تبقى منظمة إرهابية، فهي لا يمكنها أن تكون الاثنين معا. وتزيد من تعنتها وترويج الادعاءات بوصف مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية المقبلة ليست سوى محاولة تقوم بها منظمة إرهابية إسلامية لتسحب البساط من تحت أقدام الفلسطينيين المعتدلين الراغبين في التعايش مع إسرائيل، وإنهم يستغلون الديموقراطية للترويج للإرهاب والعنف كأدوات سياسية.<BR>هذه الأقاويل هي ذات المطلب الذي يردده الأوروبيون والأمريكيون. فهي تأتي لتندرج وتصب في سياق تصريحات (وزيرة الخارجية الأمريكية) كونداليزا رايس، التي قالت: إنه من غير الممكن على حركة حماس أن تجمع بين العمل السياسي وحمل السلاح، فأتبعت دولة الاحتلال تصريحاتها بحرب نظامية ضد حماس وما زالت، وعمدت إلى شن حملة دعائية وعدوانية وفرض أسلوب التصعيد على الفلسطينيين وللحد من اندفاع حركة حماس في الشارع الفلسطيني.<BR> أضف إلى ذلك أن مختلف فئات المجتمع الفلسطيني تبدي تقبلاً وتفهماً لرؤية حركة حماس بالمقارنة مع ظاهرة الفساد المحسوبية اللصيقة بمؤسسات وشخصيات السلطة الفلسطينية، وهذا سيضع العراقيل أمام أي تصرف غير محسوب للمس بالحركة أمنياً والتعرض لقادتها سواء من جانب إسرائيل أو من جانب التنظيمات الأمنية الفلسطينية. <BR><BR><font color="#0000ff">الحجر على المشاركة الديمقراطية:</font><BR>وقد التحق الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة في الحجر على المشاركة الديمقراطية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ديمقراطياً في الانتخابات، ملوّحة بقطع المساعدات الأوروبية للسلطة إذا فازت، تحت ذريعة إنه لا يمكن للفصائل الفلسطينية الجمع بين المشاركة في العملية الديمقراطية واستمرارها في حمل السلاح والاحتفاظ بميليشيات مسلحة، وهو ما يظهر حقيقة المعادلة التي ترسيها أوروبا وأمريكا في إرساء الديمقراطية والحريات التي يصرخون بها عشية وضحاها في العراق وغيرها وهي أن تسير طواعية وفق المصلحة السياسية.<BR>خافيير سولانا (منسق السياسات الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي)، الذي زار الأراضي الفلسطينية المحتلة الأسبوع الماضي ألقى بكل ثقله على السلطة الفلسطينية وحشرها في زاوية الخيار الصعب بين الشرعية السياسية للدولة الفلسطينية التي لا يُعرف ماهيتها والإعانة المالية التي شكلت طوقا في رقبتها وأطلق شروطه بقوله أنه لا يجوز بعد تنظيم الانتخابات وبعد قيام الدولة الفلسطينية أن تستمر الفصائل في حمل السلاح، وهدد بأن الاتحاد الأوروبي قد يوقف المعونة إذا فازت حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطينية الشهر المقبل؛ لأنه سيكون من الصعب جداً مواصلة تقديم المساعدة بالأموال التي تذهب للسلطة الفلسطينية، وقالها سولانا صراحة بأن كل الفصائل الفلسطينية يجب أن تنبذ العنف وتعترف بإسرائيل، إذا أرادت أن تكون جزءاً من العملية السياسية.<BR><BR><font color="#0000ff">انشقاق غير مسبوق:</font><BR>في مقابل تقدم حماس تعرف حركة فتح نوعا من التخبط في صفوفها، فحركة فتح التي تمثل الحزب الحاكم في السلطة الفلسطينية، تشهد عمليات انشقاق عامودي غير مسبوقة في القيادة الرسمية، وانشقاق أفقي بينها وبين القاعدة الجماهيرية، فالقيادة الرسمية التي يتزعمها محمود عباس تقدمت بقائمة انتخابية وضعت على رأسها مروان البرغوثي، علاوة علي بعض أعضاء اللجنة المركزية، مثل محمود قريع (رئيس الوزراء)، وحكم بلعاوي (وزير الداخلية السابق)، وعلى الفور تقدمت مجموعة أخرى تضم كلا من محمد دحلان وجبريل الرجوب ونبيل عمرو وسمير المشهراوي وأحمد حلس بقائمة مضادة، ووضعت على رأسها أيضاً المناضل مروان البرغوثي، بعد أن فشلت كل الوساطات والتدخلات في إعادة توحيد الحركة خلف قائمة واحدة موحدة.<BR>وقد أعلن (وزير المالية الفلسطيني) سلام فياض تعليق مشاركة قائمة الطريق الثالث التي يرأسها وتضم النائبة حنان عشراوي في حملة الانتخابات التشريعية المقررة في 25 كانون الثاني/يناير بسبب الفلتان الأمني والأزمة التي تشهدها حركة فتح، كما أن الظروف الحالية والتطورات الأخيرة لا توفر أجواء ملائمة لإجراء هذه الانتخابات في ظروف جيدة.<BR><BR>ومن الواضح أن الانشقاق الأكبر هو بين قيادة حركة فتح والقاعدة الجماهيرية العريضة التي وجدت نفسها على الهامش بعد أن خلصت إلى قناعة أن مهاماتها ووظيفتها غدة محصورة في تقديم التضحية والشهداء والجرحى والأسرى، بينما تحصد وتجني القيادات العليا المتنفذة المناصب والامتيازات، وهذه القسمة غير العادلة بين رأس الهرم الفتحاوي وقاعدته جرت ترجمتها بصورة سافرة على شكل مظاهرات وأعمال اقتحام لمقار حركة فتح. <BR>وبقي أن نقول أن الخيارات تبدو محدودة أمام محمود عباس، ولذلك فان تأجيل الانتخابات تحت ذرائع متعددة، من بينها حالة الفوضى والانعدام الأمني يبدو واردا لا سيما مع وجود ضغوط من حركة فتح في هذا الاتجاه التي تفهم أن هذا يعزز الشعور في حركة فتح بخسارة الانتخابات وأن وجود الانقسام داخل الحركة يضعف موقفها التنافسي مع حركة حماس، فقد طالب عزام الأحمد، وهو أحد أعضاء المجلس التشريعي الحالي والقيادي في فتح بتأجيل الانتخابات بسبب العقدة المستعصية التي تواجه عملية السلام مع إسرائيل وحالة الفوضى التي تسببها الحركة والانقسام بين صفوفها. <BR>إلا أن تأجيل الانتخابات، يعني تأجيل الأزمة الحالية، وإطلاق العنان لأزمة اكبر تضاف إليها، لان هذا التأجيل يعني فقدان المصداقية للعملية السياسية وبالتالي التشكيك بشرعية السلطة المشرفة عليها في الوقت نفسه. الأمر الذي يعني سقوط كل والاتفاقات السابقة مع الفصائل، وخاصة اتفاق التهدئة.<BR>في نفس الوقت فإن تحقيق حماس لنتائج إيجابية في الانتخابية المحلية على أربعة مراحل يمكن وصفها بالكبيرة، وبالطبع دون التطرق إلى ما ستحققه في الانتخابات التشريعية مستقبلاً، سيعني فشل أسلوب القوة الضاربة الذي استخدمته دولة الاحتلال الإسرائيلي والذي بلغ ذروته بتصفية معظم قادة الحركة جسدياً وانكشاف التعاطف الخجل الذي يبديه بعض رموز السلطة لها.<BR>محاولة إبعاد حماس عن أي انتخابات تشريعية مستقبلاً وتحجيم تواجدها على الشارع الفلسطيني غاية تمحورت عليها الجهود الإسرائيلية والأمريكية وجاءت الآن المشاركة الأوروبية قائم على رفض الحركة والعمل على تحجيمها بكل الوسائل الممكنة، ولا نذيع سرا بالقول أن بعض رموز السلطة الفلسطينية أبدت خشيتها من النتائج التي قد تحققها الحركة فالتقت مدركة أو دونها مع مسار إسرائيل لكسر قوة حماس، حتى تحين فرصة مواتية، ولم تكن بعض القوى الإقليمية غائبة عن هذا الحدث.<BR><BR>ولا ننفي هنا حالة الضبابية التي تكتنف الموقف الرسمي الفلسطيني من مسألة مشاركة حركة حماس في الانتخابات وهو ما يتوجب أن ينتهي حفاظاً على العلاقات الفلسطينية الداخلية، وبالتالي التحديات التي تواجهها الحركة ستحتاج إلى قدر كبير من التوفيق وحسن الطالع كي يتم تجاوزها بأقل قدر من الخسائر والمعاناة، وأن تكون هناك تصورات واضحة حول إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وعملية صناعة القرار، وعملية تحقيق الوحدة الوطنية، والعمل مع فتح وباقي الفصائل وفق برنامج وطني شامل، وحلّ التشابك بين حق المقاومة وبين عملية البناء وبين برنامج السلطة. إنها اشهر صعبة وعلى درجة كبيرة من الأهمية ستعيد صياغة العملية السياسية الفلسطينية من جديد، وربما تصب في مصلحة التصعيد العسكري، وإشعال فتيل الانتفاضة مجدداً.<BR><BR><br>