"السلفيون" المعتقلون بالمغرب: إضراب حتى الموت أو الحرية
20 ربيع الثاني 1426

يخوض أكثر من ألف معتقل من الذين أطلقت عليهم جهات أمنية وإعلامية اسم "السلفية الجهادية" إضراباً عن الطعام منذ 2 ماي 2005م، رافعين شعار "الحرية أو الموت" احتجاجاً على سوء المعاملة في السجون المغربية، والتماساً للنظر في حقيقة حالهم، ورفع الظلم الذي لحق بهم منذ الأحداث الإجرامية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء المغربية يوم الجمعة 16 ماي 2003، والكشف عن الفاعل الحقيقي لها.<BR><BR> وكان عشرات منهم ممن يوجدون في سجون مدينة القنيطرة (البعيدة عن الرباط بحوالي 35 كيلومتراً شمالاً) قد أضربوا عن الطعام لمدة 48 ساعة للمطالبة بإعادة النظر في الأحكام الصادرة بحقهم، وكان المضربون الذي بلغ عددهم 91، من بينهم ثلاثة من رؤوس المعتقلين وشيوخهم الذين يعدون "المنظرين" السلفيين، وهم حسن الكتاني وعبد الوهاب رفيقي (الملقب بأبي حفص) وعمر الحدوشي،( أما رابعهم فهو محمد الفيزازي) قد حصلوا على تحسين لأوضاعهم شيئاً قليلاً..<BR><BR>اعتقالات بالجملة<BR><BR>وتعود بداية هذه القضية إلى غداة أحداث 16 ماي 2003م التي لقي فيها الموت 49 شخصاً، منهم 12 انتحارياً، إذ اتهمت المحكمة المغربية 2112 من "السلفيين"، وأصدرت 903 حكماً نهائياً، منها 17 محكماً بالإعدام.<BR><BR> وقع هذا بعد شن حملة واسعة من الاعتقالات، أدانها كثير من المراقبين والحقوقيين المغاربة والدوليين، خاصة في المساطر المتبعة في الاعتقال والاتهام وإصدار الأحكام، وأكدت المنظمات المعنية وقائع التعذيب العديدة والأحكام التعسفية، وأشارت بأصابع الاتهام إلى مصالح الاستخبارات المغربية.<BR><BR>قال المحامي زهراش الذي دافع عن كثير من المتهمين بالضلوع في الأحداث الإجرامية من قريب أو بعيد: "إن المسجونين يطالبون بمراجعة الأحكام الصادرة في حقهم ويعدونها غير عادلة". <BR><BR>و قال عبد السلام عبد الإله (عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان): "إن بعضهم يطالبون بإطلاق سراحهم؛ لأنهم حوكموا بمقتضى اتهامات باطلة، وألقي عليهم القبض بطريقة عمياء واعتباطية، ولهذا يلتمس هؤلاء أن تعاد محاكمتهم أو يطلق سراحهم". وأكد أكثر من حقوقي أنهم تعرضوا لحملات منظمة من القمع والتعذيب والحرمان من الحقوق.<BR><BR>حالياً، وموازاة مع الذكرى الثانية لجرائم 16 ماي 2003م، أظهر المعتقلون بزعامة "الشيوخ" عزماً راسخاً على المضي في مطالبهم وعدم التردد بشأنها، فإما أن تظهر براءتهم ويسترجعوا حريتهم، وإما أن يحملوا موتى في الأكفان والنعوش إلى القبور.<BR><BR> ومما ألهب حركتهم سقوط أول "شهيد" منهم جراء الإضراب عن الطعام، ويتعلق الأمر بالشاب خالد بوكري البالغ من العمر سبعاً وعشرين عاماً، في الوقت الذي لم يبق إلا أربعة أشهر على انتهاء مدة سجنه.<BR><BR>تحولات كبيرة<BR><BR>بدخول المعتقلين السلفيين المغاربة في هذا الإضراب عن الطعام، بطريقة جماعية، وفي معتقلات مختلفة، ووقت مدروس، وبمطالب ذات سقف مرتفع وذات انعكاسات في غاية الأهمية، يكون هؤلاء قد ساهموا في تحولات كبيرة في المشهد السياسي والحزبي المغربي، لم تترك أحداً من الفاعلين السياسيين في مكانه بلا حراك ولا زحزحة، بل على العكس، استطاعت هذه الحركة المدروسة أن تسبب في اضطراب وحيرة أقرب ما تكون إلى الزلزلة الصغرى، خاصة للحكومة المغربية وأجهزتها القضائية والأمنية.<BR><BR>أول انعكاس سجله الملاحظون هو دهشة الحكومة وارتباك أمرها، وتضارب مواقفها بين مؤيد للحوار مع المعتقلين (مثل وزير العدل)، ورافض له ماض في طريقة التجاهل والقمع، مثل أجهزة الاستخبارات الأمنية والصحف الموالية لها.<BR><BR> وما زال كثير من المراقبين يذكرون أن الحكومة المغربية تخلت عن مسؤوليتها، وأسلمت الزمام للخيار الأمني الاستئصالي قبيل جرائم 16 ماي 2003م وبعده، حتى شبهت تلك الأيام بحلة الطوارئ القريبة من الانقلاب، فقد وجهت للحكومة نصائح وانتقادات شديدة اللهجة من عدة منابر وهيئات، بتجنب الخيار الأمني المستجيب لقانون "محاكمة الإرهاب" الذي أملته الولايات المتحدة الأمريكية على كثير من الدول الحليفة لها -والمغرب حليف جيد لها باعتراف واشنطن نفسها- بعد أن هيأت المناخ النفسي والسياسي له، من خلال استغلال أحداث 11 سبتمبر 2001م والحملة الطويلة جداً على "الإرهاب". <BR><BR>في غمرة الضغط الأمريكي والغزو الأمريكي، قامت الأجهزة الأمنية المغربية بحملات واسعة في أوساط الإسلاميين، خاصة السلفيين منهم، وشملت هذه الحملات عددا كبيرا قدر بحوالي 8000 شخص، قدم منهم للمحاكمة قرابة ألفين منهم، وجرت تلك المحاكمات بطريقة سريعة جداً، وأصدرت فيها أحكام مبالغ فيها، ثم توج كل ذلك بتعذيب منظم واضطهاد داخل السجون وخارجه.<BR><BR>وعلى الصعيد السياسي والإعلامي، نظمت حملة أخرى للتشويه والتهويل والتخويف ضد حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، تطورت إلى حملة ضد التدين عموما في مختلف جوانب الحياة، بل إن بعض الأصوات ارتفعت بسرعة في تلك الأيام ضد الطابع الإسلامي للدولة والملكية والدستور مطالبة بفصل الدين عن الدولة واختيار العلمانية.<BR><BR>الآن، وقد وقع ما صدر فيه التحذير للمسؤولين الأمنيين والحكوميين، وتطور الأداء التنظيمي والسياسي للمعتقلين السلفيين وذويهم المنضوين ضمن جمعية "النصير" لمساندة المعتقلين الإسلاميين، وصارت لهم كلمة موحدة، صدرت بيانات من جهات متعددة تذكر المسؤولين بمسؤولياتهم وتفريطهم فيها، وتحث المعنيين بالأمر على اتخاذ المواقف الضرورية لتجنب المحذور<BR>.<BR>أمر آخر أخذ يتصاعد صداه بعد هذا الإضراب، وهو معرفة حقيقة ما جرى في جرائم 16 ماي 2003م، ومن كان وراءها، هل هم السلفيون حقا؟ هل هو تنظيم القاعدة؟ هل هو تنظيم الجماعة المغربية المقاتلة؟ وهل توجد فعلاً هذه الجماعة أم هو اسم اخترعته المخابرات الأمريكية كما اخترعت أسماء أخرى؟ هذه الأسئلة وأخرى مثلها صارت مجال بحث عدد من المراقبين، ولعل أسبقهم إليها وأجرأهم على تفكيكها وتحليلها وإعادة تركيبها عمر منير، الكاتب المغربي المقيم في مدينة براغ التشيكية، الذي ألف كتاباً في الموضوع باللغة الفرنسية، تحت عنوان "عمليات الدار البيضاء ومؤامرة 11 سبتمبر" (الطبعة الأولى 2004م، دار مرسم، الرباط ) عندما سئل أبو حفص عن جرائم 16 ماي 2003م، أشار إلى المستفيدين منها، ووجه أصابع الاتهام إلى الاستخبارات المغربية التي وقعت تحت قبضة المخابرات الأمريكية وأرادت تقديم كبش فداء لها، فلم تجد غير هؤلاء السلفيين أمامها، وحدد أبو حفص الأهداف المرجوة من تلك الجرائم مستعرضاً منها محاصرة التيار السياسي الإسلامي عموماً، خاصة حزب العدالة والتنمية، الذي كان مرشحاً أن يفوز بغالبية الجماعات المحلية في انتخابات 2003م، لكنه دفع إلى تقليص مشاركته خلالها، وهي الانتخابات التي تم تأجيل موعدها قبيل أحداث 16 ماي.<BR><BR>المخرج والحل<BR><BR>ملك المغرب ذاته، أقر في استجواب أجرته معه الصحيفة الإسبانية "إلباييس" بوجود انتهاكات في ملفات المعتقلين، وحدد عددها في عشرين حالة، وأصدر في مناسبة وطنية لاحقة عفواً عن حوالي أربعين منهم. الشيء الذي اعتبره مراقبون إقراراً بوجود مظلومين. <BR><BR>كما أن العديد من القضايا مازالت أمام أنظار المجلس الأعلى للقضاء. وحسب مصطفى الرميد (محامي وحقوقي وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية)، "في الحالات التي يكون فيها المجلس الأعلى للقضاء قد غض النظر، أو أن المعنيين لم يتقدموا بالنقض، فمن الملائم أن يصدر عفو ملكي لفائدة هذه الحالات لإعادة الأمور إلى نصابها، وإنصاف المئات من المواطنين الذين ذهبوا ضحية مقاربة أمنية فاسدة أساءت للمواطنين وللتطور السياسي والحقوقي في البلاد".<BR><BR>وقبل أن يصدر العفو الملكي، وهو شيء نادى به وزير العدل نفسه، توجد الجهات الأمنية والمنابر الإعلامية التابعة لها في موقف حرج لا تحسد عليه، وكالمقاتل المدبر، تحاول تلك الجهات صرف الأنظار عن فساد سياساتها باختلاق معارك جانبية، مثل هجومها الإعلامي على بيان حركة التوحيد والإصلاح الذي طالب بضبط النفس لدى الجانبين: طالب المضربين بفك إضرابهم وتجنب إهلاك النفس، وطالب الجهات الحكومية بإعادة النظر في ملفات المعتقلين ومحاسبة المسؤولين عن ذلك. <BR><BR>وهؤلاء المسؤولون هم الذين طالبوا، في رد فعل ظاهر ومكشوف، بمحاكمة قيادة التوحيد والإصلاح بتهمة طعنها في نزاهة القضاء المغربي، وهو الاتهام الذي ردت عليه الحركة ببيان آخر، ذكرت فيه بالحقائق ومضامين البيان الأول، ثم فسرت أسباب رد الفعل الأخير، وعلى رأسها الزاوية المغلقة التي حوصرت فيها السياسة الأمنية للأجهزة الاستخباراتية التي طالب كثير من المراقبين بوضعها تحت المحاسبة غير ما مرة.<BR><BR>وحتى الانتهاء من كتابة هذا التقرير، ما يزال المعتقلون في إضرابهم ماضين، وما يزال المسؤولون يسابقون الزمن حتى تضع هذه المواجهة أوزارها، أو يقضي الملك في أمرها بعفو منه، أو يأمر بإعادة المحاكمة فيما لم ينظر فيه المجلس الأعلى للقضاء، وإذا ما وقع ذلك، فمعناه أن على وزير العدل أن يقدم استقالته، وعلى المسؤولين الأمنيين أن يهيئوا أنفسهم للمحاكمة ولم لا الولوج إلى السجون نفسها بعد أن يخرج المعتقلون منها.<BR><br>