أحلام النفط الأمريكية تغرق في الرمال العراقية
23 شعبان 1426

<P>على اختلاف أيديولوجيتهم السياسية، يتفق القادة الأمريكيون في الحزبين الديموقراطي والجمهوري، على مبدأ استخدام القوة في ضمان السيطرة على مصادر النفط في دول العالم.</P><BR><P>فمنذ عام 1945، خلال حكم (الرئيس الأمريكي السابق) فرانكلين روزفلت، اتجهت الولايات المتحدة إلى إقامة محميات عسكرية لها في الدول المنتجة والمصدرة للنفط.</P><BR><P>واستمرت السياسة الأمريكية حتى يومنا الحالي؛ بالسير على ذات الطريقة، عبر الانتشار العسكري السلمي في بعض الدول، أو القسري في دول أخرى.</P><BR><P>ومن خلال هذه السياسة، وجدت الولايات المتحدة نفسها وقد نشرت قواتها في مناطق عديدة في العالم، ساعدتها في الدخول إلى حرب باردة طويلة الأمد مع الاتحاد السوفيتي السابق، انتهت بفوزها، وسيطرتها على العديد من مناطق العالم، عبر اتفاقيات أو معاهدات أو تدخلات عسكرية سافرة..</P><BR><P>ولم يتردد الرؤساء الأمريكيون في استخدام هذه القوات عند الضرورة، من أجل حماية مصالح النفط الأمريكية في تلك الدول، كما حدث في الخليج بعد الغزو العراقي للكويت.</P><BR><P>إذ أرسل (الرئيس الأمريكي السابق) جورج بوش (الأب) مئات الآلاف من القوات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية في أغسطس 1990, كما نشر قوات بلاده في دول خليجية أخرى.</P><BR><P>وشكّل هذا الوجود العسكري الأمريكي عامل ثقة للولايات المتحدة في الحصول على الكميات المتزايدة من نفط الخليج العربي.<BR>ولنفس السياسة النفطية، غامر جورج بوش (الابن) في غزو العراق عام 2003، وحاول فرض السيطرة الأمريكية على منابع النفط ووزارتها في العراق، وعلى بقية المناطق الأخرى.</P><BR><P>الآن, وبعد أكثر من عامين على ذلك الغزو, أثبت المستنقع العراقي أن زيادة القوة العسكرية في طلب النفط قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويمكن أن يخفّض واردات النفط إلى أمريكا بدل أن يرفعها، وقد يساهم في رفع أسعار النفط بدل أن يخفضها.</P><BR><P><BR><FONT color=#0000cc>الاحتلال يطفو على بحر من النفط:<BR></FONT>المسألة لم تكن سراً، واهتمام القادة الأمريكيين بمنابع النفط (وعلى الأخص الموجودة في الخليج العربي) واضحة وصريحة.<BR>وعلى الرغم من أن النفط قد لا يكون المحرك الوحيد الذي قاد أمريكا إلى المنطقة وإلى غزو العراق، إلا أنه كان من أهم أسباب الغزو. ويبدو أن أكبر وضوح له ما جاء على لسان (نائب الرئيس الأمريكي) ديك تشيني، الذي أكد في خطاب له في أغسطس 2002 حاجة الولايات المتحدة للاحتفاظ بالسيطرة على إمدادات نفط الخليج العربي. في معرض كلامه حول الأسباب الداعية لإنهاء نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.</P><BR><P>وشكّل النفط أحد العوامل الرئيسة في التفكير الاستعماري لدى مؤيدي نزعة المحافظين الجدد الأساسيين في الإدارة الأمريكية قبل الغزو. والذين أشاروا في مرات عديدة إلى أن سيطرة الولايات المتحدة على النفط العراقي سيشل قدرة منظمة الدول المصدرة للبترول في التأثير على أسعار النفط واحتياجات السوق العالمية، وبالتالي يضعف مواجهة الدول العربية (لإسرائيل).</P><BR><P>هذا التخطيط المسبق أدى لظهور أفكار متفائلة عن مستقبل إنتاج النفط العراقي. ففي تقاريرها الدورية عن البترول العراقي, أكدت وزارة الطاقة الأمريكية أواخر 2002 أنه ومع وجود أجواء مناسبة للاستثمار، سيرتفع -وبسرعة- إنتاج العراق النفطي من 2.5 مليون برميل في اليوم؛ إلى 5 ملايين برميل أو أكثر!</P><BR><P>وفي سبيل ذلك، أنشأت وزارة الخارجية الأمريكية لجنة عمل خاصة بالنفط والطاقة العراقية، من أجل التخطيط لخصخصة أصول النفطي العراقي وتقديم الخبرات السريعة في إنتاج النفط.</P><BR><P>كما حصلت الإدارة الأمريكية على وعود من عميل البنتاغون السابق أحمد الجلبي (المسؤول عن البنية التحتية للطاقة في العراق الآن!) بأن يكون للولايات المتحدة وشركاتها النفطية النصيب الأكبر والأولوية المطلقة في نفط العراق.</P><BR><P>إضافة لتلك الأحلام الكبيرة في تهديد منظمة الدول المصدرة للنفط، والأموال التي ستجنيها أمريكا من ذلك، حلمت الولايات المتحدة أن تعيد حقول النفط العراقية (عند بدء إنتاجها من جديد) الأموال الضخمة التي تكلفتها لاحتلال العراق. وهو ما أكده بكل ثقة لاري ليندسي (مستشار البيت الأبيض الاقتصادي) والذي قال: " إن الغزو الأمريكي المخطط سيرفع إنتاج النفط العراقي، وبالتالي سينشط الاقتصاد الأمريكي ".</P><BR><P>وأضاف ليندسي في مقابلة مع مجلة وول ستريت في سبتمبر 2002 " عندما نقوم بتغيير النظام الحاكم في العراق، يمكن أن نضيف 3 إلى 5 ملايين برميل نفط يومياً للإنتاج النفطي العالمي، لذا فإن المقايضة الاقتصادية للحرب ستكون ناجحة، وستكون جيدة للاقتصاد".</P><BR><P>وفي إحدى تعليقاته المتفائلة سابقاً، قال بول وولفويتز (نائب وزير الدفاع الأمريكي) في جلسة استماع أمام الكونجرس: " إن الإيراد النفطي للعراق يمكن أن يقدم بين 50 بليون و100 بليون دولار خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة"!<BR>ووصف وولفويتز العراق بأنه "بلد تسير فيه السيارات على بحر من نفط".</P><BR><P>لذلك، فإن أولوية قيادة الاحتلال في العراق ومع بداية انتشارها في بغداد، كانت السيطرة على وزارة وحقول النفط، ومصافيه. وكان هذا واضحاً وصريحاً في الإعلام خلال تلك المدة.</P><BR><P>وكمثال، كتب مراسل صحيفة النيويورك تايمز في 23 مارس: " جنود القوات الخاصة البحرية استولوا على محطتي نفط عراقيتين في الغارات التي انتهت في وقت سابق من هذا الصباح, وحققت القوات الأمريكية نصراً سلمياً في معركتها لاحتلال امبراطورية النفط العراقية الشاسعة! ".</P><BR><P><FONT color=#0000cc>الاحتلال وسط حرائق النفط:</FONT><BR>خلال الأيام التالية للوجود الأمريكي في العراق؛ تغيّرت الرياح عكس رغبة السفينة الأمريكية، إذ لم يصمد الجنود الأمريكيون قليلو الخبرة في حماية المنشآت النفطية؛ أمام المسلحين العراقيين، الذين كانت إحدى استراتيجياتهم؛ استنزاف قوات الاحتلال باستهداف حقول وخطوط النفط العراقية، لقطع الطريق أمام سرقة النفط من البلاد.</P><BR><P>واستمر المسلحون في هذه السياسة، ما استدعى قيادة الاحتلال إلى سحب قواتها من حماية تلك المنشآت، وإسناد هذه المهمة لشركات أمن خاصة، أغدقت عليهم بالملايين، أملاً في امتصاص أكبر قدر ممكن من النفط (الحلم).<BR>وخلال اهتمامها بالنفط بشكل رئيسي على حساب تجاهلها للبنية التحتية للعراق والمنشآت المدنية الأخرى، بات من المؤكد -عالمياً- الانطباع السائد بأن أمريكا قدمت إلى العراق من أجل سرقة نفطه، والسيطرة على منابع النفط فيه.</P><BR><P>ويبدو أن معظم الجماعات المسلحة العراقية (على اختلاف أساسها وعقيدتها) مدركة تماماً لنية واشنطن في امتصاص النفط العراقية من أجل تمويل حربها وفرص سيطرتها. من أجل ذلك، عملت الكثير من هذه الجماعات على ضرب واستهداف خطوط أنابيب العراق ومحطات الضخ ومحطات التكرير. </P><BR><P>وطبقاً لإحدى المصادر العراقية، فإن المسلحين نفذوا نحو 230 هجوم كبير على البنى التحتية للنفط العراقي ما بين يناير 2004 وسبتمبر 2005, ما أدى إلى خسارة بلايين الدولارات لأمريكا.<BR>يشير معهد تحليل الأمن العالمي إلى بعض تلك الهجمات، ذات التأثير الحقيقي على إنتاج وتصدير النفط العراقي، منه على سبيل المثال:</P><BR><P>في إبريل 2004 قام فدائيون بتفجير زورق مفخخ بالقرب من محطة تكرير.<BR>في 20 أغسطس: هاجم المسلحون خط أنابيب النفط الرئيس بين بيجي وبغداد. <BR>في 26 أغسطس: خرب المسلحون بئر بترول فعالة شمال كركوك. <BR>في 27 أغسطس: انفجار قنبلة أسفل خط أنابيب النفط الذي يزود معمل تكرير في منطقة الدورة ببغداد, ما أشعل النار في الخط لأكثر من ساعة.<BR>وغيرها من الهجمات المكررة والاستراتيجية.</P><BR><P><FONT color=#0000cc>الأحلام الأمريكية تغوص في رمال الصحراء:<BR></FONT>بسبب مثل هذه الهجمات التي تستمر بشكل شبه يومي, تدهور إنتاج النفط العراقي بشكل واضح منذ غزت الولايات المتحدة العراق.<BR>وطبقاً للبيانات الرسمية، فإن العراق بات ينتج 1.9 مليون برميل نفط في اليوم الواحد، مقارنة مع 2.6 في يناير 2003، أي قبل وقت قصير من اجتياح البلاد.</P><BR><P>على الرغم من نشر القوات الأمريكية في المنشآت البترولية الأساسية وزيادة الأموال الرامية لاستثمار استخراج النفط، وتأمين حمايته من المسلحين، تبدو وزارة الدفاع الأمريكية وقد فشلت تماماً في تحقيق أهدافها برفع زيادة الإنتاج النفطي العراقية.<BR>تقول صحيفة الفاينانشل تايمز في يونيو 2005: " في الشمال, يبدو خط أنابيب تصدير العراق الرئيس ضعيفاً جداً أمام هجمات المسلحين، وبات من شبه المستحيل تأمين حماية له".</P><BR><P>وتضيف الصحيفة البريطانية أنه " وأثناء ذلك، أصبحت النزاعات القبلية المحلية في الجنوب والتي كثيراً ما تبقى طي الكتمان، عائقاً كبيراً أمام استعادة إنتاج النفط في حقول البترول. وفي مقابل زيادة تكاليف التأمين والحماية، وارتفاع فواتير إعادة البناء الأخرى، تنخفض الأموال الواردة من صناعة النفط بالعراق".</P><BR><P>هذه البيانات -إن كانت صادقة بالفعل- تؤكد حقيقة أن استخدام القوة العسكرية في السيطرة على إنتاج النفط العراقي أدى لنتائج سلبية، وساهم في قلة النفط المطروح في السوق العالمية، وبالتالي في رفع أسعار النفط، وفوق ذلك كلّف دافعي الضرائب الأمريكيين بلايين الدولارات كل عام، من أجل دفع تكاليف مغامرة عسكرية لا تزال تحلم ببراميل النفط بين الرمال العراقية.</P><BR><P>&nbsp;</P><br>