هل تصبح تركيا جسرا (إسرائيليا) للتطبيع؟
16 شعبان 1426

اللقاء التاريخي العلني الذي عقد في مدينة اسطنبول التركية في الأول من سبتمبر الجاري لتطبيع العلاقات بين باكستان و"إسرائيل" أثار العديد من المخاوف لدي الأوساط العربية والإسلامية لما يحمله من تقارب واضح في العلاقات بين الدولة الإسلامية باكستان والدولة اليهودية. وكما كان متوقعاً فقد بدأت "إسرائيل" بجني ثمار انسحابها من غزة، فقد أثبت اللقاء الذي جمع بين (وزير الخارجية الباكستاني) خورشيد محمود قصوري "والإسرائيلي" سيلفان شالوم على التحول النوعي في المرحلة الجديدة التي تمر بها المنطقة. والملفت للنظر أنه على الرغم لم يمض على الانسحاب "الإسرائيلي" لمدينة غزة الفلسطينية مدة طويلة حتى ظهر للعيان (وزير خارجية باكستان) خورشيد قصوري عقب لقائه نظيره "الإسرائيلي" سيلفان شالوم ليعلن أن بلاده سترتبط دبلوماسياً مع "إسرائيل". ورغم أن قصوري لم يعلن صراحة طبيعة هذا الارتباط فإنه اعتبره تقديراً للانسحاب "الإسرائيلي" من غزة، ويؤكد ما كان المراقبون يرونه تقارباً في السر. اللافت في هذا التطور الجديد هو أنه يأتي متسقاً مع تحالف استراتيجي بين باكستان والولايات المتحدة من جهة وتقارب بينها وبين الهند من جهة أخرى . وكان (وزير الدولة التركية) محمد علي أيدن قد وصف اللقاء بين وزيري خارجية باكستان و"إسرائيل" بـ"الخطوة المهمة" تجاه السلام في الشرق الأوسط، فيما أشار إلى أن تركيا استضافت هذه المحادثات الخاصة بناء على طلب باكستاني من (رئيس الوزراء) رجب طيب إردوغان لإجراء لقاء ثنائي مع "إسرائيل" سعياً لتبادل الآراء وتطبيع الحوار بين البلدين، وقال:"هذه خطوة مهمة للسلام في الشرق الأوسط، ونحن واثقون أن الخطوات الإيجابية ستتبعها. ومن هذا المنطلق، فإننا كحكومة نفعل ما بوسعنا من أجل المساهمة في السلام في العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط" ومضى يقول بأن رئيس الوزراء قام بالإجراءات اللازمة لتأمين عقد هذا الاجتماع باسطنبول، وبأنه موكل باسم إردوغان في استضافته وأضاف:"مهمتي تتلخص فقط في الترحيب بالضيوف الأعزاء باسم رئيس الوزراء وتأمين اللقاء بين الطرفين بشكل ثنائي خاص" في إشارة إلى أن الاجتماع جرى بشكل ثنائي بين الطرفين الباكستاني اليهودي دون مشاركة تركية. إلى ذلك، أعلن (وزير الخارجية الباكستاني) خورشيد محمود قصوري في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره "الإسرائيلي" سيلفان شالوم عقب الاجتماع بأن (الرئيس الباكستاني) برويز مشرف اتصل بنظيره الفلسطيني محمود عباس، والذي أيد عقد هذا اللقاء مع شالوم ، ورحب بها كثيراً فيما أكد استعداد بلاده التام لفتح قنوات حوار وارتباطات مع "إسرائيل" لتشجيع الحوار بين الدول الإسلامية مع "إسرائيل". من جهته، قال (وزير الخارجية الإسرائيلي) سيلفان شالوم للصحفيين: إن الدولة اليهودية تأمل في استخدام الاجتماع لفتح قنوات جديدة للحوار مع العالم الإسلامي مؤكداً بأن "إسرائيل" يمكن أن تقيم علاقات طيبة ومفيدة مع العالم الإسلامي تعود بالمنفعة للجميع، كما شكر شالوم الرئيس الباكستاني على دعم السلام بين "إسرائيل" والعالم الإسلامي مؤكداً بأن هذا اللقاء الأول بين البلدين سيمهد المستقبل للسلام وسيكون لمصلحة جميع شعوب المنطقة وأضاف:"لقائي مع نظيري الباكستاني هام جداً كونه مع زير دولة إسلامية كبيرة.. ولدينا اتصالات سرية مع كل الدول العربية، ونأمل أن تصبح علنية قريباً"، ويشير المراقبون إلى أهمية الدور الذي لعبته تركيا في أن تكون جسراً للحوار بين الدولة الإسلامية باكستان والدولة اليهودية في أول محادثات علنية تجري على الإطلاق بين البلدين مما يدعم موقعها الاستراتيجي المميز، ويؤهلها للعب دور أكبر حيوية في المنطقة. وكانت صحيفة ميللى جازيت التركية الإسلامية قد انتقدت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب إردوغان مؤكدة أن هذه الحكومة مستمرة في تأدية دورها والمهام المكلفة بها في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير بهدف خدمة المصالح "الإسرائيلية" في المنطقة مشيرة إلى أن أنقرة وفى هذا الإطار وبتعليمات من إردوغان شخصياً قامت باستضافة اجتماع باكستاني "إسرائيلي" في اسطنبول لمحاولة تطبيع العلاقات بين البلدين، وشددت الصحيفة على أن إردوغان يقترب يوماً بعد يوم من "إسرائيل" جراء ممارسات اللوبي اليهودي الأمريكي مما جعله يتحرك للقيام بدور الوساطة بين باكستان و"إسرائيل" واصفة ما تعيشه العلاقات التركية "الإسرائيلية" هذه الأيام بأنه شهر عسل غير مسبوق. أول هذه المكاسب الباكستانية لما جرى هو فتح الطريق بعلاقة وطيدة مع الولايات المتحدة باعتبار أن "إسرائيل" هي الطفل المدلل لها، أما المكاسب الأخرى فهي السلاح "الإسرائيلي" المتقدم من "إسرائيل" ومعه التكنولوجيا الحربية ثم التجارة والمشاركة الاقتصادية وكسب العلاقات في المحافل الغربية، ولكن المكسب الأكبر لباكستان وبجانب هدف استخدام العلاقة مع "إسرائيل" لإضعاف التحالف "الإسرائيلي" الهندي، أما المكاسب التركية فتعد تركيا "إسرائيل" بمثابة الباب الأمامي والباب الخلفي المؤدي إلى الولايات المتحدة، كما أن "إسرائيل" تملك أيضاً منافذ خاصة بها إلى الاتحاد الأوروبي الهدف المنشود التي تسعى إليه منذ سنين طويلة، كما أن لتركيا مشاكل خارجية عديدة مع الدول المجاورة لها وهي اليونان وقبرص وأرمينيا خاصة بالحدود والمياه والأقليات والنفوذ بالإضافة لمشاكل حزب العمال الكردستاني الانفصالي والأقلية العلوية. كل ذلك دفع تركيا إلى الارتماء في أحضان "إسرائيل" من أجل مساعدتها على حل هذه المشاكل بما لها من نفوذ في الدول الغربية والشرقية على السواء. هذا بالإضافة إلى حاجة تركيا إلى التكنولوجيا "الإسرائيلية" ذات الأصل الأمريكي لتحديث قواتها المسلحة ومساعدتها العسكرية بجانب الاستفادة أيضاً باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لموازنة اللوبي اليوناني واللوبي الأرميني ذوي النفوذ في الكونجرس. ومع هذا، فإن كلا البلدين المسلمين يخسران الكثير جداً من مبادئهما وسيادتهما وحضورهما الإسلامي والإقليمي على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب هذه المكاسب المؤقتة. الولايات المتحدة الأمريكية التي لعبت دوراً كبيراً في تشكيل التحالف التركي "الإسرائيلي" الذي أبرم في عام 1996م، والذي تحول فيما بعد إلى شراكة استراتيجية تسعى في الوقت الحالي لتأسيس تحالف "إسرائيلي" – باكستاني، وتعمل حالياً لتحويل هذين التحالفين إلى محور جديد، ولعل الضغوط الأوروبية القوية التي واجهتها الولايات المتحدة في المدة الأخيرة دفعت واشنطن للعمل على تشكيل جبهة جديدة من هذه المحاور الثلاثة. في الحقيقة لقد بدأت هذه المحاور الثلاثة بالتطور المتوازي في التحالف العسكري الموجود بين تركيا و"إسرائيل"، ومما لاشك فيه أن حكومة حزب العدالة والتنمية تتعرض لضغوط كبيرة من واشنطن واللوبي اليهودي في أمريكا لإقناعها بضرورة التعاون مع "إسرائيل" من أجل استمرار التحالف العسكري بين البلدين وعلى ضوء ذلك ستعمل الولايات المتحدة على خلق أرضية واسعة للتعاون بين أنقرة وإسلام أباد كل هذه الأمور ستضع الحكومة التركية أمام امتحانات صعبة، خصوصاً أن الولايات المتحدة الجار الجديد لتركيا تملك الكثير من الأوراق في مساوماتها مع تركيا وفي مقدمتها الأمور الاقتصادية، إذ إن تركيا ما زالت تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية التي عصفت بها في التاسع من فبراير من عام 2001م. <br>