حزب (العدالة والتنمية) الحاكم في تركيا.. هل يواجه أزمة؟
16 ربيع الأول 1426

البرلمان التركي بدأ قبل عامين بحزبين والآن يتوسع إلى ستة بسبب الهشاشة السياسية.. <BR>"مما لا شك فيه أن مشاكل تركيا إنما تقع أساساً في إطار الأحزاب السياسية القائمة وفي نفس الوقت بالفساد الضارب في هذه الأحزاب وانتهازيتها والصراعات الشخصية الهزيلة فيما بين قادتها. والمعروف أن تركيا ما تزال تعاني منذ أكثر من ثلاثين عاماً من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي لكن الآثار الكبيرة التي خلفها سقوط الاتحاد السوفيتي السابق على وضع الأحزاب اليسارية التركية أسهم في بروز الحركة الإسلامية بسبب تراجع وانكفاء الأحزاب الباقية على نفسها، وقد جاءت نتائج الانتخابات العامة التي جرت عام 2002م لتشكل مفاجأة واضحة في الوضع السياسي التركي الذي يشكو من الضعف والتناحر بين القوى السياسية المختلفة". <BR><BR>الانتخابات العامة التي جرت في تركيا في الثالث من نوفمبر عام 2002م أفرزت عن نجاح حزبين فقط تمكنا من دخول البرلمان وهما حزب العدالة والتنمية (الحاكم) وهو حزب إسلامي معتدل، وحزب الشعب الجمهوري (المعارض) وهو يساري متشدد إلا أن مجرى الأحداث السياسية المتسارع في البلاد والذي أدى إلى استقالات نواب من الحزبين الحاكم والمعارضة فتح الطريق أمام أربعة أحزاب أخرى للدخول إلى البرلمان بفضل انضمام النواب المستقلين من حزب (السلطة والمعارضة) إليها.. وبهذه التغييرات على الخريطة الحزبية البرلمانية ارتفع عدد الأحزاب الممثلة في البرلمان إلى ستة أحزاب سياسية نتيجة الانشقاقات التي جرت في الحزبين وانضمام عدد من المستقلين لأحزاب أخرى. <BR><BR>وبما أن الأحزاب التي لم تتمكن من عبور حاجز النسبة (وهو 10%) في الانتخابات الأخيرة قد فشلت من دخول البرلمان فإنها لم تتمكن بالتالي من الحصول على أي دعم مادي من الدولة؛ وذلك لأن أصواتها الشعبية كانت أقل بكثير من النسبة القانونية التي تخولها الاستفادة من خزينة الدولة.<BR>ولكن بما أن أصبح لأربعة أحزاب إضافية نواب في البرلمان حتى انفتحت أمامهم خزانة الدولة ليحصل كل حزب منهم على دعم قدره 1.3 مليون ليرة تركية أي (مليون دولار أمريكي). <BR><BR>وتتوزع المقاعد حالياً في البرلمان على ستة أحزاب هم (حزب العدالة والتنمية الحاكم 359 مقعداً) يليه في المرتبة الثانية (حزب الشعب الجمهوري 163 مقعداً)، (حزب الطريق القويم ستة مقاعد)، (حزب الوطن الأم خمسة مقاعد)، (وحزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي خمسة مقاعد) و(مقعداً واحداً لحزب النهضة القومي) (والمستقلون عشرة مقاعد) (ومقعداً واحداً فارغاً).<BR>وينص الدستور التركي على ضرورة أن يملك الحزب الواحد في البرلمان على الأقل ثلاثة نواب لكي يتسنى له الاستفادة من أموال الدولة. <BR><BR>تعيش أنقرة منذ عدة أسابيع هزة سياسة كبيرة مع الاستقالات المتوالية من الحزب الحاكم وحزب المعارضة، وهنا يجدر الإشارة إلى أن الاستقالات في صفوف الحزب الحاكم جاءت تبعاً وتباعاً لاستقالة (وزير السياحة والثقافة السابق) إركان مموجو شهر شباط/فبراير الماضي، وبذلك يكون عدد الاستقالات في الحزب الحاكم قد وصل إلى عشرة لحد الآن وفي المعارضة إلى خمسة دفعة واحد. <BR><BR><font color="#0000FF"> أسباب الانقسام والاستقالات في الحزب الحاكم: </font><BR>إذا دخلنا في صلب الموضوع لنتحدث عن سبب الاستقالات التي بدأت تحدث في صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم رغم أنه وصل إلى السلطة بمفرده في الانتخابات الأخيرة نرى بأن عامل (زعيم الحزب ورئيس الوزراء) رجب طيب أردوغان له الأثر الأكبر في هذا التشتت والانقسام. <BR><BR>لقد بدأ الانقسام الفعلي في صفوف الحزب مع الحرب الأمريكية على العراق، حيث أن محاولات رجب طيب إردوغان لدفع نوابه إلى المصادقة على مذكرة الواحد من مارس عام 2003م لتمرير القوات الأمريكية من الأراضي التركية قد أيقظت في أنفسهم شعوراً بأنهم انتسبوا إلى الحزب الخاطئ، وهو الأمر الذي أكده النواب العشرة في مؤتمر صحفي لدى استقالتهم من الحزب. <BR><BR>لقد أخذ هؤلاء النواب في عين الاعتبار القاعدة الشعبية الضخمة التي أوصلتهم بمفردهم إلى سدة الحكم وبسلطة مطلقة.. هذه القاعدة الشعبية التي سئمت من الأحزاب السابقة بسبب تقربها من الغرب وربط مصير تركيا بالعصا الأوروبية التي تحركها في الاتجاه المراد، وبذلك فقد انتفض الشعب بأغلبه في محاولة لتطهير السياسة التركية من الوجوه السياسية السابقة، وراهن على حزب العدالة والتنمية الجديد عله يستجيب لمطالبهم وينتفض هو أيضاً ويخرج تركيا من قوقعتها وعجزها على مواجهة الخيارات السياسية من دون استشارات أمريكية. هذا الرهان الشعبي على حزب العدالة والتنمية خصوصاً جاء نابعاً من قوة إيمانه بأن إردوغان هو من جذور إسلامية، وبحكم أنه عبر مراراً وتكراراً أثناء توليه منصب رئيس بلدية اسطنبول عام 1995م، وعضويته السابقة في حزب الرفاه "الإسلامي" ووليده "السعادة"- عبر مراراً وتكراراً عن رغبته في الاستقلال بالسياسة التركية، ورفضه الاستسلام التركي لأمريكا وأيضاً دفاعه عن الحجاب، وضرورة إباحته في المدارس والجامعات التركية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الكراهية الشعبية المتزايدة لأمريكا وإسرائيل، ورغبتهم في التخلص من الضغوط العلمانية، فإن الشعب تدافع وتضامن من أجل إيصال إردوغان إلى سدة الحكم "وبمفرده" لكي يتمكن من تحقيق وعوده دون تحجج بأي معارضة له خصوصاً أنه كان يحتكم على أفضل شخصيات في البلد بسمعتهم وسجلهم النظيف. <BR><BR>إلا أن إردوغان _فيما يبدو_ عجز عن تلبية احتياجات شعبه وأيضاًَ نداءات نوابه الذين يعارضون تلاحم حزبهم مع الولايات المتحدة بالشكل الذي بدؤوا يرون فيه خطورة كبيرة على مصالح تركيا أولاً وعلى شعبيتهم ثانياً. لذا من هذا المنطلق يمكن القول بأنه إذا كان للبرلمان التركي فضلاً في رفض (مذكرة عبور القوات الأمريكية من الأراضي التركية إلى العراق) فإن هذا الفضل ليس لإردوغان أي نصيب فيه، وإنما يعود إلى جرأة أغلبية نواب حزبه ورفضهما للأمر الواقع والضغوط التي كان يفرضها إردوغان عليهم للموافقة على المذكرة. <BR><BR>وبما أن كثرة الضغط تولد الانفجار، فقد بدأت انفجارات النواب على التصنع السياسي في الحزب بالتتابع، وقرروا الاستقالة من الحزب في الوقت الذي يؤكد فيه المحللون بأن البقية آتية طالما بقي إردوغان على سياسته التي ترفض أي احتجاج على أوامره، وهو الأمر الذي ينذر بسقوط حكومي لحزب العدالة أو بفقدانه القاعدة الشعبية وحتى النيابية التي استند عليها في الوصول إلى الحكم. <BR><BR><font color="#0000FF"> زعيم الحزب هو السبب في الاستقالات في صفوف المعارضة: </font><BR>من المفارقات السياسية أن يكون السبب واحداً في الاستقالات من صفوف الحزب الحاكم وحزب المعارضة، حيث يمكن القول بأنه وبنفس الطريقة يحتج نواب حزب الشعب الجمهوري المعارض على ما يصفونه بديكتاتورية زعيم حزبهم دنيز بايكال، حيث قدم عشرة نواب من حزب الشعب الجمهوري استقالاتهم منذ عامين منددين بسياسة رئيسهم. هذا علاوة عن أن الحزب قام الشهر الماضي ولأسباب تأديبية بطرد أبرز عضو منشق مصطفى ساريغول، وكان ساريغول (رئيس بلدية منطقة شيشلي في اسطنبول) حاول في كانون الثاني/يناير تولي قيادة الحزب خلال مؤتمر استثنائي شابته أعمال عنف لا سابق لها، وساريغول (48 عاماً) رئيس بلدية منطقة سكنية في شيشلي باسطنبول يمثل موجة الإصلاحيين في الحزب، الذي فقد زخمه في آخر انتخابات تشريعية. هذا الاستبعاد لساري غول تسبب في إثارة صدمة عميقة لدى النواب الإصلاحيين الذي يؤيدون التغيير في الحزب ومنها حرية التعبير والديمقراطية والانتخاب الحر لزعيمهم مما حدا ببعضهم إلى الانتقاد علناً والبعض الآخر إلى الاستقالة. <BR><BR>يبقى القول؛ بأنه أيما كانت الأسباب على صعيد السلطة أو على موجة المعارضة فإنه يبدو من الواضح أن هناك انتفاضة سياسية جديدة في البلاد ربما تكون لأول مرة من تلقاء نفسها ودون مساهمة من الشعب الذي طالما تمرد على الحكومات التي لا تفي بمطالبه ولا تحقق طموحاته وعاقبها في صناديق الاقتراع.. وهذا يعني بأن الحكومة إذا لم تسارع إلى وضع خطة واستراتيجية معينة لتحتوي الغضب السياسي قبل أن يحدث الانفجار الشعبي فإنها بذلك تكون قد حفرت قبرها السياسي، وحكمت على نفسها بالسقوط سياسياً وشعبياً.<BR><br>