خلافات في تركيا حول دورات حفظ القرآن الكريم
18 جمادى الأول 1426

احتدمت الحرب السياسية الباردة بين ركني الحكم في تركيا القصر الجمهوري ورئاسة الوزراء حاليا لتصل إلى ذروتها بعد إعلان (رئيس الجمهورية) أحمد نجدت سيزار عن معارضته المطلقة لتخفيف العقوبة على تنظيم دورات تعليمية لقراءة القرآن الكريم دون إذن من السلطات وفقا للتعديل الجديد في قانون العقوبات مقابل ذلك يصر رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان على إدراجها في القانون الجديد والأخذ بهذه المبادرة من أعماق القاع إلى أعلى قمم النخاع.<BR><BR>أحمد نجدت سيزار أعاد مؤخرا مادتين مقترحتين في القانون الدستوري الجديد إلى البرلمان (الذي يسيطر الحزب الحاكم على أغلبيته) مطالبا بإعادة النظر فيهما وإحداهما هي المادة 263 التي تخفض عقوبة السجن على فتح أو إدارة دورات تعليم قرآن بدون إذن رسمي من مدة تتراوح بين الثلاثة إلى 12 شهرا مقارنة بالعقوبة السابقة التي تتراوح بين السجن من ثلاث إلى ست سنوات.<BR>الفئات التي تقف ضد هذا القانون تبرر موقفها بأنه خوفا من أن تؤدي دورات حفظ القرآن الكريم إلى صياغة عقول وأفكار تهدد فيما بعد النهج العلماني السائد في البلاد، أما الذين يدافعون عنه ويرفضون وضع شروط على تعليم القرآن الكريم يرون بأن إتاحة التعليم الديني للمجتمع في حد ذاته رمز لتأكيد الممارسة الديمقراطية.<BR><BR>وليس القصر الرئاسي وحده من يعترض فقط على هذا التعديل، وإنما حزب الشعب الجمهوري المعارض الأكبر في تركيا أيضا حيث تصاعدت حدة الخلافات بين الحزب الحاكم والحزب المعارض حين وجه زعيمه دنيز بايكال أصابع الاتهام إلى إردوغان قائلا بأن التعديل كشف عن أهدافه السرية وهو يقصد بذلك أن (إردوغان الإسلامي تمسكن إلى أن تمكن من الحكم ليبدأ باستصدار القوانين الإسلامية المناهضة للعلمانية) فما كان من إردوغان إلا أن رد عليه بأن حزب المعارضة يعارض تعليم القرآن الكريم والدين الإسلامي للشعب التركي.<BR><BR>وما يزيد مخاوف حزب الشعب الجمهوري أن أنباء تترد عن خطوة لاحقة تدعو لها أصوات داخل حكومة حزب العدالة والتنمية لتدريس تعاليم الإسلام ضمن مناهج المرحلة الثانوية.<BR>رئيس الوزراء إردوغان انتقد بشدة استخدام حزب الشعب الجمهوري لتعبير "دورات القرآن الكريم المهربة" معتبرا أنه من العيب وعدم اللياقة استخدام مثل هذا التعبير خاصة أن القرآن الكريم هو كتاب الأغلبية الساحقة من الشعب التركي وهي من حقها أن تتعلم وتقرأ كتابها الديني بكل حرية.<BR><BR>كما انتقد إردوغان دنيز بايكال على معارضته للتعديل بينما قام بأداء الصلاة في المسجد الأقصى خلال زيارته الأولى للقدس نهاية الشهر الماضي، لكن بايكال رد على إردوغان في نفس اليوم بكلمته أمام المجموعة البرلمانية للحزب بقوله: "نعم أنا صليت في البقعة المقدسة لحضرة رسول الله، وسأصلي كلما استدعت الضرورة، ولكن في الوقت نفسه سأدافع بكل قوة عن الجمهورية والعلمانية".<BR>من جهته، حسم (وزير الخارجية) عبد الله غول موقف حزب العدالة من هذه المسألة بقوله: إن صاحب القرار في القانون هو البرلمان التركي وفى الدول الديمقراطية البرلمان هو الذي يصدر القرارات وعلى الجميع احترام هذه القرارات لتعبيرها عن الإرادة الشعبية. <BR><BR><font color="#0000FF">فضيحة دورات حفظ القرآن في الصحافة التركية: </font><BR>منذ أسبوعين تقريبا والصحافة التركية لا شغل لها ولا شاغل سوى اللعب على وتر "افتتاح دورات تعليمية للقرآن الكريم بدون إذن من الدولة" بيد أنها استثمرت كل مواهبها في بلورة أزمة مصطنعة مستمدة نواتها من المادة 263 من قانون العقوبات الجديد التي تقضي بتخفيف الأحكام على "دورات القرآن الكريم المهربة". <BR>عندما يقف المرء قليلا عند لوحة تكاتف الأقلام الصحفية العلمانية وتهجمها الشرس على هذه المادة الجديدة التي تحي في المواطن التركي المسلم بريق أمل بتعليم أولاده القرآن الكريم بحرية أكبر فإنه تتضح أمامه حقيقة أن الصحافة افتعلت من هذه القضية أزمة ونقلتها وبررتها وحللتها بشكل مغاير وأصدرت ضدها أحكام وغسلت معها رؤوس لدرجة أنها لم تترك مجالا لغيرها لكي يشرح الحقيقة. <BR><BR>مثلا؛ هم يقولون بأن هذه المادة الجديدة ستفتح الطريق أمام "فتح أو إدارة دورات تعليم قرآن بدون إذن رسمي" وهذا خطأ لأن القانون يعد ذلك "تهمة" أيضا ويعاقب عليها كل ما في الأمر أنه خفف من الحكم عليها من مدة تتراوح بين السجن من عام لثلاثة أعوام إلى ثلاثة أشهر لعام.. <BR>وأيضا بنفس الشكل هم يدعون بأن هذه المادة هي لمعاقبة منظمات أصولية مثل حزب الله والمبشرين، وهذا خطأ أيضا لأنه لم يسبق لحد الآن أن تم معاقبة مبشرين أو أنصار من حزب الله بموجبها.. <BR><BR>هم يقولون بأنه أصبح بوسع الأبوين إرسال أولادهم إلى دورات القرآن الكريم بحرية تامة وهذا خطأ لأن النظام التعليمي الإلزامي في تركيا لثماني سنوات يمنع الطالب من تعلم القرآن حتى بلوغ سن الرابعة عشر أي إنهاء المرحلة الإعدادية بالكامل.<BR>هم يدعون بأن القانون لم يفرض عقوبة على الذين يدرسون القرآن الكريم في منازلهم وهذا خطأ إذ أن محكمة الجزاء طالبت عام 2002 بفرض عقوبة على الذين يرسلون أولادهم إلى دورات القرآن الكريم قبل سن الـ15. <BR><BR><font color="#0000FF">الصحافة تلعب على حبل الرئيس سيزار: </font><BR>الصحفي الكبير أكرم دومانلي من صحيفة "زمان" الإسلامية وضع يده على هذه المسألة التي طغت على الأحداث اليومية منذ أن تناولها قانون العقوبات الجديد متهما الصحافة بالمبالغة في تضخيم الحدث وباللعب على حبل رئيس الجمهورية.. الكاتب قال في مقالته أن هناك أيدي خفية تحرك الصحافة لكي تتعامل مع هذا الخبر بشكل يومي.. وقد رأى الكاتب الثغرات الصحفية التي تفرد ما وصفه "بأوراقها الملفقة" على طاولة القصر الرئاسي مما دعاه إلى كتابة هذه المقالة المدرجة تحت مسمى "الفرق الكبير بين الصحافة المسئولة والصحافة التي تثير المشاكل".. قال فيها: "لا شك أنه ليس هناك أصعب من مهمة إثارة خلافات حول مسألة مزيفة تستقي معلومات خاطئة سيما إذا كانت هذه المسألة ’تثار بأداة الإعلام المكلف بحماية ونشر المعلومات الصحيحة وليس بتلفيقها..<BR><BR>وقال دومانلي:"لن يكون من السهل أبدا علينا انتقاء "الصح" من قلب هذه الزوبعة الصحفية الكاذبة ووسط جرأتها التي تجاوزت كل الحدود في تشويه الحقائق.. ففي مثل هذه الأيام الصعبة التي يستشعر فيه الشعب التركي المسلم الفراغ القانوني حين يصبح القرآن الكريم هو محل النقاش وفي الوقت الذي يبحث فيه المجتمع عن أي وسيلة ترفع عنه العقوبات بتعليم أولادهم القرآن الكريم قبل سن الـ14 عاما، فإنه كان من الأجدر بالإعلام بل ومن مسؤوليته في التوعية أن يساند الحل القانوني الذي يستوفي حاجة المجتمع بدلا من التمسك بعناد فارغ والمطالبة بتشديد العقوبات.. <BR><BR>ويخلص دومانلي إلى القول بأنه لا يعتقد أن سيزار من أنصار الأقلام التي تدعي بأن "أصحاب السلطة في فناء والدولة في بقاء" لأن ذلك سيكون استخفافا بإرادة الشعب وبالديمقراطية ولكنه أكد بأن الأسلوب الذي يتباه الرئيس اليوم يصوره بهذا الشكل وكأنه ينتقي أفكاره من الكتابات الصحفية ليختم بجملة:"بكل الأحوال أقول أنا أيضا بأن كل شيء في فناء حتى رئاسة الجمهورية ومعها الصحافة ونحذر بأنه سيأتي يوما ما تظهر فيه الحقائق التي ستكون هي في بقاء".<BR><br>