إعصار كاترينا.. تداعيات الكارثة!
4 شعبان 1426

لم تمض أيام قليلة على اجتياح إعصار (كاترينا) لولاية نيوأورلنز الأمريكية، حتى بدأت تداعيات الأزمة تظهر في مختلف أوجه الحياة الأمريكية، وصولاً إلى العلاقات الخارجية مع بعض دول العالم، ما كشف أوجه عديدة كانت غائبة على الساحة الإعلامية.<BR><BR>لم تخسر الولايات المتحدة أموالاً طائلة خلال الإعصار وحسب، بل خسرت هيبتها أمام العالم، وخسرت إدارة (الرئيس الأمريكي) جورج بوش مكانتها بين الشعب الأمريكي، وباتت محل سخط كبير من شعبه المنكوب.<BR><BR><font color="#0000ff">أزمة اقتصادية:</font><BR>ربما أكثر ما تأثرت به الولايات المتحدة في المدى المنظور هو الجانب الاقتصادي، الذي بات ساحة للمزايدات من قبل خبرات وشركات الاقتصاد، الذين أعلنوا عن توقعاتهم للأضرار التي خلفها إعصار (كاترينا) في الولاية المنكوبة.<BR>في بداية الإعصار، قدّرت شركة (ريسك مانجمنت سوليوشنز) الأميركية المتخصصة في إدارة الكوارث أن الإعصار قد يلحق أضراراً مالية تقدر بنحو 25 مليار دولار، مشيرة إلى أن هذه الخسائر تعنى بالأملاك التي تضررت، والتي تحظى معظمها بتغطية شركات التأمين. إذ يتبع معظم الأمريكيين سياسة التأمين على الممتلكات، ورغم أن العديد من عقود التأمين لا تشمل التأمين على الممتلكات ضد الكوارث الطبيعية، إلا أن الخسائر المالية ستكون مرتفعة، وستسبب خسائر للأمريكيين، إن كانوا من المواطنين، أو من شركات التأمين.<BR><BR>إلا أنه وبعد يومين على الإعصار، عندما بدأت الأزمة الحقيقية تتكشف عن تأثيرات (كاترينا) الفعلية، عادت الشركة لتعلن رفع تقديرات خسائر أمريكيا بسبب الإعصار إلى 4 أضعاف، لتصل إلى مبلغ 100 مليار دولار.<BR>وتشمل هذه الخسائر قيمة الممتلكات الشخصية المدمرة، وقيمة السدود التي تهدّمت بفعل الإعصار، وقيمة الخسائر الحكومية التي ستصرف لتمويل إعادة بناء ما تهدم.<BR><BR>وفي أول رد فعل اقتصادي، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي تقديم 10.5 مليار دولار بشكل مبدئي لمواجهة الكارثة.<BR>وجاءت ردود الأفعال الداخلية سلبية ضد هذا المبلغ الذي اعتبر "هزيلاً" مقابل الخسائر الحقيقية هناك.<BR>وطالبت مصادر أهلية وإعلامية أن ترفع الحكومة الفيدرالية مبالغ المساعدات للولاية المنكوبة إلى 100 مليار دولار، خاصة في ظل استمرار ارتفاع منسوب المياه في المناطق المنكوبة، واستمرار معاناة الأمريكيين المحاصرين هناك، ومخاوف من انتشار الأوبئة والأمراض، وتزايد حالات السرقة والقتل والاستيلاء على الممتلكات الشخصية والحكومية هناك.<BR><BR>وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية نشرت آلاف الصور والمقاطع المتلفزة عن الكارثة هناك، وأظهرت المنازل والمباني المدمرة، ومنسوب المياه المرتفع الذي غطى مناطق شاسعة في المدن الأمريكية، وأتلف الطرق السريعة وسكك الحديد، وتسبب في قطع التيار الكهربائي وتوقف الخدمات الرئيسة في استمرار الحياة، كالماء الصالح للشرب والوقود والنقل والطعام وغيرها.<BR><BR><font color="#0000ff">التفكك الاجتماعية:</font><BR>من بين ما كشف عنه إعصار (كاترينا) في الولايات المتحدة، عمق الخلافات والنزاعات، وقابلية الأمريكيين للخروج عن الصف الأمريكي في ظل حدوث هزات عنيفة.<BR>كما كشف مدى انتشار الجريمة والسرقة، وضآلة الأخلاق الإنسانية التي تترابط وتتآلف خلال الأزمات الكبيرة، لنجد بدلاً عنها حالات متشابهة من النزاعات والشقاقات، وسيادة قانون الغاب (البقاء للأقوى).<BR>حيث رصدت كاميرات الصحافة الإعلامية مئات اللافتات التي علقها أصحابها على مداخل منازلهم المهشمة، والتي تحمل كلمات متشابهة، كمثل "هذا إنذارك الأخير لتبقى بعيداً عن المنزل"، أو "نحن نطلق النار على السارقين"، أو "تجاوز هذه البوابة وسوف تموت"، والتي ترسم ملامح الذعر الموجود لدى الأمريكيين من أبناء جلدتهم الأمريكيين، وتظهر مدى انتشار الجريمة، وقابلية القتل والسرقة من أجل البقاء والحصول على أي وجبة طعام.<BR>كما رصدت الكاميرات الإعلامية مئات الصور للصوص وهم يقومون بنهب المحلات التجارية والمنازل والمؤسسات الحكومية، وتحميل كل ما يمكن تحميله من مواد غذائية وخلافها.<BR>وهو ما أشار إلى ظهور الأخلاقيات الحقيقية للأمريكيين في ظل عدم وجود قانون يجبرهم على الابتعاد عن الجريمة والسرقة.<BR>ونقلت شبكة (BBC) الإخبارية عن الشرطة في الولاية المنكوبة قولها: " إن العديد من النساء تعرضن للاغتصاب والضرب، وقضى البعض نحبهم خلال موجة العنف والفوضى التي اجتاحت الولاية"!<BR>ولمواجهة الحالات العديدة والكثيرة لانتشار الجرائم والسرقات والخروج على القانون، اضطرت الإدارة الأمريكية إلى إرسال آلاف الجنود الأمريكيين، وآلاف عناصر الشرطة من الولايات الأخرى، لإعادة بسط السيطرة على المدن المنكوبة، وسط تمادي الأمريكيين بإطلاق النار على الجنود.<BR>حيث أعلنت مصادر أمريكية أن إحدى المروحيات المحملة بالجنود، تعرّضت لإطلاق نار خلال محاولتها الهبوط في أورلينز.<BR>كما نقلت مصادر إعلامية أمريكية عن وزارة الداخلية الأمريكية قولها: "إن الشرطة في مدينة أورلينز أطلقت النار على العديد من اللصوص، وقتلت أكثر من ستة من الأمريكيين حتى الآن".<BR><BR>بمقارنة بسيطة مع ما حدث في البلاد الإسلامية، وعلى الأخص إندونيسيا، التي كانت أكبر الدول المتضررة بسبب تسونامي، نجد أن المسلمين هناك تكاتفوا إلى جانب بعضهم البعض، ووضع المسلحون من حركة (آتشيه) وقوات الأمن الإندونيسة؛ الخلافات جانباً، ووقفوا يداً بيد لمساعدة المتضررين، دون أن تشهد تلك الأزمة أي انتشار للجرائم والسرقات وقطع الطرق، بل كانت مقدمة لصلح واتفاقية سلام بين الحكومة الإندونيسية ومسلحي آتشيه.<BR><BR>الشقاق الاجتماعي لم يقف عند حدود ولاية نيوأورلنز، بل تعدتها إلى الولايات الأخرى، التي بدأ الحديث فيها عن استمرار التمييز ضد السود، مشيرين أن الكارثة لو كانت قد أصابت إحدى الولايات المتمتع بأكثرية بيضاء؛ لكان تعامل الحكومة الأمريكية معها بشكل مختلف تماماً. مستشهدين بما حدث خلال الهجمات التي وقعت على برجي التجارة العالميين في نيويورك عام 2001م.<BR><BR><font color="#0000ff">الآثار السياسية للإعصار:</font><BR>تركزت الانتقادات الداخلية في الولايات المتحدة ضد (الرئيس الأمريكي) جورج بوش، وضد إدارته، التي اتهمت بعدم التعامل بشكل جدي وكافي مع الكارثة التي حلّت بنيوأورلنزو. <BR>وفي مقابل مئات المليارات التي أقرها الكونغرس الأمريكي لتمويل العمليات العسكرية المستمرة في العراق وأفغانستان، باتت الخزينة العامة الأمريكية فقيرة وغير قادرة على الوقوف بشكل أقوى في وجه تبعات الإعصار.<BR>تقول صحيفة النيوزويك الأمريكية: " خلال العام المقبل، سنكون قد أنفقنا 400 إلى 500 بليون دولار في أفغانستان و العراق، وذلك المال كان يمكن أن يُسْتَخْدَم لمساعدة الأمريكيين في أوزلنزو لتجديد حياتهم".<BR>وتتابع بالقول: " إذا فشلنا في العمل كدولة، فسيسجل التاريخ ذلك ضدنا".<BR><BR>جورج بوش الذي زار المناطق المنكوبة، والتي تحدثت الصور عن إرهاقه الكبير هناك، اعترف أن الجهود الحكومية المبذولة لم تكن كافية، ولم تكن بالشكل المطلوب.<BR>ووصف مدير عمليات الطوارئ في نيو اورلينز جهود الإغاثة بأنها "فضيحة قومية".<BR>كما واجهت الإدارة الأمريكية أيضاً انتقادات من معارضين سياسيين وأفراد من الشعب الأمريكي باعتبار أن احتلال العراق حولت الأموال بعيداً عن تنفيذ مشروعات السيطرة على مياه الفيضانات. <BR>وحاول بوش في بيان له إبعاد اللوم عن نفسه، (خاصة بعد تدني مستوى التأييد له من قبل الأمريكيين) عبر القول: " إن نتائج جهود الإغاثة من الإعصار كاترينا غير مقبولة". في محاولة لإظهار موقف مساند لموقف الأمريكيين ضد الحكومة!<BR>وأضاف بوش بعد جولته في المناطق المنكوبة أنه سيشرف شخصياً على تحقيق في المشاكل التي شابت ردة فعل الحكومة على الإعصار. وقال بوش: " أريد التأكد من أن البلاد قادرة على التصدي للعواصف وحتى الهجمات بأسلحة الدمار الشامل".<BR>مشيراً إلى أنه سيرسل (وزير الدفاع) دونلد رامسفلد إلى المنطقة للتأكد من أن الحكومة تفعل ما بوسعها لإنقاذ الضحايا.<BR><BR><font color="#0000ff">ردود أفعال عالمية:</font><BR>سارعت دول عالمية عديدة لإعلان "مواساتها" للأمريكيين على مصابهم، عبر رسائل حكومية وجّهت إلى إدارة الرئيس بوش.<BR>ورغم أن الولايات المتحدة حاولت في البداية صد أية عمليات إعانة دولية (خاصة وأنها تعد نفسها الدولة العظمى الوحيدة في العالم) إلا أنها استسلمت أمام حاجتها الماسة لمبالغ مالية، لضخها في الولاية المنكوبة، والتي تحتاج لعشرات المليارات لإعادة تأهيلها من جديد.<BR><BR>من بين أوائل الدول التي تقدمت بهبات ومساعدات للولايات المتحدة، دولة قطر، التي تعد أكبر حليف للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي.<BR>وبحكم علاقاتها الوثيقة، والتي جعلت منها قاعدة عسكرية أمريكية لاحتلال العراق (!)، فقد كانت من أوائل الدول المبادرة لمساندة أمريكا في محنتها (!).<BR>وعرضت قطر مبلغ 100 مليون دولار كمساعدات، فيما عرضت الكويت (من أهم حلفاء أمريكا في المنطقة) مبلغ 500 مليون دولار.<BR>الصين (التي لا تزال المفاوضات معها جارية حول خفض صادراتها الرخيصة التي أغرقت الأسواق الأمريكية) تقدمت بمبلغ 50 مليون دولار كمساعدات.<BR>وبالمقابل، تعهدت دول فقيرة (كبنغلاديش وأفغانستان وتايلند) بتقديم مساعدات لأمريكا في محنتها الحالية (!).<BR>حتى كوبا (الدولة الشيوعية العدوة والجارة لأمريكا) عرضت مساعدات على أمريكا، وبنفس الأسلوب عرضت فنزويلا (الغنية بالنفط والتي ترأسها حكومة تشافيز المعادية لأمريكا) مساعدات مالية أيضاً، تلك المساعدات التي اعتبرتها بعض وسائل الإعلام أنها صفعة كبيرة لجبروت أمريكا!<BR><BR><BR><br>