جرائم أميركية مسكوت عنها في العراق
28 ربيع الثاني 1425

لعل جرائم أميركا وبريطانيا وحلفائهما في العراق، لم تقتصر على التدمير والسحق والقتل، بل تتعدى ذلك إلى الانتهاك المتعمّد للبيئة، والعدوان على الصحة والعافية والقطاع الطبي بشكلٍ عام، ما خلّف آثاراً مدمّرةً على صحة الإنسان والنبات والحيوان على حدٍ سواء، فتدهورت صحة الطفل العراقي والمرأة العراقية، وكذلك الرجل العراقي بشكلٍ مرعبٍ خطيرٍ يستصرخ كل شريفٍ في هذا العالم، للوقوف على حقيقة الوضع الصحي في هذا البلد العربي المسلم، الذي ما تزال الجريمة الأميركية تنهش في بيئته وأجساد أبنائه وبناته وأطفاله، فهل من مجيب ؟!<BR><BR><font color="#0000FF">الحرب العدوانية الأميركية وجرائمها البيئية: </font><BR>يمكننا أن نجمل الجرائم البيئية والصحية الأميركية في العراق بما يلي:<BR>أولاً: إلحاق الأضرار الجسيمة بالبيئة، نتيجة استخدام أكثر من مئةٍ وخمسين ألف طنٍ من القنابل في عمليات القصف على بغداد والمدن العراقية، تعادل قوتها أكثر من سبع قنابل ذريةٍ من تلك التي أُلقِيَت على هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية.. ما أدى إلى تسرّب مواد ملوِّثة من المنشآت الصناعية النفطية المقصوفة وغيرها، مثل: الكبريت السائل والحوامض ومبيدات الحشرات، وكذلك تلوّث الهواء بالغازات والحرائق، كازدياد تركيز غاز ثاني أكسيد الكبريت في الهواء، ذي التأثير السلبي على الجهاز التنفسي، كما ازدادت نسبة التلوث الكبريتي في مياه الشرب، بسبب توقف وحدات معالجة المياه الصناعية عن العمل، فتسرّبت المياه الصناعية غير المعالَجة، وانتشرت بقع الزيت في المياه النهرية التي تعد مصدر مياه الشرب الوحيد !<BR><BR>ثانياً: أدى الخلل البيئي إلى انخفاض أعداد الطيور المهاجرة، وهلاك الكثير من الأحياء من طيورٍ وحيوانات (كالغزلان والجمال).. وإلى ظهور الآفات الزراعية، وازدياد الطفيليات والحيوانات الضارة، مثل: القوارض والحشرات.. وأدى تلوّث الهواء بالغبار نتيجة القصف والعدوان، إلى انغلاق ثغور أوراق الأشجار والنباتات، وظهور آفات جديدة، مثل: حشرة حفار أوراق الحمضيات، ودودة أوراق الخروع، وعثة الطماطم، وفطريات النخيل الخطيرة.. وظهور مرض (كباتا) في الأغنام، الناجم عن فيروسٍ يسبّب تشوّهاتٍ خَلْقيةً في الهيكل العظمي لها، كما ظهرت الإصابة بذبابة الدودة الحلزونية لأول مرة في العراق !<BR><BR><font color="#0000FF">الجرائم الصحية للحرب العدوانية الأميركية على العراق: </font><BR>لقد كانت للعدوان الأميركي على العراق آثاره الصحية الكارثية على الشعب العراقي، خاصةً على النساء والأطفال، وكان الحصار الظالم على العراق مدة ثلاثة عشر عاماً، سبباً رئيساً في انتشار كثيرٍ من الأمراض بين أبناء شعبنا العراقي، خاصةً الأطفال منهم، ويمكننا أن نجمل الآثار الصحية الكارثية للعدوان الأميركي المستمر بما يلي:<BR><BR>أولاً: الآثار الكارثية لاستخدام القوات الأميركية قذائف (اليورانيوم المنضّب)، التي وصل عددها إلى حوالي مليون قذيفة من عيار (30مم)، ومن المعروف أنّ اليورانيوم المنضّب هو ما يتبقى بعد تخصيب اليورانيوم الطبيعي، ويستخدم لصناعة رأس السلاح الذي يكتسب قدرةً هائلةً على اختراق المدرعات، ثم يتفجّر مشكّلاً سحابةً بخاريةً محترقة، يستقر بخارها على شكل مركّبٍ كيميائيٍ هو (أكسيد اليورانيوم) السام المشعّ، الذي يُعد مادةً شديدة السمّية حين استنشاقها أو ابتلاعها أو دخولها إلى الدورة الدموية عبر جلدٍ مجروحٍ أو مخدوش !<BR><BR>ثانياً: أثبتت الدراسات والأبحاث الطبية في العراق، التي قامت بها فرق خاصة عراقية وأخرى تابعة للأمم المتحدة ظهور حالاتٍ مَرَضيةٍ غريبةٍ بعد استخدام القوات الأميركية والبريطانية لقذائف ليورانيوم المنضّب، تتمثل هذه الحالات الغريبة: بازديادٍ غير طبيعيٍ في معدل الإصابة بسرطانات الدم والرئة والجهاز الهضمي والجلد، فضلاً عن زيادة معدّلات الشذوذات الخَلقية والتشوّهات الجنينية: كوجود أعضاء داخليةٍ زائدةٍ أو غير طبيعية داخل جسم المصاب، واستسقاء الرأس، وقصور نمو الرأس، وأمراض العيون، والولادة بدون عينين أو تشوّهات بالعينين، وولادة التوائم المصابين بمتلازمة (داون) وهو مرض جيني، والإصابة بالتشوهات العظمية، وتساقط الشعر، والأمراض الجلدية الغريبة.. كما ازداد عدد المصابين بالدوار الوبائي والدوار الشديد والغثيان وفقدان الاتزان.. وكذلك ظهور حالات فقدان البصر أو الرؤية المشوّهة المصاحبة للصداع النصفي.. كما ازادادت بشكلٍ كبيرٍ حالات العقم في الجنسين، وحالات الإجهاض والولادة المبكرة والموت الجنيني والولادات العَسِرة !<BR><BR>ثالثاً: كما أكّدت الدراسات الحديثة، بأن استخدام القوات البريطانية لذخيرة (DV) المشعّة لدى حصارها لمدينة البصرة بالمدرّعات، سيؤدي إلى أضرارٍ حتميةٍ في أجنّة النساء الحوامل، اللواتي استنشقن الغبار النووي المنتشر من إطلاق ذلك النوع من القذائف، حتى لو تم هذا الاستنشاق من على بُعد عشرات الكيلومترات من موقع الإطلاق (شهدت مدينة البصرة ولادة حوالي ثلاث مئةٍ من الأطفال المشوّهين خلال العام الماضي) !<BR><BR>رابعاً: تؤكّد الأوساط الطبية، بأنّ وجود الأم العراقية في ظروف الحرب غير الملائمة، يسبّب لها القلق والخوف، ما يؤدي إلى زيادة إفراز مادة (الأدرينالين) من الغدة الكظرية (تقع فوق الكلية)، وذلك يسبّب انقباض الأوعية الدموية الخاصة بالرحم والجنين، وبالتالي سيؤدي إلى عواقب تنعكس على صحة الجنين وتكوينه الخَلْقي!..كما أنّ استنشاق الأم الحامل للهواء الملوث بغاز أول أكسيد الكربون والغازات الأخرى الناتجة عن الآبار النفطية المشتعلة بالقصف، أو الناجمة عن القنابل والصواريخ الحربية.. ستضر حتماً بصحة الأم والجنين معاً !<BR><BR>خامساً: (أخطار جسيمة لا نهاية لها): كذلك فإنّ استخدام (اليورانيوم المنضّب) يؤدي لإطلاق الإشعاعات الخطيرة التي تؤثر على الصبغيات (الكروموزومات) الحاملة للمادة الوراثية، بواسطة تشويه سلسلة الحمض النووي للأجنّة (DNA)، ما يؤدي إلى توقّف انقسام خلايا الجنين، ثم حدوث عيوبٍ خَلْقيةٍ وتشوهات، ليس في الجنين الحالي الموجود في الرحم وحسب، بل يتعداه إلى حالات الحمل المستقبلية لعشرات السنين (لأكثر من سبعين عاماً)! وذلك لأنّ البويضات المختَزَنة في مبيض المرأة تصبح مشوّهةً، فتؤدي إلى حملٍ شاذٍ.. فإجهاضٍ أو ولادة مولودٍ مشوَّه!.. والخطورة الكبرى التي ستواجه الشعب العراقيّ، هي أنّ النساء اللواتي سيلدن إناثاً بعد الحرب، قد ينتج عنهنّ (عن المواليد الإناث) بعد الزواج في المستقبل.. أطفال مشوّهون؛ ذلك لأن المبيضَيْن عند هؤلاء المواليد الإناث، قد اختزنا بويضاتٍ تعرّضت للإشعاع، وذلك أثناء وجودهنّ في أرحام أمهاتهنّ اللواتي استنشقن غبار قذائف اليورانيوم المنضّب! فمن الثابت طبياً أنّ الأنثى تكتمل أعضاؤها التناسلية بما في ذلك المبيض، بعد انتهاء الأشهر الخمسة الأولى من تكوينها في رحم أمها، وبذلك يكتمل المبيض مع كل بويضاته خلال تلك المدة من الحياة الرحمية، ولن يتم إنتاج غيرها في مستقبل الحياة، فإذا ما أصيبت هذه البويضات بالإشعاع خلال الحياة الرحمية، فإنها لدى خروجها من المبيض شهرياً بعد أن تكبر المولودة وتصل إلى مرحلة البلوغ والزواج في سن الخصوبة.. ستؤدي لدى الإلقاح إلى أجنّةٍ مشوّهة!.. وهذه الحقيقة العلمية هي التي تفسّر استمرار ظهور التشوّهات الخَلْقية في اليابان، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرنٍ على انتهاء الحرب العالمية الثانية ووقوع كارثة (هيروشيما وناغازاكي) النووية الإجرامية الأميركية ! <BR><BR><font color="#0000FF">الكوارث الصحية الناجمة عن الحصار الأميركي للعراق: </font><BR>لقد كان الحصار الظالم على شعب العراق، أحد الأسباب الرئيسة للكوارث الصحية التي طالت الإنسان العراقي بأطفاله ورجاله ونسائه، ويمكننا أن نوضح ذلك بالأمور التالية:<BR>أولاً: وفاة ما يقرب من مليون وربع المليون طفل خلال السنوات التسع الأولى من الحصار (من عام 1990م إلى عام 1999م)؛ وذلك بسبب الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والإسهالات والتهاب الأمعاء وسوء التغذية (للأطفال دون سن الخمس سنوات).. وأمراض القلب وضغط الدم والسكري وأمراض الجهاز البولي والكبد والأورام السرطانية (للأطفال فوق سن الخمس سنوات)!.. وقد ازدادت حالات الإصابة بسرطانات الدم في المحافظات الجنوبية بنسبة 39%!.. وبشكلٍ عامٍ ارتفعت حالات الإصابة بالسرطانات بمقدار عشرة أضعاف، أكرر: عشرة أضعاف!..<BR><BR>ثانياً: ازدادت نسبة الأمراض وحالات الوفاة بسبب قوانين الحصار، التي منعت استيراد معظم المواد الطبية أو الأجهزة المستخدمة في الحقل الطبي، كأجهزة القلب والرئة والأشعة، وحضانات الأطفال الخُدّج، وعربات الإسعاف، والكثير من الأدوية، مثل: المضادات الحيوية والمسكّنات وأدوية التخدير وبعض اللقاحات ومواد مختبرات التحليل ومحاليل الجفاف والأنسولين.. وحتى الحقن والقفازات الطبية!.. كما أن انقطاع الكهرباء المستمر والمتكرّر أثّر على الرعاية الصحية بشكلٍ عام، وعلى العمليات الجراحية بشكلٍ خاص !<BR><BR>ثالثاً: ازدياد أمراض سوء التغذية إلى أكثر من عشرين ضعفاً، بسبب نقص البروتينات والفيتامينات، وبلوغ نسبة وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية إلى أعلى نسبة في العالم !<BR><BR>رابعاً: ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الإنتانية عند الأطفال بشكلٍ خطير، فمثلاً ارتفعت نسبة الإصابة بالنكاف إلى أربعة أضعاف، وبالسعال الديكي إلى ثلاثة أضعاف، وبالحصبة إلى خمسة أضعاف، وبالتيفوئيد إلى عشرة أضعاف.. في حين بدأت تظهر أمراض أخرى كان العراق قد خلا منها تماماً منذ عام 1989م، مثل: ظهور ما يقرب من خمسين ألف إصابة بالجرب، وثلاثة آلاف إصابة بالكوليرا، وعشرين إصابة بشلل الأطفال، وذلك في عام 1998م !<BR><BR>لقد وصل التدهور الصحي في العراق إلى حدودٍ كارثيةٍ بكل ما تعنيه هذه العبارة من معنىً، بعد أن كان منارةً للرعاية الصحية والتقدم الطبي والتعليم الطبي أيضاً، علماً بأن العراق كان من أول الدول العربية والإسلامية التي أسّست لنظامٍ وطنيٍ صحيٍ وطبيٍ متميّزٍ ومتقدّمٍ جداً.. فأي جريمةٍ بشعةٍ ارتكبتها أميركة المجرمة بحق الشعب العراقيّ؟!.. وأية جريمةٍ تاريخيةٍ مخزية ارتكبها أدعياء حقوق الإنسان من حلفاء أميركة المجرمين، فضلاً عما يسمى بهيئة الأمم المتحدة والعالم الحرّ المجرم؟! إنها الجريمة التاريخية المستمرة التي تقترفها عصابة البيت الأبيض وأعوانها وحلفاؤها المتناثرون في هذا العالَم، فضلاً عن الأنظمة العربية المتواطئة على العراق وشعبه وحضارته ومستقبله، والإمّعات مما يسمى بمجلس الحكم، فهل سينسى التاريخ هؤلاء جميعاً، وهل سينسى شعب العراق هذه الجرائم البشعة وهؤلاء المجرمين الأنذال؟!<BR><br>