قمة شرم الشيخ.. نعي للمقاومة وانتصار لشارون
1 محرم 1426

نجحت "إسرائيل" في تحقيق مكسبين مهمين من قمة "شرم الشيخ"، فقد أعلن كل من (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس، و(رئيس الوزراء الإسرائيلي) أرئيل شارون عن وقف المواجهات والعمليات العسكرية في ما يشكل "نعياً رسمياً" للانتفاضة الفلسطينية، فيما قررت مصر والأردن إعادة سفيريهما إلى تل أبيب قريباً! <BR>وقد جرى الإعلان عن وقف متبادل لإطلاق النار ولكن من دون أي التزام واضح من جانب "إسرائيل"، ورغم إشارة (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس "أبو مازن" إلى أن هذا الوقف تم بالاتفاق بين الجانبين "الإسرائيلي" والفلسطيني إلا أن صيغة شارون كانت مختلفة، فقد قال "أبو مازن": "اتفقنا و(رئيس الوزراء) أرئيل شارون على وقف كافة أعمال العنف ضد الإسرائيليين والفلسطينيين أينما كانوا.. إن الهدوء الذي ستشهده أراضينا ابتداء من اليوم، هو بداية لحقبة جديدة وبداية للسلام والأمل"، ولكن شارون استخدم عبارة أقل التزاماً حيث قال: "اليوم في لقائي مع الرئيس عباس اتفقنا على أن يوقف الفلسطينيون كل أعمال العنف في كل مكان وبالمقابل ستوقف إسرائيل نشاطاتها العسكرية في كل مكان". <BR>وبدا واضحاً أن القمة عبرت عن الاختلال الفاضح في ميزان القوى لمصلحة "إسرائيل" من دون أميركا، ومن خلال انتقال الدور العربي من موقع المساند للطرف الفلسطيني إلى موقع الوسيط، وهذا ما حاول الرئيس مبارك الإشارة إليه في كلمته التي قال فيها: "اجتمعنا اليوم لنعمل سوياً بكل إصرار وجدية، على طي صفحة من الأعوام العصيبة، أزهقت فيها الأرواح البريئة وأريقت فيها الدماء من كل جانب... لقد اجتمعنا اليوم، لكي نوقف هذه الدوامة ونعيد الأمور إلى نصابها". <BR>ومنذ اللحظة الأولى بدا الخلاف عميقاً بين نظرتي أبي مازن وشارون؛ فالأول رأى في إعلان وقف إطلاق النار "تنفيذاً لأول بنود خريطة الطريق، التي أسستها اللجنة الرباعية، وهو أيضاً خطوة أساسية هامة توفر فرصة جديدة كي تستعيد عملية السلام مسارها وزخمها"، ولكن الثاني أشار إلى أن الأمور بعيدة عن خارطة الطريق التي يمكن لخطة الفصل "أن تمهد لبدء تنفيذ خريطة الطريق التي نلتزم بها والتي نرغب في تنفيذها، والتي نحن على استعداد للوفاء فعلياً بكل التعهدات التي أخذناها على أنفسنا فيها وننتظر من الجانب الآخر الوفاء بالتزاماته، فقط بالأفعال وليس بالأقوال". <BR>ولا يشكل هذا الخلاف أمراً عابراً نظراً؛ لأن "إسرائيل" تصر على أن تشكل المرحلة الأولى من خارطة الطريق قيام السلطة الفلسطينية "بتفكيك البنى التحتية للإرهاب"، ولذلك ترفض "إسرائيل" كل محاولة من جانب السلطة لاعتبار التهدئة مدخلاً لخارطة الطريق وتصر على أن "محاربة الإرهاب" هي المدخل. <BR>ولعل الدفء الذي أشاعته قمة شرم الشيخ في نفس شارون دفعته إلى مواصلة إطلاق الوعود للفلسطينيين، وتقريباً للمرة الألف، قررت "إسرائيل" فتح معبري إيرز وكارني (المنطار) وتشكيل لجنة لدراسة أمر الإفراج عن عدد من المعتقلين وتقديم تسهيلات لحياة الفلسطينيين، ولكن خلف هذه الوعود يختبئ الإحساس "الإسرائيلي" الدائم بأن الوضع هش وأن الاحتياط لازم. <BR>وبعد أن حقق أرييل شارون هدف تلقي الدعوة لزيارة الأرض المصرية حصل على الإشارة بعودة السفيرين المصري والأردني إلى تل أبيب، وقد أفسح ذلك المجال لشارون ليطلق دعوات السلام العامة إلى كل الزعماء العرب، فليس ثمة ما يخسره من هذه الدعوة التي لا تكلفه شيئاً، بل إن (رئيس الكنيست) روبي ريفلين المعارض حتى لخطة الفصل سارع إلى دعوة كل من الرئيس المصري والملك الأردني لإلقاء خطاب أمام الكنيست، وطبعاً لم يفعل الشيء نفسه مع الرئيس الفلسطيني. <BR>وبصرف النظر عن الخلافات بين "إسرائيل" والفلسطينيين، أسهمت القمة في تعزيز الخلافات الداخلية في الصفين "الإسرائيلي" والفلسطيني، فقد رأى اليمين "الإسرائيلي" في قمة شرم الشيخ تقدماً نحو تنفيذ خطة الفصل، ولذلك تسارعت التحركات داخل الليكود لإجبار شارون على القبول بإجراء استفتاء شعبي، وبدأ (وزير الخارجية) سيلفان شالوم بالتوافق مع وزيري المالية بنيامين نتنياهو والتعليم ليمور ليفنات مساعي لإقرار إجراء مثل هذا الاستفتاء، وهو ما يطالب به قادة المستوطنين، وحتى اللحظة يرفض شارون إجراء استفتاء كهذا، ومن الجائز أن يرى في التأييد الذي قدمه مبارك وأبو مازن لتنفيذ خطة الفصل بالاتفاق وليس من جانب واحد مدخلاً للموافقة على الاستفتاء. <BR>وبالمقابل فإن الخلاف الفلسطيني الداخلي مرشح للتصاعد، فهناك جهات فلسطينية تعتقد أن أبا مازن ذهب بعيداً في قمة شرم الشيخ وقدم وقف النار من دون مقابل، وقد أعلنت فصائل فلسطينية أن هذا الإعلان لا يمثل سوى السلطة وأنها تمنح التهدئة مهلة محدودة لترى ما الذي يمكن أن تقود إليه. وأياً يكن الحال فإن توافق أبي مازن مع "حماس" و"الجهاد الإسلامي" كان مبنياً في الأساس على أن ثمن التهدئة محدد، وأنه لا يمكن القبول بأقل من تنفيذ الاشتراطات الفلسطينية، ومن الجائز أن اندفاع السلطة إلى القبول بالتراجع عن التفاهم الداخلي قد يشجع عدداً من الأطراف الفلسطينية على كسر التهدئة قبل أن يعتاد الجمهور الفلسطيني عليها ويصعب كسرها لاحقاً.<BR><BR><BR><br>