الأزمة السياسية في الفلبين
15 جمادى الثانية 1426

<font color="#0000FF">الأزمة السياسية في الفلبين.. لإنهاء السلام مع المسلمين أم عقاب أمريكي لسحب القوات من العراق؟ </font><BR>تساؤلات عدة تطرحها الأزمة الدستورية التي تعيش وقائعها دولة الفلبين حالياً، أولى تلك التساؤلات؛ توقيت التصعيد السياسي ضد الرئيسة جلوريا اروا، من يقف وراءها، أبعادها، انعكاساتها على مفاوضات السلام الدائرة بين الحكومة الفلبينية وجبهة مورو الإسلامية التي تستهدف حصول المسلمين على حقوقهم التاريخية في إقامة دولة مستقلة في إطار مظلة الفيدرالية الفلبينية، والتي تواجه الكثير من العثرات مجملها سببه الضغوط الخارجية...<BR><BR><font color="#0000FF">أزمة دستورية مفتعلة: </font><BR> وقبل الإجابة على تلك التساؤلات وتوضيح أبعاد الأزمة، لابد من التعريج على أصل الحكاية:<BR>حيث تواجه ارويو مطالب بالتنحي في أسوأ أزمة سياسية خلال أربع سنوات من رئاستها حيث تتهمها قوى المعارضة الشيوعية بتزوير الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو 2004، حيث تحدثت مع أحد مسؤولي الانتخابات أثناء فرز الأصوات في انتخابات مايو عام 2004 لكنها نفت تزوير النتائج، كما اتهم أعضاء من أسرتها بتلقي رشاوى من نوادي قمار غير مشروعة. إلا أن جلوريا أعلنت تمسكها بمنصبها بالرغم من استقالة 10 وزراء من حكومتها وسط تصاعد الدعوات من مختلف قوى المجتمع بخروج الرئيسة من المنصب، وأعلنت القوات المسلحة والشرطة حالة التأهب في البلاد، والحياد في الأزمة السياسية التي تلف الفلبين، ولم توجه أية جهة قضائية أي إدانة للرئيسة جلوريا. إلا أن الوزراء المستقيلون وبينهم (سكرتير الدولة للشؤون المالية) سيزار بوريسيما، و(سكرتيرة الدولة للميزانية) ايميليا بونكودي انتقدوا أسلوب أرويو في إدارة الحكومة وتحدثوا عن شكوك في شرعيتها.<BR><BR><font color="#0000FF">موقف أمريكا الرسمي: </font><BR>وبالإشارة للشراكة السياسية والاستراتيجية بين حكومة جلوريا والولايات المتحدة الأمريكية لابد من اقتفاء الموقف الأمريكي، فرسميا حذرت الولايات المتحدة من أنها ستعارض بحزم أي محاولة لإسقاط الرئيسة الفلبينية بوسائل غير دستورية. وقالت السفارة الأمريكية في مانيلا في بيان: إن واشنطن مازالت تعترف بأرويو رئيسة شرعية للفلبين، وحذرت من أي محاولة للانقلاب على الدستور عبر انقلاب عسكري، أو فرض الأحكام العرفية، أو فرض الأمر الواقع بقوة الشارع في إشارة إلى ثورتين شعبيتين أطاحتا الرئيسين السابقين فرديناد ماركوس (1986) وجوزيف استرادا (2001).<BR><BR><font color="#0000FF">حقيقة الأزمة وتصفية الحسابات: </font><BR>ولكن الموقف الحقيقي للشريك الاستراتيجي تختلف تماماً عما هو معلن، فعلى الرغم من إعلان واشنطن تخصيص الولايات المتحدة مبلغ 26.5 مليون دولار هذا العام لجهود السلام والتنمية في إقليم 'منداناو' الفلبيني الذي يقطنه غالبية مسلمة -يتم إنفاقه من خلال وكالة التنمية الدولية الأمريكية، وأن نحو 4 ملايين دولار ستخصص كمساعدة لتحسين الأحوال المعيشية للمقاتلين التابعين للجبهة الإسلامية لتحرير 'مورو' التي تنخرط حالياً في محادثات سلام مع الحكومة الفلبينية، وسيوجه بقية المبلغ لتطوير البنية الأساسية التي أهملتها الحكومة الفلبينية ودمرت الحرب الأهلية الحياة الاقتصادية في الجنوب- إلا أن المراقبين للشأن الفلبيني يؤكدون أن السبب الأساسي وراء ثورة الشارع السياسي في شمال الفلبين الذي يقوده عناصر اليسار وبعض رجالات الاستخبارات وقادة الجيش المتعاونين مع واشنطن التي تعلم كل صغيرة وكبيرة بحكم شراكتها الاستراتيجية مع مانيلا في حربها على الإرهاب كما تقول اتفاقات التعاون الأمني وتدريب الجيش الفلبيني على مكافحة الإرهاب – الإسلامي – في الجنوب –السبب الأساسي- يرجع لعاملين أساسيين كما يقول عبدالوهاب كويلان (المسؤول الإعلامي في جبهة مورو الإسلامية) في تصريحات خاصة:<BR><BR>أولهما: إقدام حكومة جلوريا على البدء الفعلي لمباحثات السلام مع جبهة مورو الإسلامية، والتي أسفرت حتى الآن على الاعتراف الحكومي بحقوق المسلمين التاريخية في إقامة دولتهم على إقليم ميندناو، وكذا تقديم الدعم المالي والفني لتطوير واقع المسلمين والإفراج عن المعتقلين الذين تحتجزهم الحكومة الفلبينية تحت دعاوى مكافحة الإرهاب، إضافة للتعاون المشترك بين الجبهة والحكومة في مجالات مكافحة تهريب السلاح والإرهاب. ويأتي هذا الموقف الأمريكي المتخوف من إقامة دولة مستقلة للمسلمين أو تتمتع بالحكم الذاتي لكونه قد يفتح المجال بصورة كبيرة لقوى إسلامية أخرى للتصعيد السياسي ضد حكوماتهم للمطالبة بالاستقلال أو الحكم الذاتي كما في حالات إقليم اتشية ذي الأغلبية المسلمة في إندونيسيا، ومسلمي فطاني في جنوب تايلاند، خاصة في ضوء إنجازات جبهة مورو الإسلامية على أرض الواقع الفلبيني بما يمهد لأن تكون أنموذجاً لكثير من الحركات التحررية، خاصة الإسلامية.<BR><BR>حيث اعتمدت الحركة على أربعة محاور أساسية في سبيل تحقيق حلم الدولة المسلمة في وسط كتلة كبيرة من دول الجوار التي تعد مركزاً للنصرانية وحركات التبشير في جنوب آسيا: وهي التحول الإسلامي وتقوية التنظيم والاكتفاء الذاتي وبناء قوة عسكرية متطورة، حيث تم إقامة أربعة آلاف مسجد في أنحاء مورو وإنشاء خمسمئة مدرسة ابتدائية وإعدادية يدرس بها نحو ثمانية آلاف طالب وطالبة، كما أقيمت مئة وخمسون مدرسة ثانوية وبعض الكليات المتوسطة التي يدرس بها ثلاثون ألفاً.<BR><BR>كما تم تنظيم عدد كبير من حلقات تحفيظ القرآن درس فيها مئتا ألف متعلم، كما تم تنظيم أربعين ألفا من الطلاب والطالبات الذين يدرسون في الجامعات والمدارس الحكومية العلمانية بقصد تربيتهم إسلاميًا، وقام البنك الإسلامي للتنمية بجدة ببناء جامعة المخدوم، وتولت هيئة الإغاثة الإسلامية إدارتها، وتم إنشاء مبنى خاص للبنات تابع للجامعة في قلب مدينة زامونغا مما سهل حل مشكلة الاختلاط التي كانت موجودة في الجامعة وأقيمت بالجامعة، مكتبات ومعامل وتضاعف عدد الطلاب بها وأصبحت الجامعة منارة لتخريج الكفاءات الإسلامية، وهكذا تحول مجتمع مورو إلى مجتمع إسلامي صحيح بصورة تدريجية، فالمسلمون يقبلون على تعلم الإسلام وغير المسلمين يعتنقون الإسلام كل يوم كما أصبح الحجاب منتشراً وأصبح الكتاب الإسلامي موجوداً.<BR><BR>وعلى صعيد الاكتفاء الذاتي بلغ عدد العاملين التابعين للجبهة 2.5 مليون عامل يعمل 75% منهم في الزراعة و 25% في المجالات الأخرى، وقد تم زراعة25 ألف كيلو متر مربع بمحاصيل غذائية كالأرز والذرة والموز وغيرها وعن طريق ذلك استطاعت الجبهة تحقيق الاكتفاء الذاتي الجزئي من الموارد الغذائية الضرورية.<BR>وعلى صعيد تقوية هياكل وتنظيم صفوف الجبهة فقد تم تكوين 13 قيادة ولجنة إقليمية تغطي 18 محافظة وتم تكوين 337 لجنة إدارية على مستوى البلدية بالإضافة إلى 7274 على مستوى القرية، وهذه اللجان كلها تحت إدارة اللجنة المركزية التي تضم مجلس الشورى واللجنة التنفيذية وعدد العاملين فيها 1500 عامل.<BR>أما فيما يخص بناء القوة العسكرية فقد تم تنظيم 30 ألف مجاهد و 60 ألف احتياطي و 200 ألف من المليشيات غير النظامية التي يمكن استخدامها في ساعة الصفر، ومجموع العاملين المدنيين والعسكريين في جبهة تحرير مورو الإسلامية حوالي 1.4 مليون عامل.<BR><BR>وكانت الإدارة الأمريكية قبل انطلاق جولة المفاوضات التي انطلقت 29/5 في كوالالامبور بماليزيا قد فاجأت الإدارة الأمريكية المسلمين في الفلبين بالتهديد بوضع جبهة مورو الإسلامية على القائمة الأمريكية للإرهاب وإطلاق عدة تحذيرات للحكومة الفلبينية من الاستمرار في المفاوضات مع جبهة تحرير مورو الإسلامية مذكرة بالعلاقات المزعومة بين هذه الجبهة والجماعة الإسلامية في إندونيسيا التي تعدها واشنطن إرهابية، الأمر الذي فسره حينها قادة جبهة مورو بأنه ابتزاز سياسي تهدف من خلاله واشنطن إلى إرغام مجاهدي جبهة مورو على الإذعان لشروط الحكومة الفلبينية، التي تسعى لاستبدال مطالب مورو الإسلامية بدولة مستقلة إلى سلطة حكم ذاتي تحت السيطرة الفلبينية مع توسيع المشروعات التنموية في الجنوب المسلم لتعويض السكان المسلمين عن ذلك الحلم الذي جاهدوا من أجله لمدة ثلاثين عاماً منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي.<BR><BR>ومن ثم تتوافق تلك الاستراتيجية مع ما يدور على الساحة الفلبينية حالياً، حيث تسعى واشنطن لخلط الأوراق السياسية لوقف مفاوضات السلام أو تفريغها من محتواها بما يدعم خطط التعاون العسكري المشترك بين القوات الأمريكية العاملة في الفلبين - والتي تشارك في عمليات عسكرية ضد المسلمين - من أجل توقيع اتفاق دائم مع الحكومة الفلبينية لعودة القوات الأمريكية بصورة دائمة إلى القاعدتين العسكريتين التي تخلت عنهما منذ 1992.<BR><BR><font color="#0000FF">الفوضى الخلاقة في الفلبين، أو معاقبة سياسة الفلبين في العراق: </font><BR>ثانيا: ولعل موقف جلوريا الذي اتخذته بشأن وقف مشاركة قواتها الرمزية في الحرب الأمريكية في العراق وانسحابها من العراق عقب مظاهرات الشارع الفلبيني في 11 -7-2004 للمطالبة بسحب قوات بلادهم من العراق، بعد قيام المقاومة العراقية باختطاف الجندي الفلبيني زيني دولا كروز مطالبة الحكومة الفلبينية بسحب قواتها من العراق الأمر الذي استجابت له الفلبين، ومثل خروجها من العراق انفراطاً جديداً لعقد التحالف الاستعماري الأمريكي في العراق مما شجع دولاً أخرى مثل تايلاند (450جندي) ومن قبلها أسبانيا والدومنيكان وهوندراس ونيكارجوا على الانصياع لرغبات شعوبها بعدم المشاركة في الاحتلال الأمريكي للعراق بدعاوى أثبت التاريخ كذبها جميعاً، وتحينت واشنطن ساعة العقاب ضد الفلبين في نفس الشهر الذي انسحبت فيه الفلبين من العراق في 16 –7 بفارق عام لمعاقبة جلوريا عبر تسريع حركات المعارضة وتصعيد المعارضة الشعبية والسياسية ضدها.<BR><BR><font color="#0000FF">مستقبل الأزمة: </font><BR>ومن ثم فإن ما تشهده الساحة الفلبينية من اضطرابات ومطالبات باستقالة جلوريا يلخص لنا الأهداف الأمريكية في الساحة الفلبينية، والتي تدور حول منع تحقيق حلم المسلمين بإقامة دولتهم في الجنوب والإبقاء على ورقة الصراعات والحرب الأهلية في الجنوب لضمان بقاء الوجود العسكري والاستراتيجي الأمريكي في الفلبين خاصة بعد اكتشاف المزيد من المخزون البترولي في الجنوب ووسط الفلبين بدرجة تسيل لعاب الاقتصاد الأمريكي الذي قدم معونات كبيرة ومشروطة بتنفيذ الإدارات الأمريكية لها مؤخراً للمسلمين بهدف خلق درجة ما من القبول للوجود الأمريكي بشكله الاقتصادي المرتقب في مناطق المسلمين في حالة فشل سيناريو الفوضى الخلاقة التي تعتمده واشنطن ضد معارضيها في مناطق متفرقة من العالم مثل لبنان والفلبين ومن يخالفها في استراتيجياتها.<BR>ينضاف لذلك هو معاقبة الحكومة الفلبينية لسياساتها في العراق وخروجها من التحالف الأمريكي، خاصة إذا علمنا مساعدة أمريكا الواسعة لحكومة جلوريا نفسها في قمع ثورات الشيوعيين وقوى اليسار الرافضة للتعاون مع واشنطن قبل ذلك بل واستخدام وسائل قمعية قاسية من طائرات في تعذيب واعتقال مئات المعارضين في الفلبين....<BR><BR>إلا أن جلوريا ما زال أمامها الكثير من الأوراق أهمها تحريك الدعاوى القضائية أو إجراء انتخابات مبكرة أو إحالة أوراقها للقضاء الفلبيني للفصل فيه، كل ذلك وارد ومحل شك، إلا أن اليقيني في الأمر هو تضرر مسلمي مورو من تلك الأزمة التي ربما تزيح جلوريا وتبدأ قيادة سياسية جديدة تقلب طاولة المفاوضات في وجه جبهة مورو متنصلة مما تم الاتفاق عليه، الأمر الذي يستلزم تدخل منظمة المؤتمر الإسلامي والسعودية وماليزيا وليبيا كأطراف رعت وشاركت بالرأي أو الدعم لقضية مسلمي مورو في أوقات مختلفة...<BR><br>