هل تنتج مصر سلاحاً نووياً؟!
11 ذو الحجه 1425

للمرة الثانية خلال شهرين فقط عادت آلة الدعاية الغربية تروج أنباء ضد مصر نقلاً عن "دبلوماسيين أمريكيين وغربيين" تقول: إن مصر تقيم برنامجاً نووياً سرياً، وأنها أنتجت كميات من اليورانيوم يمكن أن تستخدم لإنتاج سلاحي نووي، وأن محمد البرادعي (المصري الجنسية، مدير وكالة الطاقة الذرية) يتغاضى عن هذه الأنشطة المصرية.<BR><BR>ومع أن المرء لا يحتاج لعناء كبير ليكتشف أن ترويج هذه الشائعات هدفه ليس مصر، ولكن البرادعي في المقال الأول لضرب مصداقيته ومنع التجديد له لمدة ثالثة مديراً عاماً للوكالة بسبب المعارضة الشرسة من إدارة الرئيس جورج بوش له؛ لأنه انتقد سلوك الجيش الأمريكي في العراق وتسببه في هب منشآت نووية عراقية، فالواضح أن هذه التسريبات المتكررة تستهدف أيضاً الضغط على مصر وتركيعها أمام الضغوط الأمريكية للعب أدواراً حاسمة لصالح أمريكا في العراق (إقناع السنة بالمشاركة في الانتخابات وإرسال قوات)، وفلسطين ( الضغط على فصائل المقاومة لوقف القتال ).<BR>التي تحمله مسؤولية الكشف عن واقعة مهينة قبل الانتخابات الرئاسية تتعلق بعجز الجيش الأمريكي عن تأمين 380 طناً من المواد شديدة الانفجار بعد غزو العراق.<BR><BR>ففي أوائل نوفمبر 2004م، نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أنباء تزعم أن ليبيا "كانت تعمل لحسابها الخاص ولحساب المصريين" عندما طورت برنامجاً نووياً سرياً تخلت عنه عام 2003م، ونقلت عن دبلوماسيين غربيين - لم تحددهم- اتهامات لـ(المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية) محمد البرادعي باستغلال موقعه (كمصري) لوضع حد لتدخل فعلي للوكالة في الملف النووي المصري!!<BR><BR>ومع أن نتائج عملية التفتيش الأخيرة للوكالة في مصر قبل ذلك بشهر واحد (أكتوبر 2004م) جاءت لتؤكد أن المنشآت المصرية تعمل في مجال الأبحاث النووية المدنية، وأنها تستجيب للمعايير التي تنص عليها مشاريع التعاون التقني مع الوكالة الدولية، فقد استغرب مسؤولون في وكالة الطاقة الذرية المصرية أن تتركز الشائعات التي نقلت على لسان الدبلوماسيين الغربيين بشأن امتلاك مصر برنامجاً نووياً سرياً على الحديث عن العثور على آثار لمادة "البلوتونيوم" تحديداً قرب مفاعل مصري، باعتبار أنها المادة التي تستخدم في السلاح النووي، وقالوا: إن ذلك يكشف نوايا خبيثة ضد مصر.<BR><BR>كما استغربوا أن تروج هذه الشائعات الكاذبة في تخلي مصر عن أهم موقع لبناء مفاعل ذري لصالح مشاريع سياحية، وتوجيه خبراء الذرة المصريين انتقادات لنوايا الحكومة المصرية بشأن تحويل الموقع المخصص لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بمنطقة الضبعة بمحافظة مطروح غرب مصر إلى منتجع سياحي استثماري أجنبي والتخلي عن البرنامج النووي السلمي أيضاً!<BR><BR>ورغم هذا عادت الاتهامات مرة أخرى في أوائل يناير 2005م علي لسان نفس المصادر الدبلوماسية المجهولة لمصر بأنها نفذت برنامجاً نووياً سرياً، وشنت صحف إسرائيلية وأمريكية وبريطانية ووكالة اسوشيتدبرس الأمريكية يوم 5 يناير 2005م حملة ضد ما أسمته برنامجاً نووياً سرياً لمصر ملخصه أن علماء مصريين قاموا خلال العام الماضي بصناعة "كمية صغيرة" من مركبات اليورانيوم التي يمكن استخدامها لإنتاج أسلحة نووية. <BR><BR>وقال دبلوماسي أمريكي (رفض ذكر اسمه): إن معظم الأنشطة تمت في مدة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حصلت على أدلة تفيد قيام مصر ببرنامج نووي انتهى في أوائل عام 2004م، وقالت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية: إن عدة كيلوجرامات من عنصر اليورانيوم وتترافلورايد اليورانيوم الذي ينتج عنه غاز هكسافلورايد اليورانيوم من بين المنتجات التي تقوم مصر بتصنيعها، بينما قالت صحيفة "يو إس إيه توداي" الأمريكية الصادرة 4-1-2005م: إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجدت أدلة على قيام مصر بتجارب نووية سرية يمكن أن تشكل برنامج أسلحة نووية، وقالت: إن الوكالة تبحث في أدلة مفادها قيام مصر ببعض الأنشطة ذات الطابع النووي في العام الماضي.<BR><BR>ومع أن صحيفة "الإندبندنت" البريطانية قالت: إن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية اقتفوا آثار تجارب محدودة خلال الأشهر الأربعة الماضية، و"لكن دبلوماسيين في فيينا (حيث مقر الوكالة الذرية) قللوا من شأن هذا الاكتشاف قائلين: إن التجارب لم تشمل تخصيب اليورانيوم الذي يلزم توافره كمؤشر واضح على أن مصر لديها برنامج أسلحة نووية"، فقد قال دبلوماسيون غربيون: إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقق في أنشطة نووية غير معلنة في مصر يمكن أن يكون لها صلة بتصنيع الأسلحة النووية.<BR><BR>والملاحظات الأولية على هذه الحملة الغربية على مصر والمزاعم عن البرنامج النووي السري أن: <BR>1- غالبية المعلومات حول الحملة جاءت من مصادر دبلوماسية أمريكية وبشكل مخفى تماماً، ما يشير إلى وجود أهداف أمريكية من ورائها.<BR><BR>2- أن الحملة ارتبطت بالوكالة الذرية وأوحت بأنها تغفل عن متابعة البرنامج النووي المصري، ثم عادت للقول: إن الوكالة تحقق في الأمر، في محاولة واضحة لإثبات صحة المزاعم وربط الأمر بمحمد البرادعي (المصري) وكأنه يتستر علي البرنامج المصري بهدف تلويث سمعته، رغم أن مصر قامت بالتوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1982م، التي تتضمن وعداً بالامتناع عن إنتاج الأسلحة النووية، وتقوم الوكالة بتفتيش دوري علي منشأتها النووية القليلة.<BR><BR><BR>3- أن التلميح لاتهام البرادعي بالتغاضي عن البرنامج المصري النووي جاء بعد ساعات من تحذير البرادعي نفسه لأمريكا من "مغبة تجسسها" على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكداً أن ذلك سيكون ضربة "للتعددية ونظام الأمم المتحدة كما نعرفه"،وقال:"إذا تم التلاعب باستقلالنا، فإن ذلك في الحقيقة هو تلاعب بنسيج التعددية بأكمله ونظام الأمم المتحدة كما نعرفه".<BR><BR>4- أن الحملات من هذه النوعية ضد مصر (بزعم إنتاج سلاح نووي أو كيماوي أو تطوير صواريخ) تتكرر كل مدة وفق الحاجة الأمريكية للضغط علي مصر، وفي الحملة الأولي ضد مصر عام 2004م كان الهدف هو "تمييع" المطلب العربي المقدم لاجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية القادم في 25 نوفمبر 2004م، والداعي لتفريغ منطقة الشرق الوسط من أسلحة الدمار الشامل والضغط على إسرائيل لتدمير أسلحتها النووية، بالإضافة لتحقيق أكثر من هدف في وقت واحد، مثل تبرير رفض التجديد لـ(رئيس الوكالة الدولية) محمد البرادعي، وإعطاء إسرائيل مبرر رفض التخلي عن أسلحتها النووية في ظل احتمالات امتلاك إيران ( وربما مصر كما أشاعوا) لسلاح نووي، ومن ثم إجهاض المبادرة العربية المقدمة للوكالة. أما الحملة الثانية الحالية فجاءت لتعزيز الأولى ونشر معلومات أكثر توحي بصحة المزاعم عن البرنامج المصري السري لتكثيف الضغط على مصر والبرادعي معاً.<BR><BR>5- أن الحملات عموماً ضد مصر تتزامن مع مطالب أمريكية يبدو أن القاهرة "تتلكأ" في تنفيذها؛ لأنها غير معقولة مثل المطالبة بدور في تهدئة الأوضاع في العراق لصالح الاحتلال الأمريكية، وتهدئة الأوضاع في فلسطين مع فصائل المقاومة لصالح الاحتلال الإسرائيلي!!<BR><BR>6- أن المزاعم عن برنامج نووي مصر سري تثير الدهشة؛ لأنها ببساطة تأتي في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة المصرية لتحويل موقع مشروع المحطات النووية بالضبعة بمحافظة مطروح شمال غرب مصر لمنتجع سياحي وهدم البرنامج النووي السلمي المصري كلياً، وهو الأمر الذي أزعج علماء في هيئة الطاقة الذرية وسياسيين وكتاب ومثقفين فدعوا – في بيانات رسمية منشورة - لوقف تحويل أرض المشروع النووي إلى مشروع سياحي، وقالوا: إن هذا يعني إغلاق ملف برنامج المحطات النووية في مصر إلى الأبد؛ لأن موقع الضبعة هو الموقع الوحيد على سواحل مصر الذي يصلح لإقامة محطات نووية.<BR><BR><font color="#0000FF"> مصر ترد لحساسية الاتهامات: </font><BR>وربما لهذا قد لا تستحق هذه الاتهامات المجهولة ضد مصر عناء الرد عليها، ولكن لحساسية الأمر والاتهامات ردت مصر على أعلى مستوى من خلال مجلس الوزراء ووزير الخارجية.<BR>حيث نفي أحمد نظيف (رئيس الوزراء المصري) الأمر، وقال: "مصر لديها برنامج سلمي للطاقة النووية موجه بشكل أساسي إلى توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه في إطار هيئة مصرية للطاقة النووية"، وأوضح أن مصر ويبلغ تعداد سكانها 70 مليوناً تحتفظ بحقها في بناء محطات نووية باعتبارها بديلاً يمكن اللجوء إليه إذا ثبتت جدواه الاقتصادية وحاجة المحطات إليه.<BR><BR>كذلك قال مجدي راضي (المتحدث باسم الحكومة المصرية): إن مصر لا تسعى لحيازة برنامج نووي لأغراض عسكرية وقال – في إشارة ذات مغزي –: "إن مصر نفت ذلك منذ بضعة أشهر وتنفيه مجدداً ". وأضاف: "لا يوجد سرية حول برنامجنا النووي وليس هناك ما لا تعرفه الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أنشطتنا". <BR><BR>أيضاً نفى أحمد أبو الغيط (وزير الخارجية المصري) أن تكون مصر قد أجرت اختبارات نووية سرية، وأكد استمرار التزامها ببنود معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي سبق لها التصديق عليها عام 1982م، وقال أبو الغيط: "مصر ملتزمة بتوقيعها على معاهدة منع الانتشار النووي (...) لا تغيير في موقف مصر في هذا الخصوص". <BR><BR>وأضاف: "في إطار التزام مصر التام ببنود معاهدة منع الانتشار النووي فإن هناك تبادلاً للزيارات والمناقشات بين مصر والوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ انضمام مصر إلى المعاهدة قبل 23 عاماً وحتى اليوم (...) ولا صحة مطلقاً لمثل هذه المزاعم". <BR><BR>بل إن البرادعي نفسه أضطر للرد علي هذا بالقول في مقابلة مع رويترز: "إن مصر ستلقى نفس المعاملة الصارمة التي تلقاها أي دولة أخرى موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، وقال: "أنا موجود هنا بصفتي مديراً عاماً وليس كمصري، وسنواصل تطبيق نفس معايير الشفافية والاحتراف، ولن نخفي أي جزئية من المعلومات ".<BR><BR>وكان قد صدر نفي فني آخر عندما صدر الاتهام الأول صدر نفي من الدكتور علي إسلام (رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية) قال فيه: "إن الهيئة تقوم بإجراء أبحاث تهدف إلى تنمية القدرات العلمية وخدمة المجتمع في مختلف مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية منذ أكثر من أربعين عاماً، وأنها لا تقوم بأي نشاط نووي محظور وتتعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إطار تبادل الثقة وتأكيد الشفافية ".<BR><BR>وأشار رئيس الهيئة إلى توقيع مصر لاتفاقية منع الانتشار الأسلحة النووية واتفاقية الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكداً أن مصر تتعامل مع الاتفاقيتين بالتزامٍ كامل ومصداقية منذ توقيعهما عام 1982م، ولفت الدكتور علي سلام إلى تقارير المفتشين الدوليين التابعين للوكالة الدولية وآخرها في شهر أكتوبر الماضي عقب زيارتهم لمصر لإجراء عمليات التفتيش الدورية على المنشآت النووية المصرية، والتي أكَّدت على أن كافة المنشآت تعمل في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، وفي إطار مشروعات التعاون الفني في مختلف المجالات والمتفق مع الوكالة الدولية بشأنها.<BR><BR>الأهداف الأمريكية والصهيونية من وراء ترويج هذه المزاعم ضد مصر واضحة بالتالي، ولكن السؤال هو: كيف ستستجيب مصر للرد علي هذه الضغوط؟ وكيف سيرد البرادعي؟ وهل يرضخ للضغوط أم يثبت؟!<BR><br>