التدين داخل الجامعات الأمريكية بالدول الإسلامية
5 ربيع الأول 1425

من طرائف الهجمة الأمريكية على العالم العربي والإسلامي، والسعي لتغيير مناهجه الدينية لتصبح مائعة عقب تفجيرات 11 سبتمبر، أن السلاح الرئيس القديم في هذه المعركة – وهو الجامعات والمدارس الأمريكية في الدول الإسلامية – بدأ يرتد إلى نحور الخبثاء والمتآمرين وينقلب السحر على الساحر، ويتحول أبناء وبنات هذه الجامعات والمدارس الآن تدريجياً إلى التدين رغم أن هدف مؤسسات التعليم الأجنبي هذه في العالم العربي هو صناعة نخب مثقفة عربية تقود التغريب في المنطقة !!<BR>ومن طرائف هذه الحملة أنه بينما تحذر واشنطن من أن الخطر أو ما يسمونه "الإرهاب" نابع من المعاهد والجامعات الإسلامية في مصر والسعودية وباكستان وغيرها، وتسعي للتدخل في مناهجها بالحذف والتعديل، جاءهم الخطر – إذا جاز التعبير – من عقر دارهم ومن جامعاتهم الأمريكية التي أنشؤوها لتشوية عقول طلابها المسلمين، فإذا مديروها الأمريكان يحذرون من انتشار ما يسمونه "الأصولية" فيها وانتشار الحجاب بل والنقاب !؟<BR>فبعد 85 عاماً من إنشاء الجامعة الأمريكية بالقاهرة على يد أحد المبشرين، خرجت للمرة الأولى تصريحات من رئيس الجامعة الحالي يعرب فيها عن حالة من القلق تنتاب إدارة الجامعة بسبب نزوع نسبة كبيرة من الطلاب باستمرار نحو التدين، واتخاذ مظاهر دينية، مثل: لبس الحجاب، وإطلاق اللحى، ويقول: إن إدارة الجامعة تسعي لدراسة هذه الظاهرة والتعامل معها، وتصر على رفض مطالب الطلبة المتزايدة ببناء مسجد كبير لهم في الجامعة بدعوى الخشية من تفشي "الأصولية" داخل الجامعة !<BR>حيث أكد رئيس الجامعة ديفيد ارنولد في تصريحات لصحيفة الأهرام يوم 16 مارس 2004م أنه فوجئ بمطالب الطلاب الدينية، ووصف مطالبهم ببناء مسجد في الجامعة بأنه " ظاهرة غريبة" لم تحدث منذ بناء الجامعة عام 1919م، وقال: "إنه مازال يحاول تفهم الأسباب الداعية إلى مثل هذه التحركات "!.<BR>وفي تبريره لرفض بناء مسجد للطلبة، قال ارنولد: إن المسلم يمكنه أن يصلي في أي مكان أو يذهب للصلاة في أي مسجد، لكننا لن نقبل بناء مسجد في حرم الجامعة الأمريكية، بل وهدد بأن على الطلبة الامتثال لرفض الجامعة بناء مسجد؛ لأنهم يأتون من أجل التعليم وليس الدين، مشيراً إلى أن هناك جامعات أخرى تقدم علوماً دينية والجامعة الأمريكية ليست جامعة دينية ".<BR>وكانت قد تفجرت منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي أزمة لبس الحجاب ثم النقاب في الجامعة الأمريكية بالقاهرة مع تزايد ظاهرة التدين بين طلاب الجامعة، حيث انتشر الحجاب في البداية – كما تقول الطالبة السابقة بالجامعة شيرين فهمي – مع أحداث البوسنة والزلزال في مصر (1992م)، وبلغت نسبة المحجبات حوالي 10% من الطالبات، ثم بدأت النسبة في التزايد حتى بلغت حالياً قرابة 40% من الطالبات.<BR>كذلك بدأت بعض الطالبات في لبس النقاب، وبلغ عدد الطالبات المنتقبات قرابة ثمان، بيد أن إدارة الجامعة تدخلت لمنع هذا النقاب ومنعت الدخول به للجامعة، كما منعت وضع الطالبات ورقة على الجزء السفلي من وجوههن – كنقاب- بديل للنقاب، وتدخل أمن الجامعة لمنع هذه الظاهرة، مما دفع بعض المنتقبات لرفع الأمر للقضاء المصري ومنهن دكتورة من جامعة الأزهر سبق أن رفضت الجامعة دخولها مكتبة الجامعة؛ لأنها ترتدي النقاب،<BR>وقد قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري في ديسمبر 2001م بأنه لا يجوز للجامعة الأمريكية فرض حظر مطلق أو منع تام على الطالبات المرتديات للنقاب أو الخمار من الدخول للجامعة، وقضت بوقف تنفيذ قرار رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة بمنع طالبة منتقبة "إيمان طه الزيني" من دخول الجامعة والتردد على مكتبتها.<BR>وقالت المحكمة: إن حرمان الطالبة من دخول الحرم الجامعي والتردد على المكتبة مخالف للدستور والقانون؛ لأن إسدال المرأة النقاب أو الخمار على وجهها غير محظور شرعاً. <BR>إلا أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة رفضت تنفيذ الحكم القضائي الصادر لصالح المنتقبات، وتعللت بقرار لوزارة التعليم العالي صدر عام 94م بعدم ارتداء النقاب في الجامعات لدواع أمنية، كما أن هناك ما يسمى بالبيان الجامعي، وهو بمثابة إقرار من الجامعة توقع عليه الموظفات والطالبات بعدم ارتداء النقاب داخل الجامعة وإلا تعرضن للفصل أو المنع من دخول الجامعة.<BR><BR><font color="#0000FF">الأساتذة الأمريكان أسلموا: </font><BR>والجديد أن بعض أساتذة الجامعة الأمريكية بالقاهرة أسلموا ضمن موجة التدين والمد الإسلامي في مصر، ودخلوا في جدال مع إدارة الجامعة بشأن مطالب طلاب الجامعة الدينية، وعارضوا بدورهم رفض إدارة الجامعة بناء مسجد للطلاب، مؤكدين أن زيادة تضييق الجامعة على الطلاب المتدينين يدفعهم نحو مزيد من " الأصولية "،<BR>بل إن صحيفة الأهرام المصرية نقلت عن د. جوزيف لومبارد (أستاذ الفلسفة الإسلامية الذي أسلم)" أن عدم منح الجامعة الطلاب مكاناً للصلاة، تكون كما لو إنها تقول لهم: إنهم لا يستطيعون أن يأكلوا "!<BR>وقال د. لومبارد: " كل شهر أجد فتيات يتحجبن، وأن 30 إلى 40% من الفتيات في الجامعة محجبات، كما أن كثيرات من الطالبات يقلن: إنهن يردن التحجب وأسرهن ترفض "، وشدد على أن " الجامعة تخشي كثيراً من تفشي الأصولية، إلا إنها بالضغط على الطلاب تدفعهم بالفعل إلى الأصولية ".<BR>والأغرب أنه بينما ترفض الجامعة الأمريكية بناء مسجد للطلاب، قامت بتخصيص مكان لعبادة غير المسلمين يسمونه (مكان التأمل )، أو ( MEDITATION AREA)، مكتفية بالمصلي الصغير الحالي الذي حوله الطلبة من مطعم مهجور إلى مصلى مؤقت لا يكفي أعداد الطلاب الراغبين في الصلاة، بحيث يضطرون لتناوب صلاة الجماعة عدة مرات.<BR><BR><font color="#0000FF">الجامعة الأمريكية في قفص الاتهام: </font><BR>وسبق أن كشفت عدة وقائع سابقة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة نشرتها صحف مصرية، كيف تؤثر هذه الجامعة في أبناء الطبقة المثقفة والحاكمة والغنية الذين هم عماد طلاب هذه الجامعات،<BR>حيث تم الكشف عن قيام الجامعة بتدريس رواية (الخبز الحافي) للكاتب المغربي محمد شكري، والتي تتحدث صراحة عن العلاقات الجنسية الشاذة والأخرى المحرمة، مما أشعل ثورة غضب في الجامعة عام 2000 م بين ما تبقى من الطلبة المثقفين، وتطلب الأمر تدخل وزير التعليم العالي المصري لحذف الرواية من المقرر على طلبة الجامعة رغم أنه ليس من حق الحكومة المصرية التدخل في المنهج الذي يجري تدريسه.<BR>كما أثار تدريس كتاب (محمد) لمكسيم رودنسون للطلبة أيضا ضجة مماثلة بسبب ما يتضمنه من افتراءات، وعبر البعض عن عدم دهشته لتدريس الجامعة هذه الكتب لطلبتها المسلمين على اعتبار أن مؤسس الجامعة عام 1919م هو تشارلز واطسون أحد أبناء الإرساليات المسيحية في بداية القرن.<BR>ويقول خبراء تربويون: إن خطورة هذه الجامعة تحديداً في الدول العربية تعود إلى أن نسبة كبيرة من قادة المستقبل يتعلمون فيها ويتطوعون بالأفكار والسلوكيات التي اكتسبوها هناك،حتى أصبح من المعتاد في نهاية كل عام أن تنشر في الصحف أسماء من أبناء المسؤولين المصريين خريجي هذه الجامعة من أسر رؤساء مصر السابقين وأبناء الوزراء وكبار رجال الأعمال والمثقفين والمنفذين في المواقع المختلفة.<BR>وربما لهذا حصلت الجامعة الأمريكية على أكثر الاتهامات من جانب القوىالسياسية المصرية المختلفة، فالبعض وصفها بأنها فرع للمخابرات الأمريكية وبحوثها وتمويلها من تلك الجهات والتكليفات تأتي من واشنطن، والبعض اتهمها بالاستهانة بالأديان، وازدراء القيم والأعراف،وأخيرًا تدريس كتب تحض على الرذيلة وتتطاول على الأنبياء والرسل.<BR>وقد وصفت دراسة جامعية قديمة للباحثة سهير أحمد البيلي صدرت تحت عنوان (الجامعة الأمريكية بالقاهرة ـ دراسة تاريخية لأهدافها منذ النشأة وحتى 1980م) الجامعة الأمريكية بالقاهرة بأنها "مستعمرة أمريكية في قلب ميدان التحرير (أشهر ميادين مصر)<BR>وفقاً للأرقام المعلنة الأرقام، فإن 60% من إجمالي إيرادات الجامعة يأتي من مصروفات الطلبة و30% منها تأتي كعوائد لصندوقي الاستثمار المملوكين للجامعة (أحدها في أمريكا والثاني في القاهرة)، والـ 10% الأخيرة تأتي من برنامج المساعدات الأمريكية في القاهرة، وهي التي يثور حولها الشك، حيث يقال: لماذا تمول أمريكا الجامعة؟ وما الغرض من ذلك ؟!<BR>أيضاً تتلقي الجامعة تبرعات أو تقود هي حملات تبرعات ضخمة، وهناك تبرعات اعتيادية تأتي مما يزيد على 100 شركة عالمية ومحلية وبنوك استثمارية، وأحيانًا أثرياء عرب، أبرز تلك الشركات "أبل" للكمبيوتر، وبنك أوف أمريكا، وجنرال موتورز، وسوني اليابانية، ويحق للمتبرع أن يقصر منحته على جنسية معينة أو رعاية طلبة بعينهم.<BR>وسبق أن اعترف (رئيس الجامعة الأمريكية السابق بالقاهرة) جون جيرهارت بأن الجامعة استفادت من برامج المساعدة من الحكومة الأمريكية بين 1985 و1995م، وأنها حصلت على 3% من الميزانية في صورة منح من هيئة المعونة الأمريكية للمشاريع الخاصة، مثل: تدريس اللغة الإنجليزية لمسؤولي الحكومة المصرية، ولكنه شدد على حرق العلم الإسرائيلي وتبرعات لفلسطين. <BR>وضمن حالة الوعي والتدين الكبيرة داخل الجامعة الأمريكية بالقاهرة بدأت تخرج من هذه الجامعة المظاهرات التي تندد بالعدوان الصهيوني المستمر على أبناء فلسطين، وضد الاحتلال الأمريكي للعراق، وجري بها أيضاً لأول مرة في تاريخ الجامعة حرق العلم الصهيوني، وتسيير قوافل تبرعات وإغاثة للفلسطينيين.<BR>فقد اعتاد طلاب الجامعة على تشكيل آلاف خلايا النحل من جانب الشباب والفتيات المصريات في الجامعات والمصالح المختلفة لجمع المعونات والأموال والأغذية والأدوية لأبناء الشعب الفلسطيني جنباً إلى جنب مع تبرعات رجال الأعمال حتى أنهم أعدوا ثلاث شاحنات كبيرة (برادات ضخمة حمولتها 50 طن)، وأوصلوها إلى فلسطين عبر منفذ رفح المصري في أبريل 2002م.<BR><BR><font color="#0000FF">الدور الخطير للتعليم الأجنبي: </font><BR>وخطورة هذه المناهج الأجنبية التي تدرس في المدارس والجامعات الأمريكية والأوروبية في البلدان العربية أنها تحمل لنا في بعض منها وسائل وأدوات ومعانٍ مسمومة ومضامين ذات أبعاد إيديولوجية وسياسية تخالف تقاليدنا ومعلوماتنا ومعارفنا،<BR>بل ووصل الأمر في بعض الدول – مصر- للاستعانة بأمريكيين وأجانب لوضع المناهج الدراسية العربية ما أثار انتقادات بشأن حذف مقررات دينية معينة أو سور قرآنية عن اليهود؛ لتسهيل التطبيع، غير حذف بعض المعارك والبطولات العربية باعتبارها عنف لا مبرر له للطلبة !<BR>أما أخطر ما في هذه المناهج الأجنبية فهو تكريس وترسيخ معنى (ذهني) خطير في عقول الأجيال وهو ضرورة (فصل الدين عن الدولة) بمعان مختلفة ومتداخلة وخفية والاتجاه بفكر هذه الأجيال إلى نهج الدولة العلمانية،وهذا الاستيراد (الآلي) غير المدروس، والذي تتلقاه عقول أبنائنا على أرض هذه الدولة جاء في ظل غياب هيئة رقابية وطنية عليا مختصة، وعلى دراسة دقيقة بأمر هذه المناهج الأجنبية وفلترتها وفق الأسس والضوابط الخاصة بتقاليد وأخلاقيات كل دولة، وليس هذا غريباًَ خصوصاً أن غالبية هذه المدارس والجامعات الأجنبية لا تخضع مناهجها للمراقبة من قبل وزارات التعليم في الدول العربية.<BR>وقد نتج عن ذلك حالات غريبة لتدريس كتب ومواد تخالف تاريخ وتقاليد وعادات المجتمعات العربية، فجوار ما سبق كشفه من كتب تدرس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تم كشف كتب أخرى مشبوهة تدرس في المدارس، ففي إحدى المدارس الأجنبية تم الكشف عن كتاب في مادة التاريخ كان يدرس للطلاب (تاريخ قيام دولة إسرائيل) كما أن بعض المدارس تتعمد ألا تقدم شيئاً عن تاريخ الدول العربية والإسلامية ولا لغتها، وإذا تم تدريسها في بعض من تلك المدارس الأجنبية فإنه يدرسها من وجه نظر أجنبية،أي: يخلط الحقائق بوجهة نظر استعمارية. <BR>وهذا الأمر قد يؤدي في المستقبل إلى نتائج خطيرة والى تجزئه ثقافية في فكر المجتمع، وإلى نوع من الاختراق الثقافي والاجتماعي والعرفي والطائفي والسياسي والاقتصادي، وإلى نوع من التآكل الفكري والحضاري لكل مقومات الوطن الحضارية والتاريخية والدينية، وبالتالي اقتلاع كل (الجذور) التي صنعتها مؤسساتنا الاجتماعية والتربوية الوطنية في فكر المجتمع. <BR>وقد حاولت بعض القوى السياسية المثقفة في العديد من البلدان العربية التصدي لهذه المدارس أو الجامعات الأجنبية، وللآثار التي تنتج عن تمدد هذه الظاهرة، بيد أن التغيير الحقيقي جاء من حيث لا يدري أحد، ونتج عن انتشار ظاهرة التدين عموماً في مصر والمجتمعات العربية والتحول الطوعي للحجاب من جانب الفتيات كرد على ازدياد حالة الانحطاط الخلقي والمؤامرات الأجنبية على بلاد العرب والمسلمين.<BR><br>