الهند وأطماع الهيمنة على البحار
27 شوال 1426

مما يبعث على الريبة لدى صناع القرار في المؤسسة العسكرية الباكستانية تنامي البعد الاستراتيجي للعلاقات الأمريكية - الهندية ودخول البلدين في اتفاقيات ومعاهدات عسكرية ليس اقلها التعاون النووي في المجال السلمي وليس آخرها المناورات العسكرية المشتركة التي تشمل الأسلحة الثلاث في البلدين. وكان الجنرال "أسلم بيك" (الرئيس الأسبق لأركان الجيش الباكستاني) هو أول من تنبه لمخاطر الامتداد البحري الهندي وعقد ندوة استراتيجية في عام 1993م بإسلام آباد شارك بها العديد من الخبراء الاستراتيجيين لبحث أمن البحار في المنطقة ودور الدول المطلة عليها. <BR><BR>وإضافة إلى ذلك فإن الهند قد بدأت من جانبها تكتشف مدى أهمية البحار المحيطة بها وضرورة فرض السيطرة والهيمنة عليها من اجل حماية خطوط التجارة الخاصة بها وبحلفائها ولفرض طوق من الحصار على من تشاء من الدول الصغيرة المحيطة بها؛ ولهذا فان دورياتها البحرية تقطع الأمواج برفقة قطع الأسطول الأمريكي جيئة وذهابا بين مضيق باب المندب ومضيق مالاكة بالقرب من الشواطئ المحيطة بإندونيسيا وماليزيا. <BR>ويعمل سلاح البحرية الهندي في إقامة قاعدة قيادة وتحكم للشرق الأقصى على جزر اندامان الواقعة في منتصف الطريق بين خليج البنغال الهندي ومضيق مالاكة، حيث من الواضح أن المؤسسة الحاكمة بنيودلهي قد أدركت مدى أهمية وضع هذه المنطقة البحرية تحت هيمنتها، وهناك العديد من العوامل التي جعلت الهند تعي مدى أهمية هذه البحار للأمن الإقليمي الذي تطمح لأن تكون من أهم اللاعبين فيه!<BR><BR>ومن بين هذه العوامل الدعوة التي وجهها سلاح البحرية الأمريكي مؤخراً لسلاح البحرية الهندي لمشاركته في أعمال الدورية بمضيق مالاكه والتي اعتبرتها الهند تأكيدا مفتوحا من الولايات المتحدة الأمريكية لها بأنها تعتبرها قوة بحرية هامة بالمنطقة. ويسهم ضعف سلاحي البحرية الماليزي والإندونيسي في اختيار واشنطن لسلاح البحرية الهندي لمهام الدورية قبالة شواطئهما، كما أن المحللين الاستراتيجيين يؤكدون على أن في اختيار الولايات المتحدة للهند ثمة أدلة على أنها تعمل من اجل فرض السيطرة الكاملة على الفوهة الشرقية للمحيط الهندي والمياه المحيطة بسريلانكا.<BR>وعلى الرغم من أن الهند ليست عضواً في أي اتفاقية لحماية الملاحة في مضيق مالاكه إلا أن الأهداف الأولية المعلنة من انضمامها للدوريات التي تحميه قد كانت منع التهريب والقرصنة وتجارة المخدرات والأسلحة والهجرة غير القانونية في المنطقة بالإضافة إلى أن تجارة النفط عبر المضيق مؤهلة للازدياد من 10 مليون برميل يوميا في عام 2002م إلى 20 مليون برميل يومياً في عام 2020م؛ وستكون الصين هي الوجهة الرئيسية لمعظم هذه الكمية من النفط بسبب النمو المضطرد في اقتصادها. وفي الوقت الذي تتحرك فيه القطع البحرية الأمريكية سرا وعلانية في البحار المحيطة بالهند وبدول المنطقة؛ فان الصين هي الأخرى قد أخذت تبدى اهتماما بمضيق مالاكه باعتباره المخرج الأهم المتوافر لديها باتجاه المحيط الهندي أو ما يعرف بالمياه الدافئة.<BR><BR>ومقر القيادة والتحكم الذي يقيمه سلاح البحرية الهندي سوف يكتمل بحلول عام 2020م وسوف تكون له محطات رسو صغيرة متباعدة وثلاث قواعد رئيسية. وهذه القاعدة لها مثيلات أخرى في العالم مثل القاعدة الروسية في البحر الأسود والقاعدة الأمريكية في هاواي، ولكن القاعدة البحرية الهندية ستكون اكبر حجما من القاعدة البحرية الأمريكية السابقة على شاطئ سوبيك بالفلبين.<BR><BR>وجاء مخطط إقامة القاعدة البحرية الهندية المتقدمة في عام 1995م في الاجتماع الذي عقد بين (الرئيس الأمريكي السابق) بيل كلنتون، و(رئيس وزراء الهند الأسبق) ناراسيمها راو. قدمت الولايات المتحدة حينها طلباً لحكومة الجبهة المتحدة بنيودلهي لإقامة هذه القاعدة، ولكن الحكومة الهندية حينها لم تسارع بالرد لأسباب عديدة. وكان من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بتمويل جزئي لإنشاء هذه القاعدة المتقدمة باعتبارها جزءا من الترتيبات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة لاسيما والتي تلعب الهند دورا بارزا فيها. ووافقت الولايات المتحدة على تمويل المخطط في عام 2000م عندما قام كلنتون بزيارة للهند استغرقت خمسة أيام.<BR>وهذه القاعدة المتقدمة ستكون مزودة بأنظمة عسكرية إلكترونية على أرقى مستوى من الدقة والتقنية ويمكنها تغطية المنطقة امتداداً إلى جنوب شرق آسيا، ومن المتوقع أن يقوم سلاح البحرية الروسي بالمساعدة في إقامة بعض مشروعات التسلح بالقاعدة. وستشمل قاعدة القيادة والتحكم مجموعة متنوعة من الغواصات، كما أنها ستكون مؤهلة لبناء وتصليح السفن الحربية الكبيرة وهو ما يسمح بتوسيع نطاق العمليات البحرية.<BR><BR>ومن العوامل الأخرى التي استدعت اندفاع الهند باتجاه إقامة هذه القاعدة هو سيطرة الصين على عدد من الموانئ البحرية في مانيمار واتجاهها نحو تمويل إقامة ميناء جوادر بباكستان وهو الأمر الذي يزيد من التواجد البحري الصيني بالمنطقة والذي اعتبره مخططو السياسات الاستراتيجية الهندية تهديداً لمواقع أقدامهم بالمحيط الهندي، فالصين تقوم بتطوير موانئ مانيمار بصورة تفوق قدرة سلاح البحرية في ذلك البلد على إدارتها؛ كما أن هناك بعض المدن بمانيمار وقد تحولت إلى محاور لوجستية هامة للصين،<BR> ولهذا فإن واضعي الاستراتيجيات الهندية يحذرون من أنه إذا تمكنت الصين من الوصول إلى موانئ سيريلانكا فإنها ستكون قادرة على تحويل خليج البنغال إلى بحيرة صينية! وبغض النظر عن ما إذا كانت الحكومة الهندية تنظر إلى المسألة من وجهة النظر هذه أم لا؛ ذلك أن الكثير من السياسيين الهنود لا يرون أن هناك ضرورة لإقامة علاقات تنافسية مع الصين؛ إلا أن واشنطن وبكل تأكيد تنظر لها من هذه الزاوية.<BR>كما أن الهند ترى في تزايد الأنشطة الباكستانية على شواطئ مانيمار إسهاما في ضرورة المضي قدما في مخطط إقامة القاعدة البحرية المتقدمة. فقد أكدت مجلة جينز العسكرية أن باكستان زودت مانيمار بالعديد من السفن المحملة بالعتاد والأسلحة المختلفة وتقوم بتدريب الجنود المانيماريين على استخدام الدبابات والطائرات المقاتلة الصينية. وتزعم الاستخبارات الهندية بان الأسلحة الخفيفة تنتقل من مانيمار إلى بنجلاديش ومنها إلى المتمردين المطالبين بالانفصال عن الهند وخصوصا في إقليم أسام.<BR><BR>ولكي تدعم الهند تواجدها البحري في المنطقة فإنها قد استغلت مهاراتها الدبلوماسية وتواجد العرقيات الهندية المختلفة في ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وغيرها من دول منظمة آسيان لكي تنخرط في منطقة جنوب شرق آسيا بكل ثقلها ولتزداد مشاركتها السياسية والاقتصادية والتجارية في هذه المنطقة، ووقعت الهند على الكثير من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة مع دول المنطقة لتسهيل انخراطها الاستراتيجي فيها. بل إنها وقعت على اتفاقية لإقامة طريق بري طوله 1400 كيلومتر للربط بين منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا. وتوصلت الهند في هذا الإطار إلى توقيع اتفاقية مع بنجلاديش والمانيمار لإقامة خط أنابيب لإيصال الغاز الطبيعي من المانيمار للهند مرورا ببنجلاديش وبتكلفة قدرها 1 بليون دولار. ولم تغفل الهند عن التوقيع على اتفاقيات تجارية واقتصادية مع سريلانكا في محاولة منها لإبعادها عن ما يصفه الهنود بمخطط الهيمنة الصيني. وهذه الاتفاقيات تشمل ربط الكهرباء في سريلانكا بمحطة نووية لتوليد الكهرباء على الساحل الهندي.<BR>أما الدول المطلة على مضيق مالاكة، والتي من أبرزها ماليزيا وإندونيسيا فإنها قررت في الشهر الماضي تشغيل دوريات جوية مشتركة للرقابة على المضيق في إطار جهودها الرامية إلى جعل مهام حماية المضيق من اختصاصها وإبعاد القوى الخارجية عنه. وعملية "العين التي بالسماء" كما أسمت هذه الدول عمليات الرقابة الجوية التي تنظمها، تعتبر جزءا من مبادرة أمن مضيق مالاكة الشاملةن والتي تأمل الهند أن تكون جزءا منها. ولهذا فان البحرية الهندية قد دخلت في تدريبات بحرية مشتركة مع الأسلحة البحرية في كل من سنغافورة وإندونيسيا وتايلند.<BR><BR>ولكن المحللين الاستراتيجيين الهنود يزعمون بان الدول الساحلية المطلة على مضيق مالاكه قد أبدت انطباعا إيجابيا لرؤية الدوريات البحرية الهندية وهي تجوب مياه المضيق لحفظ الأمن الإقليمي؛ وهو ما ورد في دراسة بعنوان "الأمن المشترك في مضيق مالاكه: الخيارات السياسية الهندية" والتي نشرت بنيودلهي في أغسطس الماضي. وتقول هذه الدراسة الهندية:- " العديد من الدول الإقليمية شاهدت السفن البحرية الهندية وهي تقوم بمهام الدورية في مضيق مالاكه وهي واثقة بشان موقفها المتعاون وقابليتها لتحدي القوى المعادية لأمن وسلامة الحركة البحرية في المضيق". كما يزعمون بان "البحرية الهندية استطاعت لعب دور إيجابي ومتوازن جدا، وأبدت تعاونا كاملا مع الجهود الإقليمية واندمجت بها، وان كانت قادمة من موقع ثانوي."<BR>ولكن وعلى الرغم من هذا الانطباع الإيجابي الذي تعتقد الهند بوجوده وكذلك ارتباطها البحري الوثيق بهذه الدول؛ إلا أنها تتحرك بشكل حذر فيما يتعلق بتولي دور أكبر في منظومة الأمن بالمضيق. ويلخص الباحث "لورانس برابهاكار" الأستاذ المشارك بكلية ميدراس المسيحية والباحث في برنامج الأمن البحري بمعهد الدفاع والدراسات الإستراتيجية في سنغافورة، الدور الذي ترغب الدول الساحلية في أن تقوم به الهند في المضيق، بأنه المناورات البحرية المشتركة والمشاركة في قوة خفر السواحل بالمنطقة وبدون أن تثير أي نوع من المخاوف لدى هذه الدول بشان أطماع الهيمنة وبدون أن تهدد سيادة هذه الدول. <BR>بينما تعد هذه الدوريات ومخطط إنشاء القاعدة البحرية المتقدمة أسبابا كافية لإثارة الارتياب حول الدور المستقبلي للهند في المياه الممتدة من باب المندب إلى مضيق مالاكة. وكأن التوسع البحري الهندي على الشواطئ الغربية لدول منظمة آسيان لا يكفي لكي تحاول الهند الوصول إلى الجانب الشرقي لسواحل هذه الدول من خلال عقد اتصالات مكثفة مع فيتنام ووصول وفد عسكري بقيادة رئيس مركز بحوث الدفاع الفيتنامي إلى نيودلهي في أكتوبر الماضي والذي طلب المساعدة العسكرية والدعم التقني الهندي لتمكين فيتنام من إنتاج الصواريخ. وفي حالة موافقة الهند على ذلك وهو المرجح فان ذلك سيكون مقابل السماح لسفن وغواصات سلاح البحرية الهندي بالامتداد والتوسع في المنطقة وما وراءها.<BR> <br>