لماذا فشل الانقلاب في موريتانيا
17 ربيع الثاني 1424

ربما كان أكثر ما يميز محاولة الانقلاب الأخيرة في موريتانيا هو الغموض الذي لف معظم عناصر هذه العملية، بالإضافة إلى خروجها عن الشكل التقليدي لمعظم العمليات الإنقلابية في العالم.<BR><BR>ليس فقط بسبب عدم قراءة بيان الانقلاب من قبل قيادة الانقلاب التي احتلت مبنيي الإذاعة والتلفزيون لمدة يومين تقريباً، بل بسبب الكثير من الأمور الأخرى كعدم إعلان الحكومة إلى الآن عن عدد القتلى والمصابين، وعدم اتخاذ أي إجراء تقييدي خاص بعد فشل المحاولة مثل حظر التجول وإغلاق المطارات أو الحدود البرية، والغموض الذي لف عملية الانقلاب على الانقلاب بعد أن وصل إلى قصر الرئاسة ومباني حكومية عديدة.<BR>ولعل أغرب ما في الموضوع هو بيان الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيد الطايع بعيد فشل المحاولة الانقلابية، حيث أعلن في بيان مقتضب وجه من خلاله التهمة "إلى ضباط من الجيش" استخدموا "قوة من وحدات المدرعات"، مؤكدًا "كان من الضروري تدمير هذه الدبابات دبابة دبابة حتى الأخيرة منها، وقد تحقق هذا بالفعل". <BR>إلا أنه لم يتهم أي جهة مدبرة لمحاولة الانقلاب، كما لم يذكر اسم أي شخص منهم.<BR><BR>كما أن كتيبة الدبابات التي قادت الانقلاب ما زال أفرادها في مواقعهم ولم يتم الاستيلاء عليها من أي قوة خارجية؛ وهو ما فتح الباب لكثير من التفسيرات المتناقضة.<BR><BR>لم يخلف الانقلاب الذي دام يومين تقريباً في موريتانيا سوى مشاهد بسيطة تنقل صور خمس دبابات قديمة مدمرة (كان النظام العراقي السابق أهداها لموريتانيا) بالإضافة لصور ثقوب في بعض الجدران والأبنية الخاصة بالحكومة كالقصر الرئاسي. وما عدا ذلك فلا شي يخبر المتجول في نواكشوط بأن حدثاً على مستوى محاولة انقلاب دامي يومين، حصل.<BR><BR>حدث الانقلاب في ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد 8/6/2003، وخلال وقت قصير تناقلت وكالات الأنباء وصول قوات الانقلاب إلى القصر الرئاسي ومبنيي الإذاعة والتلفزيون، وانتظر الجميع بيان الانقلاب، إلا أنه لم يظهر.<BR><BR>ونقلت وكالة أنباء رويتر عن أحد عناصر قوات الأمن في القصر الرئاسي قوله أن القوات الموريتانية لم تستطع المقاومة أكثر من ذلك، وتوقع الكل أن الانقلاب نجح، إلا أن الأنباء بعد ذلك جاءت بالعكس.<BR>ولمدة يومين كاملين تقريباً بقي الرئيس الموريتاني مختفياً تماماً، دون أن تستطيع قوات الانقلاب الوصول إليه، واتضح فيما بعد أنه في السفارة الإسبانية هو وعائلته، وأنه شارك في العمليات القتالية التي هزم بها الجيش الموريتاني قوات الانقلاب.<BR>ثم انتهى العرض ورجع كل شيء إلى ما هو عليه دون أي مضاعفات، إلا ما ندر.<BR><BR>ولكن يبقى السؤال الأهم هو: لماذا فشل هذا الانقلاب بعد أن على أعتاب الإطاحة بالرئيس، وبعد احتلال مناطق حساسة في الدولة أهمها القصر الرئاسي ومبنيي الإذاعة والتلفزيون.؟<BR> <BR><BR><BR><BR><BR>مشاركة القوات الإسرائيلية:<BR><BR>أشارت تقارير إخبارية من موريتانيا أن القوات الإسرائيلية هي التي أنقذت الموقف الموريتاني بعد أن تغلبت قوات الانقلاب على القوات الحكومية، خاصة وأن مصالح مشتركة كبيرة بين إسرائيل والحكومة تجمع الاثنين في خانة واحدة<BR>فقد أكدت مصادر في المعارضة الموريتانية أن قوات إسرائيلية وصلت جوا هي التي أنقذت نظام الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع . <BR>وأضافت تلك المصادر أن إسرائيل تدخلت بقوات وصلت جوا لإنقاذ نظام الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع .<BR>وقالت مصادر المعارضة إن ولد الطايع طلب فور وقوع الانقلاب مساعدة إسرائيل فى إطار اتفاق موقع سلفا بين الجانبين يضمن تدخل إسرائيل ولو احتاج الأمر الولايات المتحدة لإنقاذ النظام فى نواكشوط .<BR>وأوضحت تلك المصادر أن وحدة من القوات الخاصة الإسرائيلية وصلت إلى نواكشوط فور وقوع محاولة الانقلاب وأنها تدخلت بشكل مباشر فى القتال ضد المتمردين مما كان له الأثر الأكبر فى دحر الانقلابيين والذين كادوا أن ينجحوا فى الإطاحة بالنظام بعدما سيطروا على القصر الرئاسي ومقر الإذاعة والتليفزيون وعدد من المقار الحساسة فى الدولة . وأشارت إلى أن مواطنين موريتانيين تحدثوا عن سقوط جرحى فى وسط القوات الأجنبية وأنه تم سحبهم بسرعة فائقة خشية افتضاح أمرهم .<BR><BR><BR>خلافات داخلية: <BR><BR>إلا أن أخباراً حول خلافات داخلية في صفوف قوات الانقلاب بدأت تتناقلها وسائل الإعلام التي قالت بأن الانقلابيين اختلفوا فيمن يحكم بعد سيطرتهم على القصر الرئاسي إلى حد حدوث مواجهات بين بعض قواتهم؛ وهو ما أعطى الفرصة للقوات الموالية للرئيس لالتقاط أنفاسها، حيث استدعت الحكومة الموريتانيا قوات موالية لها كانت في بعض المدن القريبة من نواكشوط.<BR><BR>ووفقا لهذا التفسير فقد أضعف هذا المدد لقوات الحكومة معنويات الانقلابيين، وجعل بعضهم مستعدًا لعقد اتفاق مع قوات الرئيس ولد الطايع، وكان ذلك بداية لمشاورات انتهت بالاتفاق بين معظم فصائل الانقلابين والقوات الموالية للنظام لتجنيب البلاد شبح حرب أهلية بدت في الأفق. <BR>ويذهب هذا التفسير إلى أنه ربما كان من بنود الاتفاق عدم إعلان النظام عن أسماء أي من الانقلابيين، وضمهم إلى لجنة عسكرية تحكم البلاد عمليا، وإن كان ولد الطايع -حسب أصحاب هذا التفسير- أصبح عضوًا في هذه اللجنة، كما أنه هو الرئيس الشرفي لها. بمعنى أن الحكم العسكري قد عاد إلى البلاد بشكل غير معلن، وقد شجع على هذا الاتفاق الخوف من تدخل أجنبي ربما لوحت به بعض الأطراف الخارجية (الولايات المتحدة الأمريكية) في حالة استمرار الانقلابيين في محاولتهم. <BR><BR>بينما يرى تفسير آخر لفشل الانقلاب هو نفاذ الخيرة من قبل قوات الانقلاب التي لم تستطع الوصول إلى مخازن الذخيرة قبل وصول الإمدادات العسكرية الأخرى التي رجحت كفة المصادمات العسكرية إلى جانب الحكومة الموريتانية.<BR>ويذهب هذا الرأي إلى أن نجاح الرئيس ولد الطايع في الاختفاء وتنظيم المقاومة من "مكان آمن" شجع القوات الموالية له وخصوصا في الولايات الداخلية على التدخل لصالحه، خصوصا مع قدرته على الاتصال بها بسهولة عبر وسائل الاتصال المحمولة والثابتة التي لم تتعطل عن العمل طوال فترة الانقلاب؛ وهو ما أحبط معنويات الانقلابيين والجنود الموالين لهم، وسهل السيطرة عليهم. <BR><BR>الدعم الأمريكي: <BR>بعيد الفشل الانقلابي في موريتانيا أعلنت الولايات المتحدة أنها أرسلت قوات إلى موريتانيا لحماية سفارتها هناك. حيث أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش أن قوات أمريكية ستذهب لحماية السفارة الأمريكية من الانقلاب. <BR>وشكل هذا الخبر تساؤلاً حول لماذا هذه القوات الآن.؟ وهل وصلت قوات أخرى في وقت مبكر إلى موريتانيا ساعدت الحكومة في استلام زمام الأمور من جديد.؟<BR><BR>عبد الله بن علي المعارض الموريتاني المقيم في المغرب رجح أن تكون الولايات المتحدة قدمت دعما لوجيستيا للقوات الموريتانية عن طريق نقل جنود موريتانيين من قواعد عسكرية في شمال البلاد إلى ضواحي نواكشوط أو داخلها.<BR><BR>وقال بن علي في تصريح له لموقع إسلام أونلاين إن الرئيس الموريتاني أقام علاقات تحالف وطيدة مع واشنطن منذ عام 1999 إذ قام باستبدال المستشارين العسكريين الفرنسيين الذين كانوا في موريتانيا منذ استقلالها عام 1960 بمستشارين ومدربين عسكريين أميركيين. وأكد أن التحالف الموريتاني مع الولايات المتحدة وإسرائيل كان أحد الدوافع الأساسية لقيام الانقلاب.<BR><BR><BR>مناورة من قبل الطايع:<BR>تعتقد بعض الأوساط الإعلامية والسياسية أن عملية الانقلاب بمجملها كانت عبارة عن "مناورة" أراد منها ولد الطايع تأكيد قدرته السيطرة على الوضع في أحلك الظروف حتى بعد فقدانه السيطرة على المواقع الحساسة التقليدية (القصر، وقيادة أركان الجيش، والإذاعة، والتلفزيون، ومواقع حساسة أخرى)<BR><BR>ودعمت هذه الفرضية بالنجاح الذي إشارة الرئيس في خطابه قائلا: "وتبين من نجاح هذه العملية أن جيشنا له مقدرة كبيرة على التصدي لأصعب الظروف خدمة للوطن"؛ وهو ما يعني أن على الضباط الطموحين أن يفكروا جيدًا قبل التورط في محاولة انقلابية. <BR><BR>ويزيد ترجيح هذه الفرضية أن الانقلابيين لم يتصلوا بأي نوع من أجهزة الإعلام الداخلية والخارجية لإعلان سيطرتهم، ولا لتقديم برنامجهم، ولا حتى لانتقاد الرئيس ولد الطايع، وانطلاق الانقلاب من أكثر القواعد حساسية وأشدها ولاء تقليديا للرئيس "كتيبة المدرعات". <BR><BR>ووفقا لهذه الفرضية فإن هذه المناورة فرصة لكشف الموالين والمعارضين داخل المؤسسة الرسمية، وهو أمر ضروري قبيل الانتخابات القادمة، فضلا عن أن الانقلاب -بحد ذاته- ربما يتيح للرئيس التخلص من بعض القيادات غير المرغوب فيها في الجيش والمؤسسة الرسمية عموما.<BR> <BR>احتمالات أخرى: <BR>كما أشارت تقارير أخرى إلى أسباب متعددة حول الفشل الانقلابي، منها أن قوات الانقلاب استطاعت الوصول إلى مراكز قيادية، إلا أنها لم تستطع الوصول إلى القياديين أنفسهم، وعلى رأسهم الرئيس الموريتاني، حيث شكل هروب الرئيس معاوية واختفائه لمدة يومين، وعدم العثور عليه سبباً كبيراً في احتفاظ قوات الجيش بقوتها، مع تنامي حالة من التخبط وقلق في صفوف قوات الانقلاب.<BR><BR>كذلك يشكل ضعف التخطيط للانقلاب سبباً آخر تدور حوله التوقعات، حيث شمل هذا السوء معظم مراحل وعناصر الانقلاب ابتداء من جهة قائد الانقلاب الذي تشير حادثة الأركان عام 2000 إلى أنه كان يملك من الحماس والجسارة أكثر مما يملك من التخطيط والتنظيم. فلم يأخذ في الاعتبار أهمية الجانب السياسي والإعلامي من العملية الانقلابية، وصولاً إلى العدد الضئيل من القوات الداعمة للانقلاب، وإشراك وحدات عسكرية أخرى معه.<BR><BR>كذلك يوجد احتمال آخر هو أن بعض القوات التي كانت قيادة الانقلاب تعول عليها، تخلت عن المشاركة في آخر لحظة.<BR> وتشير أصابع اتهام هذا الافتراض إلى قيادة المنطقة العسكرية السادسة المتمركزة شرقي العاصمة الموريتانية، التي ذكرت بعض المعلومات الإعلامية عنها أنها تخلت عن الانقلابيين بعدما وعدتهم بالمشاركة.<BR><BR>أسئلة تبحث عن إجابات:<BR><BR>إن محاولة انقلابية بهذه الصورة في بلد تتنامى فيه شعبية كبيرة ضد الحكومة، من المرجح جداً أن لا يكون مجرد محاولة انقلاب عادية. <BR>خاصة وأن هذا الانقلاب كان يمكن أن تشارك فيه قوات كثيرة ومتعددة، حكومية وشعبية، إلا أن الأخبار تكلمت عن محاولة عسكرية، ورد فعل شعبي تمثل بإشاعة عمليات النهب والسلب والسرقة، دون تداخل بين الاثنين، وكأن الحلقة التي تصل ما بين معارضة الجيش ومعارضة الشعب للحكومة قد فقدت فجأة. <BR><BR>إلا أن تبقى كل هذه التقارير مجرد فرضيات، لا يستطيع أحد أن يجزم بها خاصة مع قتل العقيد جداي صليد ولد حنان قائد عملية الانقلاب، والذي قيل أنه مات خلال الاشتباكات التي من المفترض أن يكون هو مديراً لها، أكثر من كونه يقاتل فيها.<BR><BR><BR><BR><BR><br>