الجماعات اليهودية المسيحية في أوروبا
9 ربيع الأول 1425

في أوروبا تزيد الجماعات الدينية الطائفية على الثلاثمئة، ويستحيل الإحاطة بهذه الجماعات في كتاب أو مقال مطول، إنما ذلك عمل يصلح لتؤلف حوله موسوعة خاصة يتعاون عليها جماعة من الخبراء والمهتمين. يمكن الاقتصار على أهم الجماعات، لكن ضمن تصنيف ثنائي يقسم الظاهرة المدروسة إلى قسمين كبيرين: الجماعات المنحدرة من الجذع اليهودي المسيحي، والجماعات المستوردة من الشرق الغنوصي الآسيوي. <BR>الجماعات الأولى أيضاً يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أقسام: الألفيون، وحركات اليقظة، والمجموعات العلاجية.<BR><BR><font color="#0000FF"> 1- الألفيون: </font><BR>هي جماعات تؤمن بنهاية العالم القائم وبداية عالم جديد من يمتد ألف عام تكون هي أسعد الأيام في حياة البشر، وبعدما يأتي يوم القيامة، ولذلك أطلق عليهم لقب الألفيون؛ لقولهم بالألفية السعيدة وهم يجعلون "الإنجيل" كتابهم المعتمد ويفسرونه تفسيراً حرفياً ظاهرياً، خاصة كتاب القيامة الذي يتنبأ بقدوم المسيح المخلص الذي يملأ الدنيا عدلاً بعد أن ملئت جوراً، وليؤسس مملكة عالمية جديدة، ووجدت هذه الأقوال صداها خاصة في زمن كثرت فيه الكوارث البيئية الطبيعية والبيئية التي أحدثها التدخل الإنساني في النظام العام للكرة الأرضية، مثل: كوارث بوبال في الهند، وتشيرنوبيل في الاتحاد السوفييتي، وثقب الأزون، وانقراض حيوانات وكائنات ونباتات، وتلوث مياه، وحروباً تستعمل فيها الأسلحة البيولوجية والنووية المحرمة بالقانون الدولي...، ويصاحب ذلك زلزال اجتماعي انعدم فيه الأمن وكثرت فيه الجرائم والتنظيمات الدولية الخطيرة المتخصصة في القتل والسرقة والمتاجرة في الجنس البشري، وغيرها، وعندما تتعزز هذه المعطيات والوقائع بالاستبداد السياسي والاقتصادي الدولي وتجديد أساليب الهيمنة والاستعمار من لدن الدول الصناعية الكبرى في حق دول العالم الثالث، مع ارتفاع نسب البطالة في العالم، يصبح سهلاً على النفوس أن تتقبل أن الحل الأمثل للخروج من هذه الأوضاع لن يكون إلا بانقلاب تام وقريب متبوع بتحرير شامل ينجزه مخلص سماوي وإلهي، وهذا ما يفسر النجاح المتزايد -في القارات الخمس- لنبوءة جماعة شهود يهوه التي تعلن حتمية قيام معركة هارمجدون المتبوعة بمملكة ثيوقراطية ليهوه، كما يفسر ذلك توسع بعض الجماعات الألفية قبيل الألفية الثالثة.<BR>في القرون الميلادية الوسطى كانت بعض المجموعات الدينية تؤمن بالألفية السعيدة، حيث تطلعت إلى من يخلص الجماهير المسحوقة من لدن كبار الإقطاعيين ويحسن لها وضعيتها، وفي البلدان المستعمرة بالمناطق الأفريقية السوداء غيرت مجموعات دينية لون المسيح المخلص من الأبيض إلى الأسود ليكون مررا لإخوته المقهورين، وفي عصرنا اعتنقت الفكرة مجموعات مقهورة اجتماعيا ونفسياً.<BR>واستمدت الجماعات المعنية فكرة الألفية والانقلاب الكوني والسياسي من مقاطع الإنجيل خاصة كتب دانييل وكتاب سفر الرؤيا، وهي الكتب التي تتردد في الأذهان عند كل أزمة كبيرة واضطراب عظيم وسط المسيحيين، ووفرت للمجموعات الدينية الحجج لتحديد تاريخ نهاية العالم وعودة المسيح والقضاء على الأشرار والعيش السعيد مدة ألف عام متواصلة. اليوم تتجسد هذه المجموعات في "كنيسة الرب الكونية"، و جماعات "عشاء الرب"، وجماعة "ماهيكاري" اليابانية، وعدد من المجموعات الإنجيلية الصغيرة والمتطرفة، وهذه الإعلانات تغذي الخيال وتوقظ في كل فرد أسطورة "الفردوس المفقود".<BR>ونختار نموذجين اثنين من هذه المجموعات الدينية: الأولى جماعة "شهود يهوه"، والثانية جماعات العهد الجديد.<BR><BR><font color="#0000FF"> - "شهود يهوه": تنظيم دولي محكم ونشاط دائب: </font><BR>هذه جماعة نموذجية للجماعات المنحدرة من الجذع المسيحي اليهودي، وطريقتهم الملحة في الدعوة والانتشار بطرق الأبواب والزيارات المتكررة والمواجهة المباشرة في الطرقات والساحات أصبحت مألوفة معروفة لدى الجميع في الدول الغربية والدول المسيحية في كل بقاع العالم.<BR>والجماعة من الناحية العقائدية أقرب ما تكون إلى اليهودية منها إلى المسيحية خاصة في تصورها للذات الإلهية(العهد القديم)، وتعد في ذات الوقت جماعة "أصولية" بسبب قراءتها الحرفية للإنجيل.<BR>تأسست منذ 1874م بالولايات المتحدة على يد شارلز تيز راسل(1852-1916م) الذي تقلب في جماعات ومذاهب مسيحية في ولاية بنسيلفانيا، وهو رجل أعمال أمريكي تفرغ للدعاية لأفكاره وعقائده بعد أن تخلى عن كل التزام ديني، اعتقد أن عودة المسيح قد أوشكت وأنه إن كانت لا تراه عيون كافة الناس، فإن أعين المؤمنين تستطيع رؤيته خاصة راسل، ومن ثم سارع إلى الإعلان عن ذلك، وابتداء من سنة 1879-1880م أنشأ مجموعات رهبانية تحت اسم "دارسو الإنجيل" (تحولت في 1931م إلى شهود يهوه) بعد موته، خلفه كل من ج.ف.رادرفورد (1869-1942م) ون.ه.كنورت (1905-1977م) وف.و.فرانز الرئيس الحالي.<BR>للجماعة هدف واحد هو ترويج المذهب عن طريق المطبوعات والمنشورات والزيارات المنزلية، وبسبب ذلك تعرف الجماعة تزايداً في أعضائها، إذ كل عضو فيها يعد مبشراً وداعياً. في سنة 1992م كان عدد الأعضاء 4 472787 عضو، وأكثر من 11 مليون متعاطف: أي عضو لكل 475 نسمة بفرنسا، وواحد لكل 375 نسمة ببلجيكا، وواحد لكل 297 نسمة بإيطاليا، وواحد لكل257 بكندا... نسبة النمو على الصعيد العالمي هي +5.4 بالمئة (في فرنسا + 2.1 بالمئة).<BR>تعتقد الجماعة بأن على كل راغب في أن يكون من أعضائها أن يؤمن بكل الحقائق الإنجيلية، وتعتقد الجماعة أن أكبر قضية تطرح على البشرية هي مشروعية هيمنة "يهوه"، وبسبب هذه القضية سمح يهوه بوجود الشر، والمسيح له وجود سابق على الإنسان، وهو مسبوق بأبيه السماوي، واليوم يوجد "عبد مخلص ومتبصر" على وجه الأرض "عهدت إليه كل المصالح الدنيوية للمسيح"، وهذا العبد يجسده حالياً المقر المركزي لجماعة شهود "يهوه". وحدهم المسيحيون المختارون هم الذين سيتلقون الجزاء العلوي، ولن يتجاوز عددهم144000، أما "هارمجدون" -معركة اليوم العظيم للرب- فقد اقتربت، وهي معركة ستتبعها مملكة المسيح الألفية التي ستجعل من هذا العالم جنة أرضية، ولسوف يكون أول داخل إليها أعضاء "الحشد الكبير" من دون "أنعام المسيح الأخرى".<BR>ومن عقائد الجماعة توحيد الرب، والاجتهاد المتواصل لتجديد هذا التوحيد بعد أن شابه الشرك في الأيام القرون الثلاثة الأولى لظهور المسيح، ورد الاعتبار للاسم الحقيقي له، ألا وهو "يهوه".<BR>والجماعة محكمة التنظيم دائبة النشاط: يوجد مقرها المركزي "برج الحراسة" في بروكلاين بالولايات المتحدة الأمريكية، ويصل عدد الأعضاء به إلى 200 عضو يجتمعون في ّقاعة المملكة"، و"مملكة الرب" تهدف إلى تهيئة المجال للأيام السعيدة القادمة للإنسانية، وقد شرعت في ممارسة حكمها منذ 1914م في الوقت الذي توج فيه المسيح في السماء).<BR>بعد المركز تأتي "الدائرة"، وهي الوحدة الإدارية التي تشرف على 20 تجمعاً، وكل عضو تم تعميده يشارك كل أسبوع -فضلاً عن التجمعات والدراسات الشخصية- في ثلاثة اجتماعات، حيث ينبغي عليه أن يخصص 10 ساعات كل شهر على الأقل للدعوة في البيوت. الرائد العادي واعظ يشتغل 100 ساعة في الشهر(يسير 7 جلسات دراسية حول الإنجيل، ويقوم ب35 زيارة جديدة طيلة المدة)، والأنشطة كلها تحصى في تقرير خاص بها، وعلى كل عضو أن يقدم تقريره الشخصي، وترفع التقارير إلى المصالح المركزية المختصة التي تقوم بإعداد النشرة ومراقبة السير العام.<BR>ويذهب بعض المحللين الاجتماعيين إلى أن الجماعة حركة احتجاجية ضد النظام القائم بناء على رفضها أداء الخدمة العسكرية والمدنية التبرع بالدم كما ترفض نظرية التطور الداروينية، وبهذه المواقف تدفع الجماعة السلطات إلى اتخاذ مواقف قمعية في حقها ليظهر الطابع العسكري لبعض الأنظمة، كما "ينكرون النظام الاجتماعي القائم عن طريق تقديم بديل مثالي يضاعف نقائص الأول بالمقارنة"، وفي هذه النقطة يلتقون مع الحركة المناهضة للثقافة القائمة التي اشتهرت في سنوات 1960-1970م.<BR>ويعد رفض العالم القائم وانتظار زواله يوم يأتي المسيح وانقلاب أوضاعه، حيث يصبح المحرومون هم المختارون وجهاً آخر من وجوه الاحتجاج لدى هذه النحلة، أيضاً يصر العضو على الالتزام العملي الحرفي بالتعاليم، وتتحول حياته اليومية إلى نموذج مضاد للحياة الشائعة، فأن تكون عضواً في الجماعة معناه أن تلتزم بمنهج حياة جديد، وبهذه الطريقة تتحكم الجماعة في أعضائها وتدفعهم إلى التوسع في الدعوة والنشاط يومياً، ولا يوجد في حياة العضو مشاعر دينية وجدانية أو درجات في النمو النفسي والفكري. أهم ما تركز عليه الجماعة هو التوسع والاستقطاب المتجسد في أرقام ومعطيات إحصائية.<BR><BR><font color="#0000FF"> حركات "العهد الجديد": عام2000 و"برج الدلو": </font><BR>يتميز موضوع العهد الجديد (المستوحى من الثقافة الأنجلوساكسونية) بالاقتناع بأن الإنسانية أوشكت على الدخول في مطلع العصر الفلكي المسمى "القوس"، حيث يتجدد الوعي الروحي العالم والانسجام والنور والتحولات النفسية العميقة. عصر سيشهد عودة ثانية للمسيح بدأت "معالمها" في الظهور بين الناس. <BR>ويعتقد أصحاب هذا المذهب أن الكون خاضع لتغيرات كبرى عند مطلع كل ألفية وفق قانون قاهر لا يمكن الفرار منه، وأن الألفية الثالثة هي حافلة بالانعطاف الجماعي الدولي نحو التدين والروحانيات، بحيث تتجسد الإرادة العليا في الأجسام البشرية دون إرادة أو شعور، وهذا التوجه لا يزال في بدايته ويتوسع هو الآخر شيئاً فشيئاً ليضم بين طياته عدداً من الجماعات المتشابهة، ومن مراجعه ه.ب. بلافاتسكي، وأليس بايلي، وغودجيف، ور.شتاينير، ور.غينون، وأوروبيندو، وتيلار دوكاردان.<BR>الكلمات والمصطلحات المتداولة داخل هذه الأوساط تحمل دلالات رمزية تستخدم بمثابة كلمات السر بين "المؤمنين"، مثل: الانسجام والوحدة والحب والنور والذبذبات والوعي بالذات والتصوف وتلقين المعرفة وولادة المتحولين وظهور المغامرين الروحانيين الجدد وانبعاث الكائنات الناجية من الانقلاب الكوني الوشيك...<BR>المجموعات المنتمية إلى هذا المذهب كثيرة جدا ومتنوعة، لكنها كلها تقترح طرقاً روحية ليصبح العضو "كائناً متحققاً" (أو مسيحاً). والعبور من مجموعة إلى أخرى سهل جداً ومتداول: مجموعات غربية خالصة، مثل: "الصليب الوردي"، "الأخوة العالمية البيضاء"،"غرآل"، و"أركان"، ومجموعات تستورد التجربة الآسيوية البوذية والهندوسية، مثل: "راجا يوغا"، و"التأمل المتصاعد".. ومجموعات تطوير الطاقة الكامنة في الإنسان، أو علاجه، ومجموعات الكائنات الفضائية...<BR>طموح هذه المجموعات يتركز في اقتراح ديانة عالمية تعلو وتسود في "برج الدلو"الألفية الثالثة مثلما سادت الديانة البابلية "برج الثور"، والديانة الموسوية "برج الحمل"، والديانة المسيحية "برج الحوت"، وحتى يحدث ذلك سريعاً، يستعجل هؤلاء اندثار المسيحية الحالية، وسيكون العصر الجديد عصر "إنجيل جان" بعد أن ساد "إنجيل بيير"، عصر المسيح الغنوصي الخفي، بعد مسيح الكنيسة الظاهر، وبما أن عودة المسيح الجديد قد أوشكت، في زعمهم، فإن كل واحد مدعو إلى تحقيق المسيح الذاتي الباطني، ولهذا السبب يدعي كثير منهم أنه المسيح المنتظر في العصر الجديد.<BR>بالإضافة إلى المجموعات المذكورة سلفاً، تزخر الخريطة الدينية بمجموعات أخرى، مثل: "منتظرو اليوم السابع" وهي جماعة أصولية حرفية تعتقد أن المسيح المنتظر أوشك على الظهور، وتحرص كثيراً على التطهر من أجل لقاء رفيع معه، وهناك "أصدقاء الإنسان" المنحدرون من طائفة "شهود يهوه" والذين زعموا أنهم تلقوا رسالة يعلمونها للناس، وهي معرفة الحياة الخالدة على وجه الأرض؛لأنهم يعتقدون أن الجنة ليست في السماء، ولكنها في الأرض الحالية، وأن مهمتهم بناؤها ودعوة الناس إليها، وهناك شيعة "صليب دوزولي الممجد" التي تزعم أنها تلقت رسالة عام 1972م من أم لخمسة أطفال بمنطقة كالفادوس تعلن قرب عودة المسيح ممجداً معززاً مكرماً بعد اضطرابات كونية كبيرة، وهناك "كنيسة الرب الكونية" الأمريكية القريبة من شهود يهوه، وهي معروفة ببرنامجها الإذاعي "العالم القادم"، ومجلتها المجانية "الحقيقة الخالصة" (8 مليون مشترك)، وهناك شيعة "المورمون" (أو كنيسة المسيح لقديسي الأيام الأخيرة)، وأسسها شاب مراهق أمريكي جوزيف سميث سنة 1830م، زعم أنه تلقى زيارة من ملائكة دلته على كتاب غريب يروي قصة تاريخ شعب الله بأمريكا، حيث ظهر المسيح أول مرة: "كتاب المورمون"، والأعضاء يحترمون التقاليد العائلية والأخلاقية والغذائية احتراماً حرفياً، وينشطون في الداعية لمبادئهم عبر العالم، إذ يقدر عدد المنخرطين ب 8120000 ، وبذلك تحتل هذه الشيعة المركز الرابع في ترتيب كنائس الولايات المتحدة.<BR><br>