الجزائر: حملة تغريبية اسمها "الإصلاحات" الديمقراطية!
25 ذو القعدة 1426

نشرت جريدة "لوريزون" الجزائرية خبراً خطيراً مفاده أن الحكومة على وشك المصادقة على قرار تجعل بموجبه يومي السبت والأحد نهاية الأسبوع في الجزائر بدل الخميس والجمعة المعمول بهما إلى هذه اللحظة، كما قالت: إن الصدمة التي سيثيرها القرار تبدو اليوم أقل حدة في الظروف السياسية الحالية التي أنتجتها المصادقة على قانون المصالحة الوطنية، والعفو المدني على حد سواء!.. والحال أنه لو بدا الخبر مثيراً للكثير من الجدال، إلا أن الغرابة فيه تكمن في أن مطلب تغيير يومي نهاية الأسبوع لم يكن مطلبا إصلاحيا بالمعنى الشعبي، بل كان مطلباً ضيق الأفق حملته حفنة من الأحزاب ذات البعد التغريبي الأكثر تطرفا من غيرها.<BR><BR>فقد شنت حركة العروش الأمازيغية الرافضة للمصالحة الوطنية والرافضة للإسلام السياسي في البلاد، شنت حملة إعلامية وسياسية في الداخل والخارج لأجل تسليط الضوء على أهم مطالبها المتمثلة في تغيير يومي نهاية الأسبوع وجعله على الطريقة المسيحية تماماً، وهو المطلب الذي اعتبرته العديد من الأحزاب السياسية الأخرى مطلبا ثانويا، لكن الواقع أثبت أن مطلب العروش لم يكن ثانوياً وأن الوعود التي أطلقتها الحكومة الجزائرية في إطار الإصلاحات السياسية والاجتماعية بدأت فعلاً عبر جملة من القرارات أولها كانت إلغاء مادة التربية الإسلامية من مرحلة البكالوريا في الجزائر، وصولا إلى قرار سوف يتم تطبيقه مع بداية السنة الميلادية القادمة 2006م، والذي قد يثير حالة من الصدمة والترويع في الأوساط الشعبية الجزائرية التي رفضت مثل هذا القرار قبل عشرة أعوام مضت.. <BR><BR><font color="#0000FF"> اللوبي الفرانكفوني المهيمن: </font><BR>نظريا، فإن القرار قابل للتطبيق وفق المتغيرات التي حدثت في الجزائر، ربما لأن المصادقة على قانون المصالحة الوطنية والوئام المدني، جعل الإعلام الفرانكفوني يسوّق في الفترة الماضية فكرة " التضحيات المجانية" التي دفعها الشعب الجزائري في مواجهته للتطرف الذي أوقع أكثر من 150 ألف ضحية، وهي الفكرة التي ربما وجدت العديد من المنساقين إليها في الوسط السياسي ربما لأن أكثر من 41% من الجزائريين مسّهم العنف السياسي الذي استمر منذ عام 1992، وهي النسبة التي راهنت عليها الجمعيات السياسية ذات البعد الاجتماعي والتطلع الفرانكفوني بالخصوص والتي سبق لها أن ساومت وتاجرت بطرق كثيرة على ما اصطلح على تسميته رسميا ب"ضحايا الإرهاب".<BR><BR>ولعل العديد من الجمعيات التي تحمل نفس التسمية لم تخف الدعم المالي واللوجستيكي التي حصلت عليه من الدول الأوروبية، ومن فرنسا بالخصوص لدعم "ضحايا الإرهاب"، بيد أن الدعم غير المجاني ارتبط في المدة الأخيرة بالمقابل له، أي بما يمكن للغرب أن يجنيه اليوم من مكاسب توقف الزحف العربي والإسلامي في الجزائر، فحين انفجرت في منتصف التسعينات فضيحة الدم الملوث التي تاجر بها مدراء سابقين في الهلال الأحمر الجزائري، ببيعه الدم الجزائري إلى فرنسا مقابل دم فرنسي ملوث ومبالغ فرنسية كانت تذهب نسبة منها إلى دعم مشاريع أخرى لا علاقة لها بالجمعيات الخيرية، بل بمدارس فرانكفونية اشتهرت بتشجيعها للثقافة المسيحية بكل أبعادها العقائدية والدينية، بيد أن القضية سرعان ما وجدت من يكتمها في ظروف كانت فيه العمليات المسلحة تأكل الأخضر واليابس في البلاد..<BR><BR>فالتسويق "للحرب الدينية على الإنسان" في الجزائر غذتها العديد من التيارات اليسارية المتطرفة، والعلمانية الفرانكفونية التي وجدت في العنف المسلح الجزائري سبباً في العنف الآخر عبر ربط الإسلام بالإرهاب، وهي الشعارات التي تربعت على صدر كبريات الصحف الفرانكفونية الجزائرية طوال عشرية من الزمن في الجزائر، والحال أن التهليل لإعادة فتح المركز الثقافي الفرنسي المسيحي في الجزائر قبل مدة جاء في وقت وقفت فيه نفس الصحف ضد مشروع التعريب الذي طالبت من خلاله رئيس الدولة إلى النظر فيه؛ لأنه يناقض الجهورية المتقدمة التي تسعى الجزائر إلى تكوينها، وسيسمح بالزحف الإسلامي المتطرف إلى بلوغ أهداف كبيرة داخل المجتمع كما جاء في افتتاحية جريدة " لوسوار دالجيري" الصادرة بالفرنسية في الجزائر والمقربة من جبهة القوى الاشتراكية التي يتزعمها شرفيا حسين آيت احمد..<BR><BR><font color="#0000FF"> حرب لغوية ودينية معلنة ومفتوحة! </font><BR>تفجير قضية تورط الفاتيكان في عملية التنصير في الجزائر، كشفتها قبل سنتين جريدة "الشروق" الجزائرية، وقد عملت الصحف الفرانكفونية واليسارية نفسها مدافعا عن الكنيسة الكاثوليكية وتبرئتها من الفضيحة التي دوت في الجزائر وقتها، بحيث تم العثور على أناجيل وعلى أشرطة تدعو إلى المسيحية تم تسريبها إلى ثانويات في منطقة القبائل وفي مناطق أخرى في الغرب الجزائري، بيد أن الواقع الآخر كان أبعد من ذلك بكثير حين ألقت مصالح الأمن الجزائرية القبض على مبشرين كانوا يدعون إلى المسيحية مقابل مبالغ مالية تمنح لكل "وافد إلى الرب" على حد قولهم مما جعل وزارة الشؤون الدينية تخرج عن صمتها لأول مرة وتصدر بيانا ترفض فيه كل محاولة تغريب وتمسيح للجزائريين، و"القوى التي تريد فرض خيارا تغريبيا على الشعب هي القوى الظلامية الخائنة التي باع آباؤها الوطن من قبل وتحاول أن تبيع الدين اليوم"، كما جاء في التصريح الرسمي الصادر عن وزارة الشؤون الدينية في الجزائر..<BR><BR>لكن تلك الحرب على العربية وعلى الإسلام وجدت من يدعمها إعلاميا في الغرب، عبر ربط مناهضتها بالمساس بالحريات الشخصية كما جاء في افتتاحية جريدة "لوفيغارو" الفرنسية قبل شهرين والتي اعتبرت أن الوقوف في وجه " التغريبيين" عملاً إرهابياً لا يمكن السكوت عنه! أحزاب جزائرية نفسها اعتبرت أن الوقوف في وجه الحريات الشخصية إرهاباً فكرياً، وأيديولوجياً، بيد أن الحريات الشخصية ارتبطت في الخطاب السياسي لهؤلاء بالحق في التدين بأي دين، بمعنى الحق في الارتداد عن الإسلام الذي مرة أخرى تربطه بالإرهاب، عبر عبارة قالها المغني القبائلي المغمور الذي تحول إلى سياسي مفاجئ المدعو "فرحات مهنى" قائلاً: "الإرهاب الذي قتل الجزائريين اسمه الإسلام"! فرحات مهنى هو ما يشبه اليوم الذراع الأيمن الراديكالي لحركة العروش الجزائرية التي يقودها ضمنيا "بن بريكة" كأبرز المتطرفين الرافضين للإسلام، ولكل ما له علاقة بالإسلام في الجزائر، وهو المطالب بفتح الكنائس في منطقة القبائل التي تم إغلاقها بعد الاستقلال في الجزائر، كما طالب بدوره بجعل نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد بدل الخميس والجمعة!<BR><BR><font color="#0000FF"> "السقوط إلى "القمة"!" </font><BR>ما نشر في الفترة الأخيرة عن قرار جديد بتحويل يومي السبت والأحد نهاية الأسبوع الرسمية في الجزائر بدل الخميس والجمعة أسوة بدول الجوار (تونس والمغرب) لم يكن في الحقيقة إلا مشهدا آخر لوضع مزري يعيشه الجزائريون والذي يحاول من خلاله "التغريبيون" فرض حالة من الخضوع إلى الأمر الواقع. ولعل لجوء (الرئيس الجزائري) عبد العزيز بوتفليقة إلى إلقاء خطابه السياسي الموجه إلى الجزائريين باللغة الفرنسية فتح الباب واسعاً للمطالبة ضمنياً بإصلاحات جذرية تشمل العربية والإسلام والقانون المدني وبالخصوص قانون الأسرة الذي شكل في النهاية مربط الفرس لكل تلك الجدالات الأخيرة، في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من 15 مليون جزائري تحت الخط الأحمر من الفقر الشديد قبالة دولة وصلت إيرادات بترولها السنة الماضية إلى 45 مليار دولار!<BR><BR>دراسة جريئة نشرها المعهد الوطني الاجتماعي الجزائري، جاء فيها أن ارتفاع نسبة الفقر في الجزائر ساعد على ارتفاع نسبة الجريمة، وساعد على ارتفاع نسبة العنف أيضاً، وساعد على جعل البلطجة في الجزائر ثقافة محورية بعينها سمحت ببروز العديد من القرارات والقوانين التي مرت مرور الكرام على الرغم من خطورتها الشديدة، بحيث إن الشارع الجزائري انشغل بالبحث عن خبزه اليومي على أن يلتفت إلى حروب تغريبية تمارسها التيارات الموالية لفكرة " التمسيح قدر المستطاع" والتي بدأت كمجرد شعار في السبعينات، رداً على شعار الإخوان المسلمين في الجزائر بعبارة: الإسلام قدر المستطاع، وكانت تلك الحركات المسيحية المتخفية خلف مسميات ديمقراطية أو يسارية أو علمانية تستهدف في المقام الأول المدارس ومراكز التأهيل ومراكز إعادة التربية لأجل نشر ثقافة "التسامح" التي تبلورت في شكل المسيح، وهي الثقافة التي عادت اليوم إلى السطح في ثياب الإصلاحات الشاملة التي تمارس لأجلها الولايات الأمريكية وفرنسا ضغوطات مشتركة لأجل الإسراع فيها في الجزائر وبشكل لا رجعة فيها كما ذكرت جريدة "لاتريبون" الصادرة بالفرنسية في الجزائر.<BR><BR>الحكومة الجزائرية التي بدت "غائبة" وغير مكترثة إزاء كل الحملات التغريبية المقصودة لم تتأخر في تواطئها أحيانا فيما يخص تلك الشاكلة من الإصلاحات التي تستهدف ثوابت الأمة، في الوقت الذي بقيت الإصلاحات الاجتماعية التي تمس المواطنين في حياتهم اليومية "محلك سر"، أمام التراجع الرهيب في القدرة الشرائية للمواطنين، وأمام تصاعد التلاعب التجاري والغش والرشوة والفساد الإداري والبيروقراطية.<BR><BR>لا شيء حدث لإصلاح هذه الاختلالات الرهيبة في المجتمع والكل هرع إلى اتهام الإسلام بالإرهاب واتهام القوى الوطنية بدعم الإرهاب، واتهام العربية بتزكية التطرف واتهام صلاة الجمعة بمباركة التطرف! تلك هي أكبر مظاهر الانهيار داخل الواقع الجزائري الراهن كما يراه أكثر من مراقب، بحيث أن المراهنة على الوطنيين لم يعد كافيا، في وقت صار فيه الشعب تحت وطأة التغريبيين الذين يتاجرون اليوم علانية على مستقبله باسم العولمة والحريات الشخصية والحق في الكفر لأجل "مستقبل أفضل"!<BR><br>