التنصير في الصومال
15 ربيع الأول 1425

كان الصومال – وسيكون بإذن الله – عصياً على هيئات التنصير ومنظماته، منذ أن وطئت أقدامها أرض الصومال في عام 1889م، ولم يحصد المنصرون الجهود التي بذلوها منذ ذلك الوقت وأنفقوا فيها كل غال وثمين سوى الشوك والعلقم، وكان قساوسة التنصير ورجالاته أول من نهشتهم سهام التصدي للتنصير، ففي عام 1961م بقر الشيخ ياسين عبد أحمد بطن مارلين جروف الكندي في الفصل الذي كان يلقي فيه الدرس ومضى الشيخ ياسين - رحمه الله - لسبيله وتوفي عام 1972م وكان الأزهر قد أصدر فتوى في حينه ببراءة ذمة الشيخ وكذلك كل من قتل منصراً، وكذلك هشم الرصاص رأس القس سلفتوى كلمبو الإيطالي في مقديشو عام 1989م بعد أن قضى في الصومال 41 عاماً تعاطى فيها كل حيلة وجرب خلالها كل وسيلة أمكنته، ومن قبل كانت حركة الدراويش بقيادة السيد محمد عبدالله حسن قد ثارت في وجه الإنكليز فاضطرت إدارة الاحتلال إلى طرد منظمات التنصير بقرار رسمي في عام 1912م بعد أن أيقنت بأنه لا جدوى من بقائها، وأنها تشكل استفزازاً للمجتمع الصومالي المسلم لا يمكن احتماله.<BR><BR>وكان الدعاة والعلماء هم السد المنيع أمام هجمات التنصير وحملاته، ولم تكن جهودهم تقتصر على الرد بالقول واللسان، بل كانت في كثير من الأحيان بالسيف والسنان، ولم يختلف اثنان منهم بوجوب قتل من علم ارتداده، بل إن هذا الأمر كان وإلى الآن محل إجماع صومالي، ولم ينتطح عنزان قط على من قتل متلبساً بالتنصير أو عرف بالردة، ولذلك لم يخل دستور صومالي على مدى الحكومات التي تعاقبت على السلطة في الصومال من بند ينص على المنع من نشر أي دين غير الإسلام في الصومال، ثم لما انهار النظام وزالت الحكومة في عام 1991م تدفقت هيئات التنصير على الصومال بأسماء وواجهات مختلفة، وسبقت في ذلك الهيئات الإسلامية وكان قدومها مبكراً ظناً منها بأن عقيدة أهل البلد باتت كلأً مباحاً كما سيادته وحدوده وأراضيه، فارتطمت بإرادات فولاذية لا ترضى بدينها بدلاً ولا تبغي عنه حولاً، ولا يزعزعها فتات تستدرج به لتكفر بالله، فتعرض أذناب التنصير لما تعرض له أوائلهم من ملاحقة وتصفية، فضلاً عن رد وكشف ما يبيتونه في الخفاء، ولما دخلت المنظمات الخيرية الإسلامية في البلد بدافع إسلامي قبل أن يكون إنسانياً رحب بها أهل الصومال وتقبلوا المعونة باليد والدعوة والنصيحة بالقلب، فثارت بذلك ثائرة المنظمات التنصيرية وألبت على المنظمات الإسلامية واستعدت عليها أمريكا وأعوانها من دول الغرب النصرانية، ليخلو لها الجو ولتكون البديل الاضطراري الذي لا غنى عنه لشعب منكوب ظل تأكله الفوضى أكلاً منذ أكثر من 13 عاما فبدأت التتصنيفات الجائرة للهيئات الإسلامية في لائحات الإرهاب الغربية، بل لم يقف الأمر عند حد التصنيف، ومنعت منظمات إسلامية من مزاولة أعمالها الدعوية والإغاثية في الصومال، وآخرها مؤسسة الحرمين الخيرية التي كانت تقوم بكفالة ما يزيد على 2600 يتيم أخليت منهم مراكزهم بعد أن توقف عنهم دعم المؤسسة، وفي هذا الوقت الذي يضيق فيه على المنظمات الإسلامية وتمنع من العمل في البلد صعدت المنظمات التنصيرية من أعمالها وأنشطتها مستغلة فراغ الساحة، لتحل محل الهيئات الإسلامية التي منعت من أعمالها ولتستولي على المدارس والمراكز التي توقف عنها الدعم، فعلى سبيل المثال فرضت إحدى المنظمات التنصيرية على أهل قرية دار السلام جنوب غرب مقديشو على نزع النقاب من الفتيات الدارسات في مدرسة القرية لقاء دعم المدرسة مالياً.<BR><BR>وفي سابقة خطيرة ولأول مرة في تاريخ الصومال أفرغت منظمة كنسية هي (Swiss church) حمولة تزن الأطنان في مدينة مركا – جنوب غرب مقديشو على بعد 100 كم تقريباً – وهي عبارة عن علب كرتونية تحتوي على لعب أطفال وميداليات مفاتيح عليها صلبان، بالإضافة إلى نسخ من قصص الأناجيل المحرفة، وكذلك بطاقات تهاني تحمل أسماء العائلات المهدية وعناوينها، ودعوة صريحة إلى الارتداد والتنصر، ووزعت هذه المواد السامة على طلبة المدارس في مركا في 1/4/2004م على أنها هدايا قيمة، وهذا التوزيع العلني للأناجيل المحرفة والصلبان هو ما لم يحلم به التنصير في الصومال قط.<BR><BR>بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيمر هذا الاعتداء السافر على عقيدة الأمة ودينها دون رد مناسب أو ردع ملائم؟ أم إنه لن يعدم قائماً لله بالحجة يحمل راية المقاومة ويتقدم الجماهير التي لم يؤخذ عليها من قبل التخاذل عن داعية الإيمان والتصدي للتنصير وهجماته؟ هذا الأخير هو ما ننتظره من دعاة هذا العصر وعلمائه أسوة بمن سبقهم من دعاة الصومال وعلمائه.<BR><BR>وتجدر الإشارة إلى أن هناك جهوداً أولية ينظمها بعض الدعاة الغيورين للرد على هذا العدوان، ومن المقرر أن يشهد هذا الأسبوع والذي يليه حملات واسعة النطاق لتعبئة الجماهير وحشد طاقاتها لدحر التنصير ومنظماته من البلد انتصاراً لدين الله واستجابة للتحدي.<BR><br>