رحلة الحجاب في تركيا .. ختامها مسك
19 صفر 1429

دخلت تركيا على أبواب مرحلة جديدة بعد مصادقة البرلمان على مشروع قرار برفع الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في الجامعات حيث أسدل الستار بشكل نهائي على قضية مثيرة ومعقدة للغاية أثارت جدلا واسعا منذ عقدين.<BR>ويعتبر الحجاب مسألة حساسة للغاية في تركيا ذات الغالبية المسلمة وطبيعة الحكم العلمانية حيث تدور مواجهة بين حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجهات الإسلامية والصفوة العلمانية التي تضم القضاة وجنرالات الجيش التي ترى الحجاب تهديدا لمبدأ فصل الدين عن الدولة.<BR>هذا وقد أثار قرار البرلمان التركي برفع الحظر عن الحجاب في الجامعات جدلا واسعا في كافة الأروقة السياسية والإعلامية حيث اعتبر العلمانيون الذين عارضوا القرار أن الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك في طريقها للزوال واتهموا حزب العدالة والتنمية بالتخطيط "لأسلمة تركيا". <BR><BR><font color="#ff0000"> دور إردوغان،،،</font><BR>لقد نجح حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي بصورة غير مسبوقة داخليا وخارجيا خلال السنوات الست الماضية من وصوله للسلطة في نصر الإسلام السياسي وتغيير مفاعيل الزلزال العلماني كبداية حقيقية لعودة إلى الدين والتراث والأصالة.<BR>لا يمكن للمرء أن يحول نظره وهو يتأمل المشهد الإسلامي في ظل حكم حزب العدالة والتنمية بمعظم المجالات الرئيسية بل يمكن القول بأن وجه تركيا ونبضها تغيرا بما وصف بأنه ثورة صامتة اجتاحت الأناضول ونظفته من صورته المعتمة.<BR>رئيس الحزب رجب طيب إردوغان بدهائه نجح في حل واحدة من أسخن القضايا الداخلية المطروحة بقوة على الساحة السياسية التركية منذ عشرين سنة تقريبا.<BR>نعم؛ إردوغان دخل كلاعب سياسي في الديمقراطية التركية وهذا بحد ذاته كان كفيلا بلجم اندفاع الإسلام السياسي لترجمة الانتصار وكأنه بداية صحوة إسلامية في بلاد الأتراك.<BR>" رفع الحظر عن الحجاب"... خطوة متميزة وإضافة نوعية إلى الإنجازات الكبيرة لحزب العدالة والتنمية بتركيا إلى تعديل الدستور لرفع الحظر عن الحجاب بالجامعات التركية فبعد شهور من تولى حكومة رجب طيب إردوغان مقاليد الأمور في تركيا وانتخاب عبد الله غول رئيسا للجمهورية استطاع حزب العدالة والتنمية بحنكته السياسية الكبيرة إلى إيجاد حل هذه المشكلة التي شغلت الرأي العام التركي منذ أكثر من عقدين.<BR>وترى شريحة كبيرة من الشارع التركي أن الأعمال التي قام بها حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية أكبر بكثير من أعمال الحكومات السابقة خلال الخمسين عاما الماضية وهنا يبرز دور إردوغان في هذا النجاح".<BR>فإردوغان هو صاحب القصيدة التي تتحدث عن "المآذن والقباب كخوذ ومتاريس" يسير ببطء لكن بخطوات واثقة ومحكمة باتجاه كسب ود الشارع التركي المسلم وإعادة الروح الإسلامية لهذا الشعب.<BR>هذا الرجل خرج عن إطار التصريحات المبذولة للاستهلاك المحلي وتبنى موقف دفاعي محض يميل إلى التهدئة وتبديد المخاوف من احتمال تطبيق النموذج الإسلامي في الحكم وهذا يحسب لصالحه لأن قواعد اللعبة وطبيعة المفاجأة التي أحدثها وصول حزب العدالة والتنمية إلى البرلمان بهذه القوة وهذا الزخم تقتضي اللعبة بطريقة هادئة لا تثير حفيظة العلمانيين.<BR>رمى إردوغان في طرح مشروع الحجاب على البرلمان حجر على أكثر من عصفور في وقت واحد أراد من خلاله بسط هيمنته على مفاصل وتفاصيل المشهد التركي البرلمان والحكومة والرئاسة ومعقل العلمانيين الأخير والأخطر وهو الجامعات.<BR>ويرى المراقبون السياسيون أن التوقيت الذي اختاره إردوغان لطرح مشروع الحجاب وحصوله على تأييد كبير من قبل البرلمان سيحجم من دور الجيش ويبقيه داخل ثكناته العسكرية ويكرس تقليدا غير مألوف في المشهد التركي وهو تبعية المؤسسة العسكرية إلى المستوى السياسي المنتخب وليس العكس كما كان يحدث طوال العقود الستة الأخيرة.<BR><BR><font color="#ff0000"> رحلة الحجاب في تركيا،،</font><BR>تفاعلت مشكلة الحجاب في تركيا بشكل كبير عندما وصل حزب الرفاه إلى السلطة لأن الحجاب في تركيا كان موجود بل إن الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال نجح في الثمانيات بإصدار قرار له قوة القانون أباح حرية ارتداء الحجاب لطالبات الجامعات لكنه أعطى حق التنفيذ يعني حق المنع للإدارة فرئيس الجامعة (قد يمنع وقد يسمح لطالبات الجامعات بارتداء الحجاب) ولكن عندما وصل حزب الرفاه إلى السلطة وفي إطار محاولة إحراجه أمام الجماهير الإسلامية ازدادت الضغوط من جانب العسكر والقوة العلمانية من أجل إحراج حزب الرفاه الذي لم يستطع أن يفعل للمحجبات مثلما فعل (تورغت أوزال) وبالتالي كان الهدف إحراج التيار السياسي الإسلامي في تركيا أكثر من كونه إحراج المحجبات.<BR>وتحظر السلطات العلمانية الحاكمة في تركيا على النساء اللواتي يرفضن رفع الحجاب الانتساب والدخول إلى المدارس والجامعات ومؤسسات الدولة أو تولي وظائف إدارية باعتباره مساسا بالنظام العلماني.<BR>وتلاحق النخبة العلمانية بدعم من الجيش الذي يتمتع بنفوذ كبير أي تعبير عن الإسلام السياسي وتعتبره خطرا على البلاد وعلى توجهها الموالي للغرب وقد انتقد الإسلاميون في عهد حكومة رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان والأحزاب الإسلامية الأخرى هذه الإجراءات وكذلك انتقدها الليبراليون ومجموعات الدفاع عن الحقوق المدنية.<BR>كما تحظر تركيا على النساء اللواتي يعملن في سلك التدريس أو الوظائف الحكومية الأخرى أيضا لبس الحجاب كما تمنع النساء من التقاط صور بالحجاب في معاملات رخص القيادة أو جوازات السفر أو التسجيل في الجامعة.<BR>وقد تم التشديد في تركيا على تطبيق قانون حظر الحجاب منذ عام 1997 عندما أطلق الجيش حملة علمانية عنيفة نتج عنها عزل نجم الدين أربكان الذي يعد أول رئيس وزراء في تركيا ذات توجه إسلامي هذا وقد فشلت المحاولات التي بذلتها حكومة حزب العدالة والتنمية لحل مشكلة الحجاب خلال الأعوام الماضية بسبب اعتراض القوى العلمانية التي كانت مصممة على التصدي لسياسات الحكومة في هذا الموضوع ولا يتضمن الدسـتور التركي أي إشارة إلى الإسلام أو الشريعة لذا ينطلق الإسلاميون من دفاعهم عن الحجاب ضد الدولة لا من أصله الشرعي الإسلامي بل انطلاقا من مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهو ما يزيد الأمر صعوبة عليهم بخلاف الحال في معظم الدول الإسلامية الأخرى التي يعطي النص على الإسلام ولو باعتباره دينا رسميا في دساتيرها منطلقا قويا للإسلاميين في الدفاع عن الحجاب.<BR>ويتمثل جهد الدولة في محاربة الحجاب في وسائل عدة منها بمنع دخول المحجبات إلى الجامعات ومن المعتاد أن نجد مع بدء كل عام دارسي القوات المدججة بالسلاح تحيط بالجامعة لمنع المحجبات وتقوم الشرطة النسائية بإخراجهن بالقوة.<BR>كما تمنع المحجبات من العمل في المؤسسات الحكومية وقد تعرضت مئات الموظفات للفصل أو الإجبار على الاستقالة بسبب الحجاب لعل أكثرها شهرة هي طرد النائبة المحجبة في حزب الفضيلة المنحل مروة قاوقجي في عام 1999 من البرلمان بالإضافة إلى اتخاذ بعض الإجراءات المحاصرة للحجاب مثل حظر ارتداء نساء العسكريين له وعرقلة حصول المحجبة على جواز للسفر أو البطاقة الشخصية بالمقابل تؤثر طائفة من المحجبات ترك الدراسة على خلع الحجاب فيما يتوجه البعض من اللواتي يملكن إمكانيات مادية إلى دول خارجية تبيح الحجاب لاستكمال دراستهن.<BR>وتعتبر تركيا البلد الأكثر الذي أصبحت فيه قضية الحجاب قضية مثيرة ومعقدة حيث أصبحت هذه القضية المنعطف الذي تقف عنده هوية تركيا الحديثة بين التغريب والذوبان في الثقافة الغربية والتمسك بالأصالة الدينية والوطنية.<BR><BR><BR><br>