حملة مقاومة التنصير في الصومال... الجهود والنتائج
24 ربيع الأول 1425

سبق أن أشرنا في مقال سابق نشره موقع المسلم إلى جهود أولية ينظمها العلماء والدعاة في الصومال لمقاومة الهجمة التنصيرية الشرسة التي تعرضت لها البلاد منذ إخلائها من الهيئات الخيرية الإسلامية، وأشرنا في ذلك المقال إلى أن تاريخ التنصير في الصومال منذ وصول طلائعه وإلى الآن يتراوح بين هجوم خفي أو علني من قبل المنظمات التنصيرية يقابل من قبل الصوماليين برد حاسم يكون في كثير من الأحيان استهداف المنصرين وتصفيتهم؛ لأن الوقاية خير من العلاج، وتلك سنة ماضية درج عليها الدعاة والمصلحون في الصومال.<BR>وفي هذا المقال نتناول الجهود التي بذلها الدعاة والعلماء للتصدي للحملة التنصيرية التي قامت بها بعض منظمات التنصير في بداية إبريل الماضي، كما سنتناول النتائج والآثار التي ترتبت على ذلك.<BR>تسربت أنباء توزيع مواد- تحتوي على شعارات نصرانية بالإضافة إلى مقتطفات من قصص الأناجيل المحرفة على طلبة المدارس في مدينة مركا- إلى الدعاة في مقديشو، وكان وقع النبأ كالصاعقة، ولم يكد كثيرون يصدقون بما يسمعون رغم عدالة الرواة، فما كان من رابطة علماء الصومال – وهي مظلة جامعة لفصائل العمل الإسلامي في الصومال بما في ذلك التيار الصوفي – إلا أن هرعت إلى التأكد من صحة الخبر والبحث عن المواد التنصيرية التي وزعت على الأطفال، وتمكنت على الفور من القبض على عينات، منها: أناجيل محرفة، وصلبان، وشعارات نصرانية، وبعد مشاورات بينية عقدت الرابطة في مقرها في مقديشو مؤتمراً صحفياً حضره الإعلام المحلي بمقروئه ومسموعه ومرئيه، بالإضافة إلى القسم الصومالي من إذاعة الـ(BBC)، ووزعت الرابطة في هذا المؤتمر بياناً أعربت فيه عن رفضها للممارسات التنصيرية، كما دعا البيان إلى إيقافها على الفور، وأشار إلى أن عدم الاستجابة لهذا الأمر سيؤدي إلى عواقب وخيمة، ودعا البيان الشعب الصومالي إلى التصدي لهذا العدوان، وفي قاعة المؤتمر عرضت الرابطة نماذج من المواد التنصيرية التي وزعتها المنظمات التنصيرية، ثم دعت إلى اجتماع جماهيري في ميدان الـ( تربون) الشهير وسط مقديشو في 21/4/2004م، وفي صبيحة ذلك اليوم تدفقت على الميدان جموع غفيرة قدرت بعشرة آلاف تقريباً استجابة لنداء الرابطة، وتحدث في هذا الاجتماع الجماهيري ثلة من العلماء والدعاة منهم (نائب رئيس الرابطة) الشيخ نور بارود، والشيخ نور معلم عبد الرحمن، والشيخ محمود شيخ إبراهيم، والشيخ محمود شيخ أحمد- أبو شيبة في آخرين، وأكدوا على خطورة ما تمارسه المنظمات التنصيرية في الصومال تحت غطاء الإغاثة والتنمية، لاسيما بعد منع الجمعيات الخيرية من العمل في الصومال، وأشاروا إلى أن إخلاء البلد من المنظمات الإسلامية لم يكن إلا لتهيئة الأجواء لهيئات التنصير؛ لتعيث في الأرض فساداً، وأسهب العلماء في بيان أحكام الردة والمرتدين والمنصرين،وبينوا حرمة بيع هذه المواد التنصيرية، ودعوا إلى قطع الطريق على المنظمات التنصيرية، وذلك بالسعي إلى تغطية الاحتياجات الداخلية للشعب الصومالي عن طريق تفعيل التكافل الاجتماعي وإعانة المرضى والمحتاجين؛ لئلا يستغلوا من قبل التنصير، وخلصوا إلى القول: بأن المواد التنصيرية التي وزعتها المنظمات المتسترة بالإغاثة يجب إحراقها أسوة بسلفنا الصالح، قال الله - تعالى - على لسان موسى: "وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً" (طـه: من الآية97)، وأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه إلى إحراق الأصنام التي كانت تعبد من دون الله، وبالفعل أضرمت النيران في المواد التي حصلت عليها الرابطة على رؤوس الأشهاد، وتعالت أصوات التكبير عندما التهمت ألسنة اللهب العلب الكرتونية التي وزعها المنصرون.<BR>وشارك في الاجتماع مندوبون عن المحاكم الشرعية في مقديشو، وتحدثوا بدورهم عن خطورة الاستفزازات التنصيرية وضرورة التصدي لها، وأكد الناطق بلسانهم على أن المحاكم الشرعية سوف تعنى بمقاومة القرصنة الدينية- يعني التنصير الذي تقوم به المنظمات التنصيرية، ودعاها إلى الرحيل عن البلاد قبل أن تتعرض لما لا يحمد عقباه.<BR>وشارك في الاجتماع مجموعة من شيوخ القبائل وأعربوا عن استيائهم الشديد لما يلقاه شعبهم من هجمات تنصيرية تستغل عوزهم وحاجتهم، كما أكدوا على مساندتهم للعلماء والدعاة في مواجهة التنصير ومقاومته، وأعطوا على ذلك عهودهم ومواثيقهم.<BR>كما شارك في الاجتماع كوكبة من الشعراء من بينهم الشاعر الإسلامي المعروف أبشر بعدلى، وحركوا بقريضهم مشاعر الجماهير الملتهبة أصلاً لمقاومة التنصير ومحاربته.<BR>وتجدر الإشارة إلى أن وقائع الاجتماع كانت تنقل على الهواء مباشرة عبر الإذاعات المحلية، كما تجدر الإشارة إلى أن هذا الاجتماع كان قضية الساعة التي يغطيها الإعلام المحلي في برامج خاصة وحوارات ومقالات وتقارير إخبارية، وكان ذلك بالتزامن مع حملة مماثلة قام بها الدعاة عبر مواقع الإنترنت، بالإضافة إلى سلسلة من المحاضرات والندوات والخطب عالجت هذا الموضوع، لتعبئة الرأي العام وتطعيمه ضد التنصير ومنظماته.<BR>وتفاعلاً مع ما جرى في مقديشو قام الدعاة في مدينة مركا وضواحيها بجهود مكثفة أسفرت في النهاية عن إحراق كثير من المواد التي وزعت على الطلاب في المدينة حتى وإن لم يكن عليها شعارات نصرانية، كما أصدر العلماء في مدينة كسمايو- كبرى مدن الجنوب بعد مقديشو- بياناً نددوا فيه بأنشطة المنصرين وحذروهم فيه من مغبة التعرض لعقيدة الأمة وثوابتها.<BR>فما كان من الهيئات التنصيرية- كعادتها- إلا أن لاذت بالفرار أو الاختفاء، وخلت مدينة مركا التي كان يعمل فيها 38 منظمة تنصيرية وتغريبية من الأجانب عدا كبيرة منظمة swiss church التي آثرت الاختفاء في بيتها وسط حراسة مشددة خوفاً من القتل.<BR>وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن التنصير في الصومال ما هو إلا "كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ" (إبراهيم: من الآية26) وليس له في المجتمع أي سند وإن كان أوهى من بيت العنكبوت، ومقاومته لا تحتاج إلى كبير عناء بقدر ما تحتاج إلى عمل منظم دؤوب يترصد أعماله ويتعقب إفساده ويكشف عواره، بالإضافة إلى السعي إلى ملء الفراغ الذي تستغله هيئات التنصير، وذلك بإنشاء هيئات إسلامية محلية لمساعدة المحتاجين والمرضى وإغاثة المتضررين، ولا سيما وأن الجهود المحلية التي بذلت في كفالة الأيتام الذين تركتهم مؤسسة الحرمين الخيرية بعد منعها من العمل في الصومال أثمرت نتائج مشجعة، حيث تم إلى الآن كفالة 920 يتيماً بعد أن انتصب لهذا الأمر لجنة من الدعاة ورجال الأعمال والأعيان، ولقي هذا المشروع ترحيباً جماهيرياً واسع النطاق وهو إلى الآن في بدايته، وهو مرشح لتولي ملف الأيتام في الصومال وتوفير دعم محلي له حتى لا تتكرر المأساة التي تعرض لها الأيتام عندما توقف عنهم دعم مؤسسة الحرمين.<BR>وفي سياق محاربة التنصير طرح العلماء والدعاة وسائل وأساليب كفيلة- بإذن الله - لرد عادية التنصير، وكان منها:<BR>1- طرد المنظمات التنصيرية من البلد، وإنشاء بديل إسلامي محلي، والسعي إلى إعادة الجمعيات الخيرية الإسلامية إلى أعمالها التي منعت منها في الصومال، وأن تأخذ الحكومات الإسلامية دورها في ذلك.<BR>2- نشر ثقافة التعاون على الخير ومساعدة المحتاجين في أوساط المجتمع <BR>3- تكثيف الجهود الدعوية وتوعية المجتمع بخطورة التنصير ووسائله.<BR>4- افتتاح معاهد شرعية، وإقامة دورات صيفية وأخرى شرعية للفئات الأكثر استهدافاً من قبل التنصير، وهي الشباب والنساء.<BR>5- الإفادة من وسائل الإعلام المحلية في مواجهة التنصير وفضح أساليبه. <BR>6- تطبيق حكم الله على المنصرين والمرتدين.<BR>7- إنشاء هيئة شعبية لمحاربة التنصير ومكافحة المنكرات في مقديشو على غرار الهيئات العاملة في شمال البلاد وشرقها، وتجري حاليا لقاءات ومشاورات بين رابطة العلماء وشيوخ القبائل ورجال الأعمال والمحاكم الشرعية في هذا الخصوص، ويتوقع أن ترى النور قريباً - بإذن الله-.<BR>وعلى صعيد متصل دأبت بعض وسائل الإعلام الغربي أن تدعي أن نسبة المسلمين في الصومال هي 98% في إشارة منها إلى وجود أقلية نصرانية، وهذا ما يكذبه الواقع بحيث لا يوجد في الصومال الكبير بأسره من هو معلوم بالارتداد باستثناء أفراد هربوا بجلودهم إلى الخارج، وهذا ما شهدت به منظمات التنصير، وجاء في تقرير نشره موقع matharjones.com عن التنصير الخفي "أن المتنصرين في أحد مجتمعات شرق أفريقيا – يعني الصومال – إما أنهم قتلوا أو يعيشون في مخيمات اللاجئين في دول الجوار أو انهم استوطنوا البلاد الغربية" ولا يليق بوسائل الإعلام الإسلامية أن ينطلي عليها أكاذيب المنصرين.<BR><br>