عامان على سقوط بغداد.. والمقاومة العراقية!
14 ربيع الأول 1426

لم يلتفت الكثيرون إلى مرور عامين على اشتعال المقاومة العراقية البطلة بقدر ما التفتوا إلى مرور عامين على سقوط العاصمة العراقية بغداد على يد الاحتلال الأمريكي، ولعل هذا مرده إلى حالة الهزيمة النفسية التي نحياها كعرب ومسلمين، والتي تحتم علينا دائماً الرجوع بذاكرتنا التاريخية إلى الهزائم دون الاحتفاء بلحظات النصر ولعلها مناسبة أكثر من مواتية. <BR><BR><font color="#0000FF"> المقاومة العراقية.. بأرقام أمريكية! </font><BR>وفي هذا السياق نضع بين أيدي قرائنا الأعزاء بعض ما ورد في نص تقرير أمريكي نشر على موقع مجلة "نايت ريدر" الأمريكية فيما يتعلق بالجدل الدائر منذ الاحتلال الأمريكي للعراق حول قدرة ومقومات المقاومة العراقية المترامية الأطراف والمتعددة الانتماءات والاجتهادات.<BR><BR>التقرير المثير قالها بصراحة إن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تخسر بشكل مطّرد في العراق بفعل ضربات المقاومة العراقية وذلك وفق كل الموازين العسكرية المعتمدة.<BR><BR>ويشير التقرير إلى أنه ما لم تحدث تغيرات دراماتيكية - مثل تحول مفاجئ جديد من العراقيين برفض المقاومة أو مثلاً تصعيد ضخم وكبير في حجم القوات الأمريكية-، فإن الولايات المتحدة لن تكسب الحرب الدائرة في العراق مطلقاً.<BR><BR>ويقول التقرير على لسان مفكرين عسكريين بأنه من الصعوبة بمكان إلحاق الهزيمة بالمقاومة العراقية؛ لأن هدف المقاومة ليس كسب حرب بالمعنى التقليدي، ولكن مجرد الاستمرار حتى يتم قهر إرادة قوات الاحتلال.<BR> <BR>وتورد مجلة "نايت ريدير" على موقعها أرقاماً وإحصائيات غاية في الأهمية حول المقاومة العراقية، وهي كالآتي:<BR>- ارتفاع نسبة القتلى في صفوف العسكريين الأمريكيين من 17 عسكرياً في الشهر الذي تلا إعلان الرئيس جورج بوش انتهاء العمليات الحربية الأميركية في العراق رسمياً في أول أيار 2003م إلى "71" عسكرياً في الشهر.<BR>- ارتفاع معدل أعداد الجنود الأمريكيين الذين جرحوا نتيجة عمليات المقاومة من 142 عسكرياً إلى 708 خلال نفس المدة.<BR>- ارتفاع عدد الهجمات التي تشن ضد قوات التحالف الذي تقوده أمريكا من 735 هجوماً في الشهر في تشرين الثاني 2003م عندما توافرت إحصائيات رسمية لأول مرة إلى 2400 هجوماً في شهر تشرين الأول الماضي.<BR>وتستند هذه الأرقام والإحصائيات بشكل رئيس إلى نشرات لوزارة الدفاع الأمريكية، ونظراً لأن الأرقام يمكن أن تتغير بشكل كبير من شهر لآخر، فإن نايت ريدر تفحص إحصائيات القتلى والجرحى والإصابات الناجمة عن القصف مستخدمة أسلوباً يدعوه الحسابيون معدلاً متحركاً.<BR><BR><font color="#0000FF"> المقاومة تتسع وتشتد! </font><BR>مع نهاية عام 2003 م قدر قادة عسكريون أمريكيون عدد رجال المقاومة بـ5000، وفي وقت سابق هذا الشهر قال محمد عبد الله شهواني (مدير الاستخبارات العراقية) إنه يوجد حالياً حوالي 200 ألف رجل بمن فيهم 40 ألف مقاتل متمرس، الأمر الذي يدل على أن المقاومة العراقية بشهادة أعدائها وخصومها تتسع وتشتد وتلاقي تعاطفا لدى قدر كبير من العراقيين، بدليل انضمام عدد كبير من العراقيين إلى صفوفها بل انسحاب عدد من أفراد الشرطة والانضمام إليها.<BR>أما المقاتلون الآخرون بحسب مدير الاستخبارات العراقية، فهم مقاتلون جزئيون أو مؤيدون يقدمون طعاماً وملاذاً وأموالاً ومعلومات استخباراتية.<BR> <BR>وبحسب مجلة "نايت ريدر"، فإنه قد اشتد عود المقاومة رغم تلقيها ضربات قاصمة بسبب كثافة النيران الأمريكية، مع الإشارة إلى أنه لم تقدم أي إحصاءات أمريكية دقيقة.<BR>وتسهب المجلة أكثر في وصف تحولات المقاومة العراقية، فتقول: إن هجمات المقاومة تحولت من مجموعات صغيرة من الرجال تطلق النار من بنادق كلاشينكوف إلى القنابل والعبوات الناسفة على الطرقات وهجمات مخططة بشكل جيد.<BR>وتضيف أن الجنود الأميركيين استطاعوا بالفعل أن يخمدوا المناطق السنية الساخنة، مثل: الفلوجة وسامراء، لكن هذه "الانتصارات" العسكرية لم تضعف المقاومة العراقية، بل زادت من قوتها.<BR>وتستشهد المجلة على ذلك بالقول: "يترك مقاتلو المقاومة خلفهم قوة حراسة للقتال، بينما يحركون جل مقاتليهم وقياداتهم إلى مكان آخر. فخلال معركة الفلوجة وبعدها في تشرين الثاني على سبيل المثال أصبحت الموصل وعدة ضواحي سنية في بغداد أكثر عنفاً من أي وقت مضى "إنه تنين بسبعة رؤوس"!<BR><BR>وفي وصف أكثر مأساوية لحال الآلة العسكرية الأمريكية المهزومة في العراق يقول جيفري وايت، وهو محلل سابق في وكالة استخبارات الدفاع في مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "نستطيع فقط أن نسيطر على الأرض التي نقف عليها وعندما نغادر تسقط".<BR><BR><font color="#0000FF"> المقاومة العراقية.. وحاضنتها "السنية"! </font><BR>وفي سؤال العلاقة بين سنة العراق والمقاومة العراقية يمكن القول: إن السنة العراقيين العرب نهضوا بهذا المشروع وحملوه على أكتافهم بفض احتضان العراقيين السنة لهذا المشروع.<BR>والحقيقة أن كافة تيارات المقاومة العراقية وهي سنية خالصة تتفق فيما بينها وتكاد تمتلك هوية واحدة ومشروعاً واحداً وأهدافاً واحدة باستثناء تيار الزرقاوي، الذي يمتلك هوى مغايراً لكافة التيارات.<BR> وحقيقة دعم السنة العراقيين للمقاومة نابعة من تبنيهم للفكر المقاوم ومدى فهمهم ووعيهم لما يحاك من مؤامرات ومخططات أمريكية وصهيونية للمنطقة وليس بفعل شعور الطائفة السنية بالغبن أو الخوف أو المرارة لفقدان ثقلها السياسي ولخوفها من المستقبل المجهول كما يحاول أن يشيع البعض.<BR> إذ إن مشروع المقاومة في العراق وهو مشروع نهضوي عربي ليس مرتبطا بالقضية العراقية فقط وإنما بالأمة العربية بأكملها، وهو نابع من حركة تحررية رافضة للاحتلال والهيمنة الأمريكية وتمرير المشروع الأمريكي الشرق أوسطي في المنطقة. <BR>ما نريد قوله: إن المقاومة العراقية هدف وطني خالص لا تشوبه مصلحة طائفة على حساب أخرى وهي مقاومة لكل العراق وليس لأجل مصالح السنة..هي مقاومة وطنية حقة تريد عراقاً حراً لكل العراقيين.. ومن الأجدى القول: إن العراقيين السنة حملوا على كواهلهم عبء القتال فيما ارتضت الطوائف الأخرى القعود والقبول بفتات الأمريكان ومهزلة ديمقراطيتها في المنطقة.<BR> وهذا القول في مواجهة فهم خاطئ وسائد يراد له أن يمرر مفاده أن المقاومة العراقية تنتصر لجراح طائفتها وفي هذا أيضاً تقزيم لمشروع المقاومة العراقية. <BR>المقاومة العراقية ولدت من رحم سنة العراق وكل محاولات عزلها عن محيطها أو مرتعها الخصب ستبوء بالفشل لسبب بسيط ، وهو أن المجتمع السني العراقي يشكل الوقود لهذه المقاومة وأعتقد أننا اليوم أمام حالة خاصة جداً من الالتفاف والحميمية والاحتضان بين المقاومة العراقية والحاضنة السنية .<BR><BR><font color="#0000FF"> من هم الذين يواجهون المقاومة العراقية؟! </font><BR> قلنا الكثير فيما يتعلق بالمقاومة العراقية وحجمها وتأثيرها وشراستها، ولكننا لم نقل إلا القليل فيما يتعلق بمن يواجهون المقاومة ويتصدون لها. <BR><BR>الشرطة العراقية والحرس الوطني العراقية اللذان يتناقصان يوماً بعد يوم بفعل ضربات المقاومة إضافة لعوامل أخرى يأتيان في مقدمة المواجهين للمقاومة العراقية، وعماد هاتين القوتين أغلبية شيعية وكردية وأقلية قلية من السنة الباحثين عن العمل بعد أن أكلتهم الحاجة. <BR><BR>وتوضيح الأمور بهذه الطريقة يكشف تماماً حقيقة المعركة ضد المقاومة في العراق وطبيعتها، فهي معركة طائفية عرقية أكثر منها معركة شعارات من قبيل الحرية والاستقلال للشعب العراقي. <BR><BR>إنها معركة تهميش أغلبية "سنية" خلافاً لما يشاع إعلامياً عن أغلبية شيعية، وهي معركة إسكات لصوت الشعب العراقي الراضي إجمالاً عن خط المقاومة. <BR><BR>الصحفي الشهير غريغ جافيه قال الكثير فيما يخص المواجهين للمقاومة العراقية في صحيفة "وول ستريت جورنال"، وخلاصة ما قاله: إنه في المعركة ضد المقاومة العراقية ينبري نوعان من القوى العسكرية العراقية هما الوحدات المخططة والقافزة. <BR><BR>والوحدات المخططة للجيش العراقي وقوامها حوالي سبع وخمسون ألف جندي هي نتاج تحضير مرتب هذا الصيف بين الولايات المتحدة والقادة العراقيين، أما تلك القافزة فقد بدأت تظهر في الخريف الماضي آخذة القيادة الأمريكية على حين غرة، وقد أصبحت هذه الوحدات غير المتصلة وهي بالعشرات ويبلغ عددها حوالي خمسة عشر ألف جندي، وهي ربما أسرع تطور بارز ذي مغزى في الحالة الأمنية الجديدة في العراق. <BR><BR>أما الوحدات المخططة بحسب "وول ستريت جورنال"، فيقودها أصدقاء وأقارب لأعضاء الحكومة العراقية المؤقتة أو شيوخ عشائر أو زعماء دينيون، وتعرف بأسماء مثل المدافعين عن بغداد وقوات الكوماندوز البوليسية الخاصة وفرقة المدافعين عن الكاظمية والعمارة، وبصورة عامة، فإن الوحدات الجديدة تحظى بدعم الحكومة العراقية وتتلقى تمويلاً منها. <BR><BR>الحديث هنا كما يبدو لي عن ميليشيات عراقية تستعين بها القوات الأمريكية لمواجهة المقاومة بعدما عجزت عن صدها، وفي هذا مؤشر خطير ومثير على أن القوات الأمريكية أولا أكدت فشلها وعجزها وثانياً بدأت تتبع تكتيكات جديدة لمواجهة المقاومة. <BR><BR>يرفض الجنرالات الأمريكيون وصف هذه القوات المستحدثة بـ"الميليشيات" ويكتفون بالقول: إنها مجرد كتائب عراقية غير نظامية تشرف عليها وزارة الدفاع العراقية بشكل غير مباشر، أما الأخرى "القافزة" فتأتي من مسؤولين عسكريين أميركيين آخرين في بغداد. <BR><BR>ما يعنينا أيضا أن هذه القوات غالباً ما تكون تحت إشراف قائد له مكانة لدى الأمريكيين أو تتألف من أناس لهم خلفيات قبلية ودينية متشابهة بخلاف باقي وحدات الجيش العراقي والشرطة والحرس. <BR><BR>وهذا يجعل الوحدات أكثر تماسكاً من حيث المقدرة ضد المقاومة، وبحسب ما تنقل "وول ستريت" عن أحد العراقيين في واحدة من هذه الوحدات قوله للأمريكيين: " فقط قولوا لنا أين نذهب ونحن على استعداد لنأكل المقاومين أحياء". <BR><BR>عمل هذه الميليشيات الجديدة لمواجهة المقاومة قد يكون محكوماً بالفشل الذريع، فهي تنطلق يومياً في حربها ضد المقاومين بوازع طائفي مقيت وليس بينها وبين باقي القوات العراقية من حرس وجيش وشرطة أي تنسيق، بل إن الآخرين لا يعلمون بوجودها مما يشكل إرباكاً في المشهد للأمني العراقي علاوة على ما هو عليه الوضع من سوء. <BR><BR>أكبر معضلة يواجهها الأمريكيون إزاء هذه الوحدات الجديدة من الميليشيات التي يعولون عليها كثيراً في حربهم ضد المقاومة، هو "الولاء"، حيث يبدي بعض المسئولين الأميركيين قلقاً حيال ولاء الوحدات الجديدة التي غالباً ما تبدو منقسمة بين رعاتها الدينيين والقبليين وما بين الحكومة المركزية.<BR><BR>القلق الكبير يأتي بصورة خاصة من وحدة المدافعين عن الكاظمية، والتي تشكلت لحراسة ضريح شيعي رئيس على إطراف بغداد الشمالية تلبية لطلب من رجل الدين الشيعي حسين الصدر. <BR><BR>القلق الأكبر هو أن تتضخم هذه المجموعة التي يصل عدد رجالها حاليا إلى مئة وعشرين رجلاً ليصبح عدد أفرادها ثمانمئة، لتصبح بعدها ميليشيا شيعية جاهزة لأي فتنة طائفية لا يمكن إخضاعها أو التحكم بها. <BR><BR>يمكن القول: إن معظم العراقيين الذين ينضمون إلى الجيش العراقي النظامي يتم تجنيدهم في محطات تجنيد عراقية أميركية مشتركة يصل عددها إلى ستة، وهم يفتقرون إلى شعور بالتماسك والكبرياء الذي يضعف أكثر بمجرد انتقائهم. <BR><BR>"المتصدون" لمواجهة المقاومة العراقية يقودون معركة خاسرة وهم يشعرون بذلك ويعرفونه تماماً.. ولطالما استخدمت القوات الغازية رأس حربة لمواجهة أهل البلد المحتل..الطائفية إذا..هي التي تحارب المقاومة العراقية وليسوا جنود الجيش العراقي "الباسل"..<BR><br>