الهند وأمريكا و التعاون النووي
11 شعبان 1426

مع التوقيع على معاهدة التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والهند، والذي ستحصل الهند بموجبه على ما كانت تتمناه طويلاً من تقنيات الاستخدام السلمي للطاقة النووية؛ فإن تحولاً جيو- استراتيجيا مميزاً قد شارف على البدء في المنطقة.<BR>ذلك أن مصالح باكستان ليست وحدها التي تهددت بهذه الاتفاقية؛ بل مصالح العديد من الدول الآسيوية التي ستتأثر بالشراكة الإستراتيجية المنبثقة بين كل من الولايات المتحدة والهند التي تطال القدرات النووية والصاروخية والضربات الاستباقية؛ وسبب ذلك أن هذه المعاهدة تسير في اتجاه واحد فقط، وهو استخدام القوة لتحقيق الأهداف والمآرب المطلوبة.<BR><BR>فالولايات المتحدة التي ترغب في مد ذراعها اللإمبريالي إلى أبعد مسافة ممكنة سوف تقوم باستخدام الهند - باعتبارها "القوة العسكرية المؤهلة" كما يصفها المسؤولون الأمريكان - لكي تتدخل وبالسرعة المطلوبة لحل الأزمات الإقليمية وحتى قبل اندلاعها، ووفقاً لما تحدده مصالح البلدين وطبقاً لرؤيتهما الخاصة لطبيعة هذه الأزمات. <BR>وسيقوم البلدان معاً بالمشاركة في الحرب ضد (الإرهاب) و ضد ما يصفانه "بالإيديولوجية الشريرة" ويكثر الأمريكيون من الحديث عنه؛ وهي تلك الإيديولوجية التي "تكره الحرية وترفض التسامح ومصممة - كما يقول الرئيس بوش- على تدمير طريقة حياتنا". <BR>كما ستعمل الولايات المتحدة والهند من أجل تحجيم القوة العسكرية والاقتصادية للصين.<BR>وقد تعقد مناورات جوية مشتركة بين الولايات المتحدة والهند في الجزء الهندي من كشمير لتعزيز الادعاءات الهندية بأحقيتها في السيطرة على هذه المنطقة، وكذلك للعمل على نشر هيمنتها وقوتها إلى مناطق أبعد منها أيضاً. وستحقق مثل هذه التحالفات والمعاهدات الثنائية بين واشنطن ونيودلهي القوة المطلقة للولايات المتحدة في المنطقة باعتبارها أمراً حيوياً لإدارة شؤون العالم وللسيطرة على موارد الطاقة التي تعتبر بدورها نواة القوة الاقتصادية.<BR><BR>وباعتبار أن الأهداف من هذه المعاهدة دقيقة وواضحة، فإن هذا يجعل أداء وعمل واضعي السياسة الباكستانية أكثر سهولة لدى قيامهم بتحديد الخطوط العريضة لردود الفعل على هذه المعاهدة وعلى التحديات الناجمة عنها.<BR><BR>لقد ازدادت أهمية باكستان الإستراتيجية مع التوقيع على معاهدة التعاون الدفاعي بين واشنطن ونيودلهي، وأصبح الوضع الناشئ يتطلب دقة في التعامل الدبلوماسي من جانب باكستان وحيطة وحذراً أشد للحفاظ على الأمن القومي الباكستاني. <BR>ولهذا فإنه من غير المحبذ مثلا العمل على جر باكستان إلى صفقة مع الصين لإيجاد تحالف موازي وذلك لان عقلية الحرب الباردة قد ذهبت إلى غير رجعة.<BR>فالصين التي تعد من أفضل أصدقاء باكستان لا يمكن الاعتقاد بأنها ستُلزم نفسها بأي صفقة من أي نوع، فالصداقة تنمو وتزدهر من خلال العلاقة المتكافئة والقائمة على المعاملة بالمثل، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن مكانة باكستان في المنطقة الإقليمية يحددها مستوى علاقاتها مع الصين.<BR><BR>من المؤكد أن باكستان لم تستفد مطلقاً من جعل سياساتها مرتكزة ارتكازاً كبيراً على علاقاتها مع واشنطن، ولهذا فإن علاقات باكستان مع الولايات المتحدة يجب أن تقوم على الاحترام الذاتي وإدراك حقيقة أن واشنطن بحاجة إلى إسلام أباد بالقدر الذي تحتاج فيه إسلام أباد إلى واشنطن بدلاً من أن يقوم الجنرال برويز مشرف في كل مرة يضطر فيها إلى زيارة الولايات المتحدة بتقديم قرابين الولاء لكي يحصل على فسحة أخرى من الوقت للبقاء في السلطة؛ كمثل القبض على مشتبه بهم والذين جلهم من الأبرياء وتسليمهم لمكاتب الـ "إف بي آي" التي نشرها في مدن باكستان، أو يقوم بمهاجمة قوانين الحدود الإسلامية، أو يوجه التهديد والإنذار تلو الآخر للمدارس الدينية التي جريمتها أنها تقوم بجمع أطفال الفقراء غير القادرين على إرسال أولادهم للمدارس العادية باهظة التكاليف، وتقوم بتدريسهم 20 موضوعاً تسعة منها فقط في العلوم الدينية والأخرى علوم ومعارف عامة من فلسفة أو رياضيات وغيرها؛ أو يقوم باتخاذ قرار تحت ضغوط خارجية للاعتراف بـ(إٍسرائيل)، والتي يقابلها ضغوط محلية يحاول إخمادها بشتى السبل المتاحة له.. <BR><BR>ومع ما يراه البعض من انتقال مركز جاذبية القوة العسكرية للولايات المتحدة والقوى المتحالفة معها من العراق إلى أفغانستان بعد ظهور شكوك ملحة حول جدوى استراتيجية شن حربين في وقت واحد؛ فإن النزاع سوف يزداد كثافة في أفغانستان وسوف تصبح حدود باكستان أكثر عرضة للعنف وانعدام الأمن.<BR>ولهذا فإن على باكستان أن تضمن لنفسها عدم الانجراف بدون ضرورة ملحة في هذا النزاع على حساب قدراتها الدفاعية في مواجهة الهند. أي أن عليها الكف عن حشد المزيد من الجنود على حدودها مع أفغانستان عملا منها على حماية مصالح الولايات المتحدة.<BR>ومن المحتمل أن تزداد عمليات المقاومة في كشمير المحتلة، وأن يزداد بالتالي تورط الهند في هذه المنطقة، مما سيزيد من عوامل المواجهة بين باكستان والهند، خصوصاً وأن ما تريده الهند من عملية التطبيع الجارية مع باكستان هو تحقيق تقدم لصالحها، فيما يتعلق بتصدير منتوجاتها الصناعية والزراعية لباكستان، وغزو عقول الشباب الباكستاني ثقافياً بما تنتجه دور السينما الهندية من أفلام.<BR><BR>الولايات المتحدة لم تنفع باكستان بشيء، فقد قامت باستغلالها في مدة الثمانينات ولم تعارض في وصول المقاتلين -الأفغان والعرب- للقتال ضد عدوها في سنوات الحرب الباردة الاتحاد السوفييتي. وحصل هؤلاء المقاتلين على التعليم الحماسي على القتال في المدارس الدينية، وخصوصاً تلك التي تم إيجادها بالقرب من حدود باكستان مع أفغانستان، والتي تهاجمها أمريكا الآن وتحاول إرغام مشرف على الدخول في مواجهات معها؛ وأصبحت هذه المدارس في تلك المدة مواقع لتدريب المقاتلين؛ وطبقاً لما تقوله مصادر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية فإن قرابة 30.000 أو 35.000 مقاتلاً من باكستان وحوالي 70.000 مقاتل من 60 دولة مختلفة قد شاركوا في الجهاد ضد السوفييت. <BR>وكانت وكالة الاستخبارات المركزية توزع وقتها بالتعاون مع باكستان كتبا لتعليم الأميين من هؤلاء المقاتلين بدأتها بحرف الألف وأمامه كلمة الله وحرف الجيم متلوة بكلمة الجهاد وحرف الكاف الذي جعلته يرمز إلى كلمة كلاشنكوف، وذلك عملاً منه على تحريض المقاتلين ودفعهم باتجاه غرض نبيل وقتال السوفيت. <BR>وبعد أن انسحب السوفييت انضم بعضهم إلى المقاتلين في كشمير وأفغانستان، ولهذا فإنهم أصبحوا يُطلق عليهم اسم "الذراع الاستراتيجية للمقاومة الإسلامية والقادرة على الوصول إلى مختلف أنحاء العالم " كما يحلو للتفسيرات الأمريكية القول. <BR><BR>وطبقاً لما يقوله مخططو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي فإن المقاومة الإسلامية التي نجحت في دحر الاحتلال السوفيتي لأفغانستان قد أصبحت قادرة كذلك على تحجيم الاعتداءات الأمريكية في أفغانستان وفي العراق. <BR>حيث يقول هؤلاء الخبراء في شؤون الاستخبارات: "إن العراق قد حل محل أفغانستان في تدريب وتجنيد الجيل الجديد من المسلحين المهنيين والذين سيصبحون الإطار الرئيسي لانتشار الإيديولوجية الإسلامية (المتطرفة) في داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وغرب أوروبا"، ولكن ما يؤسف له هو أن هذا التقرير الاستخباراتي لم يفرق بين (الإرهاب) وحروب التحرر من الاحتلال، فحروب التحرر في فلسطين وأفغانستان والعراق وكشمير والشيشان لها ما يبررها طبقاً للقانون الدولي.<BR><BR><br>