الحوار الفلسطيني في القاهرة .. "حماس" الفائز الأكبر !
10 صفر 1426

عندما سألت أبا عماد الرفاعي (ممثل حركة الجهاد في لبنان، وأحد أعضاء وفد الجهاد إلى حوار القاهرة الفلسطيني) عن أهم ما في برنامج الحوار عقب وصوله للقاهرة، قال: إن المطروح على جدول أعمال الحوار الفلسطيني بالقاهرة، هو : "الهدنة ثم الهدنة ثم الهدنة وأخيراً ترتيب البيت الفلسطيني الذي سيكون - للأسف – "هامشي"!؟<BR>وعندما سألته عن موقف الجهاد من الهدنة قال: " نحن على استعداد أن ندرس الهدنة مع السلطة الفلسطينية، ولكن لن يكون هذا بلا ثمن أو شرط .. ولا يهمنا ما يقال عن ضغوط أمريكية وعربية أو ترهيب للشعب الفلسطيني " ، و" هدنة مجانية ضرب من الخيال لن يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني " !<BR>وقال: إن حركة الجهاد سبق أن قبلت التهدئة التي عرضها أبو مازن كي تفضح الأهداف الصهيونية وتفوت الفرصة على فتنة داخلية بين الشعب الفلسطيني .<BR><BR>وعندما وجهت ذات السؤال إلى محمد نزال (عضو وفد حماس في المفاوضات) ، نفى نزال أن تكون مسألة الهدنة هي الأمر الأهم في حوارات القاهرة "رغم إصرار بعض الأطراف علىها" ، وشدد على أن الأمر الذي تصر علىه حماس أولا هو ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل .<BR>وقال نزال بحسم : "لن تكون هناك مجاملات من حماس على طاولة الحوار في هذا الصدد .. "فلو حصل تعاطي إيجابي مع شروط حماس التي تتمثل في وقف العدوان الصهيوني الشامل (الاغتيالات والعدوان والإبعاد والتجريف وغيرها ) ، وإطلاق سراح جميع الأسرى .. ووجدنا أموراً إيجابية وضمانات (ننتظر سماعها من أبي مازن) فيمكن أن نتعاطى مع هذا الموضوع بشكل أو بآخر .<BR><BR>وعندما أعدت سؤاله عن موقف حماس من الهدنة التي تسعى مصر والسلطة الفلسطينية لطلبها لمدة عام كامل ، وذلك في ضوء عدم توافر الشروط والضمانات التي تطالب بها الحركة مع استمرار العدوان الصهيوني والاعتقالات والمداهمات والقتل قال : "ليس معني التعاطي بإيجابية أن نوافق على كل ما هو مطروح علىنا ، ومن غير المعقول أن يفرض علىنا هدنة لمدة عام وإلا فلا ؟ .. لماذا لا نصل لمنتصف الطريق ونختبر التزام الاحتلال بهذه التهدئة لمدة قصيرة من الوقت " .<BR>وشدد عضو وفد حماس في مفاوضات القاهرة على أن هناك فارقاً بين "التهدئة" و"الهدنة" ، وأن الأولى محدودة زمنياً بعكس الثانية الثابتة لأوقات طويلة ، وأن حماس اتفقت مع أبي مازن على "تهدئة" وقلنا له: إن التحول من التهدئة للهدنة موضوع آخر .<BR><BR>وما قاله مسؤولو حماس والجهاد لم يكن مفاجأة؛ لأنه سبق في الحوارين السابقين في مصر أوائل وأواخر عام 2003م أن تسربت أخبار لوسائل الإعلام من جانب السلطة الفلسطينية ومصر عن حضور الفصائل الـ 12 للتوقيع على هدنة مع تل أبيب لمدة عام ، ولكن انتهي الحوار بالفشل؛ لأن حماس والجهاد أصرتا على رفض الهدنة حينئذ .<BR><BR>وقد لوحظ في الحوار الأخير بالقاهرة 2005م أن كل فصيل فلسطيني خصوصاً فصيل فتح والسلطة حرص ومعه فصائل أخرى على تسريب أنباء للصحفيين (قبل بدء الحوار) تؤكد أن الهدف الأساسي هو التوقيع على هدنة مدة عام كامل بصرف النظر عن الخروقات أو المواقف الإسرائيلية ، كما حرصوا على تسريب أسئلة للصحفيين ليوجهوها إلى وفدي حماس والجهاد، مثل : هل تتحول حماس لحزب سياسي ؟ وهل سيوافقون على الانضمام إلى منظمة التحرير أم لا ؟ وهل سيوافقون على هدنة لمدة عام كامل أم لا ؟!<BR><BR>كما تعددت تصريحات مسؤولي الفصائل التي تطالب بالهدنة مثل تصريح واصل أبو يوسف (رئيس وفد جبهة التحرير الفلسطينية في حوار الفصائل) "إن حوار القاهرة سيركز على إعلان اتفاق وطني يتضمن التهدئة لمدة عام وإدماج حركة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية " .<BR><BR>أيضاً لوحظ أن هناك تسريبات عبر وسائل الإعلام لمسؤولين شبه رسميين مصريين بأن القاهرة سوف تتشدد هذه المرة في طلب الهدنة، ولن تسمح بخروج مؤتمر القاهرة هذه المرة مثل مؤتمرات الأعوام السابقة التي فشلت فيها الفصائل في الاتفاق على هدنة ، بسبب وجود متغيرات دولية جديدة ومحاولات لضرب سوريا على غرار العراق يجب التعاطي معها بالتهدئة وتفويت الفرصة .<BR><BR>وبالمقابل ظهر حرص واضح من وفدي حماس والجهاد على الرد بوضوح وبدون مواربة ، والقول إنه لن تكون هناك مجاملات في الهدنة ، وإنه ما لم تكن هناك ضمانات وتنازلات وشروط للهدنة أبرزها وقف كافة الاعتداءات وإطلاق سراح الأسري فلن تكون هناك هدنة .<BR>والطريف أن محمد نزال (عضو وفد حماس) قال: إنه سئل 12 مرة في يوم واحد : هل تتحول حماس لحزب سياسي ؟ وقال مازحاً للصحفيين: إنهم يدركون أن الفصائل الأخرى تسرب لهم الأخبار عن الهدنة كي تكون هي أمر واقع !!<BR>ما هو الجديد في حوار 2005م ؟<BR><BR>والجديد في حوار القاهرة الثالث الأخيرة 2005م أن الرفض القوي من جانب حماس والجهاد هذه المرة واكبه ظروف محلية فلسطينية وإقليمية ودولية شجعت استمرار "التهدئة" ووفرت عوامل نجاحها رغم عدم وجود ضمانات بالتزام الصهاينة أو الأمريكان بأي ضمانات رداً على التزام المقاومة التهدئة منها : <BR>1- حالة الضعف التي تمر بها السلطة الفلسطينية في ظل الانقسام والصراع داخل حركة فتح الأم وانصراف الشارع الفلسطيني عنها، والتي ظهرت في صورة نتائج الانتخابات البلدية الفلسطينية التي حلت فيها حماس في المرتبة الأولى وجاءت فتح في المرتبة الثانية (في غزة) لأول مرة منذ ظهور فتح ، ومن ثم الرغبة في تلبية بعض مطالب حماس والجهاد في الحصول على ثمن داخلي بالإصلاح وترتيب البيت الفلسطيني لمقابل للهدنة .<BR><BR>2- حاجة شارون لوقت هدوء من عمليات المقاومة بعدما فشل في وقف المقاومة المستمرة منذ توليه الحكم قبل أربع سنوات رغم وعده السابق بإخمادها في 100 يوم ، وحاجة الأكثر لهذه التهدئة أثناء تنفيذ خطة الانسحاب من غزة كي يتفرغ لمواجهة غضب المستوطنين المتطرفين من اليهود، الذين هددوا بتمرد كبير واغتيال شارون نفسه ومسؤولين آخرين والهجوم على المسجد الأقصى أو قتل أنفسهم .<BR><BR>3- حاجة الشعب الفلسطيني إلى مدة تهدئة يلملم فيها ما خربه الاحتلال والقصف والاغتيالات والتجريف المتواصل ، وهو أمر أكده قادة حركتي الجهاد وحماس في حوار القاهرة الأخيرة، حيث تحدثوا عن الرغبة في توفير مدة راحة للشعب الفلسطيني الذي أرهقه الاحتلال بعدوانه المتواصل .<BR><BR>4- حاجة واشنطن لوقت هدوء في فلسطين كي تتفرغ لملفي سوريا وإيران وحزب الله ، وحاجة الصهاينة لذات الهدوء كي يتفرغوا للاشتعال المنتظر في جبهة الشمال مع حزب الله والمقاومة اللبنانية في حالة اندلعت حرب مع سوريا أو لبنان أو إيران، حيث يتوقع أن يتدخل حزب الله ويضرب مدن الاستيطان الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة عام 1948م .<BR><BR>تنازلات أبي مازن في اللحظة الأخيرة<BR>ولهذا ظلت المفاوضات والحوار معلقاً حتى فجر اليوم الأخير منه ( الخميس 17 مارس 2005م ) بسبب إصرار حماس والجهاد على الربط بين "التهدئة" المؤقتة – لا الهدنة الدائمة – وبين قبول السلطة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية والاحتكام لصناديق الانتخابات .<BR> وتم حسم الخلاف في اللحظات الأخيرة بحيث تقدم المقاومة تنازلاً في صورة تمديد التهدئة الحالية من شهرين إلى نهاية العام الحالي فقط وبشرط أن تكون "تبادلية" وألا يعتد بها أحد من المقاومة في حالة حدوث أي عدوان صهيوني ، مقابل أن تبادر السلطة بالقيام بخطوات إصلاحية داخلية كما تم النص عليه في البيان الختامي .<BR><BR>حيث نص البندان الرابع والخامس من البيان الختامي (ستة بنود) على تنازلات من حكومة أبي مازن حيث نص البند الرابع على أنه : "بحث المجتمعون الوضع الفلسطيني الداخلي واتفقوا على ضرورة استكمال الإصلاحات الشاملة في كافة المجالات، ودعم العملية الديموقراطية بجوانبها المختلفة وعقد الانتخابات المحلية والتشريعية في توقيتاتها المحددة وفقاً لقانون انتخابي يتم التوافق عليه ، ويوصي المؤتمر المجلس التشريعي باتخاذ الإجراءات لتعديل قانون الانتخابات التشريعية باعتماد المناصفة في النظام المختلط كما يوصي بتعديل قانون الانتخابات للمجالس المحلية باعتماد التمثيل النسبي .<BR><BR>ونص البند الخامس على أنه : "وافق المجتمعون على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية بصفة المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ،ومن أجل ذلك تم التوافق على تشكيل لجنة تتولى تحديد هذه الأسس، وتتشكل اللجنة من رئيس المجلس الوطني و،عضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة والأمناء العامين لجميع الفصائل الفلسطينية وشخصيات وطنية مستقلة، ويدعو رئيس اللجنة التنفيذية لهذه الاجتماعات " .<BR><BR>وترجع هذه التنازلات من جانب السلطة لإصرار حماس والجهاد منذ البداية على المطالبة بـ "مرجعية وطنية فلسطينية" تدير القرار الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وفي الخارج، وقيادة تشارك فيها كل القوى الفلسطينية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع" لتشكيل هذه المرجعية التي هي "منظمة التحرير" أو "المجلس التشريعي" .<BR><BR>ولا شك أن فوز حماس في المراحل الأولى للانتخابات البلدية ، حيث فازت بـ 40% في معاقل فتح بالضفة ، و70% في غزة ، ساهم كثيراً في تطوير رؤية حماس السياسية، وسهل قرارها بدخول الانتخابات التشريعية ، وكان له دور كبير في فرض وجهة نظرها بقوة في حوار القاهرة باعتبارها رقماً صعباً كبيراً أظهرت الانتخابات قوته بعدما كان يقال: إن وزنها لا يتعدى 25% من الأصوات ، ودفع هذا أبو مازن لتقديم تنازلات لها نظير موافقتها على تمديد التهدئة .<BR>ويكفي للتدليل على هذا أن نلاحظ التصريحات التي أدلى بها محمد نزال للصحفيين خلال الحوار ، حيث كان يتحدث بثقة كبيرة مستنداً لفوز حماس في المحليات ، وأعلن أن حماس "لا تريد أن تلجأ إلى أسلوب المحاصصة ، بل نريد أسلوباً ديمقراطياً، ونقبل بأن تكون حصتنا في الشراكة السياسية بناء على ما تعطينا إياه صناديق الاقتراع".<BR><BR>وكان (وكيل جهاز الاستخبارات العامة المصرية) اللواء مصطفي البحيري أمضى مدة داخل الأراضي الفلسطينية قبل بدء الحوار التقى خلالها قادة الفصائل الفلسطينية وناقش معهم كل القضايا التي تصب في خدمة الوحدة الفلسطينية وتوحيد الصف والاتفاق على القرار الواحد الملزم للجميع والعمل به، وذلك من خلال تقريب وجهات النظر والرؤى بين الفصائل ، ولكن ظل موقف المقاومة رافضاً للتهدئة قبل الحصول على تنازلات وضمانات من حكومة أبو مازن بالإصلاح ، وعدم خرق الصهاينة التهدئة .<BR><BR>الحوار الفلسطيني الأخير بالقاهرة انتهي بالتالي لصالح حماس التي تعد صاحبة المكسب الأكبر منه؛ لأنه لبى جانب كبير من طلباتها بشأن الإصلاح السياسي الداخلي ، وأظهر قوتها السياسية (بعدما فازت في انتخابات البلديات الفلسطينية بنسبة كبيرة) ، كما أنها ألزمت السلطة بإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها دون تأجيل بعدما تردد أن السلطة وفتح قد تؤجلها خشية أن تخسر فيها وتحل حماس في المرتبة الأولى محل فتح لأول مرة في التاريخ الفلسطيني! <BR><BR>أما الأهم فهو أنها ستجبر الصهاينة على التهدئة بالمثل ، وإلا فهي والجهاد وباقي المقاومة لن يلتزموا بهذه الهدنة وسيكونون جميعاً في حل منها .<BR><BR><br>