مسرحية الإسكندرية تحصد الأرواح, لا الجوائز
21 رمضان 1426

<P><BR><FONT size=3>بدلاً من أن تحصد جوائز, حصدت أرواح وجرحى, وبدلاً من أن تنتهي بالتصفيق انتهت بالعويل والصراخ وتناثرت من حولها القنابل المسيلة للدموع.. مسرحية المشأمة نثرت الكراهية وبثت الغضب, لم تكن عملاً فنياً ناجحاً بأدنى المقاييس وإنما نجحت في تفجير الفتنة وإشعال الموقف واحتراق القلوب أين منها محرقة مسرح بني سويف؛ فكان قدر مصر أن يحرق مسرح قصر ثقافة بني سويف أبدان الممثلين الناشئين ويحرق مسرح كنيسة ماري جرجس قلوب الغيورين..</FONT></P><BR><P><FONT size=3>عادت أحداث الزاوية الحمراء قبل 24 عاماً لتطل من جديد على الشارع الديني المصري, من خلال أحداث محرم بك بالإسكندرية الدامية لترسم عنواناً جديداً للاضطراب الذي تشهده الساحة المصرية على أعتاب مرحلة سياسية واجتماعية جديدة. </FONT></P><BR><P><FONT size=3>فإلى جوار كنيسة ماري جرجس انفجرت الأحداث مجدداً طوال يوم الجمعة الماضي, حيث استشهد ثلاثة مسلمين وجرح العشرات منهم واختنق المئات بفعل الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته السلطات الأمنية بغزارة من أجل الوقوف بطريق جموع بشرية مسلمة هائلة تعدت خمسة عشر ألفاً حاولت اختراق الاستحكامات الأمنية التي ضربتها قوى الأمن المصرية المكونة من مئات التشكيلات من الأمن المركزي والقوات الخاصة وفرق الكارتيه المدربة لمواجهة المظاهرات حول كنيسة ماري جرجس.<BR>وكانت تلك الجموع قد احتشدت بعد صلوات الجمعة والعصر والتراويح للمطالبة بشلح القساوسة المسؤولين ـ أي إقالتهم من مناصبهم الكنسية ـ عن عرض المسرحية المثيرة للجدل "كنت أعمى ثم أبصرت" والتي عرضتها وأنتجتها كنيسة ماري جرجس قبل فترة والتي اعتبرها المحتجون متطاولة على الدين الإسلامي والرسول _صلى الله عليه وسلم_ ومطالبين باعتذار لبطريرك الكرازة المرقسية الأنبا شنودة الثالث عن هذه المسرحية بعد مهلة أسبوع اكتفى خلاله المجلس الملي الكنسي بتقديم توضيح عن ملابسات عرض المسرحية قبل عامين ووقفها منذ ذلك الحين. </FONT></P><BR><P><FONT size=3>وتفجرت الأوضاع بعد أن قال شباب إنهم قد تلقوا D.V.D&nbsp; للمسرحية يوزع في الجامعات, ما أثار حفيظتهم ودفعهم للتظاهر بالعشرات أمام الكنيسة قبل عشرة أيام, لكن هذه الأعداد سرعان ما تزايدت لتصل إلى نحو 10 آلاف يوم الجمعة قبل الماضية.<BR>وما زالت حالة الاحتقان والغليان سائدة في المنطقة الشعبية السكندرية العريقة ذات الكثافة السكانية المرتفعة والتي تحوي سوقاً شعبياُ وعديداً من المحلات والقهاوي, ويحرص المئات على حضور صلاة الجمعة والتراويح بمسجد أولاد الشيخ الذي يعد من أحد أكبر مساجد الإسكندرية ولا يبعد سوى عشرات الأمتار عن الكنيسة. <BR>القيادات الدينية الإسلامية المحلية حاولت من جهتها تهدئة الأجواء؛ فقد قام الداعية السلفي د/ياسر برهامي بإلقاء خطبة في مسجد الفردوس بمنطقة محرم بك وإلى غير بعيد من بؤرة الأحداث دعا فيها المسلمين إلى الهدوء مذكراً بحالة الاستضعاف التي يمر بها المسلمون, مؤكداً على أن إجراءات يقوم بها المسؤولون في هذا الصدد لمحاسبة المتسببين في الأزمة, كما أكد على ضرورة ضبط النفس أيضاً كلا من النائب المستقل محمد البدرشيني والداعية الإسلامي محمد عبد الهادي, إلا أن الأحداث يوم الجمعة الماضية بدا أنها قد تجاوزت كل هؤلاء, حيث لم ير المحتجون في تحركات القيادات الدينية ما يشفي صدورهم الحانقة على ما اعتبروه استفزازاً من جانب المسيحيين الذين بدأ المسلمون يشعرون أنهم يزدادون نفوذاً في ظل ظرف دولي مساند لهم.<BR>وساهم في اشتعال الموقف عدم تمكن كثير من المصلين للوصول إلى مسجد أولاد الشيخ بسبب الطوق الأمني المفروض على محيط طويل. </FONT></P><BR><P><FONT size=3>وظل الطوق مضروباً على المنطقة التي شهدت حضوراً أمنياً متزايداً, وتبذل السلطات الأمنية جهوداً في احتواء الموقف إضافة إلى الرموز الدينية والقيادات الشعبية وعلى رأسها محافظ الإسكندرية الذي يحظى بشعبية كبيرة في الإسكندرية.<BR>&nbsp;<BR>تطاول المسرحية:<BR>&nbsp;<BR>والمسرحية كما بدا من خلال أحداثها احتوت على شطحات وتطاول على الدين والرسول _صلى الله عليه وسلم_, تمثل فيما يلي: <BR>1ـ تعريف الجهاد على لسان "أمير الجماعة" في المسرحية بقوله:"الجهاد كما وصفه رسول الله محمد _عليه الصلاة والسلام_ هو قتل كل شخص ليس علي دين الإسلام، أو طردهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم".<BR>2ـ التعريض بقضية الناسخ والمنسوخ في القرآن والادعاء على الإسلام ـ على لسان الأمير ـ بأنه الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كانت في مكة فقط ثم نسخت بآيات القتال في المدينة. وفي المسرحية لما تراجع الأمير عن وعوده قال: "نسخت كلامي", ورد أحد أتباعه:"ربنا بينسخ كلامه يبقى البشر مش حاينسخ كلامه"<BR>3ـ التعريض بشيوع الزواج العرفي لدى الإسلاميين من خلال شخصية حسن في المسرحية, والتي بدا أنها تقدم على الزواج العرفي من فتيات مسيحيات بغرض تنصيرهن. <BR>4ـ الإيحاء بأن لا أحد يفهم معاني القرآن في المسلمين, حتى "أمير الجماعة" الذي لا يفهم هو الآخر, لكنه يعتبر معجزة القرآن في السجع والقافية والموسيقي, وليس من وراء ذلك أي معجزة. ويتساءل "طه" المسيحي الذي أسلم في المسرحية "غريب قوي كلام القرآن ده.. مش مفهوم خالص.. هو ربنا هيكلم الناس كده بكلام مش فهمينه.. حتى الأمير عجباه أوي الموسيقي والشعر والقافية.. لكن برضه هو مش فاهم.. بالذمة دي مش حاجة تضحك؟! اما لو طلعوا كلهم كده مش فاهمين!! [ضحك]".<BR>5ـ الادعاء بأن من يدخل في الإسلام من المسيحيين؛ يدخله بسبب حاجته للمال؛ ولأن المسلمين يستقطبونه من هذه الناحية وليس لقناعة منه في هذا الدين. ثم توحي المسرحية أن المسلمين حتى في هذه لم يكونوا أوفياء بدفع المال إليه لقاء إسلامه.<BR>6<BR>ـ السخرية من تحية الإسلام (النطق بها بأسلوب ساخر), السخرية من الصلاة على النبي _صلى الله عليه وسلم_ (بترديد الأتباع للصلاة على النبي بشكل متكرر وببغاوي وسريع بطريقة تستجدي الضحك), السخرية من الدعاء (ومن دوره كأحد أسباب دخول الجنة), السخرية من مفهوم الجنة عند المسلمين (الجنة فيها المحمر والمشمر والمشوي والنساء), السخرية من سنة النبي _صلى الله عليه وسلم_ بلعق الأصابع إثر الطعام (يلعق الأمير أصابعه بصورة هزلية), السخرية من طريقة تلاوة القرآن (التمايل وغيره لدى قراءة القرآن), السخرية من سورة العاديات وتعمد تلاوتها بصورة خاطئة, السخرية من الصلاة (طه يقول لدى إيقاظه لصلاة الفجر"ده اللي انتم فالحين فيه..كل شوية أتوضى.. قوم صلي..يا ترى أخرتها إيه", السخرية من تعدد الزوجات في الإسلام, السخرية من الدين الإسلامي كله (يقول طه بعدما تبين له هذه الأشياء:"يظهر العملية عندكم بدنجان خالص واللي عاوزين تعملوه تعملوه", وكذلك من اسم المسرحية ذاته وهو "كنت أعمى ثم أبصرت ـ أي كنت مسلماً ثم ارتددت ـ)<BR>7ـ الادعاء على الإسلام بأنه يبيح زواج المتعة وما وصف بأنه "محدد المدة ومحدد الأجر".<BR>8ـ الادعاء على الإسلام بأنه دين يحث على قتل القساوسة وتخريب الكنائس وقتل غير المسلمين بالجملة.&nbsp; </FONT></P><BR><P><FONT size=3>أحداث الزاوية الحمراء تطل من جديد: </FONT></P><BR><P><FONT size=3>ويعيد المشهد في محرم بك نظيره في الزاوية الحمراء بالقاهرة في يونيو 1981 عندما تسبب خلاف بين أفراد من المسلمين والمسيحيين إلى أحداث دامية سقط فيها عشرات من القتلى والجرحى, وفسرت وقتها على أنها نتاج احتقان ازدادت وتيرته بالترافق مع عدة إجراءات وقرارات صبت في تأجيج الفتنة. <BR>وانتقدت عدة صحف وفعاليات سياسية تجاهل القيادات الدينية الرسمية لهذه الأزمة والاكتفاء بإفطارات الوحدة الوطنية التي يعتبرها المراقبون شكلية أكثر منها مؤثرة على حالة الانسجام الوطني في مصر, ولا تتجاوز تأثيراتها حدود قاعات الإفطار, ويلفتون إلى حادثة وفاء قسطنطين وغيرها التي أخفقت القيادات الدينية في إيجاد حلول لها تتسق مع موروثات الأمة الحضارية والدينية.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>ولوحظ أيضاً التشابه ما بين الحادثتين في التوظيف السياسي وأيضاً الحزبي الذي ترافق معهما, ففي حين عزا الأستاذ هيكل أحداث الزاوية الحمراء إلى مسارعة "بعض أعضاء حزب السادات إلى التدخل في الموضوع في محاولة انتهازية لإثبات تمسكهم الإسلامي, فإذا هم يدخلون في محاولات قانونية وغير قانونية لإيقاف بناء الكنيسة التي دار حولها النزاع" ـ على حد قوله ـ؛ اعتبر آخرون أن أحداث محرم بك هي محاولة سياسية بالأساس استخدمت فيها قضية دينية لدغدغة مشاعر المسيحيين واستفزاز مشاعر المسلمين لتحقيق أغراض قد يتجاوز مداها منطقة محرم بك التي خسر فيها رجل الأعمال الشهير عصمت ناثان الانتخابات السابقة (ثري قبطي) لحساب النائب محمد البدرشيني, بل ومدينة الإسكندرية إلى مصر كلها.. ويراها البعض محاولة تتساوق مع محاولات تأجيج الصراعات بين السنة والشيعة, والعرب والكرد في العراق, والبدو العرب والمقيمين الأفارقة في دارفور بالسودان, والعرب والأمازيج في الجزائر.. ومسلمي وأقباط مصر.. لكنها مع كل هذا لم يكن سياقها ذلك داعياً للسكوت عنها في هذا الوقت الذي يشهد انتفاشاً طائفياً لافتاً تعززه جملة من المشاهدات لا تبدأ عند اختفاء المهندسة وفاء قسطنطين ولا تنتهي عند مسرحية الكنيسة "كنت أعمى ثم أبصرت" ثم عميت مجدداً.</FONT></P><BR><P><FONT size=3></FONT>&nbsp;</P><br>