الاحتلال الأمريكي في العراق يترنح!
20 رجب 1426

في مطلع شهر أغسطس الجاري، قتل 21 جندياً أمريكياً في واحدة من أكثر الهجمات التي أوقعت خسائر في صفوف القوات الأمريكية منذ غزو العراق. هذا يعني - باعتراف الأمريكيين - تصاعد عمليات المقاومة، وفشل الهجمات التي تقوم بها قوات الاحتلال مدعومة بقوات عراقية على مناطق إلى الشمال من بغداد وغربها بدعوى أنها تشكل معاقل للمقاتلين، ووفقاً لمصادر أمريكية، فإن أكثر من 1800 جندي أمريكي قتلوا منذ بدء غزوهم للعراق، وخلال الأسبوعين الأخيرين قتل أكثر من 45 في محافظة الأنبار وحدها.<BR><BR>يذكر أنه في ديسمبر الماضي قتل 22 جندياً، عندما فجر أحد الأشخاص نفسه داخل قاعة طعام في قاعدة عسكرية في مدينة الموصل، وكان هذا هو أكبر هجوم على منشأة أمريكية منذ بدء الحرب.<BR><BR>ماذا يعني ذلك؟ هل يعني أن القوات الأمريكية تتعرض فعلياً لحرب استنزاف، وأن المقاومة العراقية طورت أساليبها وتكتيكاتها، بحيث أنها انتقلت إلى مرحلة إنهاك هذه القوات؟<BR><BR><font color="#0000FF">الخسائر مرشحة للتزايد </font><BR><BR>إذا ربطنا هذه التساؤلات، بما تردد عن مشروعات لانسحاب القوات الأمريكية أو إعادة نشرها، أو تقليص عددها، وبما يجري في العاصمة العراقية من اجتماعات معلنة وسرية بين مسؤولين أمريكيين وبريطانيين، سياسيين وعسكريين، مع قيادات عراقية، وكذلك مع ما أعلنه (وزير الدفاع الأمريكي) دونالد رامسفيلد خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد حول بدء سحب قوات أمريكية مع مطلع الصيف المقبل، إذا ربطنا كل هذه التطورات مع بعضها يمكن أن نصل إلى نتيجة مؤداها أن الإدارة الأمريكية باتت متأكدة من فشل سياستها في العراق، وأنها تبحث عن وسائل للتخفيف من حجم خسائرها، ولكن من دون أن يفلت العراق من يدها، على عكس النصائح التي وجهت إليها بضرورة البحث عن مخرج مشرف ونهائي للانسحاب؛ لأن التقارير الواردة من العراق تؤكد أن الخسائر التي ستلحق بالقوات الأمريكية هناك سوف تتزايد، خصوصاً أن معلومات الاستخبارات تتحدث عن استعدادات للمقاومة العراقية للقيام بعمليات عسكرية واسعة تكبد الأمريكيين خسائر كبيرة.<BR><BR>كما تشير تقارير أخرى إلى أنه رغم الهجمات والعمليات التي تنفذها القوات الأمريكية وبضراوة في العديد من المدن العراقية، وبخاصة في محافظة الأنبار، فإنها فشلت في كسر شوكة المقاومة. "صحيح أن المقاومة تمنى بخسائر، لكنها قادرة على التعويض السريع، وأنها تزداد قوة وتنظيماً وتصميماً، ولذلك فإن مواصلة الحرب أشبه بالمستحيل"..هكذا نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن ضباط عسكريين أمريكيين رفضوا الكشف عن أسمائهم.<BR><BR>إضافة إلى ذلك، فإن (مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" السابق) جون دويتش كان قد نشر مقالاً في "نيويورك تايمز" الشهر الفائت، دعا فيه إلى وضع خطة "انسحاب فوري"، بحيث تتزامن بداية الانسحاب مع الانتخابات العراقية المقررة في 15 ديسمبر المقبل، في حين نشرت خطة أخرى في واشنطن تدعو لانسحاب كامل، مع الاحتفاظ بوحدة مراقبة وتدريب مدنية وعسكرية متعددة الجنسيات تضم زهاء 10 آلاف جندي من بينهم 2000 أمريكي، وذلك بحلول سبتمبر 2006م، وتدعو الخطة إلى تحقيق اتفاق سياسي مع قادة العرب السنة على جميع المستويات لإدخالهم في العملية السياسية، لإقناع المقاومة بجدية القرار الأمريكي بالانسحاب، وترك العراق بعد أن يكون قد دخل في مرحلة سياسية جديدة، تسهل عملية إعادة الإعمار.<BR><BR><BR><font color="#0000FF">إستراتيجية فاشلة</font><BR><BR>يبدو أن الإدارة الأمريكية التي تدرك تماماً صعوبة الأوضاع في العراق، بما ينعكس مزيداً من الخسائر في قواتها، وبما يهدد مصالحها على المدى البعيد، لم تتخذ بعد قراراً حاسماً تجاه الخطوة التالية؛ لأنها ترى أن أية خطوة تتحدث عن انسحاب حقيقي سوف تعني زيادة في عمليات المقاومة ضد قواتها من جهة، وهزيمة لمجمل إستراتيجيتها تجاه العراق والمنطقة من جهة أخرى.<BR><BR>لكن مسؤولين أمريكيين أعضاء في الكونجرس، وفي مراكز أبحاث ومن بينهم عدد من كبار العسكريين، يحذرون الإدارة الأمريكية من استمرار الاستثمار في إستراتيجية خاسرة، وأن المضي في ذلك يعني أن تغوص الولايات المتحدة في مستنقع يتسع ويتعمق باستمرار، بحيث قد تصل في مرحلة لاحقة إلى نقطة قد تكلفها غاليا، كما حدث في فيتنام وربما أسوأ.<BR><BR>المراسلون الأمريكيون الذين يزورون العراق ويكتبون مشاهداتهم في الصحف الأمريكية يتحدثون صراحة عن المقاومة العراقية التي تكسب مزيداً من الأرض، وعن الحكومة التي تواجه فشلاً أمنياً وسياسياً متواصلاً، وعن القوات الأمريكية التي لم تتمكن من تسجيل انتصار عسكري كبير يتمثل في الحد من قدرات المقاومة، وعن قوات الأمن العراقية المنهكة وغير المدربة والمخترقة.<BR><BR><font color="#0000FF">لغم الدستور</font><BR><BR>إضافة إلى ذلك، فإن عملية صياغة الدستور لا تزال تواجه مصاعب كبيرة بسبب الخلافات القائمة حول بنود أساسية مثل شكل النظام السياسي وهوية الدولة وحتى اسمها، وهي قضايا خلافية قد تعني، إذا لم يتم الاتفاق عليها تفجير المكونات الأساسية للعراق من عرب (سنة وشيعة) وأكراد وتركمان وأشوريين وغيرها من الإثنيات والقوميات.<BR><BR>كما أن العرب السنة يشاركون في العملية السياسية ببطيء شديد، إن من خلال صياغة الدستور، أو من خلال الجمعية الوطنية (البرلمان) أو من خلال الحكومة، إذ إنهم يرون أن شروطاً تفرض حول مشاركتهم تمنعهم من الاندماج بالعملية السياسية، وهذه الشروط لا تتوافق مع حجمهم أولاً، ثم هي تتعارض مع نظرتهم للعملية السياسية التي يريدون المشاركة فيها بمعزل عن الطائفية والمذهبية وتوزيع الحصص، ثم إنهم يرفضون هذه المشاركة على أساس إقامة نظام فدرالي، بخاصة إذا كانت الفدرالية تعني كهدف نهائي تقسيم العراق، وهو ما يسعى إليه الأكراد من خلال محاولة استخدامها ذريعة لما تعرضوا له في العهود السابقة من مظالم، لكنهم في واقع الأمر يريدون أكثر من الفدرالية من خلال تهديدهم المستمر بأنهم إذا لم يحصلوا على مزيد من الأرض لإلحاقها بمناطقهم ومن بينها كركوك الغنية بالنفط ، فإنهم سيعلنون دولتهم. المشروع الأمريكي في العراق يواجه مشكلة حقيقية، وإن اتساع مدى المقاومة وتزايد الخسائر البشرية الأمريكية، يعمق من مأزق هذا المشروع، ويضع إدارة بوش أمام حائط مسدود يتمثل في السؤال التالي، هل تقبل بالانسحاب وفق جدول زمني؟ أم تنتظر الفشل والانسحاب الصعب؟<BR><BR>المشروع الأمريكي يتلقى ضربات عنيفة.. فكيف يكون رد واشنطن؟ حلول ومشروعات وخطط كثيرة بديلة تعرض، لكن لم يتم التوصل إلى قرار بعد.<BR><br>