" اقتل.. اقتل" .. جرائم الجيش الأمريكي بالعراق في كتاب جديد
4 شوال 1426

كتاب (اقتل.. اقتل) الذي ألفه الجندي الأمريكي "جيمي ماسي" صدر في طبعته الجديدة هذا الشهر عن منشورات "بناما" الفرنسية. هو الكتاب الذي صدم الرأي العام الفرنسي والأوروبي؛ لأنه لم يكن من تأليف شخص مدني، أو كاره للحرب، بل كان من تأليف جندي عمل طوال 18 سنة الماضية في خدمة الجيش الأمريكي.<BR><BR>ومهمة الجندي كما يقول كاسي لم تكن تعني بأي حال من الأحوال الدفاع عن شرف الأمة الأمريكية (...)، بل النيل من شرف الأمم الأخرى.." يقول المؤلف:" لقد تلقينا في المدارس العسكرية الأمريكية دروسا عسكرية تدخل في إطار ما يمكن تسميته بمبدأ الدفاع عن بلدك والذود عنه بكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات، قالوا لنا" اسمعوا، أنتم تنتمون إلى الجيش الأمريكي، القوة العظمى التي تقهر ولا توجد قوة فوقها، ولهذا عليكم أن تضعوا في الحسبان أنكم تحملون في دمكم ميزة أنكم من أمريكا وأنكم الأقوى والأقوى.." كانت تلك الدروس التي نتلقاها يومياً إلى درجة صار من الصعب علينا أن نستوعب أن ثمة من هو أفضل منا، وجعلنا نرى بقية كائنات الأرض أقل منا بكثير، مجرد صراصير تمشي على هذه الأرض..".<BR>يضيف الجندي الأمريكي جيمي ماسي: " كنت أتساءل بيني وبين نفسي أيام التهديدات الأمريكية على عدد من دول الشرق الأوسط لماذا علينا أن ندخل في تلك الصراعات المعقدة؟ ما الذي سنجنيه من احتلال العراق؟ صحيح أن النظام العراقي كان نظاماً فاشياً، ولكن ماذا سنربحه نحن من احتلالنا للعراق مثلاً ومن غزونا لأفغانستان من قبل ذلك؟"<BR>تلك المساءلة الصعبة التي استغرقت العديد من الصفحات في الكتاب يجد لها جيمي الرد أخيراً بقوله: " في الحقيقة لا شيء ستجنيه الولايات الأمريكية من هذا الجنون المدمر الذي تريد فرضه على العالم. لا شيء. الحرب لم تكن في يوم من الأيام خياراً مطلقاً بالنسبة لجيش لم يكن متعوداً على الحرب طويلة المدى. يمكن للجندي الأمريكي أن يغزو دولة ما مستعينا بكل الأرمادة التكنولوجية المتوافرة بين يديه، مستعيناً بالأقمار الصناعية وبالمعلومات المخابراتية العسكرية الدقيقة، ومستعيناً بالعملاء الذين يبيعون دولهم مقابل حفنة من الدولارات، ولكن لا يستطيع الجندي الأمريكي أبداً أن يخوض الحرب الطويلة، و الزمنية والتي تسمى في اللغة العسكرية بالحرب الاستنزافية، والأخطر منها حرب العصابات في مدن لا يعرفها الجيش الأمريكي إلا من خلال خرائط معظمها غير صحيحة!" .<BR>ولعله لهذا السبب تحديداً " استعانت الولايات الأمريكية بالخبرة الإسرائيلية" كما يورد جيمي في فصل آخر من فصول قصته في العراق.. لقد تم الكشف في سنة 2004 عن وجود إسرائيلي مكثف داخل العراق، وهو الوجود الذي لم تكذبه لا (إسرائيل) ولا إدارة الحرب الأمريكية، مستفيدة من كل الفوضى الحاصلة لتمرير رسائل غامضة إلى كل الجهات بأن وجود الإسرائيليين في العراق لن يكون خطراً على العراقيين فقط، بل وعلى بقية الدول" المارقة" حسب المصطلح الذي يستعمله البنتاجون للتعبير عن الدول " الخارجة عن القانون الأمريكي"! <BR><BR>يحكي جيمي عن هذه النقطة في كتابه قائلاً:" حين استوعبنا أن ثمة ضباط عسكريون إسرائيليون في العراق، فهمنا أن الحرب ستكون طويلة، فبعد أشهر من الغزو بدأت المقاومة العراقية تتبلور وفق إستراتيجية أخرى لم يكن البنتاجون يحسب لها أي حساب. <BR>في تلك المرة كانت المقاومة مشهدية أخرى لا يمكن بأي حال من الأحوال القول أنها تدافع عن صدام حسين، بل كانت تدافع عن العراق. من هنا، عندما سمعنا بوجود عدد من كبار الضباط الإسرائيليين في العراق، فهمنا اللعبة. (إسرائيل) التي تمارس عبثية مقاومة الانتفاضة الفلسطينية متعودة على هذا النوع من الحرب وعلى مواجهة ما يسمى بالعصيان الشعبي، ومعنى هذا ببساطة أننا قد نتلقى الأوامر من الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يلبسون لباسنا العسكري، وهذا بالتحديد ما كنا غير قادرين على تقله! لأننا درسنا طوال سنوات أن القوة العظمى هي القوة الأمريكية المطلقة، فكيف يمكننا القبول بأخذ أوامرنا من جنود إسرائيليين؟!" <BR><BR><BR>يواصل الجندي الأمريكي السابق قائلاً في كتابه (إسرائيل) كانت حاضرة في عملية الغزو التي قمنا بها ربما لأجلها.. نحن كنا مسيرين إلى حرب لم يكن لها فيها أي هدف؛ لأننا لم نفهم لماذا علينا أن نأتي من آخر العالم لغزو دولة ما بحجة تحريرها؟ لم يكن التحرير إلا وجهة أخرى نحو حرب شاملة لاحتلال دول أخرى في المنطقة.. كانت الخطة الجهنمية تتمثل في إثارة الفوضى في منطقة الشرق الأوسط بحيث لن تضطر أمريكا إلى الدخول إلى الحرب عسكرياً يشكل مباشر، بل بالدخول على شكل" حَكم" (Arbitre) يفض الخلافات والنزاعات التي ستقوم لأجل أن يكون هو البديل المطلق! لقد فهمنا ذلك حين بدأت عملياتنا تأخذ مأخذ العنف المطلق، حين تحولنا من جنود محررين إلى " إرهابيين" بزي عسكري أمريكي!"<BR><BR>• بداية النحول:<BR>لقد بدأ التحول والغضب حين أخذت الحرب مسار الإبادة المعلنة. كانت الأوامر الآتية من الإدارة العسكرية العليا واضحة وصارمة: إطلاق النار على كل ما يتحرك. والحال أن ذلك كان يعني إبادة الأطفال والنساء والشيوخ بغير ذنب.. <BR><BR>يعترف الجندي الأمريكي أنه شارك في العديد من العمليات العسكرية وحالات المطاردة ضد رجال المقاومة العراقية، يحكي عن هذا الجانب فيما تبقى من كتابه "القنبلة" قائلاً:" في شهر ونصف من العمليات والمطاردات، قتلت مجموعتنا أكثر من ثلاثين مدنياً عراقياً من بينهم أطفال. كان الأمر مهولاً بالنسبة لي ولزملائي. كنا خائفين من نيران المقاومة في مناطق صعبة في ضواحي بغداد وفي مدن أخرى مثل الفلوجة وبعقوبة.. ولهذا كانت الأوامر التي تكررت لنا تتجسد في إطلاق النار على كل ما يتحرك، واكتشفنا أننا أطلقنا النار على أطفال أيضاً.. كنا نمارس القتل العمد، وكانت الأوامر المستمرة التي تصلنا هي مزيد من القتل.. اقتل.. اقتل. إلى درجة فقدنا فيها إنسانيتنا تماماً!" <BR><BR>يضيف قائلاً:" تبقت لي سبعة أعوام لأحصل على تقاعدي من الجيش، وهو الذي سيسمح لي بالعيش وفق ما سيدفعونه لي كراتب تقاعد عسكري، ولكني رفضت أن أستمر.. لقد رفضت أن أواصل القتل والترويع.. فقررت الهرب...".<BR><BR><BR>لم يكن الهرب الذي يعنيه سوى ابتعاداً أدى في الأخير إلى اعتقاله بتهمة عصيان الأوامر، وترحيله إلى الولايات الأمريكية للمحاكمة. <BR>كان في نظر رؤسائه خطراً كبيراً؛ لأنه بدأ يتكلم وبدأ يرفض ويناقش الأوامر التي كانت تأتيه من القيادة. كان يثير الجنود كي يرفضوا إطلاق النار عشوائياً على المدنيين مما جعل القيادة تختار بين أن تلقي عليه القبض وإدانته بتهمة عصيان الأوامر (و هي التهمة الجاهزة ) أو تصفيته تحت غطاء إعلامي، أي اختطافه وربط عملية الاختطاف بجماعة من رجال المقاومة وبالتالي إعدامه بشكل "مسرحي" كما حدث مع العديد غيره ممن كانت القيادة العسكرية الأمريكية تدين "تعاطفهم" مع المدنيين العراقيين وتتهمهم بأنهم "يعارضون الأوامر"، كما كان حال النقيب " توني بريتان" الذي قيل أن "جماعة من جماعات المقاومة العراقية اختطفته وأعدمته" في الوقت التي أعلنت فيه عائلته أن القيادة العسكرية الأمريكية من قامت بعملية تصفيته لأن " توني بريتان " كان يعارض بشدة قتل المدنيين ويعارض الحرب القذرة في العراق عموماً. <BR><BR>في سياق عرضنا للكتاب، نشرت جريدة "لومانيتي الفرنسية" حواراً معه قال فيه: " أردت أن ألفت أنظار العالم كله إلى فظاعة الجرائم المرتكبة ضد الشعب العراقي. أردت أن أتصالح مع نفسي، فقد بقيت في العراق منذ بداية الحرب عام 2003م. ذهبت إلى العراق بإحساس جندي ذاهب للقيام بواجب مساعدة العراقيين، لكنني اكتشفت بشاعة الحرب حين رأيت بأم عيني طريقة القتل ضد الأبرياء، وأننا هناك في العراق للدفاع عن البترول".<BR><BR>ويضيف " لقد عانيت كثيراً وصرت قريباً من الانهيار العصبي. في شهر ديسمبر2003م، كانت فرصتي في التخلص من "عار" الجيش والعودة إلى الحالة المدنية، وإن كان رؤسائي قد قرروا إدانتي بتهمة العصيان والهرب من أداء الواجب، لكنني سعيد لأنني عصيت " أوامر" القتل العمد لسنوات أخرى".<BR>وعن ردة فعل زملائه هناك قال: " يوجد العديد من الجنود يقاومون الانهيار العصبي. الجنود الأمريكيون في حالة إحباط كبيرة وبعضهم يعرف جيداً أنه يمارس القتل العمد ولا يقدر على "عصيان" الأوامر. لكن حين قررت أن أنسحب تفهم بعض زملائي الأمر وحاولوا مساعدتي كي لا أحاكم بجريمة.<BR><br>