أفغانستان:برلمان ورئاسة متنافران,ودولة واهنة
6 شوال 1426

في مطلع شهر أكتوبر وبعد أسبوعين تقريباً من انتهاء الانتخابات البرلمانية الأفغانية، تظاهر قرابة 5000 أفغاني وتجمهروا في العاصمة كابول احتجاجاً على جريمة قتل مرشح انتخابي بارز وطالبوا في تظاهرتهم باستقالة أحد أمراء الحرب المدعو الجنرال عطا محمد وهو أحد حكام الأقاليم وله نفوذ كبير في الأوساط السياسية بالعاصمة وغيرها من أنحاء أفغانستان، وقبل أيام قليلة من ذلك قام علي أحمد جليلي (وزير الداخلية)، والذي يعد أحد أكثر المساعدين المقربين من الرئيس كرزاي بتقديم استقالته، وهو الذي يحظى بنوع خاص من الاحترام لأمانته ورغبته الجامحة في إجراء تغييرات راديكالية؛ ووصف أصدقاؤه استقالته تلك بأنها تعبير عن الغضب الممزوج باليأس من إصلاح الأوضاع، وكأن الرئيس كرزاي لا تكفيه مشاكله لكي يواجه التحديات من شعبه ومن الصفوة القابضة على مقاليد الأمور في حكومته.<BR>ولا يعني انتهاء الانتخابات البرلمانية أن مشاكل أفغانستان قد انتهت، بل إن الجزء الصعب منها قد بدأ فعلياً، فقد قتل ما لا يقل عن 1200 شخص في هذا العام بسبب المواجهات مع مقاتلي حركة طالبان؛ واضطرت المجموعة الدولية إلى إنفاق 300 مليون دولار على كل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ولا تزال المجموعة الدولية وحكومة الرئيس كرزاي تواجهان تحديات إقامة الآليات الحكومية والبنى التحتية المستقرة والعاملة في الوقت الذي تحاولان فيه درء التحديات التي تشكلها حركة طالبان وتمرد مقاتليها على الواقع الراهن في أفغانستان؛ وتحاول كذلك القضاء على التحديات التي يشكلها أمراء الحرب وتجار المخدرات وقضايا الفساد. <BR>إلا أنه لم يتحقق سوى القليل على جدول أعمال التحديات هذه بعد مرور أربع سنوات على سقوط نظام طالبان، حيث تؤكد المؤشرات الراهنة على أن السببين الهامين والضروريين للنجاح في إقصاء هذه التحديات، وهما التحالف الغربي ( التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو والمتبرعين الدوليين ) وحكومة كرزاي يبدوان أقل حماساً من ذي قبل في الوقت الذي صعدت فيه حركة طالبان من حملتها ضدهما.<BR>خرج الرئيس كرزاي بعد يومين من انتخابات 18 سبتمبر لتحديد أعضاء البرلمان ولتشكيل مجالس في الأقاليم الأربعة والثلاثين؛ خرج على الصحفيين ليقول لهم متفاخراً: " لقد أصبح لأفغانستان اليوم دستور ورئيس وبرلمان وشعب يشارك بأكمله في صنع مصيره بنفسه". ولكنه أخفق في ضمان تحويل الهيكل السياسي الذي بناه فوق قدر عظيم من الخسائر في الأرواح و الأموال إلى قدر مساوٍ من الإصلاحات على أرض الواقع، فالمشاركة الشعبية المنخفضة في الانتخابات تعبر عن الحيرة والغموض الذي يكتنف العامة من الشعب تجاه الحكومة وتجاه الأداء البطيء للإصلاحات. حيث إنه لم يشارك سوى 53 بالمئة من الناخبين في الانتخابات البرلمانية مقارنة مع 70 بالمئة تقريباً ممن شاركوا في انتخابات الرئاسة في العام الماضي. أما في العاصمة كابول التي تعد المعقل السياسي النشط في البلاد فإن المشاركة لم تتجاوز 36 بالمئة فقط.<BR>أما الحملة التي تشنها حركة طالبان ضد ما هو قائم في أفغانستان من فوضى ووجود للقوات المحتلة فإنها قد عبرت عن قوتها على أرض الواقع من خلال شن هجمات غير اعتيادية ومدمرة في المدن؛ عندما تمكن استشهادي بتاريخ 28 سبتمبر من قتل تسعة جنود وإصابة 36 آخرين بجروح خارج مركز تدريب عسكري في كابول كمثال على التطور النوعي والكمي الذي لحق بقدرات مقاتلي طالبان. والوضع الراهن في أفغانستان يختلف كثيراً عن رؤية وآمال الأفغان قبل عام مضى. فبعد أن فاز الرئيس كرزاي بانتخابات الرئاسة، قال بأنه سوف يسخر جميع القوى والموارد المتاحة لإجراء تغييرات تقلب أفغانستان رأساً على عقب، ولكن أفعاله وأنشطته وأكثر منها ما لم يقم به من إصلاحات وأنشطة قد أضاعت عاماً كاملاً بدون أن يستفيد منه الأفغان شيئاً. فقد تخلى الرئيس كرزاي عن جدول أعمال التغييرات الجذرية على الرغم من الدعم الأمريكي ومن الأمم المتحدة وفضل بدلاً من ذلك العمل على الحفاظ على الوضع القائم وتعزيز سلطاته ونفوذه.<BR>لم يكن لأفغانستان من قبل سلطة مركزية قوية ولم يتمكن كرزاي إلا من بسط نفوذ الحكومة على بعض الأقاليم خارج كابول، ولم تقم الحكومة إلا بتمرير عدد هائل من القوانين المتعلقة بتشجيع الاستثمارات المحلية والخارجية وإقامة الهياكل الحكومية وتأسيس نظام قضائي جديد، ولكنها جميعها لم تفضِ إلى أمر ملموس.<BR>والأفغان الذين شجعتهم تعهدات قائدهم التي أطلقها على نفسه مؤكداًَ على أنه سينفذ نظاماً صارماً للمحاسبة ضد عمليات خرق حقوق الإنسان المفرطة التي ارتكبها أمراء الحرب على مدى 25 عاما؛ وتوقع الأفغان أنه سوف يستمر في شن حملة شعواء ضدهم. إلا أن أمراء الحرب وبدلاً من أن يلقوا العقوبات فإنهم تبوؤوا مراكز ومواقع ذات نفوذ هام في الحكومة والأقاليم، فلم يصدر أي حكم ضد أي واحد من بارونات تجارة المخدرات الذين يعد الكثيرون منهم أمراء حرب أو وزراء حكوميون أو قادة عسكريين ولم يفصلوا من وظائفهم الرسمية. <BR>والنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية تؤكد أن أمراء الحرب ومؤيديهم سوف يسيطرون على البرلمان المستقبلي، وسيقومون بالتالي بالوقوف أمام أي جدول أعمال مقترح من الحكومة أو من أي جهة كانت، بل إنهم سيطالبون كرزاي بإقالة القوى المعارضة لهم من المناصب الحكومية، وأن يقوم بتعيين الموالين لهم في أماكنهم، وبدلاً من يكون البرلمان أداة لدعم أهداف التنمية وإعادة الأعمار، فإنه سيكون على النقيض من ذلك، أي عقبة كأداة أمام كلاهما.<BR>وإضافة إلى ذلك فإن رفض كرزاي القاطع للسماح للنظام الحزبي السياسي بالانتعاش قبيل الانتخابات – باعتبار ذلك السمة الرئيسة والكبيرة لأي نظام ديموقراطي جاد – فإن هذا من شأنه أن يسمح للأفراد من أمراء الحرب بفرض نفوذهم على مسيرة الأحداث المصيرية لأفغانستان، وكرزاي الذي لا يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة في افضل احواله؛ لن يكون قادرا على فرض سيطرته على البرلمان ناهيك عن قدرته على مواجهته، والاعتقاد الراسخ لدى الرئيس الأفغاني أن الأحزاب السياسية هي التي دمرت أفغانستان وأنه يستطيع فرض سيطرته على البرلمان من خلال الاجتماعات الفردية مع ممثلي الشعب.<BR>وفي الوقت الذي تزداد فيه الأوضاع سوءاً وقتامةً في داخل أفغانستان، فإن الدول الغربية تبدو أكثر رغبة في حزم حقائبها والابتعاد بينما يعد كرزاي في أمسّ الحاجة لهم، ولهذا فإن الجنرال كارل ايكنبيري (قائد القوات الأمريكية بأفغانستان) قد صرح بأن "الحاجة إلى التزام المجموعة الدولية في هذا البلد وكونها أكثر صبراً يعد أمراً ضرورياً جداً." ولكن الولايات المتحدة ذاتها تبدو راغبة في خفض وجودها العسكري في أفغانستان، وفي التقليل من التزاماتها بهذا البلد، فقد ألمح دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع) إلى رغبته في أن يرى ربع القوات الأمريكية في أفغانستان البالغ تعدادها 18000 جندي خارج ذلك البلد بحلول فصل الربيع القادم، وأن تحل مكانهم قوات تابعة لحلف الناتو، فالوضع السيئ للقوات الأمريكية بالعراق وآثار الإعصار في لويزيانا والشعبية المنخفضة للرئيس جعلت هذا الأخير يفكر في كيفية تقديم قصة نصر ما في ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب من خلال إعادة بعض الجنود الأمريكان إلى ديارهم من أي جهة كانت، حتى وإن كانت مصالح الولايات المتحدة تتطلب بقائهم فيها. <BR>وتحتوى خطة رامسفيلد على عناصر مضمونها ضم قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها ضد طالبان إلى قوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو بحلول ربيع عام 2006م. إلا أن الدول الرئيسة في الناتو وفي مقدمتها فرنسا وأسبانيا وألمانيا تقاوم هذا الانضمام أو أنها ترفض المشاركة في المواجهات ضد حملة التمرد التي يقودها مقاتلو طالبان، وحتى الدول الأخرى الأعضاء في حلف الناتو فإنها ترفض تقديم التزامات بإرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان حتى على شاكلة قوات حفظ السلام. أما الدول المانحة فإنها هي الأخرى متقاعسة في تنفيذ التزاماتها الخاصة بتزويد أفغانستان بقدر ملائم من الدعم اللازم لإعادة إعمار البلد، بحيث يكون بإمكانها إقامة اقتصاد يعتمد على ذاته. والدول الغربية تعهدت بتقديم 5ر2 بليون دولار سنوياً على مدى الأعوام الأربعة الماضية من أجل إعادة الإعمار، إلا أن نصف هذا المبلغ فقط قد وصل لأفغانستان. <BR>ولم يقام سدٌ واحد أو محطة توليد كهرباء أو نظام مائي رئيس على مدى الأعوام الأربعة الفائتة، وتبقى أفغانستان تحتل مرتبة ثالث أفقر بلد في العالم. <BR>وفي الوقت الذي تقوم فيه الدول الغربية المانحة للدعم بتدريب وتمويل الجيش الأفغاني والشرطة والنظام القضائي والبيروقراطية إلا أن العملية بطيئة، وتتسم بقلة المخصصات المالية، وهو ما يثير حنق الشعب الأفغاني؛ لأن النظام القضائي وقوة الشرطة غير قادرة على أداء مهامها ولو على أدنى مستويات الفعالية.<BR>لقد واجه الرئيس كرزاي تحديات أكثر في عام 2001م، وزعم حينها أنه يفضل الوقوف إلى جانب رغبة الشعب في التغيير والإصلاحات والمحاسبة ووضع نهاية للفساد والمحسوبية التي كانت سمة الماضي. أما الآن وبعد مرور أربعة أعوام وبعد تغيير طفيف في معيشة الأفغان فإنهم أصبحوا يشعرون بقدر كبير من اليأس والقنوط، حيث يبدو الرئيس كرزاي وهو يتحرك في اتجاه معاكس لرغبة الشعب بسبب احتفاظه بأمراء الحرب من حوله ورفضه السماح بإقامة النظام السياسي الحزبي أو تطبيق نظام محاسبة صارم.<BR><BR><BR><br>