مخيم بلاطة الفلسطيني وقصة الصمود في وجه الاحتلال
6 ذو الحجه 1424

بصرح للشهداء يستقبلك مخيم بلاطة المخيم الأكبر والأشد ازدحاماً في مخيمات الضفة الغربية في فلسطين.. سكان المخيم نصبوا الصرح في محاذاة الشارع الرئيس بحيث لا يمكن تجاوزه بالنظر أو حتى بالذاكرة.<BR>نحو سبعين شهيداً ومئات الجرحى سقطوا من سكان المخيم البالغ عددهم (20 ألف نسمة) في انتفاضة الأقصى، وخلال اجتياحه من قبل جيش الاحتلال في إبريل 2002م، فبعد أربعين يوماً من حصار المخيم وعدم تمكن قوات الاحتلال من التوغل فيه لشدة المقاومة التي زرعت مداخل المخيم بالعبوات المتفجرة، تدخل الطيران الصهيوني ليحسم الأمر ويدخل قوات الاحتلال تحت حمايته بعد سقوط نحو عشرة شهداء وعشرات الجرحى.<BR>وما بين الاجتياح الأول الذي أطلق عليه في حينه "حقل الأشواك" وآخر اجتياح ويحمل الرقم الخامس، والذي أثقل المخيم منذ نحو أسبوع، وكان عنوانه "المياه الراكدة"، هناك مئات القصص والتفاصيل الإنسانية المؤلمة التي من المستحيل أن يتعايش معها غير الفلسطيني.<BR>فصور الشهداء تملأ المكان، هم الحاضرون وإن غابت أجسادهم عن شوارع المخيم، والمواجهات المرتقبة دوماً مع قوات الاحتلال، الصور على جدران البيوت الصغيرة الضيقة، في الشوارع، في المحال التجارية، وفي المدارس على المقاعد الخالية.<BR><BR>يقول تيسير نصر الله (رئيس مركز يافا للدفاع عن حقوق اللاجئين في المخيم): "منذ بدء انتفاضة الأقصى سقط نحو سبعين شهيداً من أبناء المخيم، غالبية الشهداء سقطوا في الاجتياحات المتكررة للمخيم، والتي كانت تشهد مواجهات دامية، وجميع الإصابات كانت في الجزء العلوي من الجسد، حيث من الواضح دوماً أن الإصابة كانت بهدف القتل".<BR>أما أم أسعد والدة الشهيد أحمد، فتقول: "استشهد أحمد في 31-3-2002م، في يوم الأرض، أذكر تماماً ذلك اليوم، لقد كان مرحاً وكثير الضحك، واقترح علي ووالده المشاركة في فعاليات يوم الأرض بعد صلاة الجمعة، لقد بذلت كل جهدي لإبقائه في البيت لكنه تناول طعام الغداء على عجل وذهب. لقد كان أحمد صغيراً لم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر، لم يكن حجره ليقتلهم، ولكنه استفزهم لدرجة جعلتهم يطلقون الرصاص على رأسه ليردوه شهيداً، كل هذا الجبروت والقوة العسكرية ويستفزهم حجر بيد طفل".<BR> <BR>وتتابع الأم: "مضى حوالي عامين على استشهاده، لكني ما زلت أشم رائحته في البيت، في غرفته، وفي سريره، الذي أحافظ على ترتيبه كما لو كان هنا، عندما اعتقل أخوه الأكبر أسعد منذ مدة لم أجد سوى قميص أحمد الذي استشهد فيه لأحضنه وأبكي الاثنين معاً".<BR>وتقول الأم: "أنتظر بفارغ الصبر معجزة تعيد أسعد المهدد بالسجن المؤبد للبيت من جديد، فالبيت أصبح موحشاً، لم يبق فيه سوى أسامة (6 سنوات) وزوجي المريض بالقلب".<BR>وبالإضافة إلى شهداء المواجهات المرتقبة دوماً في المخيم، هناك الاستشهاديون أو قنابل الموت المتحركة التي تقف الحكومة الصهيونية عاجزة حيال ازديادها منذ بدء الانتفاضة، فالمخيم قدم أحد عشر استشهادياً نفذوا عملياتهم في العمق الصهيوني، إضافة إلى ثمانية آخرين اكتشفوا في اللحظات الأخيرة وعمد جيش الاحتلال إلى قتلهم فور اكتشاف أمرهم.<BR><BR>إلهام الخلوص والدة الاستشهادي أحمد الخطيب (16 عاماً) منفذ عملية كفار سابا في إبريل 2003م تصف ابنها بالقول: "لقد كان أحمد حزيناً وهادئاً جداً، لقد استشهد أربعة من أقرب أصدقائه وأصيب آخر إصابات شديدة، لقد طلب مني أن أدعو له فقط، وطلب مني الإذن بالذهاب إلى المستشفى ليكون قرب صديقه، لكنه لم يعد".<BR>وتقول جدته: "كان يواظب على صلاة الفجر معي، كان رقيقاً وصغيراً، لم يتخيل أحد أن أحمد سيقدم على هذا الأمر".<BR>واعتقل الأخ الأكبر لأحمد محمد (22 عاماً) بعد أن كان مطارداً من قبل قوات الاحتلال منذ نحو عامين.<BR>وأصعب ما تواجهه بعض العائلات هو فقدان اثنين من أبنائها، الأول عبر تنفيذ عملية استشهادية وآخر يتبعه شهيداً بعد مدة قصيرة أثناء المواجهات، كما هو الأمر مع الإخوة إياد وخليل حرب، وعلاء ومراد مرشود، فيما يتم اعتقال عدد آخر من الإخوة خوفاً من الانتقام.<BR>وحسب مصادر في المخيم هناك نحو 200 معتقل من أبناء المخيم، يواجه نحو 70 معتقلاً منهم أحكاماً شديدة تصل إلى عدة مؤبدات.<BR><BR>ولعل أغرب قصص المعتقلين في فلسطين توجد أيضاً في مخيم بلاطة، حيث التقى المعتقل مقداد الخطيب (39عاماً) بابنه محمود (18 عاماً) في معتقل مجدو بعد أن تركه جنيناً في أحشاء والدته، وتم اعتقال الأب لقتله صهيونياً وحكم عليه بعشرين عاماً، بينما اعتقل الابن منذ عام بعد إصابته بالرصاص بحجة مقاومته للاحتلال.<BR>الإرهاب الصهيوني لم يقتصر على البشر ليتخطاهم كما هو حال كل فلسطين إلى الحجر، إذ دمرت قوات الاحتلال 20 منزلاً بشكل كامل، ونحو 500 منزل آخر طالها التدمير الجزئي حسب إحصائيات لجنة الدفاع عن اللاجئين.<BR>وفي مخيم بلاطة استطاع العالم أن يرى لأول مرة ابتكار جنود الاحتلال في اقتحام منازل المواطنين عبر تفجير الجدران والنفاذ منها للمنازل الأخرى، ملحقين أكبر أضرار ممكنة بممتلكات المواطنين، إمعاناً في التنكيل بهم وتدمير حياتهم، ولكن سكان المخيم ما زالوا يقدمون دروساً في الصبر والصمود، لن يمضي وقت طويل إلا وتجبر قوات الاحتلال على التراجع.<br>