بوش الخائف.. ماذا يريد من المنطقة؟!
2 محرم 1429

[email protected] <BR><BR>دخل فلسطين خائفاً مرتعداً.. منحت حراسته الكثيفة لأجهزة الأمن الفلسطينية الفتحاوية إجازة حتى نهاية الزيارة، وحلت بدلاً منها، فارتقت قناصتها أسطح المنازل، وانتشرت مجموعاته حول مبنى المقاطعة في رام الله الذي أضحى عنواناً للمقاطعة بين الفلسطينيين؛ فالفريق الأمني الذي درب أجهزة أمن الرئاسة (محمود ميرزا) لم يطمئن إليها في النهاية؛ فلربما تسرب إليها مناضل يجري الدم الفلسطيني في عروقه ففعل ما لا تحمد عقباه.<BR>أصدر فريق الحراسة الكبير الذي يحيط بالرئيس الأمريكي "أوامره" لجميع أفراد الأجهزة الأمنية العاملين في مقر الرئاسة برام الله ومحيط المقاطعة، وضمنهم ضباط كبار من قوات أمن الرئاسة، بالتزام بيوتهم؛ ليتكشف لهؤلاء المرتزقة عياناً من يعملون لحسابه بشكل مباشر الآن، ومن يدفع رواتبهم، وكيف يعاملهم، ومدى ثقته بهم في النهاية!! <BR>وإذا كان عملهم لا يؤهلهم لحراسة "ضيف" قادم، أو حماية "سلطتهم" من التجولات التي تنهب أرض رام الله بين حين وآخر من قبل وحدات الجيش والأمن الصهيونية، أو حتى الوقوف في وجه حماس حين هرول حرس الرئيس عباس أمامها جزعاً في غزة في أواسط العام المنصرم، فلماذا يتقاضون رواتبهم؟! <BR>على أية حال، ليس هذا موضوعنا، وإن كانت دلالته لا تغيب في تلك اللحظة، وإنما في ذاك "الزائر" فلسطين، وهو في حال من الخوف والارتعاب تذكرنا ـ من باب المخالفة ـ بـ"أمن" عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الشخصي حين دخل فلسطين مظفراً يتسلم مفتاح بيت المقدس، ساعة تمهد العدالة للقادم المكان وتمنحه الثقة في الحركة والسفر وملاقاة الأعداء كما الأصدقاء بلا وجل أو خوف أو ارتعاد. <BR>لقد فحصوا ما بداخل الأرض من قنوات الصرف بالروبوت بعد أن طلبوا خرائط لها فبذلها لهم "كرماء المقاطعة"، وجرفوا الأرض مخافة تفخيخها أو وجود أنفاق مطمورة تحت الأسفلت، وبدلوا الحراسة، وفرضوا حظر التجول، وطردوا عائلات من منازلها، وموهوا عن رحلة الرئيس الأمريكي ليحل بسيارة بدلاً من حوامة كان أعلن أنها سيستقلها، ودخل بوش مبنى المقاطعة مهرولاً كزعيم عصابة ينتظره أعوانه؛ فلا حفل استقبال ولا استعراض حرس، وفي ذلك عدة معانٍ لها دلالاتها؛ فالرئيس أولاً جاء خائفاً وقد سبقته عدة صواريخ أطلقتها المقاومة الفلسطينية على مغتصبات صهيونية، وهو الذي يبدي دعمه الكامل لنظام محمود ميرزا (أبو مازن) في مقابل حكومة رئيس الوزراء المنتخب إسماعيل هنية، لا يمنحه ولو شيئاً من البروتوكول الرئاسي ما يساعده حتى على تسويق فكرة "الدولتين"، أو هو يعد أنه من "أهل الدار" فلا يحتاج إلى بروتوكول رئاسي، لأنه بالكاد يعتبر "المقاطعة" ضيعة من ضياع تكساس التي يمتكلها آل بوش.. وهل يحتاج بوش لاستعراض حرس شرف في إجازاته بتكساس؟!!<BR>ومهما يكن من تفسير؛ فإن الرئيس أهان "مضيفيه"، وهو جاء في فلسطين المحتلة 48 "إسرائيل" ليعلن عن دعمه لها كـ"دولة يهودية"، وليذهب كل من يسوق لعلمانية الدول في بلادنا الإسلامية إلى مزابل التاريخ؛ فالرئيس الأمريكي يعرف "يهودية الدول" ولا يعرف "إسلاميتها"، والرئيس "المؤمن" وفيٌ لما يؤمن به بخلاف الجرذان الذين يخجلون من دينهم وعقيدتهم وهويتهم. <BR>الرئيس جاء في نهاية ولايته ليقول للجميع أن فلسطين ستظل للأبد دولة لليهود حتى يأتي "المخلّص" أيّا كان ليبيد المسلمين ويقيم دولته "مملكة الرب" فلا هزيمة بعدها أبداً.. ولا غرو أن تبقى في الدولة "مقاطعة"، مجرد مقاطعة في أملاك يهود يديرها أممي مطيع، من جذور إيرانية.. <BR>على أن الرئيس الأمريكي لم يأت إلى المنطقة ليردد هذا الكلام الممجوج عن يهودية "إسرائيل"، ولا ليعطي زخماً لـ"السلطة الفلسطينية"، وحكومتها غير الشرعية في رام الله، إذ يكفي وعد من واشنطن باستمرار تدفق الدولارات من بعض الدول العربية والإسلامية والقليل من الأمريكيين والأوروبيين لتتطامن نفوس مناضلي الفنادق والفضائيات، وإنما هناك عدة قضايا احتاجت من الرئيس الأمريكي الحضور بنفسه للمنطقة.. فالملف الإيراني كان بحاجة لإعادة تنشيط لاسيما ولدى أساطين صناعة السلاح، والذين يرتبطون بشكل وثيق بالإدارة الأمريكية التي تنتمي إلى الحزب الجمهوري، ما يحفزهم لتنشيط تصدير السلاح إلى المنطقة على خلفية تضخيم فزاعة إيران الفاعلة في هذا المجال. <BR>والجمهوريون يرقبون بالتأكيد الصعود الظاهر لمرشحي الحزب الديمقراطي والكاريزما التي يتمتعون بها، وحاجة أمريكا لحكم يقوده الديمقراطيون لترتيب أوضاع ما بعد الحروب مثلما جرت العادة على ذلك، وبالتالي؛ فإن الحديث عن خطر إيراني مرة أخرى، هو رافعة هذا النشاط الاستثماري الأمريكي، وقاطرة زيادة التأثير العسكري في المنطقة، والذي تزامن ـ من دون أدنى مصادفة ـ مع التصعيد الشكلي الذي تم بين واشنطن وطهران، اللذين أديا دورهما بمهارة في لعبة البلوتوث الشهيرة في الخليج العربي المسلم، عندما تبادلا الاتهامات ثم أشرطة الفيديو عبر الإعلام للتدليل على مشكلة لم تحصل ـ واقعياً بشكل جاد ـ إلا في مخيلات مخرجي الشريطين الهوليوديين.<BR>أيضاً، لدى الرئيس الأمريكي ما يحفزه للمجيء إلى المنطقة ليمحو آثار زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لا محو عار الخنا والرذيلة والاستخفاف بالشعوب المسلمة وإهانة كرامتها عندما اصطحب عشيقته، نظيرته في الجذور اليهودية إلى بلدان العالم العربي جارحاً شعور المسلمين ومستهيناً بمعاني الشرف لديهم.. <BR>لا، لم يأت الرئيس الأمريكي ليمحو هذا الأثر؛ فهو يدرك أن ذلك ليس في صدر أولويات زيارة ساركوزي (وإن كان ذلك ليس خارجاً عن الأهداف التالية لزيارته)، وإنما لأن الرئيس الفرنسي النشط جاء مسوقاً لمشروعه المتوسطي الجديد، الذي يتعارض اقتصادياً مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ومشروعها للشرق الأوسط الجديد. <BR>الزيارة لم تزل في بدايتها، وقد تفاجئنا بما هو أفدح، وكحالنا الدائم ليس علينا إلا أن نرصد، ونترك للاعبين الحقيقيين الركض في أنديتنا!!<BR><br>