المسلمون في جنوب إفريقيا
5 شعبان 1425

تنحدر غالبية المسلمين في جنوب إفريقيا من أصل هندي أو إندونيسي، وقد كانوا خلال القرون الماضية عبيداً، ومعتقلين سياسيين فيما بعد. <BR>في وسط مدينة كيب تاون يوجد أحد أكبر وأهم أحياء المسلمين.. حي "بوكاب"، ويعود عهد المنازل الصغيرة والملونة والمساجد في هذا الحي إلى القرن الثامن عشر، ويعد أحد أعرق أحياء مدينة كيب تاون.<BR>يبلغ عدد سكان الحي 10آلاف نسمة، ثلاثة أرباعهم مسلمون. كان غالبية أجدادهم من العبيد أو المعتقلين السياسيين، الذين جاء بهم الهولنديون من مستعمراتهم في الهند الشرقية إلى كيب تاون. العديد منهم يعود أصلهم إلى الهند، وإندونيسيا، وماليزيا، وحتى وإن كان يطلق على الناس في الحي اسم "ملاويو كيب تاون"، إلا أن هذا المصطلح يثير الارتباك، لأن فقط عدد قليل من السكان أصلهم من ماليزيا، والأرجح أن الديانة هي التي تربط بين الناس في بوكاب وليس الأصل، ومن المحتمل أنه تم استعمال هذا الوصف؛ لأن لغة ملاوي كانت تعد لغة التجارة بين مدغشقر والصين.<BR>ولم يسمح القانون الهولندي في القرن الثامن عشر سوى لأتباع الكنيسة الهولندية الإصلاحية لممارسة شعائرهم الدينية، ولم يسمح بالوعظ بالديانة الإسلامية، وكان المسلمون من بين المعتقلين الأوائل في جزيرة روبن أيلاند، ومن بين المعتقلين كانت العديد من الشخصيات الإسلامية الرائدة الذين ساعدوا المسلمين في كيب تاون على الاحتفاظ بهويتهم. الإمام عبد الله بن قاضي سمعان على سبيل المثال، قضى 13 عشر سنة معتقلا في جزيرة روبن أيلاند، وحفظ هناك القرآن الكريم كاملاً، ويقع قبره على هضبة في الجزء العالي من الجزيرة، ويوجد حول كيب تاون حوالي 30 قبراً لشخصيات مسلمة. في بعض الأحيان تنتقل مجموعات من المسلمين من ضريح إلى آخر، ويتلون بعض السور القرآنية والأدعية المأثورة كطريقة للتعبير عن احترامهم للشخصيات الإسلامية وطلب الرحمة والمغفرة لهم من الله _سبحانه وتعالى_.<BR><BR><font color="#0000FF"> أول مسجد في جنوب إفريقيا: </font><BR>سمح للعبيد المسلمين الذين قضوا سنوات طويلة في السجن وأطلق سراحهم، بأن يمارسوا شعائرهم الدينية، وشيد الإمام عبد الله سنة 1749م أول مسجد في جنوب إفريقيا، ألا وهو مسجد "أوال" الواقع في حي بوكاب، وتوجد أمام المسجد المزين باللون الأخضر أشجار النخيل التي ترمي ظلالها على الرصيف، وقد زار الرئيس نيلسون مانديلا بعد توليه السلطة مسجد "أوال".<BR><BR><font color="#0000FF"> المسلمون ونظام التمييز العنصري: </font><BR>أقل من اثنين بالمئة من سكان جنوب إفريقيا اليوم مسلمون، ولكن يزداد عددهم منذ الإطاحة بنظام التمييز العنصري، وتعيش الأغلبية في محافظة ويسترن كاب في كيب تاون وحولها. إمام مسجد "أوال" هو نائب رئيس منظمة المجلس القضائي للمسلمين التي تعد من أعرق الإدارات القضائية الإسلامية في كيب تاون، وقد تأسست هذه المنظمة قبل 59 سنة، ولعبت دوراً بارزاً إبان زمن النظام العنصري في مجال الصراع من أجل الحرية، ومقاومة الاستعمار البريطاني، وحافظت - ولا تزال - على سمعتها الطيبة.<BR>ومثلت المنظمة المسلمين حينما تولى نيلسون مانديلا وبعده الرئيس الحالي تابو مبيكي السلطة بإقامة صلاة، وأهم المجالات التي يهتم بها المجلس القضائي للمسلمين، هو: التعليم والشؤون الاجتماعية، ومن بين القضايا التي ينظر فيها أعضاء المجلس: قضايا الإرث والمشاكل الزوجية والطلاق، وعلاوة على ذلك، فإنه بإمكان 100 طالب سنوياً دراسة العربية والعلوم الإسلامية في المدرسة الثانوية الخاصة بالمجلس.<BR>كما أن المنظمة تسلم شهادات فحص اللحوم الحلال للمسلمين في كيب تاون، وأنجزت المنظمة بفضل المساعدات المالية الحكومية مشروعاً زراعياً من أجل التقليل من الفقر في تاون شيب فيليبي. في أول الأمر يتم تكوين كفاءات المشاركين في المجال الزراعي حتى يتمكنوا فيما بعد من استغلال حقولهم بطريقة مستقلة، ولمنظمة المجلس القضائي للمسلمين نشاطات على المستوى الحكومي وتحضر على سبيل المثال منتدى الأديان، الذي يلتقي فيه كبار رجال الدين باختلاف مذاهبهم برئيس البلاد وذلك لعرض مطالبهم. <BR>وبالرغم من أن قطر حي بوكاب يقيس فقط عشر كيلو مترات، إلا أنه يوجد فيه عشرة مساجد، وكل من هذه المساجد يحظى بإقبال كبير من المسلمين.<BR>وقد جلب المسلمون الأوائل الذين دخلوا كيب تاون معهم مهارات حرفية كالنجارة والنحت والنقش على الخشب، وطبعوا بشكل واضح شكل ومظهر المنازل في بوكاب. وقد تم إدراج وسط الحي ضمن الآثار المحمية، ويعني ذلك على سبيل المثال أن واجهة المنزل لا يجب أن تتغير حتى في حالة الترميم.<BR>وصمد الحي في زمن التمييز العنصري وحافظ على ثقافته وعاداته. يوجد العديد من محلات البيع الصغيرة، كالجزار الذي يبيع اللحم الحلال وبائع التوابل ومطعم للأكلات الخفيفة الذي يبيع "الكوكسيسترز" وهو نوع من الكعك يشتهر به مسلمو الكاب، و بائع السمك، الذي يعلن قدومه بالنفير في القرن الذي يسمع على مسافة بعيدة، ويبدو حي بوكاب في حلته الأصلية خاصة أيام الجمعة حينما ينادي المؤذن للصلاة ويسير الرجال إلى المساجد وهم يرتدون لباسهم الأبيض والطويل.<BR><BR><font color="#0000FF"> التربية الدينية: </font><BR>في نهاية الحي يوجد مبنى طويل مزين باللون الأبيض والأزرق، وهو عبارة عن مدرسة ابتدائية للمسلمين، وتتبع المدرسة المنهج الحكومي، ولكن بإمكان الطلاب تلقي المزيد من الدروس الخاصة بالإسلام في حالة ما تمت موافقة أولياء الأمر.<BR>وحينما يسير المرء باتجاه لونغ ماركت ستريت الذي يزداد صعوداً إلى نهاية الشارع، ويتجه في الأخير إلى اليمين، فإنه يجد مقبرة يزيد عمرها 200 سنة، وهي مقسومة بين المسلمين والمسيحيين، ويحاول بعض سكان بوكاب الملتزمون الحصول على اعتراف رسمي من منظمة اليونسكو لجعل هذه المقبرة كإرث ثقافي لضمان بقائها ولعدم استغلالها كأساس للبناء، و يبدو في الوقت الراهن أنه قد تم إهمال المقبرة؛ العشب قد جف، وكثر الحشيش وتطايرت القاذورات هنا وهناك بفعل الرياح إلى الأماكن التي تنمو فيها النباتات بكثافة. إن حملة النظافة التي ينظمها سكان بوكاب مرتين أو ثلاث مرات في السنة من أجل تنظيف المقبرة، أصبح أمراً ضرورياً.<BR><br>