أفغانستان بين نثر القواعد الأمريكية وأمراء المخدرات
25 رجب 1426

في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بنشر عناصرها وعملائها بالقرب من منطقة الحدود بين أفغانستان وإيران فإنها تقوم في الوقت ذاته بتعزيز تواجدها العسكري من حيث النوع وليس الكم في أفغانستان. <BR>فقد اتجهت المخططات العسكرية الأمريكية الأخيرة نحو إنشاء 9 قواعد جوية جديدة في أقاليم هلمند وهيرات ونيمروز وبلخ وخوست وبكتيا الأفغانية. <BR> <BR><font color="#0000ff">جهود حماية الانتخابات:</font><BR>لا تزال أفغانستان حتى الآن بعيدة كل البعد عن الاستقرار حتى بعد أربعة أعوام من تواجد الولايات المتحدة بقواتها ومعداتها العسكرية المتطورة في ربوعها، ومع دعم (الرئيس الباكستاني) الجنرال برويز مشرف لهذه القوات بسبعين ألفاً من الجنود الذين يوجدون على الحدود مع أفغانستان ما يمثل أكبر حشد للقوات الباكستانية في أي ناحية من نواحي باكستان حتى قبالة الهند؛ بل أن الجنرال مشرف قد أوعز بإرسال 4000 جندي آخرين ليقوموا بدور إضافي في حماية الحدود بهدف ضمان عقد الانتخابات التشريعية في ذلك البلد بدون منغصات أو تهديدات من عناصر حركة طالبان.<BR><BR>ومن المرجح أن مخطط إنشاء هذه القواعد الجوية قد لا يكون لمجرد الحفاظ على الاستقرار المنشود بأفغانستان، بل إنه قد يكون جزءً من مخطط أمريكي عسكري شامل يهدف لإنشاء قواعد عسكرية صغيرة ولكن مرنة في الوقت ذاته والتي من شأنها أن تسهل عمليات نقل الامدادات والمؤن ويمكن كذلك استخدامها في المستقبل كمنصة للانطلاق واثبات الوجود في مناطق ما وراء أفغانستان.<BR><BR>واستعدادا لتنفيذ هذا المخطط؛ وصل إلى كابل في شهر فبراير الماضي 196 مدرباً عسكرياً أمريكياً والذين يتضمن جدول تواجدهم الزمني البقاء في هذا البلد حتى أواخر عام 2006م مدعّمين بعناصر الإسناد من المهندسين والفنيين الذين ينتمون لدول يرغب الكثير من أبناءها في الحصول على كسب مادي سريع مثل فنزويلا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية. <BR>فالقوات الأمريكية في أفغانستان لا تجهد نفسها بإقامة البنى التحتية، وتجعل حملة الجنسيات المتعددة العاملين بشركات الإسناد يقومون بشق الطرق أو إقامة السدود أمام تقدم هذه القوات، والهدف من مهمتهم الأمنية في هذا البلد هو تسريع عمليات تدريب وتثقيف وتعليم العناصر المجندة في الجيش الأفغاني الجديد وفق أساليب الحداثة بمفهومها الغربي ومنحهم برامج تدريب متقدمة من النواحي الأمنية والعسكرية للحفاظ على الأمن في أرجاء أفغانستان بدلاً من يبقى الأمن والنظام مقتصراً على العاصمة كابل وعلى محيطها.<BR> <BR><font color="#0000ff">جيش أفغانستان الوطني:</font><BR>مخطط الحفاظ على سلامة الرئيس كرزاي وحماية ما يسمى بالديموقراطية الجديدة التي يتم ابتكارها في أفغانستان يتطلب تأسيس جيش أفغاني جديد قوامه 70 ألف جندي تحت مسمى جيش أفغانستان الوطني، وأن يتم الانتهاء من تنفيذ هذا المخطط بحلول نهاية عام 2006م، وهناك حتى الآن20 ألف عنصر من عناصر جيش أفغانستان الوطني يساندون17 ألف أو يزيد من الجنود الأمريكان وقرابة 5000 جندي من حلف شمال الاطلسي (الناتو) المتمركزين بأفغانستان.<BR>وتنفيذا لهذا المخطط ولجلب أعداد كبيرة من المجندين الجدد تحت لواء الجيش الجديد، فان الرئيس حامد كرزاي قد عمد في نهاية شهر فبراير الماضي إلى تعيين أمير الحرب الجنرال عبدالرشيد دوستم ذو السمعة السيئة على مستوى أفغانستان، والذي يترأس الميليشيات الأزبكية في منصب رئيس أركان الجيش الوطني الأفغاني!<BR>ويترأس الجنرال دوستم قرابة 30 ألف من عناصر ميليشيات الأزبك التي يطلق عليها اسم "جومبوشي ميللي"، وبذلك سيصبحون تابعين للجيش الأفغاني الوطني وبأقل التكاليف إذ إنهم مدربون وولاؤهم يتبع لدوستم الذي أصبح مقرباً أكثر من ذي قبل من الرئيس كرزاي ومن القادة العسكريين الأمريكان في كابل.<BR>والجانب الآخر المهم في مخطط (كرزاي- البنتاغون) هو استخدام دوستم كورقة ضغط ضد الآخرين من أمراء الحرب الذي ينتمون للعرقيات الأفغانية المتنازعة معه وخصوصاً عرقية الطاجيك التي يأتي منها جوهر فئات تحالف الشمال الأفغاني الذي كان يخضع لقيادة مسعود والذي ساهم مساهمة فعالة في إبعاد حركة طالبان عن السلطة.<BR> <BR><font color="#0000ff">عودة على بدء:</font><BR>خلال زيارة مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى كابل نهاية شهر فبراير الماضي؛ والذين عقدوا محادثات مع الرئيس كرزاي. صرح جون ماكين (الذي يعد رقم اثنين في لجنة مجلس الشيوخ للخدمات العسكرية) عن التزام الطرفين الأفغاني والأمريكي بإقامة شراكة استراتيجية تستمر وتدوم لأعوام وأجيال جديدة. <BR>جون ماكين قام بإطلاع الصحفيين في كابل على أن الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وكابل تتطلب إقامة قواعد عسكرية دائمة للقوات المسلحة الأمريكية في أفغانستان. <BR>وأشار المتحدث باسم الرئيس كرزاي إلى أن إنشاء قواعد عسكرية أمريكية دائمة يتطلب أولاً موافقة البرلمان الذي سيتم تشكيله ولم يخرج بعد من رحم الانتخابات البرلمانية التي طال انتظارها، ولكن بعد هذا التصريح الصادر عن ماكين فإنه أدرك على ما يبدو أن صورة واشنطن أمام العالم تستدعي أن يشار إلى أفغانستان على أنه بلد ذو سيادة، ولهذا فان مكتب السيناتور ماكين قد أصدر توضيحاً لتصريحه السابق جاء فيه أن الولايات المتحدة تحتاج إلى البقاء في أفغانستان لمساعدة ذلك البلد على تخليص نفسها من ربقة القاعدة ونظام طالبان!<BR>كما أنه لم يفت مكتب السيناتور الإشارة إلى أن ماكين قصد في تصريحه أن أمريكا بحاجة إلى التزام طويل المدى في أفغانستان وليس قواعد دائمة كما ورد في التصريح. إلا أن الجنرال ريتشارد مايزر قد صرح في كابل بأن بلاده قد طورت علاقات وشراكة قوية مع كابل وفي هذه المنطقة ككلـ وأشار إلى القواعد الأمريكية الأخرى في ازبكستان وقرغيزستان.<BR>ولكن هذا لا يعدو كونه تلاعباً بالألفاظ، فالتقارير الواردة من شبه القارة الهندية تؤكد على أن المخططات الأمريكية تمتد إلى أبعد من مجرد إخضاع أفغانستان لسيطرتها؛ وتهدف للقيام بدور هام في المنطقة الأورو-آسيوية. <BR> <BR><font color="#0000ff">قواعد جوية..على مفترق الطرق: </font><BR>من المؤكد أن الولايات المتحدة قد حطت بجنودها في أفغانستان بصورة متعمدة من أجل إقامة قواعد جوية عسكرية أمامية متقدمة على مفترق ثلاثة مناطق هامة هي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، وهذه المنطقة لا تمتاز بأنها غنية بالطاقة وحسب؛ ولكنها نقطة التقاء ثلاث قوى رئيسية هي الصين والهند وروسيا. وهذا ما استدعى الكاتب الأفغاني "محمد حسن ولاصال" للقول في جريدة "كابل جورنال" بأن الولايات المتحدة ترغب في فرض سيطرتها على إيران وأزبكستان والصين من خلال قواعدها في أفغانستان.<BR>كما أن التطورات الأخيرة في المنطقة تتلازم مع مخططات واستراتيجيات سلاح الجو الأمريكي لتوسيع نطاق عملياته عبر أفغانستان إلى منطقة بحر قزوين (المليء باحتياطي حيوي من النفط وبالموارد الطبيعية) والتي تشمل جميع أنحاء إيران والخليج العربي ومضيق هورمز والأجزاء الشمالية من بحر العرب حتى جزيرة سوقطرة اليمنية. وهذا قد يمنح الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في باكستان والهند والأجزاء الغربية من الصين (أي المنطقة ذات الأغلبية المسلمة)، كما أن إقامة القاعدة الجوية الأمريكية بمنطقة هاناس في ضواحي العاصمة القرغيزية بيشكيك تخدم الأغراض ذاتها الهادفة إلى توسيع وبسط النفوذ العسكري الأمريكي في المنطقة. <BR>ومثل هذه القواعد لا تخدم فقط في تأمين العمليات العسكرية فوق أفغانستان في المستقبل المنظور، ولكنها تدعم كذلك الوجود العسكري في المنطقة لفترات طويلة قادمة.<BR><BR>وقبل أن تقوم الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة ماناس بقرغيزستان فإنها دفعت أموالاً طائلة لحكومة أزبكستان لكي تسمح لها ببناء قاعدة (قارشي أباد)، والتي بها حوالي 1500 جندي أمريكي، ولكن الأزمة الأخيرة في هذا البلد استدعت الدعوة إلى طرد الولايات المتحدة من هذه القاعدة ورافق ذلك ترحيب روسي؛ كما أن واشنطن وقعت على اتفاقيات مع أزبكستان وطاجيكستان لاستخدام مطاراتهما وقواعدهما الجوية في العمليات العسكرية الأمريكية، بل إن تركمانستان التي تتسم بالحياد قد منحت الولايات المتحدة حق العبور في أجوائها، وبهذا فإن حكومات دول آسيا الوسطى تمنح الولايات المتحدة هذه التسهيلات لكي تساعدها في القضاء على ما تصفه ويصفه الأمريكان (بالإسلام المتطرف)!<BR><BR><font color="#0000ff">أمراء المخدرات:</font><BR>هناك أمر مؤكد ذو خطر بالغ ولا يخضع لسيطرة الحكومة، ويشكل مصدر رئيسي للتهديد في المنطقة، وهو إنتاج الأفيون بكميات كبيرة بأفغانستان. <BR>فلقد ازدادت نسب زراعة الأفيون خلال سنوات الاحتلال الأمريكي لأفغانستان أكثر مما توقعته واشنطن ذاتها. فقد أنتجت أفغانستان الخاضعة للاحتلال الأمريكي في عام 2003م 4200 طن من الأفيون، أما في عام 2004م الذي أصبحت فيه أفغانستان محتلة أمريكياً وبها نظام حكم مدعوم من الاحتلال، فأنتجت 4950 طناً.<BR>وعلى الرغم من أن هذه المشكلة معروفة للعالم وهو يعاني من آثارها إلا أن البنتاعون لا يكترث بها ولا يبحث عن حلول جذرية لها حيث يقول مسئولو وزارة الدفاع الأمريكية: " إنه ليس من اختصاص العسكريين القضاء على حقول الأفيون".<BR>ومن الطبيعي أن يصرحوا بذلك خصوصاً وأنهم لا يرغبون في اكتساب عداء أمراء الحرب الذين يعدون السبب الوحيد والجوهري الذي يكفل بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان والذين يشرفون مباشرة على إنتاج وتجارة المخدرات.<BR> <BR><font color="#0000ff">مافيا المخدرات:</font><BR>مشاكل أفغانستان لا تنحصر فقط في المحيط الأمني بل تتعداه إلى المجال الاقتصادي. فالشباب الأفغاني عاطل عن العمل ومعظمه منخرط في جيوش أمراء الحرب أو في مجموعات العاطلين عن العمل. حيث تحولت أفغانستان بفضل الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدولة الأولى في العالم في زراعة وإنتاج الأفيون والحشيش، وهي تستعد الآن لتتبوأ المرتبة الأولى عالميا في إنتاج الهيروين داخلياً في واحدة من أهم إنجازات الولايات المتحدة في أفغانستان (!) والتي لا يتحدث أحد عنها، لأن الحديث ينحصر في ما إذا كانت هذه المرأة تلبس البرقع أو حاسرة الرأس وعن زوال البرقع.<BR><BR>كتبت صحيفة "برلينر تسايتونج" الألمانية في هذا الإطار قائلة: " إن أفغانستان قد أصبحت دولة عظمى من جديد في ما يتعلق بكمية إنتاج الأفيون، وذلك تحت أنظار القوات الدولية المسلحة تسليحاً حديثا وعالياً".<BR>ومما لا يخفى هو أن الأفيون يعد المادة الأساسية لتصنيع الهيروين، وحسب إحصاءات الأمم المتحدة فإن ثلاثة أرباع كميات الأفيون المستهلك في العالم تأتي من هذا البلد، وعن العائد المادي للبلد من وراء الأفيون، فإن الدخل من هذه المادة يصل إلى 3.2 مليار دولار سنوياً، ومن المتوقع أن يزداد الدخل هذا العام".<BR>كما نقلت صحيفة "الاندبيدنت" البريطانية أنه وبعد مرور ثلاث سنوات ونيف على سقوط الطالبان وبحسب تقرير للأمم المتحدة لعام 2003م فإن محصول الأفيون في أفغانستان في ازدهار لم يسبق له مثيل.<BR>ويقول تقرير مكتب الأمم المتحدة حول المخدرات والجريمة الذي صدر مؤخراً: " إن تجارة المخدرات أكبر بكثير مما كان متصوراً"، و يكشف التقرير عن أن المحرك وراء هذا النمو الاقتصادي هو إنتاج الأفيون، فقد صدرت أفغانستان العام الماضي 87% من استهلاك العالم (من الأفيون)، ووجد تقرير الأمم المتحدة لعام 2003م أن واحد من بين كل عشرة من الأفغان - كثير منهم لاجئون عائدون عاطلون عن العمل - مشترك في تجارة المخدرات، التي اشتغل بها في العام الماضي 2.3 مليون شخص، وكانت تمثل 6% من إجمالي الإنتاج القومي، وخلال سنة واحدة فقط ارتفع حجم المنطقة المخصصة لزراعة المخدرات بنسبة 64%، وقدر المنتج منها بـ 4.2 طن، وهي بمثابة زيادة قدرها 17% عن العام الذي سبقه.<BR> <BR><font color="#0000ff">إعمار أم تدمير؟</font><BR>يذكر تقرير صادر عن مركز الدراسات والبحوث الإسلامية (المقرّب من طالبان والقاعدة) بعنوان "أفغانستان... إعمار أو تدمير؟" أنه "لم ير أحد من الأفغان ولا غيرهم أي مشروعٍ من قبل الأمريكان يخص مجال الزراعة والمياه، رغم أن أفغانستان بلد زراعي ويعمل 85% من سكانه في هذا المجال، بل وتضررت الزراعة بدخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان لأنها سمحت لعصابات المخدرات بزراعة الخشخاش في جميع ولايات أفغانستان، فقد كان هناك قبل دخول القوات الأمريكية الغازية ولايات خاصة يزرع فيها الخشخاش، وقد تمكنت إمارة أفغانستان الإسلامية بإمرة طالبان من منعه منعاً باتاً بعد أن أصدر الملا عمر مرسوماً خاصاً بمنع زراعة الخشخاش في أفغانستان".<BR><BR>إن إحدى حسنات نظام الطالبان الكثيرة وباعتراف الأمم المتحدة نفسها هو نجاحه في القضاء على هذه الآفة نهائيا، فلمصلحة من تعود أفغانستان الآن لتصبح الدولة الأولى في العالم في زراعة وتجارة الأفيون والحشيش؟ ومن المستفيد؟ ومن هو المتضرّر؟ أليس الشعب الأفغاني في النهاية هو المتضرر! ويمكن القول أن أمريكا نجحت (عبر إخفاقاتها الكثيرة) في أن يقوم بأفغانستان اقتصاد معولم يحمل أسماء المخدرات والمنظمات غير الحكومية وأموال الحلفاء والمساعدات الدولية تحت المظلة الأميركية، وأخيراً الهبات التي تمنحها البلدان الغنية لحكومة كرزاي، أما الدولة، فغير موجودة ولن تثبت وجودها قريباً على الأرجح لأنها مكونة من تحالف متنافر وغير مستقر من أمراء الحرب والزعماء السياسيين والدينيين المحيطين بكرزاي، يدفعهم حب الثراء والطموح أو اضطرارهم للعب تحت سمع وبصر الأمريكان.<BR><br>