انتخابات الرئاسة المصرية والديموقراطية المفقودة
9 شعبان 1426

أثارت اللعبة السياسية التي حدثت في مصر خلال الأيام القليلة الماضية؛ العديد من التساؤلات التي لم تجد لها حتى الآن أية إجابات شافية، تتعلق بفوز (الرئيس المصري) حسني مبارك في أول انتخابات تعددية بنسبة 88% من أصوات المقترعين، ووجود منافسين حقيقيين لمبارك، ومكانة التيار الإسلامي في مصر، وحقيقة العملية الديموقراطية في مصر والدول العربية، وغيرها..<BR>ولعل ما ميّز الانتخابات المصرية الأخيرة هي ضآلة كل تفاصيلها، كضآلة المرشحين المنافسين لمبارك عدداً وأهمية، وضآلة المدة الزمنية التي تمت خلالها الحملات الإعلانية للمرشحين، وضآلة عدد المشاركين في الانتخابات من أبناء مصر، وضآلة ردود الأفعال العربية والدولية تجاه ما حدث.<BR><BR><font color="#0000ff">المخالفات الانتخابية:</font><BR>كأي دولة عربية تصر على إعادة تعيين رئيسها عبر انتخابات شعبية شكلية، حدثت العديد من التجاوزات والمخالفات خلال سير العملية الانتخابية، وفق ما أكدت مصادر مصرية وعالمية عديدة.<BR>ورغم أن ما حدث كان سيحدث بأي حال، إلا أن هذه الانتخابات تمت بأقل قدر من التجاوزات، مقارنة بما كان يحدث خلال السنوات الماضية.<BR>يقول (الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان) حافظ أبو سعدة: " إن الاقتراع شابته تجاوزات كثيرة مثل استخدام الحافلات العامة في نقل ناخبين إلى اللجان وهو عمل محظور بحكم القواعد الانتخابية".<BR>مشيراً إلى حجم التجاوزات التي كانت تحدث خلال الانتخابات السابقة بالقول: "هناك مخالفات حدثت في انتخابات سابقة لم تحدث هذه المرة مثل قيام الشرطة بإغلاق أبواب اللجان من أجل ملء الصناديق ببطاقات اقتراع مزورة".<BR>وكانت تحصل عمليات التزوير في السابق، رغم أن المرشح الوحيد كان (حسني مبارك) في ظل عدم وجود أي مرشح آخر، وكان القصد من عمليات التزوير، إعطاء أكبر نسبة من الأصوات لصالح إعادة انتخاب مبارك، وكانت النسب تصل إلى 99%!<BR>وحسب رأي أبو سعدة، فإن 15% من الأصوات المفروزة كانت موضع شك من قبل المراقبين السياسيين والحقوقيين في مصر، والذين لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً أكثر من تصريحاتهم التي ذهبت أدراج الرياح.<BR><BR>المرشح الانتخابي الذي حلّ في المرتبة الثانية بعد مبارك، أكد أن العديد من التجاوزات تمت خلال العملية الانتخابية.<BR>وقال أيمن نور (مرشح حزب الغد المصري المعارض): " إن العملية الانتخابية شهدت العديد من التجاوزات والمخالفات"، داعياً إلى إعادة العملية الانتخابية من جديد.<BR>ووزع أيمن تصريحاته وبياناته الصحفية للعديد من الوسائل الإعلامية، محاولاً الحصول على أي دعم يضمن له إعادة الانتخابات، أو القدر الكافي من اتهام الحكومة بالتزوير.<BR>إلا أن طلبه لم يلق قبولاً من المحكمة المصرية، التي رفضت الطلب.<BR><BR>ولم تقف الاتهامات ضد الرئيس المصري بالتزوير عند حد المعارضة، بل تعدتها للعديد من اللجان والمنظمات الأخرى.<BR>إذ أكدت مجموعة المراسلين المستقلين، التي راقبت العملية الانتخابية عبر 2200 مركز، أن أقل من 18% من الناخبين جاؤوا إلى المراكز الانتخابية، وقاموا بالانتخاب.<BR>وتعد هذه النسبة ضئيلة جداً ولا تعطي الرأي الحقيقي للشارع المصري حول اسم الرئيس المنتخب.<BR>كما رصدت الجماعة تجاوزات مختلفة منها ملء صناديق ببطاقات اقتراع لم يدل أصحابها بأصواتهم وشراء أصوات وإكراه على الاقتراع واستخدام سيارات حكومية لنقل ناخبين مؤيدين لمبارك.<BR>فيما أكد المحلل السياسي الدكتور محمد السيد سعيد (نائب مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام) أنه "كان هناك تجاوز واسع جداً في عملية الاقتراع". <BR>وأضاف أن "الحزب الوطني الديمقراطي أصابه الفزع بحلول الظهر حين وجد أن أعداداً قليلة من الناخبين توجهوا إلى اللجان فلجأ إلى ممارسات كانت شائعة في الاقتراعات السابقة".<BR><BR>كما صدر مؤخراً التقرير النهائي للمركز العربي لاستقلال القضاء حول الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي وصفها بأنها ناقصة النزاهة والشفافية.<BR>وضرب التقرير مثالاً ببعض الانتهاكات التي رصدها مراقبو المركز منها إصرار لجنة الانتخابات الرئاسية على إبعاد منظمات حقوق الإنسان من الرقابة على الانتخابات حتى بعد حصولهم على حكمٍ قضائي وإصدار اللجنة تعليمات للقضاة المراقبين تشدد على عدم تمكين مندوبي المرشحين أو المراقبين من حضور جلسات الفرز لمعرفة الأرقام الحقيقية للتصويت واستئثارها وحدها بإعلان النتيجة، وتقاعس لجنة الانتخابات الرئاسية عن الإعلان عن مقار اللجان العامة والفرعية قبل يوم الاقتراع بفترةٍ كافية مع غياب المعايير التي تمَّ بناءً عليها توزيع القضاة المشرفين أو استبعاد القضاة من الإشراف.<BR><BR><font color="#0000ff">محاولات إضفاء الديموقراطية:</font><BR>تحدّثت بعض الأوساط الإعلامية عن صفقة بين الحكومة الأمريكية والمصرية، يتم من خلالها الضغط على مصر للقيام بانتخابات ديموقراطية تحدث للمرة الأولى، مقابل دعم الحكومة الأمريكية للانتخابات المصرية، ودعم إعادة ترشيح مبارك، كيفما كانت الطريقة.<BR>وقامت واشنطن عبر (وزيرة الخارجية) كونداليزا رايٍس، بمهاجمة الدول العربية في الشرق الأوسط ، طالبة منها إصلاحات سياسية وانتخابات ديموقراطية تضمن وصول الأكثر شعبية للحكم (!)، وتمت صياغة بعض القوانين الجديدة في مصر، لتتلاءم مع المرحلة المقبل، روعي خلالها إبعاد أي من المنافسين الحقيقيين للرئيس مبارك، وعلى الأخص قادة جماعة الأخوان المسلمين، التي لا تزال تتمتع بدعم شعبي واسع.<BR><BR>قانون الترشح الجديد حمل العديد من العقبات الصعبة والمستحيلة أمام العديد من المنافسين الحقيقيين لمبارك في مصر، عبر قيود لم تتنازل عنها الحكومة المصرية، خوفاً من وجود منافسة حقيقية.<BR>وكان أهم تلك القيود هو أن يشترط على المرشح ضمان دعم مئات من أعضاء مختلف الهيئات، مثل مجلس الشعب الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم، وهو شرط يحرم أي مرشح مستقل من فرصة منافسة الرئيس الحالي.<BR><BR>وبالمقابل، فإن بمقدور أي حزب معترف به قانونياً، مهما كان صغيراً أو قليل الأهمية، أن يتقدم بمرشح للرئاسة. <BR>وهذا القانون رغم أنه مغلّف بالديموقراطية، إلا أنه سمح بظهور منافسين غير حقيقيين لمبارك، وغير معروفين لملايين المواطنين المصريين، وبالتالي جعل بروز مبارك أكثر قوة وهيمنة على الساحة الانتخابية.<BR>لذلك فإن من بين الشعارات التي رفعها الحزب الحاكم لإعادة انتخاب مبارك، شعار" كفاية ليه.. هو البديل إيه"، وهو ما يكشف عدم وجود منافسين حقيقيين لمبارك في الانتخابات الأخيرة.<BR><BR>كما أنشأت لجنة جديدة تحمل اسم (لجنة الانتخابات الرئاسية)، وتتكون اللجنة من قضاة حددهم قانون الانتخابات الرئاسية على أساس مناصبهم و"شخصيات عامة" اختارهم مجلسا الشعب والشورى اللذان يهيمن عليهما الحزب الوطني الديمقراطي.<BR>ونص تعديل دستوري أقره مجلس الشعب في مايو 2005م، وسمح بانتخابات الرئاسة التعددية؛ على تحصين هذه اللجنة، والتي أنشأت بمقتضى التعديل من رقابة القضاء.<BR>إلا أن الدستور المصري ينص في ذات الوقت على عدم تحصين أي قرار إداري من الرقابة القضائية، وهو ما أشار إلى أن هذه اللجنة أنشأت، وأعطيت صلاحيات واسعة غير مقيدة، في سبيل تحقيق بعض المآرب لسير الانتخابات القادمة.<BR>وبالفعل، كان لهذه اللجنة دوراً هاماً، في إصدار قوانين تتناسب مع المرحلة الجديدة، حيث رفضت تنفيذ حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري بالسماح لمنظمات المجتمع المدني بمراقبة عملية التصويت، كما دعمت النتائج النهائية لانتخاب مبارك، ولم تعط الفرصة لأحد في نقضها.<BR><BR><font color="#0000ff">هل هناك اختيار حر حقيقي؟!</font><BR>في تقرير موجز لها، أكدت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية، أن "احتكار الحزب الوطني الديموقراطي للحياة السياسية في البلاد، وشبكة المحسوبية الواسعة، وهيمنة الدولة على وسائل الإعلام الكبرى، والمهلة القصيرة جداً للقيام بالحملات الانتخابية والتي اقتصرت على ثلاثة أسابيع، تجعل من المستحيل على هذه الانتخابات أن تعكس الاختيار الحر لجمهور الناخبين".<BR><BR>المواطنون المصريون يعرفون أموراً أخرى قد لا تكون معروفة لدى غيرهم، منها أن العديد منهم، خاصة ممن ينتسبون للحزب الحاكم لمطامح وظيفية، أو ممن ينتظمون في المدارس والمعاهد والنقابات الحرفية والمهنية وموظفي الدوائر الحكومية، يتم نقلهم إلى مراكز الاقتراع للتصويت لصالح رئيس الحزب والدولة.<BR>ورغم أن ما يربط هؤلاء في الوظائف الحكومية هو الحاجة للعمل، إلا أنهم يجبرون بشكل غير مباشر على انتخاب الرئيس.<BR>إضافة إلى ذلك، وبعد 24 عاماً من حكم الرئيس مبارك، بات أمر التصويت لمبارك أشبه بالانقياد منه للاختيار، إذ اعتاد المصريون على انتخاب مبارك في كل جولة انتخابية.<BR><BR><font color="#0000ff">المنافسون الحقيقيون:</font><BR>ما ساعد أيضاً في عدم وجود اختيار حر وحقيقي في هذه الانتخابات، هو عدم وجود منافسين حقيقيين لمبارك.<BR>إذ أن المدة القصيرة التي لم تتجاوز الـ20 يوماً للحملات الانتخابية لم تكن كافية لإقناع المصريين بأي مرشح جديد مغاير لمبارك.<BR>وهذه الأيام القليلة لن تكون بأي حال من الأحوال قادرة على مواجهة 24 عاماً من الحكم، والظهور المستمر في وسائل الإعلام، والوعود والخطط الخمسية القادمة، وترسيخ الحكم، التي تمتع بها الرئيس الحالي.<BR><BR>ووسط غياب منافسين حقيقيين لمبارك، وفرض قيود وقوانين ضد ترشح العديد من الشخصيات القوية في الساحة الشعبية المصرية، كان انتخاب مبارك أمراً محسوماً منذ البداية.<BR>إلا أن ذلك كشف عدم وجود أجندة حقيقية للعديد من التيارات التي من المفترض أنها ذات شأن قوي.<BR>فحزب الوفد المصري، بدا ضعيفاً ويفتقر للحد الأدنى من الأصوات المشاركة في دعمه، بعد حصوله على نسبة ضئيلة جداً في الانتخابات الأخيرة، بلغت 2.9% لصالح مرشحه نعمان جمعة.<BR>كما أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لم تدعم أي مرشح بعينه، ويظهر من ذلك عدم وجود أجندة حقيقية تخدم مصالح الجماعة في تلك العملية الانتخابية، حيث نأت الجماعة بنفسها عن الانتخابات، فيما أعلنت فقط أنها لا تدعم إعادة انتخاب الرئيس الحالي.<BR><BR><font color="#0000ff">آمال الإصلاحات:</font><BR>خلال حملته الانتخابية، قدّم (الرئيس المصري) حسني مبارك نفسه على أنه رجل للشعب، ووعد ببناء جسر إلى المستقبل.<BR>هذه الوعود التي يجب أن تكون قد أصبحت من ضمن خطط مبارك القادمة، أضيفت إلى الوعود السابقة التي ما زال المواطن المصري يحلم بتحقيق شيء منها.<BR><BR>وقد جاءت هذه الوعود الجديدة في وقت تسير فيه عربة الإصلاح بشكل بطيء جداً في مصر. في ظل قيادة مبارك.<BR>فعلى الرغم من أن الوضع الاقتصادي في البلد قد تحسن بشكل طفيف خلال حكم مبارك إلا أنه لا يزال هناك حاجة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية أكبر وسياسية ومحاربة الفساد الذي أنهك الاقتصاد، وحوله إلى جيوب بعض المنتفعين.<BR>كما توجد حاجة متجددة بإصلاح دور الأجهزة والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والإعلام وهيئة القضاء وغيرها.<BR><BR>وكونه قد دخل في منافسه مع مرشحين آخرين لأول مرة على مقعد الرئاسة، اضطر الرئيس المصري هذه المرة على إطلاق العديد من الوعود والآمال، ووعد بإعطاء سلطة أكبر للبرلمان، والاحتفاظ بسلطات تنفيذية أقل، وإلغاء القوانين العرفية، وإحلال الجيل الشاب الجديد محل الحرس القديم في السلطة.<BR>يقول سيف الله فهمي (عضو الحزب الديمقراطي الوطني) مشيراً إلى وعود مبارك في مستقبل أفضل لمصر في ولايته الجديدة: " سنرى ماذا يستطيع أن يقدم الرئيس مبارك في المستقبل. لقد قدّم العديد من الوعود، وأطلق تعهدات كثيرة بالتغيير، ويجب عليه أن يحافظ على تلك الوعود، إذ أن الانتخابات الحقيقية ستكون في عام 2011م".<BR><BR><font color="#0000ff">الموقف الأمريكي والعالمي من الانتخابات:</font><BR>فيما تغاضت معظم الدول العربية والإسلامية عن نتائج الانتخابات المصرية، أبدت الولايات المتحدة رضاها عما آلت إليه الأمور، في إشارة إلى فوز مرشحها المفضل.<BR>إذ أرسل (الرئيس الأمريكي) جورج بوش بعد صدور نتائج الانتخابات، تهانيه للرئيس مبارك على ولايته الجديدة، مشيداً بما أسماه "بالديموقراطية" التي رافقت العملية الانتخابية.<BR>وقال بوش في بيان تلاه مكتب البيت الأبيض: " إن انتخابات الأربعاء مثّلت خطوة مهمة نحو إجراء انتخابات متعددة للأحزاب التنافسية بشكل عادلة وحرة تماماً".<BR>وأضاف أن واشنطن تتوقع أن التجاوزات البسيطة (!) التي حدثت خلال الانتخابات الرئاسية ستضبط بشكل أفضل خلال انتخاب نوفمبر البرلمانية".<BR><BR>ولعل بعض الدول تجنبت الإشارة إلى إعادة انتخاب حسني مبارك لأنها كانت نتيجة أكيدة، وكانت عملية الانتخابات لعبة سياسية بين أمريكا ومصر أكثر منها إعادة انتخاب مبارك لولاية جديدة.<BR>وقد نشرت بعض وسائل الإعلام العربية النبأ، إلا أن العديد منها لم تعلق عليه.<BR>بخلاف الصحف الأمريكية والإسرائيلية، التي نشرت العديد من المقالات والتحليلات التي تنصب في أن الديموقراطية باتت ضيفاً دائماً في مصر!<BR><BR><br>