هل انتهى الصراع الدبلوماسي النووي بين أمريكا وكوريا الشمالية؟
18 شعبان 1426

بعد ثلاث سنوات من التقارب والتباعد على طاولة المباحثات الدولية؛ أعلنت كوريا الشمالية يوم الاثنين الماضي تنازلها عن طموحاتها النووية، والعودة إلى الحظيرة الدولية المقصاة عن أحقية امتلاك السلاح النووي، في رابع مباحثات سداسية تعقدها مع القطب الأهم.. الولايات المتحدة.<BR><BR>جاء هذا الانفراج النووي، بعد سنوات من الإصرار الكوري الشمالي على أحقية امتلاك السلاح النووي، في وجه مخاطر التدخل العسكري الأمريكي في البلاد الاشتراكية الفقيرة. رافقتها عدة انفجارات دبلوماسية بين الدولتين.<BR>إلا أن التساؤلات التي تلت الإعلان عن هذا الاتفاق هو " هل انتهت بالفعل الأزمة النووية في كوريا الشمالية؟!".<BR><BR>دولياً، يعد هذا الحدث انفراجاً كبيراً في أزمة أثارت العديد من التكهنات والتساؤلات حول احتمال توجيه ضربة أمريكية لكوريا الشمالية، التي تعد -أمريكياً- إحدى دول الشر العالمية، إلى جانب إيران والعراق (سابقاً).<BR>فخلال السنوات الماضية، تأهبت كوريا الشمالية عدة مرات لمواجهة تدخل عسكري أمريكي محتمل، وأعلنت في إحدى المرات امتلاكها للسلاح النووي، مهددة باستخدامه ضد الأمريكيين، فيما هددت الولايات المتحدة بيونغ يانغ بمهاجمتها، والتضييق عليها دولياً واقتصادياً، كما أعلنت في يونيو 2003م إعادة نشر 37 ألف جندي أمريكي من قواتها الموجودة في كوريا الجنوبية على الحدود بين الكوريتين، في إشارة عسكرية واضحة لبيونغ يانغ.<BR>وأعلنت واشنطن أيضاً عن استثمار أحد عشر مليار دولار في عمليات تحديث وتطوير أنظمة الصواريخ والاستخبارات العسكرية في كوريا الجنوبية على مدار الثلاث سنوات المقبلة!<BR><BR><font color="#0000ff">بداية الأزمة:</font><BR>بدأت الأزمة النووية الكورية في أكتوبر عام 2002م، خلال زيارة (مساعد وزير الخارجية الأمريكي) جيمس كيلي إلى بيونغ يانغ، والتي أعلن منها امتلاك الولايات المتحدة لأدلة على وجود برنامج سري لإخصاب اليورانيوم لدى كوريا الشمالية، مشيراً إلى أن هذا البرنامج يخرق الاتفاقية النووية التي وقعتها يونع يانغ عام 1994م، والتي تنص على إيقاف أي برامج نووية كوريّة، مقابل بناء مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف، ويتم تزويده بالشحنات اللازمة لعمله من الولايات المتحدة.<BR><BR>وبعد هذا الحدث الذي شكّل مفترقاً في طريق سياسة بيونغ يانغ النووية، تدهورت العلاقات الأمريكية_ الكورية الشمالية بشكل مستمر، وصولاً إلى طلب كوريا الجنوبية من الصين التدخل في هذه القضية لاستغلال نفوذها في كوريا الشمالية في محاولة لثنيها عن مشروعها النووي الذي بات "مفضوحاً".<BR>إلا أن هذا التدخل قوبل برد فعل قاسٍ من قبل كوريا الشمالية التي أعلنت بعد أسبوع تقريباً من التدخل الصيني؛ انسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، قبل أن تقوم بطرد المفتشين النووين الدوليين من البلاد.<BR><BR>وبعد تهديدات عسكرية أمريكية بالتدخل، ومباحثات دولية عديدة، دخلت فيها روسيا واليابان، وافقت كوريا الشمالية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، عبر محادثات دولية عرفت بالمحادثات السداسية، والتي ضمّت كلاً من كوريا الشمالية والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والصين واليابان وروسيا.<BR><BR><font color="#0000ff">سنوات المفاوضات:</font><BR>خلال السنوات التالية، شهدت الدول المعنية بالأزمة الكورية الشمالية؛ أربع مباحثات سداسية مشتركة، انتهت 3 منها بالفشل والتوقف لأوقات طويلة، قبل إقناع الأطراف بالعودة إلى طاولة المفاوضات من جديد.<BR>ورغم ما حدث في العراق من احتلاله أمريكياً، بعد حجة وجود أسلحة نووية فيه، إلا أن كوريا الشمالية فضّلت الإصرار على موقفها الرافض للانصياع لأمريكا، محددة شروطاً لم تتنازل عنها طوال مدة المفاوضات.<BR><BR>إلى جانب المفاوضات السداسية حول الأزمة النووية، شهدت الدول المشاركة اجتماعات ومباحثات هامشية، حاولت التقريب بين وجهات النظر للدول المتنازعة.<BR>على سبيل المثال، أدت المباحثات بين الكوريتين الشمالية والجنوبية (واللتين تمتلكان تاريخاً طويلاً من الخلاف والاقتتال) إلى تقارب سياسي سمح بانفراجة على الساحة الاجتماعية، حيث سمح للمواطنين في الكوريتين بزيارة أقاربهم بعد سنوات طويلة من المنع التام للتنقل بين الدولتين.<BR>كما زار العديد من المسؤولين في الدولتين الجارتين بعضهما البعض، وحدثت بعض الاتفاقية التي تنصب في صالح إنهاء الخلاف بين الكوريتين.<BR>كما حاولت اليابان وكوريا الشمالية توثيق العلاقات بينهما بعد سنوات من القطيعة، التي تمتد جذورها إلى فترة السبعينات. إذ أعلنت الدولتين على هامش الإعلان النووي الأخير، عن إطلاق مباحثات ثنائية لتطبيع العلاقات بين البلدين.<BR><BR>ويبدو أن العدوى انتقلت إلى الأمريكيين، الذين أعلنوا بأنهم سيقومون بتطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية (!)، رغم أنها إحدى دول محور الشر بالنسبة لأمريكا، وقد شكّل هذا الإعلان مفاجأة كبيرة للمراقبين والدول المعنية.<BR><BR>المباحثات السداسية هدفت إلى نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية (بشقيها الجنوبي والشمالي)، ووقف أي برامج نووية مسلحة، وإخضاع كوريا الشمالية للتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفتح منشآتها أمامهم. في المقابل طالبت كوريا الشمالية إعلاناً أمريكياً صريحاً عن تعهداتها بعدم المساس بالسيادة الدولية لبيونغ يانغ، وعدم إجراء أي تدخل عسكري ضدها، وتأمين مساعدات لإقامة مشاريعها النووية السلمية.<BR><BR><font color="#0000ff">الإعلان الأخير:</font><BR>جاء الإعلان الأخير بمثابة مفاجئة دولية، بعد سلسلة من الإخفاقات الدبلوماسية لسنوات طويلة حول ذات الملف.<BR>وصدر الإعلان عن المسؤولين الستة التابعين للدول المعنية بالملف النووي، عبر بيان مشترك في بكين، أقرت فيه كوريا الشمالية إيقاف أي نشاط نووي مسلح، وفتح أراضيها أمام المفتشين الدوليين، فيما تعهدت أمريكيا باحترام سيادة كوريا الشمالية، وتعهّدت بعدم التعرض لها عسكرياً، كما تعهدت الدول الخمسة بإمداد كوريا الشمالية بالوقود والطاقة اللازمة لها، وفق ما تناقلت وكالات الأنباء العالمية، نقلاً عن وكالة الأنباء الصينية.<BR>كما أكدت الولايات المتحدة عدم نشرها أي أسلحة نووية في كوريا الجنوبية (الحليف القوي لأمريكا في المنطقة).<BR>وحددت الدول الستة شهر نوفمبر المقبل تاريخاً لاستئناف محادثاتها التي ستتضمن المزيد من التفاصيل، وتنفيذ الخطوات الملموسة لتحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية، وفقاً للبيان.<BR><BR><font color="#0000ff">الخلافات من جديد!</font><BR>عندما طلب الصحفيون من المفاوض الأمريكي الرئيسي في المحادثات (كريستوفر هيل) تحديد الوقت المناسب لمناقشة قضية المفاعلات النووية التي تعمل بالماء الخفيف في كوريا الشمالية، قال هيل: " إن التوقيت سيحدد عندما تتخلص كوريا الشمالية من أسلحتها النووية وجميع برامجها الحالية، وتنضم من جديد لاتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية".<BR>مضيفاً أنه يتوقع من بيونغ يانغ أن "تتحرك فوراً لوقف أعمالها في مفاعل (يونجبيون)، وتفتحه أمام المفتشين الدوليين".<BR>إلا أن الرد الكوري الشمالي لم يأت على الفور، فبعد يوم من هذا التصريح الأمريكي، أعلنت بيونغ يانغ أنها لن تتخلى عن برامجها النووية قبل إعطائها ضمانات ببناء مفاعل ننوي حديث لإنتاج الطاقة الكهربائية.<BR>وقال (نائب وزير الخارجية الكوري الشمالي) كيم كي جوان: " إن بلاده لن تتخلى أولاً عن أسلحتها، ولن تتخذ الخطوة الأولى بتفكيك برامجها النووية".<BR><BR>قوبل هذا التصريح المفاجئ برد فعل ياباني سريع، إذ أعلنت الحكومة اليابانية على لسان وزير خارجيتها أن هذا التصريح "غير مقبول".<BR>فيما قالت الولايات المتحدة: " إن ما تطلبه بيونغ يانغ لا يتماشى مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه نهاية جولة المباحثات في العاصمة الصينية بكين الاثنين".<BR>وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية: "من الواضح أن ذلك لم يكن الاتفاق الذي وقعت عليه بيونغ يانغ، وسوف ننتظر ونرى ما ستأتي به الأسابيع القادمة".<BR>أما كوريا الجنوبية، فقالت على لسان وزير الوحدة : " إن القضية ستناقش قبل الجولة القادمة من المفاوضات المقرر عقدها في نوفمبر المقبل".<BR><BR>ويرى مراقبون سياسيون، ومصادر إعلامية، أن هذا الشرخ السريع في الاتفاق الوليد بين الدول الستة، ينذر بتجدد الخلافات بين القطبين الرئيسين (كوريا الشمالية والولايات المتحدة)، إلا أنهم يشيرون إلى أن الإعلان المشترك شكّل بنية أساسية وهامة على طريق حل النزاع النووي هناك.<BR>ولكن إن زادت حدة التوتر الإعلامي مجدداً بين القطبين الرئيسين، فإن ذلك يعني سقوط المحادثات السداسية الرابعة في نفس الحفرة التي وقعت فيها سابقاتها.<BR><BR><font color="#0000ff">هل تمتلك كوريا الشمالية سلاحاً نووياً:</font><BR>يبقى التساؤل الأكبر إن كانت كوريا الشمالية تمتلك سلاحاً نووياً حقيقياً أم لا؟<BR>من الصعب الإجابة بشكل دقيق على هذا التساؤل، خاصة في ظل العزلة شبه الكاملة التي يعيشها هذا البلد الاشتراكي صاحب الإرث الشيوعي من الاتحاد السوفيتي السابق، منذ سنوات طويلة.<BR>إلا أن التقارير الإعلامية التي بنت توقعاتها على التحليلات الاستخباراتية الأمريكية بالدرجة الأولى؛ تؤكد أن كوريا الشمالية تملك وسائل إنتاج البلوتونيوم، وهو مكون رئيسي في صناعة الأسلحة النووية.<BR>كما تملك مفاعلا نوويا قيد التشغيل في مدينة بيونغبيون، ويمكنه إنتاج ما يكفي من البلوتونيوم لصناعة نحو سلاح نووي واحد كل عام.<BR>فضلاً عن ذلك فقد أظهرت كوريا الشمالية القدرة على إنتاج وتنقية البلوتونيوم، حيث أنتجت على الأقل كميات محدودة في الثمانينات وأوائل التسعينات.<BR>وأعلنت في فبراير الماضي أنها تمتلك سلاحاً نووياً بالفعل، رغم عدم رصد أية تجارب عليه من قبل أجهزة الرصد الأمريكية المنتشرة في سماء ومحيط كوريا الشمالية والجنوبية.<BR>كما توجد حقيقة مؤكدة وهي امتلاك كوريا الشمالية لنحو ثمانية آلاف قضيب وقود نووي، استخدمت في تشغيل مفاعلها في أوائل التسعينات، ويعتقد أنها تحوي ما بين 25 و30 كيلوجراماً من البلوتونيوم، وهو ما يكفي لصناعة ما بين خمسة وستة أسلحة نووية.<BR><BR>يقول مسؤولو الاستخبارات الأمريكيون: " إنهم رصدوا عبر الأقمار الصناعية التجسسية تحركات بين المنشأة التي تضم ثمانية آلاف قضيب نووي مشبع بالبلوتونيوم، وبين منشأة أخرى من المفترض استخلاص البلوتونيوم بها".<BR>غير أنه يلزم دليل ملموس حتى يتسنى لأجهزة الاستخبارات تأكيد أن عملية استخلاص البلوتونيوم قد جرت حقاً، إما من مصادر بشرية يعتمد عليها أو عن طريق تنصت إلكتروني، أو عن طريق رصد غازات معينة تنبعث في الجو حينما يتم معالجة أو استخلاص مواد نووية في مفاعل، وهو ما لم تحصل عليه أمريكا حتى الآن.<BR><BR>يذكر أن إعلان التوصل لاتفاق بين الدول الستة جاء بعد تصريح لبرنامج الغذاء العالمي، الذي أشار إلى أن كوريا الشمالية تتجه نحو أزمة غذائية إنسانية، تعد الأسوأ منذ أزمة أواسط التسعينيات، والتي قتلت حوالي مليون مواطن في كوريا الشمالية.<BR>ونشر برنامج الغذاء العالمي توقعاته بأن يواجه الجوع نحو 6.5 مليون كوري شمالي خلال هذا العام، وسط حاجة البلد إلى معونات إنسانية غذائية.<BR><BR><BR><br>