منتدى المستقبل.. وصاية جديدة على المنطقة العربية
4 ذو القعدة 1425

بمشاركة أمريكية عالية المستوى عقد منتدى المستقبل في العاصمة المغربية الرباط يومي10و11 ديسمبر الجاري ، شارك فيه (وزير الخارجية الأمريكي المستقيل) كولن باول، إضافة إلى مجموعة من وزراء الخارجية ووزراء مالية نحو 30 دولة تمثل مجموعة الثماني الكبار إلى جانب دول عربية وإسلامية، وتناولت كلمات الوفود المشاركة في المنتدى إصلاح المؤسسات السياسية والحريات العامة وإصلاح التعليم ووضع المرأة في السعي لخلق مجتمع حداثي، ورحب باول في كلمته أمام المنتدى بجهود تبذلها دول عربية على طريق التحرير الاقتصادي وإحلال الديمقراطية، وقال: إن الإصلاح السياسي والاقتصادي ينبغي أن يستمر وإن التغيير يجب أن يأتي من الداخل لمكافحة ما سماه الإرهاب.<BR><BR>وجاء التسويق الأمريكي لهذه المبادرة من خلال توالي تصريحات الوزراء الأمريكيين من أن المنتدى تعاوني بدرجة أساسية؛ فيقول (مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الاقتصادية والزراعية والأعمال التجارية) الآن لارسن: إن منتدى المستقبل سيفتح مجالات للتعاون بين دول منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا ومجموعة الدول الثماني للعمل سوية على النهوض بالظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لشعوب منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.<BR><BR>من الناحية النظرية يبدو أن منتدى المستقبل لا يختلف كثيراً عن مشروع الشرق الأوسط الكبير؛ فالمشروعان يرميان من الناحية الأساسية إلى تفعيل فكرة الشرق الأوسط الكبير، بما هو مخطط أمريكي لإدماج الكيان الصهيوني في نسيج شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفرض توجهات غير مرتبطة بتطلعات الشعوب وطموحاتها المشروعة من أجل التنمية والسلم والاستقرار، ويستدل على هذا من تواصل الاجتماعات المحمومة، وما طرح بخصوص اللقاءات المتعددة الأطراف لاجتماع دول جنوب المتوسط، واجتماع حلف الأطلسي، والدول الرئيسة في الاتحاد الأوربي، وقمة "أيس لاند" في يونيو 2004م، وكذا اجتماع وزراء خارجية دول المغرب العربي الخمس مع نظرائهم من خمس دول أوربية متوسطة، ولعل تواصل هذه الاجتماعات تهدف بالدرجة الأساسية إلى السير قدماً بمشروع ''الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك مع دول الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا''، والذي يعد منتدى المستقبل محطة رئيسة فيه، وهو مشروع صدر بعد قمة "أيس لاند" في يونيو 2004م من طرف الدول الصناعية الثماني، وشكل بذلك خطوة نحو إدماج الاتحاد الأوروبي في المشروع الأمريكي للشراكة مع الشرق الأوسط الكبير وذلك بعد تعديل بعض جزئياته، أي أن مستقبل علاقة دول جنوب المتوسط وضمنها المغرب مع الاتحاد الأوروبي أصبح هو الآخر مرتهناً في أهدافه وتوجهاته وأولويته للمشروع الأمريكي في إعادة صياغة المنطقة العربية ككل.<BR><BR><font color="#0000FF">الاقتصاد المدخل الأقرب للعرب: </font><BR>وبعد مرور أشهر على إطلاق مشروع الإصلاحات الأميركي في المنطقة، تراجعت الطموحات السياسية للمشروع لمصلحة الشقين الاقتصادي والمالي لجعله أكثر جاذبية للأنظمة غير المستعدة للتخلي عن السلطة.<BR><BR>وشملت الأجندة الأولية التي حاولت الإدارة الأمريكية تسويقها من أجل إنجاح هذا المؤتمر وفي ظل رفض الرؤساء التنازل عن جزء من سلطاتهم في سبيل الإصلاح السياسي الحقيقي الذي ترنو إليه الشعوب محاولات التبشير ببرنامج دعم اقتصادي ومالي، لتنمية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شبيهاً بخطة مارشال عقب الحرب العالمية الثانية وزيادة الشراكة التجارية مع المنطقة في مقابل التزام تلك الدول إدخال إصلاحات في المجالات الاقتصادية والسياسية والتعليمية وتطوير مفهوم حقوق الإنسان وإشراك المرأة في الحياة العملية.<BR><BR>وكانت قمة مجموعة الثماني في يونيوالماضي اتخذت قراراً بعقد المنتدى في المغرب إثر مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي أطلقها (الرئيس الأميركي) جورج بوش، وتهدف حسبما هو معلن إلى إدخال إصلاحات ديمقراطية إلى العالم العربي.<BR><BR>وفي هذا الإطار الاقتصادي طرح المنتدى مبادرات لدعم أصحاب المشروعات بإنشاء صندوق قيمته 100 مليون دولار لتقديم قروض للأنشطة الصغيرة، وتوفير أموال للتعليم وحملات محو الأمية.<BR><BR>وتهدف هذه المبادرات إلى جذب مزيد من رأس المال لمنطقة واسعة تمتد من موريتانيا والمغرب غرباً إلى باكستان وأفغانستان شرقاً، وهي منطقة يقطنها نحو 560 مليون نسمة.<BR><BR><font color="#0000FF">تاريخ فكرة المنتدى: </font><BR>ويعد منتدى المستقبل خطوة تكميلية في مجموعة الخطط الأمريكية والصهيونية لإعادة تشكيل المنطقة العربية والإسلامية حسب الأجندة الأمريكية ، حيث بدأت فكرة المنتدى عند اجتماع القيادة العامة لدول حلف شمال الأطلسي مع دول الحوار المتوسطي والمكونة من الكيان الصهيوني والأردن ومصر والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا، ويأتي استكمالاً له مشروع الشركة الأمنية؛ حيث يعرض الحلف على الدول المشاركة في "المشروع/ المنتدى" تعاوناً في مجال الأمن، وهو ما أعلن عنه باسم شركة من أجل السلام وحوار دول المتوسط الطويل العهد للحلف، ومن بنوده كذلك تقديم المعطيات الخاصة بمراقبة الملاحة بالحوض المتوسطي، وهي ذات المبادرة التي قدمت بعد أحداث سبتمبر لمكافحة الإرهاب على مستوى حوض المتوسط، أما الأهم من موضع المراقبة فهو الاستعداد لعمل مستقبلي أوسع وتقديم التسهيلات العسكرية في الموانئ، ومشروع تأسيس منتدى مستقبلي عسكري. <BR><BR>وهذا المنبر في جوهره هو أداة لفرض الهيمنة والوصاية على بلاد العرب، وقد انبثق عن خطة العمل التي أقرتها قمة الثماني في يونيو 2004م، بشأن مبادرة بوش الصغير التي أطلق عليها إصلاح الشرق الأوسط الكبير والتي تلاها مبادرة حلف الناتو للشرق الأوسط الموسع التي عقدت في اسطنبول يومي 28 و29 يونيو 2004م والتي تعد مكملة لمبادرة الولايات المتحدة، التي كان هدفها العمل على تحقيق التعاون مع دول منطقة الشرق الأوسط الموسع، لضمان عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب والتعاون في المجال العسكري من أجل أمن وسلامة المنطقة بأسرها، وهى التي اكتملت بها عناصر تحقيق الهيمنة، وفرض الإرادة الأمريكية والتمكين للدولة الصهيونية من خلال الجوانب الأمنية والاقتصادية والسياسية والثقافية مجتمعة.. وسيلتها في ذلك سلطة مجلس الإدارة المشكل من الثماني الكبار، والذي يتابع دورياً من خلال ما أطلقوا عليه منبر المستقبل بمشاركة، وحضور وزراء مسؤولين من كل دول المنطقة، وعلى رأسهم بالطبع ممثلو الدولة الصهيونية. <BR><BR>وبالاعتماد على الوثائق، فإن الهدف هو تحقيق الإصلاح على النحو والمضمون وبالطريقة التي تضمن بها الولايات المتحدة تحقيق وحماية وخدمة مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية في نطاق الدول العربية والإسلامية، وقد وضعت لتحقيق هذا الهدف عدة آليات وخطوات تنفيذية منها: <BR><BR>1- إنشاء منبر المستقبل مع الشركاء في المنطقة بهدف مواصلة الحوار والتفاعل حول الإصلاح بروح الإقدام المتبادل، ويضم وزراء الخارجية والاقتصاد وغيرهم من وزراء مجموعة الثماني والمنطقة، في منبر واحد من أجل إجراء مناقشات دائمة حول الإصلاح، ويمثل حلقة وسيطة للإصغاء لحاجات المنطقة ولضمان الاستجابة إلى الآراء والأفكار التي تنتهي إليها المناقشات، ويعد المنبر أول جهاز قررت قمة جورجيا إنشاءه، وقررت أن يعقد المنبر أول اجتماعاته في خريف 2004م لطرح الرؤية الأمريكية والأوروبية، كما يتولى بعد ذلك المراجعة كل ستة أشهر عن مدى ما تقوم كل دولة في اتجاه الديمقراطية والإصلاح. <BR><BR>2- إنشاء معاهد لدعم الديمقراطية: وتكون تحت رعاية منبر المستقبل، وتستهدف تشجيع الممارسات السياسية من خلال الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، لضمان انتخابات حرة وشفافة، ودعم اللجان الانتخابية المستقلة، وتشجيع حرية التعبير والفكر والمعتقد، وتكون قوة محركة للداخل في بلاد المنطقة لضمان تنفيذ برامج الإصلاح، وذلك بالإضافة إلى اقتراح برامج للديمقراطية في المدارس، وإعداد قادة رأى عام لقيادة الممارسة الديمقراطية، خاصة في القرى والمناطق التي يقل فيها التعليم، وتكون تحت الإشراف المباشر لوزارات الخارجية الأمريكية والأوروبية وبعض الجامعات والمعاهد. <BR><BR>3- مبادرة لدعم المشروعات الصغيرة: تستهدف زيادة فرص لتمويل لأصحاب الأعمال الحرة الصغيرة خصوصا من النساء، وتشمل ما يلي: <BR><BR>إنشاء مجموعة استشارية لتمويل المشروعات الصغيرة، ومركز للتدريب على أفضل الأساليب لمساعدة أصحاب هذه المشروعات، وكذلك تدريب مديرين وموظفين ومسؤولين حكوميين لتيسير هذا العمل. <BR><BR>تحسين مناح الأعمال وزيادة فرص التمويل للمؤسسات الصغرى والمتوسطة عن طريق البنك الدولي. <BR><BR>تمويل مشروعات أكثر من مليونين من أصحاب الأعمال الحرة الصغار بقروض على مدى 5 سنوات. <BR><BR>تعليم القراءة والكتابة لعدد 20 مليون عام 2015م، وتدريب مئة ألف مدرس بحلول عام 2009م. <BR><BR>ولم تخف الإدارة الأمريكية أغراضها من طرح هذا المشروع، التي أوجزتها في القضاء على التخلف الذي تزعم أنه يمثل أهم مصادر الإرهاب الذي يهدد مصالحها ومصالح حلفائها. <BR><BR>ومن جهة أخرى فإنه لا يخفى على أحد أن المطلوب من سائر الدول التي تقبل العمل في إطار تلك المبادرة أن تقبل بالكامل الخضوع، وبلا أي مناقشة لتنفيذ المطلوب، وأن تقبل الإشراف والمتابعة من جانب مجلس الوصاية الدولي الممثل في منبر المستقبل، المخول له سلطة محاسبة أنظمة هذه الدول، إذا ما تقاعست عن التغيير والاستجابة لبرامج الإصلاح المطلوبة، ويأتي مستوى وزراء الخارجية والاقتصاد الذي يتولى الإشراف على خطوات الإصلاح وبرامجها، والذي له حق المراجعة والمتابعة كل ستة أشهر من خلال منبر المستقبل، مما يشكل محاسبة ميدانية بشكل دوري منتظم، هذا إلى جانب تدعيم قوى الداخل في داخل كل قطر التي تقبل الانضمام إلى معاهد الديمقراطية المزيفة التي سوف يجرى إعدادها ودعمها وتمويلها بواسطة منبر المستقبل، من ممثلي المجتمع المدني والأحزاب والصحفيين وغيرهم، الذين سوف يضيفون أداة وقاعدة سوف تتولى إدارة الحوار في الداخل حول الإصلاح المطلوب، ومدى الجدية في إنجازه على النحو المرسوم. <BR><BR>وبذلك يكون شكل الهيمنة والوصاية الأمريكية الغربية الصهيونية على بلاد العرب والإسلام قد تفوق على الشكل والنهج الاستعماري الذي خضعت له دول المنطقة إبان الإمبراطورية الرومانية، وقمة المأساة أنه يجرى بقبول وإذعان من دول المنطقة، دون أن تكون طرفاً في مناقشته، كما أنه ليس مسموحاً لها بمجرد إبداء الرأي فيما تقرر حول مصيرها المحتوم في إطار قبول الهيمنة والتبعية والخضوع وتحقيق الأهداف التي حددتها الولايات المتحدة والدول الكبرى، من خلال هذا المشروع الإمبريالي وأدواته الجهنمية المرسوم لإحكام قبضة أمريكا والدول الصناعية الكبرى والصهيونية العالمية حول رقاب العرب والمسلمين.. إصراراً على إخراج العرب من التاريخ وتمكيناً للصهاينة من فرض سيطرتهم على المنطقة لنعيش في أسر الحقبة الصهيونية.<BR><br>