الإسلاميون والبرلمان بين الرفض والاجتهاد في فقه الواقع
13 رمضان 1426

<P><FONT size=3>في خلال أيام تبدأ الانتخابات البرلمانية في مصر وقد أعلنت جماعة الإخوان المسلمين دخولها الانتخابات بمئة وخمسين مرشحاً وهو عدد كبير بالنسبة&nbsp; لمرشحيها في الانتخابات السابقة حيث كان عدد المرشحين الإخوان حوالي مئة وقد كشف عدد من الإسلاميين المستقلين عن رغبته في الترشيح&nbsp; وهو تطور للإسلاميين من غير الإخوان, فمنذ سنوات&nbsp; بينما&nbsp; كانت كل التوجهات السياسية والفكرية تفعل تواجدها السياسي والفكري عبر آليات المجتمع المدني ومؤسساته؛ بقى الإسلاميون لهم موقف آخر من مؤسسات المجتمع خاصة موقفهم من المؤسسة التشريعية حيث رفع الإسلاميون باختلاف تجمعاتهم وتنظيماتهم لواء الرفض التام لدخول البرلمان المخول له سلطة التشريع الوضعي المخالف والمناقض للقاعدة الإسلامية التي يقوم عليها الحكم الإسلامي القاعدة التي ترفض كل حكم غير حكم الله وترفض المشاركة في كل حكم غير حكم الله وحيث إن البرلمان المنتخب من أهم أركان الديمقراطية النيابية وتجسيداً لمبدأ السيادة للشعب المرفوض في الفكر الإسلامي ونبذته الجماعات الإسلامية لقيامه على أساس أن البشر هم حكام أنفسهم يتخذون من المناهج ما يراه مجموعهم أو غالبهم غير صادرين في ذلك إلا عن مصالحهم التي تتحدد بدورهما وفقاً لما يرى المجموع أو ترى الغالبية وهذا يصطدم برؤية الإسلاميين للسيادة في الإسلام حيث إن السيادة لا تكون إلا لله رب العالمين صاحب الحاكمية العليا والمشيئة المطلقة&nbsp; قال _عز وجل_: "الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً" (الفرقان 2) </FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;وفى ذلك يقول (المفكر الإسلامي) أبو الأعلى المودودي: إن تصور الإسلام عن الحاكمية واضح لا تشوبه شائبة فهو ينص على أن الله وحده خالق الكون وحاكمه الأعلى وأن السلطة العليا المطلقة له وحده، أما الإنسان فهو خليفة هذا الحاكم أو نائبه والنظام السياسي لابد أن يكون تابعاً للحاكم الأعلى ومهمة الخليفة هي تطبيق قانون الحاكم الأعلى في كل شيء وإدارة النظام السياسي طبقاً لأحكامه.&nbsp; أ.هـ كتاب (الحكومة الإسلامية).</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;ولا يفوت الإسلاميين المؤيدين لكلام المودودى أن ينتقدوا الحكم الثيوقراطى القائم على التفويض الإلهى ويذكرون أنه نوع من الدجل استخدمه الملوك في أوربا وأنه غير موجود في نظام الحكم الإسلامي,حيث إن الحكومة الإسلامية محكومة بشرع سماوي واضح لا غموض فيه ومسئولة أيضا أمام ربها وأمام الأمة التي لها حق المعارضة بل والعزل أيضاً إذا خرجت الحكومة عن التشريع السماوي.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;على هذا الأساس كان الرفض لدخول البرلمان الذي وصفته وثائق وكتب ومنشورات الكثير من&nbsp; الجماعات الإسلامية بالأصنام ويكفر من دخله وفى أخف الأقوال الإثم ولم يقتصر ذلك على أصحاب الفكر السلفي بل كان موجوداً في جماعة الإخوان. فقد جاء للإمام حسن البنا في كتابه (مجموع الرسائل) ما نصه ونحن لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية ولا بهذه الإشكالية التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;يتضح مما سبق عمق جذور الرفض الإسلامي لدخول البرلمان ولكن هذا الرفض تعرض صوته للانخفاض وحجمه للتقلص في صفوف الجماعات الإسلامية&nbsp; نتيجة لتحديات ومعوقات كثيرة اعترضت تطبيق المشروع الإسلامي على ارض الواقع من النظم العلمانية وهبوب رياح الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب على المنطقة العربية واهتمام الغرب بتفعيل الفكر الغربي وفرضه بكل الطرق في المنطقة العربية خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتوجه بوصلة العداء الغربي إلى الجماعات الإسلامية في المنطقة وغير ذلك استدراج الجماعات الإسلامية إلى صراع عنيف غير متكافئ ومتعجل مع النظم العلمانية مما أضعفها وعزلها وقوى من ترسيخ المشروع الغربي في بلاد المسلمين فكان الاجتهاد من داخل الجماعات الإسلامية وأبرزها الإخوان المسلمون لتغيير المجتمع عبر الدور الإصلاحي من خلال التفاعل مع مؤسسات المجتمع واستندوا إلى حاجة الدعوى والضرورة وان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في مكة والأصنام حول الكعبة، فظهر الخلاف بعد الإجماع على الرفض وقامت الجبهة السلفية بالرد على ذلك بسيل من الكتب والرسائل وكان أبرزها نقد (المفكر الإسلامي) محمد قطب بان وصف استخدام طريق البرلمان بأنه عبث لا يؤدى إلى نتيجة حتى لو كان البرلمان كله من الإسلاميين لسهولة قيام انقلاب يحل البرلمان ينتهي كل شيء واستطرد في نقده ووصف دخول البرلمان بالتمييع في قضية الحاكمية لدى الجماهير وأضاف انه سذاجة سوف تستفيد منها النظم الوضعية ويخسر الإسلاميون.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;ولكن الإخوان مضوا في طريقهم الإصلاحي الذي ارتضوه ودخل البرلمان نواب من الإخوان في مصر والأردن واليمن والكويت ثم البحرين والمغرب وأثمرت التجربة عن ارتفاع الصوت الإسلامي في البرلمان وفى بعض البلاد كان له قوة في النقد والتوجيه الأخلاقي بدون تغيير ملموس عام في شكل النظام الوضعي وكان لتركيا تجربة خاصة مع الإسلاميين يقودها السياسي الإسلامي نجم الدين أربكان ولكن ما لبث أن انقلب عليه العسكر. التجربة عامة للإسلاميين شجعت أيضا التيار السلفي فكان لجبهة الإنقاذ في الجزائر دورها القوى في العمل السياسي والانتخابات الذي ما لبث أن تبدد مع انقلاب العسكر على الديمقراطية وكفرهم بها لمجرد أن الإسلاميين حصلوا على الأغلبية وغرقت الجزائر في حمامات دماء.<BR>&nbsp;<BR>ثم للتيار الإسلامي في الكويت تجربة مميزة وفريدة إلا أن الإخوان المسلمون في مصر حالة إسلامية خاصة تمثل نموذج لتفعيل فقه الواقع عبر تفعيل نظرية الضرورة الشرعية نظراً للضغوط والتحديات التي تواجه الإسلاميين فاعتبروا ذلك من قبل المحظورات التي تجيزها الضرورة، حيث إن التضييق على الإسلاميين ومشروعهم فتح الباب على مصراعيه أمام طوفان العولمة والعلمنة الذي اغرق الجماهير ولم يعد لها حصن دعوى وفكري يقف أمام ذلك الطوفان،&nbsp; وظهرت اجتهادات كثيرة أيضا من&nbsp; خارج الإخوان بارتكاب اخف الضررين بالتفاعل مع المؤسسات في الدولة والبرلمان للتقليل من المفاسد المتعدية إلى الجماهير وتوالت الأطروحات للخروج من العزلة وكان أبرز ما حصلت عليه جماعة الإخوان في مصر لتعضيد موقفها في دخول البرلمان فتوى نسبت لشيخ من أكبر الشيوخ السلفية في العالم الإسلامي وضعوها أمام كل المعارضين ومما يذكر أن الإخوان خاضوا الانتخابات في الثمانينات بالتحالف مع أحزاب واستطاعوا دخول البرلمان ولكن في انتخابات التسعينات أوقفت الدولة دخولهم البرلمان متعمدة (ويلاحظ الصراع كان مشتداً في ذلك الوقت بين الدولة والجماعات الراديكالية في مصر) إلا انه مع انتخابات 2000 أصبح للإخوان موقف فاعل في خوض الانتخابات خاصة أنهم يتمتعون بقوة تنظيمية اكتسبوها من خلال خبرة ممتدة أكثر من 50 عام وأيضاً قوة مادية توفرت لهم بناء على قيامهم بمشاريع اقتصادية ناجحة كثيرة واستطاعوا شحن الجماهير بالعاطفة الإسلامية وقربهم من الناس اجتماعياً أن يحشدوا الجماهير خلفهم وكان لانتفاضة الأقصى بميعادها القدري مع الانتخابات في مصر عامل مؤثر استغله الإخوان جيداً في طرح المشروع&nbsp; الإسلامي من وجهة الإخوان فحصلوا على 17 مقعداً في البرلمان من مئة مرشح&nbsp; رغم كثير من التحديات والمعوقات الأمنية وهم يعدون ذلك قليلاً بالنسبة لحضورهم الإسلامي وأن ذلك مؤشر لحب الناس للمشروع الإسلامي.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;ولا يفوتنا أن نذكر أن نتيجة لصراع الدولة مع الجماعات الراديكالية الإسلامية كانت الساحة السياسية خالية للإخوان وساعدهم في الانتخابات الأخيرة تغير صوت الرفض لدخول البرلمان ومحاولات الجماعات الإسلامية الأخرى الاجتهاد للتكيف مع الواقع بضرورياته وما فيه فكانت مبادرة وقف العنف من الجماعة الإسلامية الراديكالية وكانت ابرز المفاجآت من قبل المحسوبين على الجماعات الإسلامية السلفية في إعلانهم بتأسيس حزب الشريعة المصري ثم حزب الإصلاح للهروب من الحصار العلماني المضيق على كل منافذ الدعوى وسعيهم للتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني وآلياته عبر المعارضة السلمية كل ذلك صب في اتجاه دفع الإخوان للنجاح في انتخابات البرلمان رغم كل المعوقات لكن لم ينجح الإخوان أن يكون لهم دور مميز وفعال ومؤثر في البرلمان حيث إن من نجحوا في دخول البرلمان وقتها ليسوا من القيادات المعروفة وقليلي الخبرة في العمل السياسي الذي يختلف عن العمل الدعوى ولكن كان لهم صوت عبر الشكل الأخلاقي وينسحب ذلك على بعض التجارب الإسلامية في بعض الدول حيث يبدو للبعض أن المراد تواجد شكلي بعيد عن أي دور كقوة سياسية ولكن في انتخابات 2005 يعلن الإخوان عن ترشيحهم لمائة وخمسين كي يحصلوا على خمسين مقعد على الأقل فهل يتحقق لهم ذلك ، وإن تحقق ما الجديد الذي سيقدمونه في البرلمان في ظل أغلبية متوقعة للحزب الوطني الحاكم.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;لكن يبقى أن صوت الرفض لدخول البرلمان مازال موجوداً وسط الإسلاميين وإن كان بعض الإخوان المسلمين يعدون دخولهم البرلمان هدف فالجماعات الإسلامية التي تجتهد في تفعيل فقه الضرورة في الواقع تعتبر دخول البرلمان سبب ومرحلة تستغل لخدمة المشروع الإسلامي والدعوة.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;ويبقى أن عموم الإسلاميين لم تتغير نظريتهم للديمقراطية بشكلها الغربي ورفضهم لها ولكنهم يفرقون بين مدلولها القيمى وآلياتها، وأيضاً&nbsp; يجتهدون في كيفية التعامل مع آليات الديمقراطية في ظل الحرب المستمرة للمنهج الإسلامي.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;ولكن هناك&nbsp; وقفة هامة هنا, أن الإسلاميين يقدرون الدور الرقابي للبرلمان ويعدونه أساساً سليماً لدور نواب الشعب في البرلمان وان الدور التشريعي ينبغي أن يكون فيما لا نص فيه وان يكون موافقاً لقواعد الشريعة الإسلامية.</FONT></P><BR><P><FONT size=3>&nbsp;ولا يفوتنا أنه بعد أحداث سبتمبر وظهور الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه قوى نحو تفعيل الشكل والمضمون الغربي للمشروعات الحزبية الإسلامية وكان أبرز مثال حزب العدالة في تركيا الذي أتاح له العسكر الظهور بدون معوقات والذي اتهمه أربكان بالخيانة، وكان إقرارهم بالعلمانية ونفى قيادتهم أهدافهم الإسلامية أو أنهم حزب إسلامي.(شارك ونجح 14 امرأة متبرجة على قائمة الحزب في الانتخابات) وقد صرح عبد الله غول أحد قادة الحزب (وزير الخارجية الآن) لجريدة الشرق الأوسط: لا تسمنا إسلاميين نحن حزب أوربي محافظ حديث. هذا الشكل التركي الغربي تريد أمريكا جعله نموذجاً للإسلاميين مما جعل كثير من الإسلاميين يحذرون من فرض نموذج أمريكي للإسلام السياسي ويشددون في التحذير من أن فقه الأولويات وضغط الواقع ليس مسوغاً لتقبل هذا النوع من الإسلام الذي يفزعه من مضامينه الأساسية، وخاصة السياسية منها والتشريعية لعزله عن الحياة ليظل هناك تساؤل&nbsp; في ظل بانوراما التفاعل السياسي للإسلاميين في كافة الدول في أن فرض النموذج الأمريكي هل سوف يؤدى إلى تراجع اجتهادات الإسلاميين وتفاعلهم في العمل السياسي في ظل العولمة الأمريكية والراجح&nbsp; أن يستمر الإسلاميون في نضالهم السياسي بعد تراجع نظرية الصدام.</FONT></P><BR><P><FONT size=3><BR></FONT>&nbsp;</P><br>