الحوار الأميركي الأوروبي مع "حماس".. الحقيقة والأهداف
3 جمادى الثانية 1426

عندما طرحت القيادة الإسرائيلية الحاكمة نصب عينيها القضاء على البنى التحتية لفصائل المقاومة الفلسطينية وخاصة الفصائل الإسلامية منها، لم تأخذ بعين الاعتبار أن هذا الهدف صعب التحقيق والتطبيق، وخير دلالة على ذلك أن الكيان الصهيوني بكل قدراته العسكرية الجبارة والتقنيات والإليكترونيات المتطورة جدا لم تستطع أن تقضي على هذه الفصائل بالرغم من أن قواته أعادت احتلال معظم المدن الفلسطينية منذ عدة سنوات، وسيطر أمنيا وعسكريا على جميع هذه المناطق، وبذل كل جهوده وإمكانياته لتحقيق هذا الهدف.<BR><BR>ومن أسباب عدم إمكانية أية جهة القضاء على هذه الفصائل المقاومة أنها تلقى دعماً وتأييداً ومساندة من شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني، ومن الصعب على إسرائيل أن تقضي على الفصائل بأكملها إلا إذا قضت على كامل هذا الشعب، وهذا أمر مستحيل.<BR>ومن هنا بدأت عدة جهات أمنية داعمة لإسرائيل بدراسة كيف يمكن تجاوز هذه "المقاومة" أو إضعافها.<BR><BR>الأمنيون والسياسيون في بريطانيا يؤمنون بمبدأ "الاحتواء" ويرفضون مبدأ "المواجهة".. فهم يؤمنون بأنه من الضروري العمل على إقناع "حماس" أو "الجهاد الإسلامي" أو أي فصيل بضرورة الانخراط بالعملية السياسية، ووضع الخيار العسكري جانبا لفترة محدودة. <BR><BR>وأجرت الحكومة البريطانية وشخصيات من الاتحاد الأوروبي اتصالات مباشرة أو غير مباشرة، أو عبر وسطاء، مع حركة "حماس" من أجل تدارس الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها احتواء الحركة وإقناعها على إيقاف نشاطها العسكري.. وأوروبا ساهمت في إنجاح مثل هذه الاتصالات عبر رفض اعتبار "حماس" بالكامل حركة إرهابية.. فـ"حماس" حركة سياسية والذراع العسكري للحركة يعتبر "منظمة إرهابية"! ويجب التعامل مع حركة حماس أو الجهاد الإسلامي بنفس أسلوب التعامل مع حزب الله في لبنان، إذ أنه حزب مقاوم (من وجهة نظر اللبنانيين) ولكنه في الوقت نفسه يشارك في السلطة السياسية عبر أعضاء يمثلونه في البرلمان اللبناني.<BR><BR>هذه الفكرة أيضاً يؤمن بها (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس؛ لأنه يعتقد بأنه من المستحيل نزع سلاح المقاومة الفلسطينية بالقوة، ومن المستحيل أن تتبنى السلطة الفلسطينية أي إجراء قد يؤدي إلى صدامات داخلية ساخنة، ولذلك اتبع أسلوب الحوار من أجل تحقيق "الهدنة" أو "التهدئة"، وكلما حدث تقدم وإنجاز على المستوى السياسي كلما ضعف الخيار العسكري.. ولذلك فإن حركة "حماس" قررت الانخراط في العملية السياسية عبر مشاركتها في الانتخابات البلدية الجارية وفي انتظار إكمال المرحلة النهائية منها والانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في أواسط يوليو الجاري، وتم تأجيلها لأجل غير مسمى.<BR><BR>وبدت سياسة "الاحتواء" وانخراط "حماس" في أجهزة السلطة ناجحة حتى الآن.. وها هي التهدئة متواصلة رغم كل عمليات العدوان والإرهاب الإسرائيلية اليومية ضد الشعب الفلسطيني المتمثلة باعتداءات وتصفيات جسدية ومداهمات واعتقالات وهدم بيوت وتجريف أراض... إلخ.<BR><BR>خلال لقاء الرئيس محمود عباس مع (الرئيس الأميركي) جورج بوش في البيت الأبيض أواخر شهر مايو 2005م أكد محمود عباس أن السلطة الفلسطينية لا يمكن أن تمثل الشعب وتحصل على دعمه إذا انتهجت سياسة "عدائية" ضد "حماس".. إذ إن هذه السياسة ستعطي "حماس" قوة على الأرض.. وخاصة إذا واصل الجانب الإسرائيلي عدوانه ولم يقم بأية إجراءات يشعر من خلالها المواطن الفلسطيني بوجود انفراج وتقدم نحو الأمام وعلى أرض الواقع.. وأكد عباس ومراقبون آخرون أنه كلما ازدادت العداوة الأميركية الإسرائيلية ضد "حماس" و"الجهاد الإسلامي" كلما ازدادت شعبية هذه الفصائل وحصلت على دعم جماهيري أكبر.. وإن مدح هذا الفصيل أو ذاك من قبل أميركا هو مسيء لهذا الفصيل الذي تم امتداحه أو الإشادة به.<BR><BR>ومن هنا بدأت الإدارة الأميركية تراجع نفسها وحساباتها وتدرس تغيير أسلوبها في التعامل مع "حماس" كخطوة أولى أو تجربة خاصة إذا نجحت فإن الأسلوب سيتغير بالكامل مع بقية الفصائل الإسلامية ومنها "الجهاد الإسلامي".<BR><BR>الأسلوب الجديد هو من خلال إبقاء "حماس" على القائمة السوداء واعتبارها حركة "إرهابية" حسب المقاييس الأميركية، وفي الوقت نفسه تجري أميركا اتصالات مع هذه الحركة لدوافع عديدة وهي في النهاية تخدم أيضاً، من وجهة نظر الإدارة الأميركية، المصالح الأميركية السياسية والاقتصادية في المنطقة ومن هذه الدوافع:<BR>- الاتصالات ستوفر معلومات مباشرة من "حماس" لتدارس ما تريده، وما تقبل به.. ويمكن استغلاله واستثماره في بناء الإستراتيجية المستقبلية لأميركا حول تعاملها مع هذه الحركة من خلال الحصول على هذه المعلومات "والتقييمات".<BR><BR>- قد تشجع هذه الاتصالات على تخلي قيادة "حماس" عن خيار المقاومة والقبول ببعض الإنجازات السياسية من خلال الإقناع أو من خلال وعود مغرية تعطيها الإدارة الأميركية ومن بينها شطب اسم الحركة من قائمة "الإرهاب" الأميركية.<BR><BR>- إجراء الاتصالات مع "حماس" قد يؤثر على شعبية الحركة في الشارع الفلسطيني، إذ من الممكن أن يتساءل المواطن: "إذا حركة "حماس" تجري اتصالات "سرية" مع أميركا، فإنها لا تختلف عن الفصائل الأخرى". ولهذا فإن هذا الاتصالات المباشرة، أو غير المباشرة تهدف أيضاً إلى التأثير على حركة "حماس" في الشارع الفلسطيني.<BR><BR>- إجراء الاتصالات مع "حماس" سيحفظ خط "الرجعة" مع هذه الحركة في حالة فوزها في أغلبية مقاعد المجلس التشريعي.. وستكون هذه الاتصالات مقدمة لمفاوضات واتصالات مع السلطة التي تمسك زمام أمورها هذه الحركة أو الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية المعارضة.<BR><BR>- وسيلة ضغط على محمود عباس وجميع أركان السلطة من أجل الإصغاء لنصائح الإدارة الأميركية، وقيام السلطة بأدائها على أكمل وجه لتحسين صورتها وتعزيز موقفها والحصول على دعم كبير وتحقيق فوز في انتخابات المجلس التشريعي.<BR><BR>- وسيلة أيضاً لإقناع إسرائيل بالتعامل مع حركة "حماس" فيما لو ربحت الانتخابات التشريعية، وأن سياسة الاحتواء أفضل من المواجهة التي لا تحقق شيئاً لأي من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.<BR><BR>- تبرير الإجراءات المتخذة ضد "حماس" من اغتيالات وتصفية واعتقالات مستقبلا من خلال الادعاء أن أميركا عملت كل جهدها لإقناع "حماس" بالتخلي عن الخيار العسكري الذي تسميه أميركا "بالإرهاب"، لكن "حماس" أصرت على الاستمرار في نهجها العدواني. أي تصوير حركة "حماس" وكأنها المعتدية على السلام وعلى إسرائيل، وليست إسرائيل هي التي تحتل فلسطين وتشن اعتداءات يوميا برا وجوا وبحرا ضد الشعب الفلسطيني في كل مناطق الضفة وقطاع غزة.<BR><BR>- تشجيع الفصائل الأخرى المعارضة على دعم السلطة ومحاولة محاورة أميركا إذ أن الحوار مع أميركا لن يكون شتيمة أو إهانة للمتحاور معها رغم مواقفها المعادية لأمتينا العربية والإسلامية، وانحيازها الكامل للجانب الإسرائيلي.<BR><BR>من كل ما سبق يمكن الاستنتاج أن أميركا من خلال تحريض أوروبي، وخاصة التحريض البريطاني، تحاول أن تفتح حواراً مع "حماس" ولكن بشكل سري.. وهذا الحوار يخدم مصالح أميركا، وفي الوقت نفسه لن يكون لصالح "حماس".<BR><BR>والتساؤل الذي يطرح: هل هناك حوار أميركي حقيقي مع "حماس"؟ أين وكيف؟<BR>لم ينف القياديون للحركة من وجود هذه الاتصالات؛ لأن الاتصالات لا تعني تنازل الحركة عن نهجها وأهدافها ومواقفها وهي تحاول الحصول على مكاسب سياسية لصالح الشعب الفلسطيني ولم يكشف هؤلاء القياديون النقاب كيف وأين تمت هذه الاتصالات وعلى أي مستوى؟ هل كان هناك أي وسيط؟ ومن هو هذا الوسيط؟<BR><BR>استناداً إلى تقارير عديدة فإن الاتصالات مع الحركة تمت بشتى الطرق والوسائل.. فعلى مستوى الضفة أو قطاع غزة فإن الساسة الأميركيين في القنصلية الأميركية بالقدس يستطيعون إجراء لقاءات مع كل الشخصيات في الضفة الغربية، ولربما هؤلاء اجتمعوا إلى بعض قيادات حماس في الضفة الغربية.<BR><BR>وهناك طريقة أخرى للحوار عبر السفارة الأميركية في بيروت، إذ إن قياديين بارزين للحركة موجودون في لبنان، و(السفير الأميركي في بيروت) جيفري فيلتمان كان القائم بأعمال القنصل الأمريكي العام في القدس قبل توليه منصب السفير في بيروت، وتتم هذه الاتصالات عبر وسطاء لبنانيين عديدين.<BR><BR>والطريقة الثالثة هي على أعلى المستويات تتم داخل قطر، إذ إن علاقات دولة قطر مع حركة "حماس" قوية، وإن السفارة الأميركية في قطر والتي تتولى هذه الاتصالات وتشرف عليها.. بصورة سرية كاملة من دون تسليط الأضواء الإعلامية عليها. ويقال: إن أمير قطر بنفسه يحاول تقريب وجهات النظر وترتيب مثل هذه اللقاءات بدعم أيضا من وزير خارجية قطر الذي يؤمن إيماناً قاطعاً بأن على الجميع محاورة أميركا والعمل على "التوسل" إليها للحصول على حقوقنا الكاملة أو الجزئية!.<BR><BR>كما هو الحال في حركة "فتح" كذلك هو الحال في حركة "حماس".. فيما يخص وجهات النظر المختلفة حول العديد من القضايا المصيرية، فهناك من يؤيد تغليب العمل السياسي على العمل العسكري في المدة الحالية، وهناك من يدعو إلى مواصلة المقاومة المسلحة مهما كان الثمن لأن لغة المقاومة هي وحدها اللغة التي يفهمها القادة العسكريون الإسرائيليون. وهناك من يدعو إلى التوازن بين التيارين السابقين، والتصرف بحنكة وحكمة، والتحاور مع أميركا لن يضر بل هو مكسب للحركة إذ أن أميركا أخذت تعترف بقوة الحركة رغم ترديد القول صباحا ومساء بأن هذه الحركة "إرهابية"، ويجب التعامل معها بشدة وقوة حتى يتم وضع حد لها ولوجودها بأكمله.<BR><BR>ومن هنا يمكن القول أن الحوار مع أميركا لم يرحب به من قبل كافة قادة الحركة بل من مجموعة كبيرة منها.. وقد يكون هذا الحوار لصالح الحركة من ناحية وليس لصالح النضال الفلسطيني إلا إذا كان هناك إدراك كاف، وهو موجود، بأن أميركا تسعى من خلال هذا الحوار إلى الإساءة للحركة وكذلك إلى محاولة الإيقاع بين أبناء الشعب الفلسطيني. ومؤيدو الحوار من قادة الحركة يقولون إن هناك مكاسب عديدة يمكن جنيها من وراء هذا الحوار ومن بينها:<BR>1. محاولة إقناع الإدارة الأميركية بأن الحركة تسعى إلى تحقيق أهداف مشروعة، ولا تقاوم من أجل المقاومة بل دفاعا عن حقوق مهدرة ومهضومة.<BR>2. معرفة الحركة ماذا تريد أميركا وما تسعى إليه وما هي مطالبها وأهدافها من هذا الحوار.<BR>3. محاولة كسب تأييد رأي عام عالمي بأن الحركة تحاورها أميركا وأن الحركة ليست "إرهابية" كما تصفها أميركا وإسرائيل.<BR>4. وأن الحركة فصيل كبير ومؤثر في المجتمع الفلسطيني.<BR>5. وأن احتكار الحوار الأميركي مع السلطة قد يضمحل ويختفي مستقبلا من خلال الحوار المباشر بين "حماس" والإدارة الأميركية.<BR><BR>ورغم الحوار الهادئ ودون المستوى، والذي لا يتعدى كونه اتصالات وجس نبض إلا أن أمريكا تصر على أن تتخلى حركة "حماس" عن "الخيار العسكري" كاملاً حتى يبدأ حوار جدي.. وستطالب أميركا أيضاً بأن تعترف الحركة بـ"إسرائيل" كمقدمة لأي حوار جاد. وهي نفس الشروط التي فرضت على منظمة التحرير الفلسطينية قبل بدء حوار أمريكي معها في عام 1988م. <BR>قادة من حركة "حماس" صرحوا وبكل وضوح أن لا تنازل عن سلاح أو خيار المقاومة، وأن "حماس" ستتنازل عن هذا الخيار إذا حصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة الكاملة.<BR><BR>دوائر عديدة مطلعة قالت أن الاتحاد الأوروبي يجري الحوار الهادئ مع "حماس" من أجل مواصلة التهدئة ومن أجل دعم موقف السلطة وحركة "حماس".. وأن الحوار الأوروبي مع هذه الحركة يهدف إلى تحقيق استقرار ولو كان مؤقتا من أجل تشجيع الحركة على الانغماس في السياسة والانخراط في السلطة ووضع المقاومة المسلحة جانبا.<BR><BR>وتقول الدوائر المطلعة: إن الإعلان عن هذه الاتصالات أو هذا الحوار هو من أجل "الدعاية" وليس أكثر من ذلك لإظهار أن الإدارة الأمريكية أو أوروبا تسعى جاهدتين من أجل تحقيق استقرار في المنطقة إذ إن الإدارة الأمريكية وأوروبا تعملان بالتنسيق فيما بينهما وتجيدان فن تبادل الأدوار السياسية لتحقيق هدف واحد، وهو "تهدئة" الوضع كخطوة أولى نحو تحقيق استقرار دائم..<BR><BR>لقد قيل الكثير عن هذا الحوار الأميركي أو الأوروبي مع حركة "حماس".. ولكن ليس المهم ما قيل وأعلن عنه، بل المهم هو هل هذا الحوار حقق أمراً ما على أرض الواقع أم أنه سيحقق في المستقبل.. أم أنه مجرد بالون اختبار أو فقاعة صابون سرعان ما تتلاشى..<BR><BR>القياديون الصهاينة غير راضين عن هذا "الحوار" المعلن عنه... وهم يتابعونه.. وسيسعون إلى إفشاله وعدم تحقيق أي إنجاز لصالح "حماس".. وسيؤكدون للعالم أنه مجرد "فقاعة صابون"؛ لأن أوروبا أو أميركا لن تقبلا بأن تغضبا الجانب الإسرائيلي، بل تؤكدان أن مساعيهما هي لتحقيق استقرار كما تتطلبه مصالح إسرائيل وأميركا وأوروبا.. أولاً وأخيراً؟!<BR><br>