جدار الفصل العنصري: سجن الضفة الأخير
10 رمضان 1424

في 23-6-2002م قررت الحكومة الصهيونية إقامة "جدار فصل" حول الضفة الغربية، ليفصل ما بين الأراضي المحتلة عام 1948م والأراضي المحتلة عام 1967م، والهدف المعلن من قبل الصهاينة هو تخفيف قدرة تغلغل "الاستشهاديين" الفلسطينيين انطلاقاً من أراضي السلطة الفلسطينية إلى الأراضي "الإسرائيلية".<BR><BR>المحرك الأساسي لقرار الحكومة الصهيونية هو الرأي العام الداخلي الذي يرى في معظمه ضرورة الفصل مع الفلسطينيين، على أمل أن يشكل ذلك نوعاً من الحد من قدرة المقاومين الفلسطينيين على تنفيذ عمليات داخل الكيان.<BR>جدار الفصل العنصري الذي يبلغ طوله 360 كلم كمخطط عام قابل للتعديل، صدرت قرارات تنفيذية بشأن ما يقارب 190 كلم منه، وقد انتهى العمل بما يزيد عن 150 كلم منه في هذه الأيام، إلا أن الاحتفال بإنهاء الأعمال في هذا المقطع تقرر تأجيله في هذه المرحلة على خلفية الانتقاد الأميركي للجدار ولمساره.<BR><BR>وجدار الفصل لناحية إقراره أساساً ولناحية أسلوب وطريقة تنفيذه، يعكس من جهة مدى إخفاق الصهاينة في إيجاد ردود ناجعة تلجم المقاومين الفلسطينيين عن الوصول إلى الداخل الصهيوني، ومن جهة أخرى يعكس شهية توسعية استيطانية تهدف إلى قضم المزيد من أراضي فلسطين، حتى في الظروف الأكثر إشكالية بالنسبة إلى الإسرائيليين من ناحية أمنية، كما أنه يلحق بالفلسطينيين أذى كبيراً وأضراراً اقتصادية واجتماعية وسياسية. <BR><BR>تعود الجذور الأولى للفصل مع الفلسطينيين بما يقرب من المشروع الحالي الجاري تنفيذه، إلى مشروع موشيه شاحل (وزير الشرطة في حكومة إسحاق رابين 1995-1996م)، الذي جاء على خلفية موجة العمليات الاستشهادية في حينه.. ثم همد المشروع ليعاد الحديث عنه إثر فشل قمة "كامب ديفيد" الثانية وانطلاقة انتفاضة الأقصى، وتجاذب الفصل في حينه اتجاهان:<BR>- الأول يساري ووسط خائب من الفلسطينيين مؤيد للفصل بعد الفشل في التوصل إلى تسوية كانوا يأملونها.<BR>- والثاني يميني معارض يمثله معظم اليمين الصهيوني، ويرى في الفصل اعترافاً إسرائيلياً بالهزيمة أمام الفلسطينيين، وترسيماً لخط انسحاب إسرائيلي إلى حدود عام 1967م، الأمر المرفوض من قبل اليمين عامة. <BR>إلا أنه بعد سجال وأخذ ورد، صادق أيهود باراك (رئيس الحكومة آنذاك) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2000م، على إقامة عائق أمام المركبات الآلية في الطرف الشمالي من الضفة الغربية، إلا أن القرار لم يطبق.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">* سقوط السور الواقي </font><BR><BR>وبعد أن أثبت الفلسطينيون فشل عملية السور الواقي (نيسان/ أبريل 2002م) في "اجتثاث الإرهاب"، وما كانت تؤمله المؤسسة العسكرية الصهيونية من الحملة، برغم إعادة احتلال مدن وقرى الضفة الغربية بالكامل، أصيب الوعي الإسرائيلي بنوع من الصدمة دفعته نحو تبني نظرية الفصل المادي مع الفلسطينيين، وتحول الجدار الفاصل إلى مطلب جماهيري ونخبوي جامع، الأمر الذي دفع "شارون" - برغم معارضته ابتداء للفصل - إلى تكليف مجلس الأمن القومي لبلورة مشروع "الجدار الفاصل"، حيث قدم توصياته لاحقاً ونال مصادقة نهائية عليها من قبل المجلس الوزاري بتاريخ 18-8-2002م، حيث يمتد المخطط المرسوم للمرحلة الأولى منه من قرية سالم بالقرب من مدينة جنين حتى مستوطنة الكنا جنوب مدينة أم الفحم في وسط فلسطين، بإجمالي 128.18 كلم منها 9 كلم أسوار باطون، وحوالي 20 كلم أخرى كعائق متواصل في منطقة القدس في الطرفين الشمالي والجنوبي للمدينة.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">* الأضرار الفلسطينية </font><BR><BR>طبيعة مخطط الجدار الفاصل الذي وضع لاعتبارات صهيونية بحتة، إضافة للطبيعة الطوبوغرافية للأرض نفسها، دفع بالصهاينة لإقرار خط مسار متعرج بهدف ضم أكبر عدد ممكن من المستوطنات الصهيونية وأراضيها الملحقة بها، إضافة إلى قضم مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية نتيجة للجدار نفسه أو نتيجة للعائق الثانوي الملحق به، الأمر الذي استلزم مصادرة 80 كلم مربع من أراضي 23 قرية فلسطينية، ووضع 11 قرية أخرى خلف الجدار مع تعداد سكاني يتجاوز 26 ألف نسمة، سيخضعون لاحقاً للحكم العسكري المباشر لجهة الدخول والخروج من قراهم.<BR><BR>من ناحية عملية سيعزل الجدار تجمعات سكانية فلسطينية (67 مدينة وقرية) عن أراضيها الزراعية بين شرق الجدار وغربه ، وعلى سبيل المثال ستعزل تقريباً مدينة قلقيلية عن باقي أراضي الضفة الغربية، وسكان بلدة قفين شمالي طولكرم سيفصلون عن 60 في المائة من أراضيهم الزراعية، كذلك سكان قرى الرأس وكفر صور وغيرهما.<BR>وبالإجمال سيعاني ما يزيد عن 200.000 فلسطيني مباشرة من الجدار، وسيحيون داخل الأسلاك الشائكة والخنادق والجدران الأسمنتية الفاصلة.<BR><BR>فصل السكان الفلسطينيين في منطقة الجدار عن أراضيهم الزراعية سيحرم هؤلاء من مصدر رزق لقسم كبير منهم، خاصة أن النشاط الزراعي في المنطقة يعد أحد المصادر الأساسية للمداخيل للقرى والمدن فيها، باعتبار أن أراضي المنطقة تعد من أخصب أراضي الضفة الغربية، وبالتالي سيكون للفصل آثار قاسية على السكان من جهة، وعلى عموم ساكني الضفة الفلسطينيين من جهة أخرى.<BR>إضافة إلى ذلك فإن مسار الجدار بمخططه العام يبقي على 40 في المائة من أراضي الضفة الغربية خارج الجدار، وبالتالي يقوم بتقطيع مناطق النفوذ الفلسطينية المفترضة إلى أجزاء وجيوب غير قابلة للحياة، إذ إنها تعيد خارطة المواصلات الفلسطينية إلى العهد الأردني وإلى الطرق التي شقت قبل عام 1993م، حيث ستحصر الاستفادة من الطرق الأساسية التي شُقت في الأعوام الماضية - وهي الأهم والأكثر حيوية - بالمستوطنين الصهاينة فقط.<BR><BR>طبيعة الجدار نفسه استلزمت من الصهاينة مصادرة كل الأراضي الواقعة بين الخطين وقطع جميع الأشجار المحيطة به، مع مسافة احتياطية سميت بالعائق الثانوي، تمتد إلى 7 كيلو مترات في أماكن معينة، أما الأراضي الواقعة إلى غرب الجدار فـ"يعد" الجيش الإسرائيلي أصحابها بالدخول إليها بموجب تصاريح خاصة صادرة عن الحاكم العسكري في ساعات محددة فقط!<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">* فتيل انفجار </font><BR><BR>يشكل بناء الجدار دليلاً حياً وعملياً على أن القيادات الصهيونية العسكرية، السياسية والأمنية، تقر بفشلها وبعدم إمكانية قمع المقاومة الفلسطينية المسلحة وإسقاط إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، ومن هنا وجدت هذه القيادات أنه لا بد من بناء هذا الجدار كعازل فاصل بين المجاهدين والمدن الإسرائيلية على الأقل في أحد وجوهه، وبالتالي لا يوجد أي أفق واقعي لإمكانية تحقيق الأمن للكيان الصهيوني ومستوطنيه عن طريق القوة العسكرية.<BR><BR>وينضم الجدار إلى لائحة القضايا التي يشكل كل مركب فيها فتيل انفجار بحد ذاته، إضافة إلى قضية الأسرى ونزع أسلحة المقاومة التي يمكن أن يشكل كل منها فتيل انفجار للمسار الجديد الذي تحاول أميركا و"إسرائيل" تثبيته وتنميته، حيث إن هذا الجدار يملك إمكانية أن يشكل عنواناً وحافزاً للشعب الفلسطيني من خلال كونه يشكل مصداقاً إضافياً على أن الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني لتحقيق طموحاته في التحرير والاستقلال.<BR>وتشكل النتيجة التي تمخضت عنها لقاءات واشنطن الأخيرة خيبة أمل أخرى، إذ أعلن شارون في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس الأميركي بوش، أن "إسرائيل" ستواصل بناء الجدار، لكنها "ستحاول تخفيف آثاره السلبية"، وهذا يعني أن نتائج لقاءات واشنطن لم تقتصر على الخيبة الفلسطينية في الرهان على واشنطن لهدم أو وقف الجدار، بل يمكن القول إنه سيستكمل بدءاً من الآن بغطاء ودعم أميركي، وبالتالي على الطرف الفلسطيني أن يكيف وضعه مع هذا الواقع!<BR><BR>وإذا كان الجدار سيحول الضفة الغربية إلى سجن كبير قد يكون المكان الأخير الذي يحشر فيه شارون الفلسطينيين، فإن السؤال الأخير الذي يطرح بقوة ويعد مصدر رعب للصهاينة، هو: ماذا بعد فشل الجدار الأمني في تحقيق الأمن للكيان الصهيوني؟ وما هي انعكاسات أول عملية جهادية ستنفذ بعد استكمال بناء الجدار، خاصة أن معظم منظري الكيان الأمنيين يرون أن الجدار لا يمكنه جلب الأمن.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">* أي جدار؟ </font><BR><BR>لا يتعلق جدار الفصل بعائق أسمنتي متواصل كما توحي التسمية، إذ يشمل عدة مركبات أخرى: أسلاك شائكة، قناة إلى الجانب الشرقي من الخط الفاصل، طريق دوري لتنقل القوات الأمنية على كلا الجانبين، سياج إنذار مبكر بارتفاع ثلاثة أمتار، "طريق معالم" على الطرف الغربي من الفاصل يظهر عليه الأثر فوراً، وسائل مراقبة وإنذار إليكترونية بأنواع مختلفة، إضافة إلى أن متوسط عرض الجدار هو 60 متراً. وفي بعض المقاطع يصل ارتفاع الجدار إلى ثمانية أمتار، خاصة في المناطق المأهولة.<BR><BR>في معظم الأماكن لا يحاذي مسار العائق "الخط الأخضر"، بل يمر داخل أراضي الضفة، وفي المقاطع التي يتطابق فيها المخطط مع "الخط الأخضر"، تقرر إقامة عائق ثانوي إضافي، على بعد بضع كيلو مترات شرقاً، ويمر مسار جدار الفصل داخل أراضي الضفة الغربية ويصل عمقه في مناطق معينة إلى 7 كلم، ومساحة الأرض بين الجدار الأساسي و"الخط الأخضر" في المسار بين سالم والكنا، وهي نحو 69.500 دونم، منها نحو 7.200 دونم هي مساحة الأراضي المبنية لعشر مستوطنات صهيونية، إضافة إلى مساحة خمسة جيوب ستبقى شرقي الجدار تتضمن نحو 65.200 دونم أخرى، وبالإجمال سيؤثر الجدار على 161.700 دونم، تشكل نحو 2.9 في المائة من مساحة الضفة الغربية، الأمر الذي يؤثر سلباً على 67 مدينة وقرية فلسطينية.<BR><br>