بعد مقتل مغنية..هل سترد دمشق باغتيال جديد في لبنان؟
6 صفر 1429

على الرغم من أن اغتيال أعلى مسؤول عسكري في حزب الله الشيعي اللبناني شكل صدمة في أوساط الحزب، فإن الصدمة الأكبر تلقتها دمشق التي وقعت العملية على أراضيها (باعتراف "حزب الله" عبر قناة "المنار" التابعة له، على الرغم من الصمت الرسمي السوري) وبحرفية استخباراتية عالية، حيث وضعت قنبلة صغيرة على مقعد مغنية في سيارته وجرى تفجيرها ليلقى مصرعه على الفور هو وأحد مرافقيه، من غير أن تلحق السيارة ذات الدفع الرباعي أضرار كبيرة وفقا لشهود عيان، ومن دون أن يؤدي التفجير إلى مقتل أي شخص آخر خارج السيارة، ما يعني أن منفذ العملية كان يعرف بدقة الشخص الذي يستهدفه على الرغم من أن صور عماد مغنية المتداولة قليلة جدا، وتردد أنه أجرى عملية تغيير ملامح للوجه مرتين على الأقل، آخرهما عام 1997. وهو ما يؤكد أن الفاعل المحترف حدد بدقة هدفه، وحدد بدقة أكبر متى يفعل ذلك، وكيف ينسحب من المكان من دون أن تفلح العيون الأمنية السورية المفتوحة على مصراعيها في رصده. <BR>جاء اغتيال مغنية ليثير عددا كبيرا من التساؤلات، ليس أبرزها الحديث عن طبيعة المهمة التي كان يقوم بها في دمشق، وهل لها علاقة بالتصعيد الأخير في لبنان؟ لا سيما بعد التصريحات العدائية المتبادلة بين أقطاب الموالاة والمعارضة، وإعلان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط استعداد الأكثرية للحرب إذا أرادت المعارضة الموالية لطهران ودمشق إشعالها، ورد مسؤول رفيع في الحزب بتهديد جنبلاط باستهدافه وهو في غرفة نومه، ما يعني تهديدا صريحا بقتله. كما جاء اغتيال مغنية في دمشق دليلا دامغا على التورط السوري في لبنان والعلاقة الوثيقة بين "حزب الله" وبين القيادة العلوية التي ما زالت تمارس نفوذها في لبنان عبر وكلائها في المعارضة.<BR>السؤال الأهم الذي يثيره اغتيال مغنية هو: كيف اخترقت الاستخبارات الصهيونية التي وجه "حزب الله" أصابع الاتهام إليها مباشرة كل الإجراءات الأمنية السورية التي من المفترض أن تصاحب مسؤولا بهذا الحجم؟ وكيف عرفت الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" بوجود مغنية في دمشق مسبقا، بدليل الطريقة "الجراحية" الدقيقة التي تم بها الاغتيال، حيث تم تفخيخ السيارة التي كان مغنية يستخدمها في تنقلاته في أحد الأحياء الراقية في دمشق بحرفية عالية، وجرى تفجيرها بعد ثوان من دخول مغنية إليها كما ذكرت فضائيات عربية وغربية؟.<BR>اللافت أنه على الرغم من الترحيب الرسمي والشعبي "الإسرائيلي" باغتيال مغنية، الذي برز في وصف وسائل الإعلام الصهيونية العملية بـ نهاية "الحساب الطويل"، حيث عنونت صحيفة "يديعوت احرونوت" الأوسع انتشارا في الدولة العبرية موقعها على الانترنت بعبارة "تمت تصفية الحساب"، وقطعت محطات التلفزيون والإذاعة الصهيونيين برامجهما فور إعلان مقتل مغنية ووصفه بـ"أخطر إرهابي في الشرق الأوسط منذ ثلاثين سنة"، فإن مكتب رئيس وزراء الكيان الصهيوني إيهود أولمرت نفى أن تكون "إسرائيل" متورطة بأي صورة في اغتيال مغنية، وقال بيان صادر عن مكتب أولمرت: إن "اسرائيل ترفض محاولات عناصر "إرهابية" لأن تنسب لـ "اسرائيل" أي تورط في هذا الحادث". وهو نفي قد يكون مؤقتا كما حدث بعد استهداف الموقع العسكري السوري الحدودي، إذ أكدت الحكومة "الإسرائيلية" وقوع الغارة بعد مرور فترة طويلة على تنفيذها، كما أن الهدف منه قد يكون تجنب رد فعل متعجل قد يطال مصالح وسفارات الكيان في العالم.<BR> السؤال المهم كذلك وهو تنبيه في الوقت ذاته، ينبغي أن يوجه لقادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي للحركة المقيم في دمشق خالد مشعل، بأن يأخذوا حذرهم، ولا يركنوا إلى ما يزعم "الحليف السوري" العلوي أنه يوفره لهم من إجراءات أمنية، وقد يكون مناسبا تذكير قادة الحركة باستهداف عز الدين الخليل، أحد أبرز قادة "حماس" في دمشق قبل عامين على يد الاستخبارات الصهيونية.<BR>يثير الانتباه أيضا التغطية التي أفردتها فضائية عربية إخبارية باتت في الآونة الأخيرة متحدثة بلسان الشيعة في المنطقة لا سيما عبر تغطيتها المنحازة للأحداث في لبنان، لمقتل مغنية، وتأكيدها عبر معظم من استضافتهم، ومدير مكتبها في بيروت أن "الراحل" الكبير كان من زعماء المقاومة، وأنه رمز من رموز الصمود، إلى الحد الذي دفع مراسل الفضائية المذكورة وهو شيعي إلى أن يختنق صوته بالبكاء وهو يتحدث عن عملية الاغتيال.<BR>على صعيد الشخص المستهدف نفسه، وبعيدا عن الفرحة الصهيونية والأمريكية باغتياله، فإن عماد فايز مغنية الذي عده البعض أعلى مسؤول عسكري في "حزب الله"، والملقب بـ "الحاج رضوان"، المطلوب في 42 دولة، والذي رصدت المخابرات الأمريكية 25 مليون دولار لمن يدل عليه، لم يكن بريئا من الكثير من العمليات التي استهدفت العرب السنة في كثير من أنحاء العالم، فمغنية المولود في عام 1962 في مدينة صور بالجنوب اللبناني في بيت مزارع شيعي والذي كان ضابطا في "القوة 17" التابعة لحركة "فتح" التي تتولى مسؤولية الحماية الشخصية لـياسر عرفات، التحق بعد خروج الفلسطينيين من بيروت عام 1982 بحركة "أمل" الشيعية، وبعدها انتقل إلى "حزب الله" الشيعي اللبناني، بالتزامن مع انتقال "حسن نصرالله" إلى الحزب ذاته. وقد ذهب مغنية إلى إيران وهو في العشرين من عمره، وشارك لمدة أربعين يوما في الحرب على الجبهة الإيرانية ضد العراق، وحصل على ترشيح أحد قيادات الحرس الثوري الإيراني الذي زكاه للعمل مسؤولا عن استخبارات "حزب الله" في بيروت، ثم أصبح أعلى مسؤول عسكري في الحزب. وتوجه مغنية إلى العراق برفقة خلية تابعة لـ"حزب الله" الشيعي أسهمت في تدريب قيادات في ميليشيا المهدي التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر والمسؤولة عن استهداف العرب السنة في العراق، كما رتب رحلات تدريبية لعناصر من ميليشيا المهدي في معسكرات "حزب الله" في لبنان. وهو المسؤول عن تفجير السفارة العراقية في بيروت في الثمانينات، واختطاف طائرة كويتية من نوع "بوينج ـ 747 جامبو" عقب إقلاعها من مطار "بانكوك" في رحلة اعتيادية إلى الكويت، عندما اختفت من على شاشات الرادار وهي فوق بحر العرب قرب سلطنة عمان، لتهبط في عدة مطارات منها "قبرص" حيث قتل "عماد" مواطنين كويتيين وألقى بجثتيهما على أرض المطار، كما أن له علاقة بتفجيرات الخبر السعودية. <BR>ومن الجدير بالذكر أن عماد مغنية كان قد تعرض لمحاولة اغتيال عام 1994 في "محلة الصفير" في الضاحية الجنوبية لبيروت، أدت إلى مقتل شقيقه فؤاد المسؤول في "حزب الله" وجرى توجيه الاتهام رسميا لشخص يدعى أحمد الحلاق وإعدامه.<BR>..التزمت دمشق كالعادة الصمت على الصعيد الرسمي، وخلت وكالة الأنباء السورية وكل وسائل الإعلام التي يحكم النظام العلوي قبضته عليها من أي إشارة حتى للانفجار الذي بات حديث وسائل الإعلام العالمية قاطبة، وهو الصمت نفسه الذي واكب تحليق الطائرات الصهيونية فوق قصر الرئيس السوري بشار الأسد، وقصف الموقع الذي زعمت الاستخبارات "الإسرائيلية" والأمريكية أنه كان مخصصا لإنشاء منشأة نووية، ويومها توعدت دمشق على لسان أعلى مسؤوليها برد قاس على العدوان الصهيوني ومضت الأيام بل والشهور كما مضت بعد تحليق الطائرات "الإسرائيلية" فوق قصر الرئيس السوري من دون أي رد باستثناء تصاعد الاغتيالات في لبنان التي استهدفت قادة سياسيين وعسكريين على صلة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.<BR>وإذا كان لنا أن نتساءل في النهاية عن رد "حزب الله" الشيعي اللبناني والنظام العلوي على الاختراق الأمني الخطير واللطمة التي وجهتها الاستخبارات الصهيونية لهما، فهل نتوقع أن يكون لبنان ميدان هذا الرد، وهل تتخذ سوريا وحليفها الشيعي ما حدث تكأة لحرق الأخضر واليابس تحت أقدام الأكثرية اللبنانية والقيام بعمليات اغتيال جديدة يبقى المسؤول عنها مجهولا كالعمليات السابقة؟ <BR><br>