كوسوفا : ما الذي ستجنيه من الاستقلال ؟
9 صفر 1429

<font color="#0000FF">ليس صحيحا أن كوسوفا خالية مما يسيل له لعاب الطامعين في الثروات</font><BR>يشير "بايرون" إلى أن "الاستقلال الحقيقي يجعل الأمم حرة " فتحرير الفرد يجعله أنفع للدولة ، وتحرير الشعوب يجعلها أقدر على البناء الحضاري والإبداع . وكم من البلدان التي تدعي الاستقلال ، لم تتخلص بعد من الاحتلال ،حتى في مفهومه التقليدي ،وجود عسكري للأجنبي الغربي فوق أراضيها ،وهمينة واضحة على قرارها السياسي ،واستنزاف متواصل لمواردها الطبيعية ،بأشكال مختلفة ،مباشرة وغير مباشرة . <BR>ورغم أن كوسوفا لا ولم تمثل استثناءا بحكم أن غالبية سكانها من المسلمين ، حيث نجد حرصا غربيا على حرمان المسلمين من نعمة الحرية الحقة التي تجعل الامم حرة ، وتدفع بها للرقي وبناء نهضتها الشاملة ، رغم ذلك فإن التخلص من احتلال استيطاني مر عليه عقود طويلة ،ولفترات متقطعة حينا ومتوصلة حينا آخر ،يمثل انجازا كبيرا ،ويعطي الأمل في انفراج الغمة مستقبلا . <BR><font color="#ff0000">ماهية الاستقلال ؟ : </font><BR> الاستقلال ليس حدودا وعلما وحكومة ورئيسا ونشيد وطني فحسب ، بل سيادة ،ومرجعية حضارية ،وتمثيل شعبي حقيقي ،وانتماء جذري للهوية . وما دون الاستقلال مراتب، فهناك حكم ذاتي ، يتمثل في إدارة البلديات و الموارد والقطاعات المحلية بينما السيادة لجهة أخرى ، قد تكون الدولة المركزية ، ويعد النموذج السويسري ، أو الفيدرالي الأميركي ، وجمهوريات يوغسلافيا السابقة ،وروسيا الاتحادية اليوم وغيرها مثالا على ذلك ،مع تفاوت في مدى تدخل المركز في تسيير الشؤون الداخلية ذاتها . وهناك دول منقوصة السيادة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فتايوان مثلا ورغم أنها شبه دولة مستقلة إلا أنها ليست عضوا في الامم المتحدة ، وهي من ناحية القانون الدولي الذي خطه الأقوياء لحماية مصالحهم ، لا تزال تشكل جزءا لا يتجزأ من الصين . بيد أن هناك دولا أعضاء في الامم المتحدة ولديها وزارات سيادة وهي الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والعدل ،لا تملك سيادتها المرهونة لقوى دولية ترعى أنظتها السياسية الفاقدة للشرعية الشعبية ، لذلك تتحالف مع قوى الهيمنة ضد مصالح شعوبها المتناقضة مع مصالحها الشخصية البحتة . ومن هذا المنظور فإن الاستقلال بالنسبة للشعوب والامم المغلوبة على أمرها معركة مستمرة يوميا وصيرورة وليس حالة أو مرحلة تاريخية لها محطة واحدة . <BR><font color="#ff0000">موقع كوسوفا ؟ : </font><BR>كوسوفا في هذه الحالة ستكون دولة منقوصة السيادة ، وفق خطة المبعوث الدولي مارتي اهتساري ، حيث ستتحول السيادة من بلغراد إلى بروكسل ، أو بالأحرى من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الاوروبي . مع فارق كبير هو أن الامم المتحدة كانت تدير كوسوفا مع الاعتراف بالسيادة الصربية الشكلية عليها ، كشكلية سيادة بعض دولنا على حدودها ومواردها وموقفها السياسية .بينما ستكون كوسوفا في ظل الإدارة الاوروبية غير خاضعة لهمينة دولة إقليمية تزعم أن لها حقا في كوسوفا ، حتى وإن كان ذلك ثابت تاريخيا فيما يتعلق بألبانيا الأم ،التي تم اقتطاع أجزاء منها ألحقت بصربيا مثل كوسوفا ، ومقدونيا ،واليونان وغيرها . ويعتقد الألبان بأن ذلك سيكون مجرد مرحلة انتقالية مهمة ومصيرية ، وأن استقلال كوسوفو ولو بشكله التقليدي هو هدفهم الأسمى . لذلك كان رئيس الوزراء الجديد في كوسوفا هاشم تاتشي يعني ما يقول عندما ذكر بعد مصادقة البرلمان المنتخب في 10 يناير الجاري على توليه منصب رئيس الوزراء ،وعلى التمديد للرئيس فاطمير سيديو وعلى تشكيلة الحكومة الجديدة في بريشتينا ،أن " حلم رؤية كوسوفا دولة مستقلة سيصبح في القريب العاجل حقيقة واقعة " وتابع " الاستقلال لن يحل كل المشاكل ولكن سيساهم في حل الكثير منها"وذكر بأن فترة وولايته سيكرسها للاصلاح والتنمية الاقتصادية والنهضة الثقافية وجلب الاستمثارت الخارجية ومحاربة الفساد "وتكلم باللغة الصربية موجها حديثه للصرب "حكومتي ستعمل على احترام حقوق الأقليات ،ودولة كوسوفا ستكون لكل من يعيش فيها ،وللجميع العدل والأمن " . <BR><font color="#ff0000">" الحرية والأمن " : </font><BR>سيتمتع شعب كوسوفا في ظل " الاستقلال " بالأمن والحرية التي افتقدها طوال فترة الهيمنة الصربية عليه ، وإن كان مستوى الحرية سيوضع له سقف ،كماهو حاصل في الكثير من الدول الاسلامية ،وستحاصرالحرية الاسلامية بالتحديد ،ولكن بعض الشر أهون من بعض . ويؤمل أن لا تشهد كوسوفا عمليات اعتقال عشوائية ، وحظر تجول ، وأكثر من ذلك حرب إبادة كما حصل في سنتي 1998 / 1999 م . <BR><font color="#ff0000">" الإستقلال الثقافي " : </font><BR>لقد تعرضت كوسوفا لعدوان ثقافي لعدة عقود تم فيه تجميد بناء المساجد ، حيث لم تبن أي مساجد جديدة منذ الفتح العثماني ، ومنعت السلطات الصربية تدريس اللغة الألبانية ، وحاولت فرض اللغة الصربية على الجميع . وبعد 1999 م شهدت كوسوفا بناء العديد من المساجد ، وساهم احتكاك الكثير من الألبان بالمؤسسات الاسلامية العاملة في مجال الاغاثة في استعادة ذاكرتهم وهويتهم الاسلامية ، إلى جانب طفرة الحرية التي تعيشها المشيخة الاسلامية التي تحتاج للبرامج والمساعدات المختلفة لأداء دورها على أحسن وجه . لكن الأنشطة الثقافية الاسلامية تراقب ويحد منها على الطريقة الأوروبية ، وتحاصر بكم هائل من الدعاية المضادة غير المباشرة ، وتستعمل كل الطرق ولا سيما الاعلامية منها لربط شعب كوسوفا بطريقة الحياة الغربية . والحقيقة أن الوضع إبان الهيمنة الصربية لم يكن أفضل ، وعقدة الأوربة لا تزال مستحكمة في سائر شعوب البلقان منذ عهد طويل ، فالنموذج الغربي هو المثال لدى الكثيرين ، والأمر يحتاج لجهد مضاعف ،وبالتعاون مع المشيخة الاسلامية ، فكثيرا ما تخيلت المشيخات في المنطقة أن هناك من يريد أن يحل محلها .<BR><font color="#ff0000">الثروات وفرص العمل : </font><BR>ليس صحيحا أن كوسوفا خالية مما يسيل له لعاب الطامعين في الثروات ،فهي غنية بالمياه والفحم الحجري والأخشاب والكثير من المعادن ، التي كان يذهب ريعها إلى خزانة بلغراد ،ويجلب لها فائضا من العملة الصعبة يقدر ب 4 مليارات يورو سنويا ، ومن شأن هذه الثروات في حال تم حمايتها من المفسدين والنهابين الجدد ،أن تساهم في الرفع من مستوى دخل الفرد في كوسوفا وتنمية البلاد . إضافة لخصصة 500 مصنع ومؤسسة انتاجية في محاولة لانعاش الاقتصاد في كوسوفا بعد 8 سنوات من انتهاء الحرب ، حيث حول الصرب في سنتي 1998 و 1999 الكثير منها إلى معسكرات اعتقال بعد أن نقلوا الكثير من معداتها إلى داخل صربيا ، ومن بينها مؤسسة كبيرة للصناعات الكهربائية قرب بريشتينا حولها الصرب لمعسكر اعتقال أثناء الحرب . وقال كيرك أدمز رئيس مؤسسة " تروست أجنسي " المعنية بخصخصة الشركات التابعة للدولة في كوسوفا " وصل الاقتصاد إلى الحضيض وقاربت نسبة البطالة الـ 70 % والامم المتحدة تعمل على خصخصة المؤسسات في محاولة لانهاض الاقتصاد و نحن نعمل بشكل مستقل لتحقيق الاولويات " و قال " تعتبر عملية خصخصة مصنع التعدين أهم عملية قمنا بها في كوسوفا حتى الآن لانها تعني توفير10 الآف فرصة عمل في هذا القطاع بالاضافة لاستثمار قيمته 20 مليون يورو ، وسترتفع نسب الاستثمار حسب توقعاتنا في السنتين القادمتين " وتابع " يتمتع استخراج المعادن بأولوية كبيرة في كوسوفا وقد يحافظ على مكانتها في المستقبل " وأشار إلى أن المؤسسة التي يرأسها " ستقوم بخصخة المزيد من المصانع مما سينعكس ايجابا على زيادة فرص العمل و الاستثمارات حيث تم خصخصة 30 مصنعا ومؤسسة من أصل 500 شركة معروضة للخصخصة " . وأضاف " إذا لم تنجح المؤسسة الدولية في استقطاب المزيد من الاستثمارات فسوف تكون لذلك ردود فعل سلبية لا سيما في ظل ما تنشره الصحف الالبانية عن الرواتب الكبيرة جدا لموظفي الامم المتحدة و التي تزيد من غضب الشباب الالباني من الادارة الدولية لموارد بلادهم " . <BR>ـــــــــ<BR>* كاتب عربي مقيم في منطقة البلقان <BR><BR><br>