هل يمتلك السعوديون سلاحا نوويا؟
21 جمادى الأول 1426

أعلن مسئولون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن السعودية وقعت يوم 16-5-2005 اتفاقا يسمح للوكالة بإجراء عمليات "تفتيش محدودة" للمواقع النووية في المملكة، عارضته الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وأستراليا؛ لأن "بروتوكول الكميات الصغيرة" - الذي وقعته السعودية- يسمح بإعفاء الدول من شرط إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بامتلاكها كميات من اليورانيوم الطبيعي تصل إلى 10 أطنان، وهي كمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة على الأقل! لمحدودية تلك العمليات.<BR><BR>ومع أن الاتفاق وضع نهاية لأشهر من الجدل حول توقيع السعودية على هذا البروتوكول المعمول به منذ عام 1971 بهدف تخفيف عمليات التفتيش في الدول التي لا تملك سوى برامج نووية صغيرة، فقد أثارت المعارضة الأمريكية والغربية عموما لتوقيع هذا الاتفاق والجدل حول البرنامج النووي السعودي التساؤلات حول وجود معلومات أو مخاوف لدي الغرب من اقتناء السعودية السلاح النووي، وربما وجود أسباب أخري خفية وراء هذا التصعيد النووي ضد السعودية. <BR><BR>فالسعودية أكدت في رسالة وجهتها إلى البرادعي للدفاع عن نفسها "عدم وجود" مواد نووية في السعودية من تلك الواردة في "اتفاق الضوابط" النووية، وأن لديها تجهيزات "لتسريع الجزيئات" بهدف الحصول على نظائر نووية للاستخدام الطبي، ومع هذا تجدد الجدل وأثارت مجلة "التايم" الأمريكية قضية النووي السعودي عندما نشرت تقريرا يوم 11-6-2005 نقلا عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قالت فيه: إن باكستان سعت مؤخرا إلى بيع تكنولوجيا نووية لكل من مصر والسعودية وبعض البلاد الأفريقية!!<BR><BR>والملفت أن هذه الحملة الغربية تعود إلي عام 2003 في الوقت الذي بدأت فيه الدول العربية حملة مكثفة على البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي في المؤتمر الأخير لوكالة الطاقة الذرية الذي عُقد في سبتمبر 2003 (فشلت الحملة).. حيث بدأت الحملة العربية بحملة "تشويه وتمويه" موازية عبر صحف ومراكز أبحاث أجنبية مشبوهة على البرنامجين النوويين الإيراني والسعودي، رغم أنه لا يوجد برنامج تسلح في الأولى ولا يوجد برنامج أصلا في الثانية!! <BR><BR>وقد تكون المفارقة واضحة لا تحتاج لتوضيح، ولكن الغريب أن حملة "الافتراء" على الدول العربية والإسلامية "غير النووية" استمرت، فيما أُجهضت حملة "فضح وكشف الأسرار" التي بدأها العرب متأخرا على برنامج الدولة "النووية" الوحيدة في الشرق الأوسط "إسرائيل"، وتم إنهاء الجدل حولها في أسرع وقت ممكن.. ما يؤكد أن الهدف ليس إلا مزيدا من الضغط على الدول العربية والإسلامية! <BR><BR>ففي 18-9-2003 زعمت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن السعودية تفكر في شراء أسلحة نووية بسبب الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط، مدعية أن تقريرا إستراتيجيا يُدرس على أعلى المستويات في الرياض يتضمن 3 خيارات: أولها شراء أسلحة نووية بهدف الردع. أما الخياران الآخران فهما التحالف أو الإبقاء على تحالف مع قوة نووية يمكن أن تقدم حمايتها للمملكة أو محاولة التوصل إلى اتفاق إقليمي لإزالة الأسلحة النووية من منطقة الشرق الأوسط بأسرها. <BR><BR>وكي تسبغ الصحيفة مزيدا من الإثارة والتشويش قالت بأنها لا تعرف أيا من الخيارات الثلاثة اعتمدته السعودية، واعتبرت مجرد الحديث عن تلك الخيارات النووية "تطورًا يثير القلق"، رغم أن تقريرها كان بعنوان يقطع الشك باليقين ويقول بأن "المملكة العربية السعودية تسعى لامتلاك أسلحة نووية"!! <BR><BR>والأكثر غرابة أن "جارديان" وصفت التوجه السعودي الجديد (غير المؤكد) بأنه خطر على جهود منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، واتهمت إيران بامتلاك برامج نووية، لكن الصحيفة أغفلت الخطر الذي تمثله الترسانة النووية الإسرائيلية التي لا تخضع لأي تفتيش أو مراقبة دولية! <BR><BR>ورغم التأكيد السعودي بأنه ليس لديها أي خطط لتطوير أسلحة نووية، وأن المملكة العربية السعودية لا تدرس امتلاك قنبلة نووية أو سلاح نووي من أي نوع، ولا يوجد برنامج للطاقة الذرية في أي جزء من المملكة، وقول دبلوماسي على صلة بأوساط الوكالة الدولية للطاقة الذرية لرويترز في فيينا: إن الوكالة ليس لديها أي معلومات تدعم ما جاء في مقال "الجارديان".. فإن الحجر الذي ألقته "الجارديان" وغيرها من الصحف والدوريات الغربية أعاد فتح ملف التسلح السعودي في الأوساط البحثية الأمريكية بدعم واضح من اللوبي الصهيوني ودعوات لمزيد من التشدد مع السعوديين، والمصادفة أن أغلب من فتح الملف كانت مراكز أبحاث لها علاقات واضحة بالمسيحيين المحافظين في إدارة بوش أو اللوبي الصهيوني بشكل واضح! <BR><BR><font color="#0000FF"> شائعات عمرها 20 عاما: </font><BR>والحقيقة أن هناك شائعات تتردد منذ 20 عامًا؛ مفادها أن المملكة تريد أن تمول الأبحاث الذرية وتطوير الأسلحة النووية في باكستان، أو أن السعودية أرسلت فريقًا أمنيًّا إلى باكستان قبل 4 أعوام لزيارة منشآتها النووية السرية، وشائعات أخري تقول بأن السعوديين تلقوا تقريرًا من عبد القادر خان المعروف بأبي القنبلة النووية الباكستانية، أو أنهم عرضوا شراء قنبلة نووية باكستانية، وكلها أخبار ثبت عدم صحتها على لسان الباكستانيين أنفسهم. <BR><BR>كما أن قصة ما يسمونه "البرنامج النووي السعودي المحتمل" ظلت تراوح مكانها وتظهر للعيان كلما اشتد الضغط على البرنامج النووي الصهيوني، كنوع من التمويه وإخفاء جسم الجريمة الحقيقي في إسرائيل وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، حتى إن نشرة "اتحاد علماء الذرة الأمريكيين" ذكرت أواخر عام 2001 أن الولايات المتحدة تصرفت مع القدرات النووية الإسرائيلية طوال السبعينيات والستينيات بإهمال وبتحليل خاطئ في ظل نجاح إسرائيل في التضليل؛ فعجزت عن إدراك أبعاد المشروع النووي. <BR><BR>وربما لهذا أيضا اتهم (وزير الدفاع والطيران السعودي) الأمير سلطان بن عبد العزيز "اللوبي الصهيوني" بأنه وراء تلك الأكاذيب التي روجتها صحيفة الجارديان البريطانية ضد السعودية، كما نفى (وكيل وزارة الخارجية السعودية) الأمير تركي بن سعود الكبير إجراء أي اتصالات بين بلاده والوكالة الدولية للطاقة حول هذا الأمر، وتساءل عن سبب التركيز على دول منطقة الشرق الأوسط بشأن مزاعم امتلاكها أسلحة نووية وإغفال إسرائيل تماما مع أنها دولة ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها تمتلك من 150 إلى 200 رأس نووي، وأن لديها مفاعلا نوويا في ديمونة في النقب! <BR><BR>ويبدو أن هذه الشائعات وجدت فرصة للرواج أكثر عقب هجمات 11 سبتمبر، وتدهور العلاقات الأمريكية السعودية، ونشر لجنة التحقيق التابعة للكونجرس في 24-7-2003 تقريراً يتهم السعودية بالضلوع في الهجمات، ورفض الولايات المتحدة إطلاع السعودية على ذلك التقرير بدعوى أنه سري؛ بحيث سعى الصهاينة لتأجيج الحريق بهذه المزاعم الجديدة، بل والحديث عن احتمالات قيام سعوديين بهجمات بطائرات أو أسلحة دمار شامل على إسرائيل من مطارات سعودية قرب الحدود مع الدولة العبرية أخلاها الأمريكان وتم السماح بالطيران الحربي السعودي فوقها بعدما كان محظورا خشية استخدامها ضد إسرائيل! <BR><BR><font color="#0000FF"> السعوديون يفضلون النووي الجاهز لا التفصيل! </font><BR>واللافت للانتباه أن الحملة الأخيرة على السعودية واتهامها بالسعي لامتلاك السلاح النووي بدأت في يونيه 2003، حيث دشن الحملة الباحث الأمريكي اليهودي "مايكل أي. ليفي" بمقال نشره مركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي نقلا عن دورية "NEW REPUBLIC" أو "الجمهورية الجديدة" عدد 2 يونيو 2003 تحت عنوان خبيث يقول: "هل يمتلك السعوديون الأسلحة النووية؟" <BR><BR>ثم توالت الحملة،وكتب "مايكل ليفي" يضرب على وتر الهجوم الأمريكي على السعودية نقلا عن صحيفة "وول ستريت" ما أسمته "أعداؤنا السعوديون"، ونقل أشد عبارات الهجوم على السعودية من صحف "واشنطن بوست" و"نيوزويك" وعلى الإدارة الأمريكية أيضا بدعوى تركها السعودية تنتهك "حقوق الإنسان" وتمول الإرهابيين -كما قال- ليصل (ليفي) إلى الحديث عن السلاح النووي السعودي المحتمل والمخاوف منه! <BR><BR>وقد أوضحت "NEW REPUBLIC" مبررات هذا التوجه السعودي المحتمل نحو هذا السلاح النووي بما يلي: <BR>1- في أواخر الثمانينيات اشترت الرياض سرّا بين 50 و60 صاروخا "سي إس إس -2" من الصين مداها 3500 كيلومتر وقدرة حمولة 2500 كيلو، وهذه الصواريخ قادرة على حمل رأس نووي، وبالتالي فهي إشارة إلى أن السعوديين كانوا يراوغون على الأقل في الاتجاه النووي! <BR><BR>2- في يوليو 1994 أبلغ "محمد الخيلوي" -الدبلوماسي السعودي السابق الهارب من البعثة السعودية بالأمم المتحدة- صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية بأن بلاده ساعدت في المدة بين 1985 و1990 برنامج أسلحة العراق النووية بشكل نشيط، ماليا وتقنيا، مقابل حصة من منتج هذا البرنامج النووي. <BR><BR>3- في يوليو 1999 زعمت صحيفة "نيويورك تايمز" أن (وزير الدفاع السعودي) الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود زار مواقع الأسلحة النووية الباكستانية الحساسة، وتجول في مفاعل كاهوتا؛ حيث تنتج باكستان "يورانيوم" مخصبا للقنابل النووية، وهو في الوقت نفسه كان يجهز معدات وتجهيزات عسكرية دعما وخبرة للبرنامج النووي الكوري الشمالي. السعوديون رفضوا توضيح زيارة الأمير. <BR><BR>وعلى الرغم من أن كل هذه الأحداث السابقة لا تشكل -لو كانت صحيحة- دليلا على سعي السعودية لامتلاك سلاح نووي؛ فقد اعتبرت الصحيفة أن المملكة العربية السعودية اختارت بذلك الطريقَ النوويَّ عبر القناة الباكستانية أو الكورية الشمالية التي باعت صواريخ للسعودية في الماضي. ونقلت عن "ريتشارد روسل" الخبير في الشؤون السعودية في "معهد الدفاع الوطني" أن السعوديين يحاولون شراء رؤوس حربية تامة الصنع بدلا من بناء بنية تحتية نووية يسهل تدميرها كما حدث للعراق عام 1981. <BR><BR>وقال "روسل" بأن هناك صعوبة تدركها الرياض في تدمير أمريكا أو إسرائيل للسلاح النووي الجاهز بعكس تدمير المفاعلات، وأنه بشراء الرؤوس الحربية الجاهزة ستجعل الرياض احتمالات أي هجوم استباقي أقل، خصوصا أن لديهم القدرة المالية على شراء هذا السلاح.<BR><BR>وهذا الرأي قاله أيضا "ديفيد أولبريت" (مدير معهد العلم والأمن الدولي)، وهو منظمة في واشنطن- حيث عبر عن قناعته في أن السعودية لن تلجأ لتصنيع قنبلة نووية، ورجح أن تفضل المملكة محاولة شراء رأس نووي قائلا: "إنهم سيكونون أول الدول الثماني أو التسع النووية التي تشتري قنبلة بدلا من أن تصنعها"، وإن كان أبدى شكوكه أيضا في أن يوافق أحد على بيع الأسلحة النووية لهم! <BR><BR><font color="#0000FF"> النووي أفضل من التقليدي لأسباب داخلية: </font><BR>ولكن لماذا لا تلجأ السعودية إلى السلاح التقليدي بدلا من النووي كما فعلت دول عربية أخرى؟ هنا يزعم بعض المحللين الغربيين -مثل خبير الشرق الأوسط "جريجوري غوس" كما في موقع معهد بروكنجز الأمريكي للأبحاث- أن الجيش السعودي "ضعيف جزئيا بشكل متعمد لمنع التهديد الداخلي بانقلاب عسكري"، وأن الحكومة السعودية تفضل ترسانة نووية على سلاح تقليدي، يحسن أمنها ضد التهديدات الخارجية! <BR><BR>ويبدو أن تجدد الحملة علي البرنامج النووي السعودي لها جذور من مخاوف غربية أخري من احتمال سيطرة متطرفين سعوديين عليها في حالة انهيار النظام نتجت عن مخاوف أخرى من انهيار النظام أو وقوعه في يد إسلاميين أكثر عداء للغرب كما وضح من توجهات الشارع السعودي عندما انتخب إسلاميين في الانتخابات البلدية الأخيرة.<BR><BR>ويبدو أن مسألة التغطية على البرنامج النووي الصهيوني بوضع البرنامج الإيراني في الطريق؛ باعتباره محرك التوجه السعودي نحو امتلاك سلاح نووي -وليس إسرائيل- أعجبت محللين غربيين آخرين؛ فكتبوا يتحدثون عن الشكوك والقلق السعودي من البرنامج النووي الإيراني، وكأنه هو المحفز للتفكير السعودي في النووي!! <BR><BR>فقد كتب "باتريك كلوسون" (نائب مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) يقول: "المملكة العربية السعودية هي -على الأغلب- المرشحة للبحث عن سلاح نووي ردّا على تهديد نووي إيراني"، مرددا نفس الأقوال عن خوف السعوديين من برنامج إيران للتسليح النووي، بل وناقعا السم في العسل بالحديث عن الخلافات السنية الشيعية بين البلدين! <BR><BR>ويقول بأن تراجع البرنامج النووي السعودي في الماضي كان بسبب علاقة المملكة مع الولايات المتحدة، وسبق توقيع معاهدة رسمية مع الرياض لحمايتها منذ الحرب العالمية الثانية، ووضوح هذه الحماية أثناء حرب الخليج 1991 بضمانات غير رسمية قدمت إلى الزعماء السعوديين من قبل المسؤولين الأمريكان بأنهم سيحمون الحكم الملكي من التهديدات الخارجية. <BR><BR>أما بعد هجمات 11 سبتمبر فقد بدأت الحماية "الأمريكية" تتحول إلى اتهامات وتهديدات "أمريكية"؛ وهو ما استتبع التفكير في هذا الخيار النووي، وهو ما سعى مركز الأبحاث السياسية الأمريكي (راند) للحديث عنه بدوره، مذكرا بقول لجنة السياسة الدفاعية الأمريكية برئاسة ريتشارد بيرل صيف 2002 أن المملكة العربية السعودية كانت "لب الشر، والمحرك الأساسي، والمعارض الأخطر في الشرق الأوسط"؛ وهو ما جعل العائلة المالكة السعودية -كما يقول تقرير "RAND" من غير المحتمل أن تشعر بالأمان، وربما تدفع السعوديين للنادي النووي. <BR>ويبدو أن المخاوف الأمريكية ليست من الحكم السعودي -كما يقول ليفي- ولكنهم يخشون إسقاط إسلاميين للحكم السعودي، وبالتالي سقوط الإمكانيات النووية (في حالة اقتنائها) في أيديهم! <BR><BR>النووي الصهيوني كسب بالتالي معركة الحملات المضادة مع العرب لأسباب عديدة؛ أبرزها معاكسة الظروف والتحالفات الدولية للموقف العربي.. ولكن الخطورة الحقيقية هي أن فشل الحملة العربية في وكالة الطاقة الذرية لإخضاع النووي الصهيوني للرقابة الدولية تحول لانتصار لصالح الصهاينة ومزيد من الضغوط على السعودية وإيران بعدما فتح الغرب الملفات القديمة والجديدة للتسلح النووي العربي!<BR><br>