ما بعد الانتخابات العراقية..ما المتوقع ؟
6 محرم 1426

العراقيون الذين تحدوا التهديدات والمخاوف وأدلوا بأصواتهم يوم 30 يناير الماضي لانتخابات جمعية وطنية (برلمان)، إنما فعلوا ذلك على أمل أن تؤدي الانتخابات إلى تحقيق هدفين أساسيين، هما: الأمن، وانتهاء الاحتلال، هذان الهدفان هما أيضاً ما يريده الذين قاطعوا الانتخابات، أو الذين لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم لأسباب مختلفة، لكن لكل من الطرفين مبرراته، وأسبابه في الطريقة التي اختارها للتعبير عن موقفه.<BR><BR>الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع يعتقدون أن مرحلة جديدة يمكن أن تبدأ نتيجة الانتخابات من خلال جمعية وطنية جديدة وحكومة تستطيعان الوفاء بمطلبي الأمن والتحرير خلال المدة التي حددتها الأمم المتحدة في العام الحالي. <BR>أما الذين امتنعوا أو قاطعوا، فهم أيضاً يتوقون إلى الأمن والتحرير لكنهم يشكون في إمكان تحقيقهما من خلال جمعية وطنية وحكومة لا تحظيان بالشرعية؛ لأن الانتخابات هي في الأساس غير شرعية؛ لأنها تمت في ظل الاحتلال، ونتائجها بالتالي ستكون غير شرعية، إضافة إلى أن قطاعاً واسعاً من العراقيين، وتحديداً من العرب السنة لم يشاركوا فيها بشكل واسع يسمح بإعطاء الانتخابات صفة الشمولية في التمثيل.<BR><BR>من هنا، فإن المعضلة التي تواجه الجمعية الوطنية المكلفة كتابة الدستور الجديد، واختيار الحكومة ورئيس الدولة، هي : كيف تحظى بشرعية شعبية وتتخلى الطائفة السنية عن التشكيك بشرعيتها؟<BR>لذلك، بادر أقطاب القوى والأحزاب السياسية فور انتهاء العملية الانتخابية إلى إطلاق دعوات للمصالحة الوطنية من خلال مؤتمر وطني جامع يضم كل أطياف الشعب العراقي، بخاصة المعارضة منها، هذه الدعوات صدرت عن (رئيس الجمهورية) غازي الياور، و(رئيس الحكومة) إياد علاوي، و(رئيس تجمع الديمقراطيين المستقلين) عدنان الباجه جي وغيرهم، وطالب الجميع بعدم استثناء أحد من عملية المصالحة والمشاركة في الحكم، بمن في ذلك البعثيون الذين لم يتورطوا في جرائم.<BR><BR>وفي هذا الإطار، فإن مصادر عراقية تتحدث عن بيان للمصالحة يجري إعداده حالياً لجميع القوى العراقية لعقد مؤتمر وطني يتم فيه الاتفاق على أسس تعاون مشترك لتشكيل حكومة جديدة وكتابة الدستور الجديد والأعداد للانتخابات العامة الثانية أواخر العام الحالي.<BR><BR>وهذا البيان الذي سيكون بمثابة نداء يصدر عن شخصيات رسمية وحزبية، من بينها الياور وعلاوي، سيكون مقدمة لتحالف القوى الموقعة عليه لتشكيل تكتل في الجمعية الوطنية المقبلة لمواجهة هيمنة قائمة "الائتلاف العراقي الموحد" التي تحظى بدعم السيستاني.<BR><BR>* شرعية ناقصة<BR>لكن المشكلة التي تعترض طريق المصالحة برزت يوم الخميس في الثاني من فبراير الحالي بالموقف الذي صدر عن "هيئة علماء المسلمين" من خلال بيان أصدرته حذرت فيه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من "خطورة التورط في منح الانتخابات الشرعية؛ لأن هذا سيفتح باباً من الشر، وسيكونان في مقدمة من يتحمل تبعاته". وأضافت: "بغض النظر عن النتائج التي ستسفر عنها الادعاءات بحجم المشاركة، فهذه الانتخابات ناقصة الشرعية؛ لأن جزءاً كبيراً قاطعها، ما يقتضي بالضرورة أن الجمعية الوطنية والحكومة التي ستنبثق عنها لن يملكا من الشرعية ما يمكنهما من كتابة الدستور".<BR><BR>ورغم إعلان الهيئة بأنها "ستتعامل مع الحكومة المقبلة على أنها حكومة تسيير أمور محدودة الصلاحيات على أن تبقى قراراتها قابلة للطعون؛ لأنها لا تملك من الشرعية ما يمكنها من كتابة الدستور"، ما اعتبر بادرة "حسن نية" من جانب الهيئة، إلا أن ذلك لا يكفي فعلاً، لأن الهيئة، وهي تمثل قطاعاً واسعاً من العرب السنة، لا تستطيع وهي التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات إلا أن تتخذ هذا الموقف المتشدد من نتائج الانتخابات ومفاعيلها، ولعل الخطوة الوحيدة التي يمكن أن تقنع الهيئة بالتعامل مع تداعيات الانتخابات إيجابيا، أن تضع الحكومة الجديدة، بالاتفاق مع الجمعية الوطنية المنتخبة، على رأس أولوياتها بند انسحاب القوات الأجنبية من العراق، وتحديد موعد زمني لذلك.<BR><BR>وبالعودة إلى أجواء الانتخابات التي جرت يوم 30 يناير يمكن ملاحظة أمر بالغ الأهمية والدلالة، وهو أن نسبة الاقتراع قد فاقت ما كان متوقعاً، رغم أن كل الدلائل كانت تشير سابقاً إلى أن المنطقة الكردية في الشمال، حيث سيطرة الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني والوطني الديمقراطي، وكذلك المناطق الجنوبية، حيث الأكثرية شيعية، سوف تشهد إقبالاً كثيفاً على الانتخابات، لكن الجديد في الأمر هو أن نسبة السنة العرب الذين أدلوا بأصواتهم كانت أعلى مما كان معتقداً، بخاصة في بغداد وبعض المحافظات الشمالية والغربية، مع العلم بأن العديد من المدن الكبرى ذات الأغلبية السنية مثل بعقوبة والفلوجة والرمادي وهيت وسامراء والموصل لم تشهد أي إقبال، بل أن المفوضية العليا للانتخابات تحاشت وضع مراكز اقتراع في بعض المناطق خشية تعرضها لاعتداءات، وبالتالي فإن من كان يود الاقتراع لم يتمكن من ذلك، ناهيك عن التزام المواطنين هناك بقرار المقاطعة، أو عدم حماستها للانتخابات بسبب المخاوف من التهديدات.<BR><BR>ولو حاولنا إحصاء عدد الحوادث التي تخللت يوم الانتخابات، والتي أدت إلى مصرع 36 شخصاً وجرح 96 آخرين نتيجة 5 هجمات بمدافع المورتر وثماني عمليات تفجير استهدفت مراكز الاقتراع، قياساً بالأجواء التي سبقت الانتخابات وما تخللها من تهديدات واسعة، فيمكن القول: إن ما جرى كان دون المتوقع، إذ إن بعض المصادر كانت توقعت أنهاراً من الدماء، ولعل السبب في الحد من الهجمات والخسائر البشرية هي الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذت حول مراكز الاقتراع، إضافة إلى منع الانتقال بين المحافظات وحظر التجوال، وتقييد حركة التنقل بالسيارات. الأمر الذي عرقل المخططات التي كانت تستهدف تعطيل العملية الانتخابية.<BR><BR>* تحدي التهديدات <BR>ولوحظ أن قطاعاً واسعاً من المواطنين شارك في الانتخابات بحماسة من باب تحدي التهديدات، ونتيجة لقناعة بأن الانتخابات سوف تكون مدخلاً حقيقياً لاستتباب الأمن من أجل وضع حد للمعاناة، ولتخليص البلاد من القوات الأجنبية.<BR>لعل السؤال الأكثر إلحاحاً الآن هو: ما هي الصورة التي سيكون عليها العراق بعد الانتخابات؟<BR>هناك احتمالات عدة، أو سيناريوهات، الأول: أن يصار إلى إعلان حكومة وحدة وطنية جامعة، أياً كان الفائز في الانتخابات التشريعية، وتضم مختلف القوى والأحزاب التي شاركت في العملية السياسية، على أن تعطى مناصب أساسية ومهمة للطائفة السنية لتأكيد عدم تهميشها واستبعادها ولإرضاء القوى الدينية والسياسية السنية، وهو مطلب تدعو إليه معظم القوى العراقية الفاعلة، كما دعت إليه واشنطن التي ستغط في هذا الاتجاه، كذلك هو مطلب الدول العربية المعنية، بخاصة دول الخليج.<BR><BR>وقد تؤدي هذه الخطوة التي فتح باب الحوار والمصالحة مع القوى المعارضة، بحيث تندمج في العملية السياسية وتستعد للمرحلة المقبلة، حيث إن الانتخابات الأخيرة هي "انتخابات مرحلية" ومهمة الجمعية الوطنية والحكومة مرحلية، تمهد لانتخابات تجرى بعد عام. <BR><BR>الثاني: في حال أصرت القوى المعارضة على موقفها الرافض مشترطة وضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال للانضمام إلى العملية السياسية، فإن الأمور قد تزداد سوءاً، وربما رقعة الرفض تتسع إلى مناطق أخرى، بخاصة إذا ما تبين أن الجمعية الوطنية الجديدة والحكومة لا ترغبان في وضع مسألة الانسحاب كأولوية؛ لأن بعض القوى شاركت في الانتخابات على أساس أن ممثلي الشعب المنتخبين سيتخذون قراراً بمطالبة الاحتلال بالانسحاب، ومن بين هذه القوى بعض الأطراف الشيعية، مثل التيار الصدري.<BR><BR>الثالث: أن المرحلة المقبلة، قد تشهد خلطاً كبيراً للأوراق، فتندفع بعض القوى مثل الأكراد باتجاه اتخاذ خطوات راديكالية إذا لم تحصل على ما تريد في توزيع المحاصصة السياسية الناجمة عن الانتخابات، خصوصاً أن عين الأكراد على أحد المناصب الرئيسة، مثل: رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة، باعتبار أن أحد هذين المنصبين فقط يشكل لهم الترضية المقبولة لتجاوز الفيدرالية في إطار العراق الموحد. <BR><BR>وفي هذا الحال، هناك خشية من تصادم بين مطالب الأكراد ومطالب الآخرين الذين سيعتبرون أن الأكراد يتجاوزون حقوقهم للوصول إلى حقوق الغير، الأمر الذي ينذر بنتائج سلبية جداً.<BR>الرابع: إذا صحت توقعات بعض المحللين الأجانب التي أشارت إلى احتمال انسحاب أمريكي إذا ما اتسعت رقعة المواجهات وازدادت خسائر الأمريكيين، ما يؤدي إلى حدوث فراغ أمني كبير، خصوصاً أن قوات الشرطة والحرس الوطني في العراق غير قادرة في الوقت الراهن على توفير الأمن . <BR><br>