استياء كشميري من المحادثات الهندية الباكستانية
21 ربيع الأول 1426

تباينت أراء الكشميريين حول ما أسفرت عنه المحادثات الهندية - الباكستانية التي عقدت في نيودلهي مؤخراً على مستوى القمة بين (الرئيس الباكستاني) الجنرال برويز مشرف، و(رئيس الوزراء الهندي) مانموهان سينغ خلال الزيارة التي قام بها مشرف لنيودلهي، فقد أوضحت التقارير الواردة من الجزء الهندي من كشمير أن هناك تضارباً في الآراء بين الكشميريين حول النتائج التي تم التوصل إليها خلال تلك المحادثات، ففي الوقت الذي أبدى فيه البعض تفاؤلاً مشوباً بالحذر من نتائج المفاوضات الباكستانية الهندية، فإن آخرين قد أعربوا عن خيبة أملهم من عدم توصل الزعيمين لاتفاق محدد وواضح بشأن كشمير. <BR><BR><font color="#0000FF"> بين مؤيد ومعارض: </font><BR>وبحسب التقارير الواردة من كشمير الهندية فقد أعرب عدد من الكشميريين عن ابتهاجهم بالمحادثات الأخيرة، حيث قال بشير أحمد واني( صاحب حانوت تجاري بمدينة سرينغر العاصمة الصيفية لولاية جامو وكشمير الخاضعة للسيطرة الهندية): "إن الصداقة بين الهند وباكستان هي التي ستؤدي إلى جلب السلام إلى كشمير"، وأضاف "أنا على يقين تام من أن البلدين يتقاربان أكثر فأكثر، وأن ذلك سيؤدي إلى تغيير الأوضاع في كشمير"، في حين أوضحت مجموعة من أصحاب المراكب التي تستخدم كبيوت وفنادق صغيرة على ضفاف بحيرة "دال" الكشميرية الشهيرة بأنهم متفائلون جداً بخطوات السلام الأخيرة بين الهند وباكستان، وقال أحدهم: "إني واثق من أن السلام سوف يعم المنطقة، وإن تلك القوارب السكنية الجميلة سوف تكتظ بالسائحين خلال هذا العام"، وهو بذلك يكشف عن أمنيات دفينة في نفسه، وكذلك لدى أقرانه من الذين يعتمد رزقهم بشكل كامل على معدلات السياحة في منطقة جامو وكشمير التي تعد حسب اعتقادات الهنود "جنة الله في أرضه"، ويفضل السياح الأجانب المبيت في هذه البيوت " القاربية " التي ترسو على ضفاف بحيرة "دال" لما لها من طبيعة خاصة تميز وادي كشمير. فالمعتدلون من القيادات الكشميرية لم يخفوا رغبتهم في الاحتفال بما تم التوصل إليه خلال زيارة مشرف الأخيرة للهند.<BR><BR><font color="#0000FF"> الأولوية للاقتصاد والتجارة: </font><BR>ومن ناحية أخرى أعرب البعض عن عدم تفاؤله بدرجة كبيرة بشأن الخطوات الأخيرة التي اتفق عليها الجانبان، حيث أشار نجل السيد واني، صاحب المتجر، إلى عدم تفاؤله بالمحادثات الأخيرة وقال: "أنهم فقط ناقشوا قضايا تتعلق بالتجارة وبإصلاح الطرق والتنقل بالحافلات ولم يتطرقوا إلى جوهر النزاع الكشميري"، مضيفاً أنه لم يكن هناك أي تقدم بالنسبة لقضية الصراع الكشميري، وهو نفسه ما أيده مواطن كشميري آخر يدعى عبد الراشد، حيث أشار إلى أنه قد توقع تقدماً جوهرياً بالنسبة للقضية الكشميرية، إلا أنه لم ير ذلك، مضيفًا "أننا عانينا في صمت لمدة طويلة، وأتمنى أن يقوم البلدان بجلب نهاية لهذه المعاناة".<BR><BR> وكان (الزعيم الكشميري) سيد علي شاه جيلاني (زعيم أحد فصائل مؤتمر كافة أحزاب الحرية الكشميرية) قد انتقد البيان الهندي الباكستاني المشترك الأخير، ووصفه بأنه لم يتضمن أية مقترحات ملموسة لحل قضية كشمير، أو التخفيف من معاناة الكشميريين، حيث كان الجانبان قد وقعا بياناً مشتركاً يوم الاثنين الماضي قالا فيه:إن عملية السلام "لن تعود للوراء"، وإنهما قد اتفقا على زيادة الروابط التجارية والسفر عبر خط الهدنة في ولاية كشمير المتنازع عليه، ويلاحظ أن البيان الختامي قد ارتكز في نقاطه الرئيسة على الجوانب الاقتصادية والتجارية مما استدعى قيام سيد على جيلاني، وهو من المحسوبين على باكستان إلى القول بأن الجنرال برويز مشرف قد ركز في محادثاته على التجارة والسياحة والثقافة وأغفل القضية الكشميرية بالكامل، وقد صرح سيد علي جيلاني بأن تدابير بناء الثقة المتبادلة بين باكستان والهند سوف تذيب الموقف الباكستاني تجاه كشمير وتجعله أقل قدرة على مواجهة المواقف الهندية، وأعرب عن خيبة أمله من زيادة رحلات النقل البري بين جزئي كشمير ومن الاتفاق الهندي - الباكستاني الخاص بالبدء برحلات الشاحنات التجارية بين عاصمتي كشمير.<BR><BR>فالمجموعات المسلحة في كشمير لم تتفق كثيراً مع سياسة الجنرال برويز مشرف، بل إن بعضها قد وجه له الاتهام بأنه باع القضية الكشميرية ولم يكترث بمصالح الكشميريين. وأشارت بعض قياداتها إلى أن ما يسمى ببطل أزمة كارجل – في إشارة للرئيس مشرف – قد استسلم أمام الهنود؛ واتهموا الجنرال مشرف بأنه ركز على التجارة والسياحة والثقافة أكثر من حرصه على التركيز على قضية كشمير. وتتفق هذه المجموعات على ضرورة تخريب عمليات النقل البري بالحافلات بين جزئي كشمير.<BR><BR>ويتبين من استطلاعات الرأي السياسية في ولاية جمو وكشمير الخاضعة للهند أن أغلبية الشعب الكشميري لا يرغب في البقاء تحت السيطرة الهندية أو الباكستانية ويرغب بالاستقلال عنهما؛ إلا أن أياً من البلدين لا يفكر مطلقا في مسألة التخلي عن الأجزاء الخاضعة لسيطرته من مناطق جمو وكشمير، ويزعم أن الأجزاء الخاضعة للطرف الآخر هي من حقه ضاربين برغبات الشعب الكشميري عرض الحائط ، فالهند وباكستان لا يقبلان مطلقاً باعتبار أن خيار استقلال كشمير هو أحد الحلول الجوهرية المطروحة للبحث؛ ولهذا فان المحادثات التي تعقد حول القضية الكشميرية تقتصر على البلدين وبدون مشاركة حقيقية للكشميريين باستثناء مشاركة أولئك الذين يدعمون أحد التوجهين السياسيين لدى باكستان أو الهند، ونتيجة لذلك فإن الاتجاهات الكشميرية التي تعتقد بضرورة الاستقلال عن كل من باكستان والهند وترى أنه أمر من المستحيلات في ظل الظروف الراهنة، فإنها تدعو إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الحكم الذاتي في مناطق جمو وكشمير تحضيراً للمطالبة المستقبلية بالاستقلال الكامل.<BR><BR><font color="#0000FF"> مواقف مشرف المتغيرة: </font><BR>لم تؤدي هجمات 11/9 إلى تغيير العالم وحسب، ولكنها عملت على تغيير مواقف الرئيس الجنرال برويز مشرف كذلك؛ فقد كان الفرق واضحاً بين ما كان عليه (الرئيس الباكستاني) الجنرال برويز مشرف في مؤتمر قمة "أجرا" 2001م وبين ما بدا عليه في قمة نيودلهي الأخيرة، ولكن الرئيس الباكستاني يؤكد على أن التغيير الذي طرأ على مواقفه لا دخل له مطلقاً بالضغوط الخارجية، وأن المعطيات الجيو - سياسية الراهنة تدفع العالم للتركيز الآن على قضايا التنمية الاقتصادية وحل النزاعات بدلاً من الاكتفاء بإدارتها فقط.<BR><BR>وبدا التحول واضحاً في تصريحات الرئيس مشرف، حيث إنه أشار استبعاد مواقف باكستان السابقة التي كانت تتهم حكومة ولاية كشمير الهندية بأنها جزء من قوات الاحتلال الهندي للمنطقة. و أكد كذلك على عدم عقلانية المطالبة بوضع "جدول زمني صلب وجامد" لموضوع التوصل لحل للقضية الكشميرية وهو ما كان يعتبر أحد المطالب التفاوضية الباكستانية إلى عهد قريب. <BR><BR>وكأن هذه المتغيرات في المواقف لا تكفي لكي يبدو (الرئيس الباكستاني) مشرف متأثراً بدعوة (رئيس وزراء الهند) مانموهان سنغ لإيجاد حدود تتسم بالسهولة واليسر على خط الهدنة الفاصل بين جزئي كشمير، وقام كذلك باقتراح معادلة جديدة لحل قضية كشمير والتي تقوم على مراحل تبدأ بالإخلاص والمبادرة من القيادات العليا للوقوف في الاتجاه الصحيح المؤدي إلى هذا الحل ومرحلة البحث عن سلام شامل يحظى بالإجماع ومرحلة اتخاذ قرارات حازمة والتحلي بالمرونة.،فقد جاءت تصريحات الرئيس مشرف في أحيان كثيرة متطابقة مع تصريحات (رئيس وزراء الهند) سنغ مما يوضح الفروق الكبيرة في مواقف الرئيس مشرف في المدة الفاصلة بين قمتي أجرا 2001م و نيودلهي 2005م. <BR><BR>وبهذا فإن الموقف الباكستاني قد أنصاع للمطالب الهندية السابقة والمتمثلة في أن قضية كشمير يمكن أن توضع على طاولة البحث، ولكن بدون أن تكون سبباً في عرقلة الإمكانيات الفسيحة لتحقيق إنجازات في جميع مسارات العلاقات الثنائية الأخرى كالتجارة والسياحة والثقافة والاتصالات المباشرة بين شعبي البلدين؛ أي ما يمكن اعتباره تحقيقاً لما يدعو إليه الجنرال برويز مشرف من إيجاد قدر كبير من التجانس والتوحد بين المعتقدات الدينية المتباينة.<BR><BR> حيث إن قبول باكستان بدعم العلاقات التجارية بين البلدين وتصعيدها إلى مستويات أعلى تشمل جزئي كشمير، وقبول الهند بالاعتراف بأن قضية كشمير قضية جوهرية في علاقات البلدين وإن لم تصرح بذلك بالتفصيل، يعد أكبر نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، حيث إن هناك أربعة نقاط من مجموع الاثني عشرة في البيان الختامي تتناول القضية الكشميرية بدون أي إشارة إلى الماضي و تعقيداته؛ على الأقل من الجانب الباكستاني.<BR><br>