المقاومة العراقية .. تطور في النوعية والأسلوب
26 ذو القعدة 1424

في الوقت الذي يجمع فيه المراقبون على تطور عمليات المقاومة العراقية وتنوع أساليبها، وانتقالها إلى العمل المنظم بعد أن بدأت وكأنها ردود فعل عشوائية، فإن الجميع يتفقون على أنها باتت تمثل نبض الشارع العراقي الرافض للاحتلال الأمريكي الذي يجري التعبير عنه من خلال التظاهرات المتواصلة، والاحتجاجات اليومية التي تشهدها معظم مدن العراق، وهي تطالب برحيل القوات الأمريكية الغازية . <BR><BR>ويوماً بعد آخر يترسخ في الشارع العراقي مفهوم المقاومة، ومعانيها الدينية والوطنية، وتتعمق قيمها الأخلاقية في وجدان المواطن العراقي الذي وجد نفسه فجأة مكبلاً بقيود الذل والمهانة، تحت حراب قوات الاحتلال الأمريكية البريطانية بعد أن كان يحلم بالخلاص من براثن القهر والتعسف . <BR><BR>مقاومة أم إرهاب ؟ <BR><BR>ورغم أن ماكينة الإعلام الغربي، ومن يدور في فلكها ممن عادوا إلى العراق على ظهور الدبابات الأمريكية، وحاولوا تشويه صورة المقاومة، ونعتوها بـالإرهاب كالعادة ، إلا أن ذلك لم يغير الصورة الايجابية لها، بل لم يمنع الشرائح الواسعة من العراقيين من إشهار زهوهم بما حققته فصائل المقاومة من إنجازات يفخرون بها، ويعتقدون أنها وحدها التي أرعبت قوات الاحتلال، وأربكت مشاريعها ونواياها، وأرغمتها في الآخر على التراجع عما كانت تخطط له، من خلال إقرارها" الشكلي " بالعزم على تسليم السلطة للعراقيين . <BR><BR>ويكفي أن نشير في هذا السياق إلى ما ذكره قائد القوات البرية للتحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة الجنرال " سانشيز "،حيث قال : " يجب على التحالف أن يكون مستعداً لوقوع المزيد من الضحايا.. مازلنا نقاتل، ويجب ألا نندهش إذا ما استيقظنا في أحد الأيام ووجدنا معركة كبيرة لتبادل إطلاق النار أو هجوماً إرهابياً كبيراً " <BR><BR>واعترف " سانشيز " بتطور المقاومة، وتنوع أساليبها إذ قال في أحد مؤتمراته الصحفية : " العدو تطور .. إنه أكثر قدرة على القتل، وأكثر تطوراً نوعاً ما، وأكثر حنكة، وأكثر عناداً في بعض الحالات، وأن قواته تواجه هجمات تعتمد على أساليب متطورة على نحو متزايد، وأن الأمر سيتطلب المزيد من الأرواح، والكثير من الوقت قبل أن تتمكن قواته من الانسحاب " معترفاً بأن تطور أساليب المقاومة بات يودي بحياة جنوده، وبمعدل متوسط من ( 3 ــ 6 ) وجرح أكثر من (40) أسبوعيا في الوقت الذي بلغ فيه عدد الهجمات في أنحاء متفرقة من البلاد بمتوسط يتراوح ما بين 15 ـ25 هجوماً أسبوعياً، وتكون الأشد في قلب البلاد ذي الأكثرية السنية ومن بينها بغداد . <BR><BR>ويحاول " سانشيز " أن يبرر تصعيد المقاومة لعملها ضد قوات التحالف بوصفها بأنها خليط من الموالين للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، ومجاميع من المقاتلين العرب والمسلمين الذين تسللوا عبر الحدود من دول مختلفة في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، إضافة إلى أعداد كبيرة من " الإرهابين " والمجرمين الذين يقومون بشن هجمات صغيرة منخفضة الكثافة، ولكن بدقة متناهية . <BR>ويحاول الجنرال الأمريكي هذا أن يبرر الأخطاء التي ارتكبتها القيادة الأمريكية، مما جعلها تنزلق في " وحل المستنقع العراقي "وغوص القوات الأمريكية فيه، ومن أبرز هذه الأخطاء: حل وزارة الدفاع والدوائر الأمنية الأخرى، مما أوجد بطالة بلغت حوالي " المليون " بين أفرادها .. فأصبحت المرتع الخصب الذي يغذي المقاومة بالأفراد والسلاح في مختلف مناطق العراق بغض النظر عن العرق أو الدين، فوراء كل فرد من هؤلاء " عائلة " يتكفل بإطعامها وتأمين متطلباتها، فإذا بهم في ليلة وضحاها يعانون من التشرد والحرمان والجوع دون أي مبرر. <BR><BR>المثلث السني :<BR><BR>إن تطور عمليات المقاومة الوطنية، وتصاعد وتائر هجماتها، وانتظامها واستمرارها بدأت كمؤشر في وضوح قوتها خلال الآونة الأخيرة من خلال قدرتها على المناورة ومشاغلة قوات الاحتلال التي بدأت بتوسيع مداهماتها بحثاً عن عناصر المقاومة ومخابىء أسلحتها .. إلا أن ذلك لم يلو ذراعها ولم يتمكن من إيقافها أو الحد من تصاعد نشاطها، بل راحت تشن هجماتها في مناطق متعددة لم تقتصر كما كانت في السابق على مواقع معينة في مدن بغداد والرمادي وتكريت، وهو ما أطلق عليه الأمريكيون " المثلث السني "، بل تعدتها إلى مدن أخرى، مثل: الموصل وبعقوبة في الشمال، والبصرة وكربلاء والحلة في الجنوب والوسط، ثم انتشارها في المدن الأخرى حتى وصلت إلى الكوت دون أن تكشف عنها . <BR><BR>تفجيرات بالريموت كنترول <BR><BR>إن استخدام قوات التحالف للجدران الكونكريتية والأسلاك الشائكة بكثافة لحماية مقرات قواتها، وكذلك مراكز الشرطة العراقية والدوائر الأخرى التابعة لها هي محاولة يائسة لامتصاص زخم عمليات المقاومة والحد منها داخل المدن إلا أن ذلك لم يمنع من اصطياد الدوريات الآلية في الشوارع العامة ومفاصل الطرق بالألغام التي يتم تفجيرها عن بعد " بنظام الريموت الكونترول "إضافة إلى بروز استخدام مكثف لمدافع الهاون وصواريخ " الكاتيوشا " ضد معسكرات ومواقع قوات الاحتلال مثلما حصل في معسكر بعقوبة والدورة والتاجي لمرات عديدة، ثم معسكرات في سامراء والرمادي ومطار بغداد الذي يعد معسكر القيادة الأمريكية في العراق ..<BR>مما أرغم القيادة الأمريكية على تغيير أسلوب ردها، حيث عمدت إلى قصف مواقع انطلاق هذه الصواريخ بالطائرات الحربية والمروحية، معتمدة على إحداثيات تستقيها من الأقمار الاصطناعية التجسسية أو معلومات أخرى تصل إليها، حيث تشهد بغداد والمدن الأخرى عمليات طيران مكثفة ليلاً ونهاراً، وصار ذلك مألوفا حتى لدى الأطفال.<BR><BR>وينتشر الآف من أفراد القوات الأمريكية ودول التحالف والشرطة العراقية التي تم تدريبها مؤخراً في داخل المعسكرات الأمريكية عند مفترق الطرق والجسور لمنع عناصر المقاومة من زرع الألغام إضافة إلى تكثيف عمليات الكشف عنها من قبل فرق مكافحة المتفجرات التي تعثر يومياً على العشرات منها في المناطق التي تمر فيها قوات الاحتلال .. كما قامت الفرق الفنية المختصة ببناء " اسيجة " حديدية مشبكة على جانبي الأنفاق والطرق والأبنية التي تمر منها أو تكون فيها . <BR><BR>أسلوب جديد <BR><BR>ويعد المراقبون استخدام هذه الأنواع الجديدة من الألغام أسلوباً جديداً للمقاومة العراقية نجح في تصعيد عملياتها وتكبيد القوات الأمريكية خسائر فادحة كما حصل في الهجوم على أحد المقرات الرئيسة في منطقة " القصر الجمهوري "، ويرى المراقبون أن هذا التحول في عمليات المقاومة هو تطور ملحوظ في تقنيات عملها وتجديد في أسلوبها، حيث تتزايد يومياً عمليات تفجير الألغام عن بعد بواسطة أجهزة تحكم في الوقت الذي يتضاعف حجم الدوريات الأمريكية الساعية للبحث عنها مما يشكل جهداً إضافياً مضنياً لها.<BR><BR>ومن الملاحظ أن المقاومة بدأت تستخدم أسلوب تشتيت اهتمام قوات الاحتلال بعد أن قامت بنقل عملياتها بين مدينة وأخرى خلال أيام قلائل كي لا تتركز في مكان واحد ، فمرة في الموصل وأخرى في تكريت وثالثة في بغداد وبعقوبة، ثم في انتقال سريع إلى الجنوب والعودة إلى الوسط أو الشمال جعل من العبث للقوات الأمريكية أن تتعقبها بسهولة فتشتت اهتمامها، بل أتعبها وأنهك قواها، وقد ذكر القادة الأمريكان ذلك لوزيرهم " رامسفيلد " خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد .لكن الأحدث في مسلسل التطور في أساليب المقاومة هو استخدام الأسلحة المضادة للطائرات كان من بينها استهداف طائرة نقل عسكرية انطلقت من مطار بغداد حينما اعتقدت عناصر المقاومة أنها طائرة وزير الدفاع الأمريكي " رامسفيلد " الذي أخر موعد مغادرته إلى حين بعد هذا الحادث . <BR>استهداف الطائرات.<BR> <BR>ومما ضاعف من قلق الأمريكان هو عدم تمكنهم من الكشف عن مواقع الصواريخ المضادة أو مطلقيها، مما سبب مشاكل كثيرة لهم بعد وقوع خسائر جسيمة إثر إسقاط " 3 " طائرات مروحية من نوع " شينوك " و " أباتشي " خلال الشهر المنصرم، وهذا ما ينذرهم بتطور أسلوب المقاومة على صعيد المقاومة الجوية مما يشكل خطورة أكبر على أرواح جنودهم، وقد زاد من قلق قوات الاحتلال قيام المقاومة بتكثيف عملياتها في الآونة الأخيرة على مطار بغداد الذي يعد المقر الأعلى للقوات الأمريكية في العراق مما أثر تاثيراً سلبياً كبيراً على حركة الطائرات، و دعا القيادة الأمريكية إلى إلغاء فكرة إعادة فتح مطار بغداد واستبداله بمطار البصرة لاستقبال الرحلات الجوية المدنية وطائرات المساعدات. <BR><BR>أين قيادات المقاومة ؟ <BR><BR>أن الوصول إلى القيادات التي تدير عمليات المقاومة العراقية هو الأمر الأصعب لدى الأمريكان الذين ما زالوا يرسلون نعوش قتلاهم كل يوم دون أن تبرز أي ملامح لإنهاء عمليات المقاومة أو ظهور بوادر لإيقافها أو القضاء عليها .. بعد أن أصبح الرحيل عن أرض العراق الحلم الجميل الذي يراود جنود الاحتلال، وفي نفس الوقت تتصاعد فيه دعوات العائلات الأمريكية التي تطالب بعودة أبنائهم في أقرب وقت . <BR><BR>إن تسلسل الأحداث التي بدأت تتضح بتطور أساليب عمل المقاومة وتنويع استخدام الأسلحة لم يكن وليد الصدفة مطلقاً، لكنها جاءت بعد أن قامت القوات الأمريكية بتدنيس تراب العراق، واستفزاز مشاعر العراقيين بالسماح " للسراق والغوغاء " بتدمير البنية التحتية وحرقها وسرقة أموال الشعب ونهب تراثه الوطني، فكانت الفتيل الذي أشعل لهيب المقاومة لطرد قوات الاحتلال وإعادة العراق ليكون بيد العراقيين أنفسهم لا يتحكم فيهم حاكم أمريكي يملي عليهم إرادة قيادته، وهذا ما سارع باندلاع المقاومة بعد وقت قصير من سقوط بغداد بشدة وقوة فاقت كل التوقعات، فضربت معسكراتهم وعجلاتهم ودورياتهم، واستخدمت كل الوسائل المتاحة في حينها من عربات مفخخة وعمليات استشهادية وإطلاق صواريخ وتفجير ألغام، ونصب كمائن، بعدما وظفت في هذا الإطار وسائل مبتكرة، مثل: إطلاق القذائف بواسطة " عربات تجرها الخيول " كما حصل في الهجوم على فندق الشيراتون، مما جعل القوات الأمريكية منذهلة أمام الأخطار التي بدأت تحيق بهم من كل حدب وصوب وكأن الجحيم فتح أبوابه عليهم، فقاموا بسحب الكثير من قواتهم من المباني التي اتخذوها مقرات لهم في محاولة يائسة لتفادي الخسائر الجسيمة التي باتوا يتعرضون لها في كل ساعة، بل في كل لحظة. <BR><BR>إرهاب العشائر:<BR><BR>اعتقد الأمريكان أن عملية اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين سوف تنهي عمليات المقاومة الوطنية بعد أن قاموا عن طريق بعض الحركات المسرحية للاعتقال أو الإعلان عن وجود وثائق عن قادة المقاومة كانت معه سيكون لها نتائج ايجابية ملموسة في مضمار القضاء على هذه العمليات .. لكن ما حدث هو العكس، فقد قامت المقاومة بتكثيف عملياتها واستخدام أساليب جديدة للهجوم جعلت الأمريكان يغرقون في برك الدماء، وهذا ما جعلهم يهاجمون البيوت والأماكن الآمنة بحثاً عن عناصر المقاومة، حتى وصل الحال لديهم إلى إطلاق النار بشكل عشوائي راح ضحيته العشرات من الأبرياء شمل حتى الأطفال، ووجهوا انتقادات شديدة واتهامات صارمة إلى رؤساء العشائر العراقية، وداهموا مقراتهم وأماكنهم، بل مارسوا عمليات إرهابية ضدهم باعتقال أعداد كبيرة من أبناء هذه العشائر بحجة إخفاء أو تقديم العون والمساعدة لأفراد المقاومة مما جعل الشارع العراقي يضيق بتصرفات الجنود الأمريكان، ويثير غضب وحقد العراقيين الذين باتوا ينشدون ويتطلعون إلى إنهاء الاحتلال في أقرب وقت ممكن وتسليم السلطة إلى العراقيين. <BR><BR>النساء يقاومن أيضاً:<BR><BR>ولم تقتصر أعمال المقاومة على الرجال فقط، بل انتقلت إلى النساء حيث قامت إحدى الأمهات في " بعقوبة " قبل أيام بإلقاء قنبلة يدوية على الجنود الأمريكان لدى قيامهم بتفتيش دارها بحثاً عن أسلحة بعد اعتقال أبنائها، فقتلت عدداً منهم وجرحت آخرين . <BR>وفي حادث آخر قامت إحدى الفتيات العراقيات بوضع قنبلة موقوتة في حقيبة يدها، وحاولت تفجيرها ضد الجنود الأمريكان الذين كانوا يقومون بحراسة البنك المركزي العراقي، لكنها وقعت في يدهم قبل أن تنفجر إضافة إلى محاولات أخرى لفتيات عراقيات ضد قوات الاحتلال لم يعلن عنها حتى الآن. <BR><BR>يتوهم الأمريكان أن المقاومة الوطنية تقع ضمن المناطق الغربية من العراق فقط ، ولكن الأحداث والوقائع تشير يومياً إلى وقوع انفجارات وإطلاق صورايخ في بقية المحافظات الأخرى في الوسط والجنوب، مثل: كربلاء والحلة والبصرة، وهذا ما جعل الأمريكان ينظرون بعين الترقب والحذر من انتشارها الذي سيحيل أرض العراق من شماله إلى جنوبه ناراً ملتهبة تحت أقدامهم، فالشيعة مثلاً كانوا يهادنون الأمريكان الذين وعدوهم بنقل السلطة إليهم ، وبعد ما انكشفت ألاعيبهم وكذبهم ومماطلاتهم .. أخذوا يتطلعون إلى توحيد أعمال المقاومة "كعراقيين" ضد الأمريكان لكي تكون العملية أكثر سرعة وتسهم في قتل أعداد أكبر بين قواتهم، وتساعد على رحليهم من العراق إلى الأبد.<BR><BR>منع كلمة المقاومة:<BR><BR>يذكر أن مجلس الحكم أنشأ خلال هذا الأسبوع لجنة وطنية لوسائل الإعلام مهمتها وضع ضوابط لعمل وسائل الأعلام في العراق تبين أن أول همومها تكبيل الإعلام فيما يخص عمليات المقاومة ضد الاحتلال إذ كان أول الأوامر التي أصدرت للصحافيين عدم استخدام كلمة"المقاومة" لوصف الهجمات على المحتلين الأميركيين، <BR>وتلقى الصحافيون الذين دُعوا مطلع الأسبوع إلى لقاء مع اللجنة ما أطلق عليه اسم مدونة سلوك للعمل في وسائل الأعلام، وطلب منهم توقيعها طوعاً، وحثت المدونة التي أعدها الأمين العام للجنة المكلفة بالإعلام في مجلس الحكم إبراهيم الزبيدي، وسائل الإعلام على عدم استخدام عبارات من نوع "الجهاد" و"المقاومة" لتوصف الهجمات على المدنيين والمؤسسات المدنية، وعدم قبول أموال من عناصر أجنبية تسعى إلى التدخل في الشؤون الداخلية العراقية.<BR><BR><br>