نظرة باردة في أحداث نهر كان بارداً
3 ذو الحجه 1428

ألقت أحداث نهر البارد التي حدثت مؤخراً بظلالها على الوضع العام في لبنان والعالم العربي عموماً ، وأوضاع أهل السنة على وجه الخصوص .<BR>لقد كشفت – كما أحداث الحرب "الإسرائيلية" على لبنان صيف عام 2006 م – هشاشة الوضع السني في لبنان من جهة ، إضافة إلى قدرة الآخرين ( ... ) على اختلاف توجهاتهم في التلاعب بمشاعر أهل السنة ، واللعب على وتر الجهاد أو التعرض لقوات اليونيفل ، أو الأديان والمذاهب الأخرى .<BR>بين فترة وأخرى يطلع علينا رجل متكئ على أريكته واضعاً لثامه على نصف وجهه شاهراً سلاحه بيمينه ، وأمامه أو خلفه ما يدل على أنه من المسلمين ، جالساً أو واقفاً أمام الكاميرا ، ليعلن البيان رقم ( 1 ) ، فيكفّر هذا ، ويفسّق ذاك ، ويدعو إلى قتل هذا وأسر ذاك ، وسلب ذلك ، دون أن يكون لديه أثارة من علم ، أو مسكة من فهم.<BR>وإذا عدنا إلى تاريخ هذا الرجل أو ذاك؛ فسوف لن نجد لديه ما يسعفه من العلم الشرعي أو الخبرة والوعي ، والمعرفة بالظروف والمتغيرات.<BR>غير أننا – إذا أحسنا الظنّ – سوف نجد لديه حماساً غير منضبط بعقل أو نقل، تبعه التفاف شراذم من بعض الجهال حول هذا الشخص ليقدّموا الإسلام للناس – بحسب زعمهم – ليكونوا في نهاية الأمر حزباً أو منظمة أو جماعة.<BR>هذه المقدّمة لابد منها لفهم الأحداث التي حدثت مؤخراً في نهر البارد ، لكونها استطاعت أن تجمد الدماء في عروق الدعاة إلى الله، وتفتح قلوب وعقول الناس على متلازمة لا يعوزها البرهان والدليل في نظر غير المدققين مؤداها : السلفية = التكفير = الجهاد = القتل والتفجير.<BR>ولست في وارد مناقشة هذه الأفكار أو التفصيل فيها فهذا له شأنٌ آخر، كما أن له فرسانه الذين يوضحونه أتم التوضيح، بيد أن ما يهمني في هذا الصدد أن أشير إلى خطورة الانسياق خلف التصرفات الفردية اللامسؤولة من قبل البعض لتصب في مصلحة أناس لم يكونوا يحلموا بأن يحصّلوا معشار نتائج مثل هذه التصرفات.<BR>وأياً ما كان الأمر؛ فلاشكّ أن الدعوة في لبنان – بعامة – وفي طرابلس والشمال – بخاصة – خسرت كثيراً بمثل هذه التصرفات، ويمكن إجمال بعض الخسائر بما يلي :<BR>- ما أسلفت الحديث عنه آنفاً من وضع الناس جميعاً في سلة واحدة، سواءً من قبل منهم بمثل هذه التصرفات أو من رفضها، ليكون الجميع في قفص الاتهام .<BR>- تراجع هيبة العلماء وطلبة العلم والدعاة عند الدولة والناس.<BR>- كثرة الحديث حول ارتباط السلفية بكل ما هو إرهاب أو قتل أو تفجير.<BR>- تجميد أو تأخير بعض الأنشطة الدعوية أو التربوية ونشوء عقبات جديدة لم تكن موجودة سابقاً. <BR><BR>إن واحدة من هذه السلبيات كفيلة بنقض مثل هذه التصرفات، فمابالك بها مجتمعة!<BR>لقد تكاثر الحديث في لبنان حول دور الجمعيات الخيرية في لبنان، من حيث كونها داعمة للإرهاب أو مناصرة له بشكل أو بآخر، متسترة باسم الدين، وقد تولى كبر هذه التصريحات ونفخ في كيرها بعض أبناء جلدتنا إضافة إلى زعماء بعض الأحزاب المسيحية. <BR>وإذا كان بعض هذه الجمعيات الخيرية أخطأ في عمله فهذا لا يعني تعميم الخطأ على جميع العاملين في هذا الحقل، بحجة دعم الإرهاب، كما تفعل بعض الدول.<BR>ولذلك فإن معالجة مثل هذا الأمر لا تتم بمزيد من الاعتقالات وكيل التهم هنا وهناك، بل بالسعي بشكل حثيث على إيقاف هذه الظواهر، ومن ثم السعي لإزالة أسبابها.<BR>إن هذا الأمر مسؤولية مشتركة بين الدولة بقطاعاتها المختلفة الأمنية والتربوية، إضافة إلى الجهاز الشرعي الرسمي المتمثل في دار الفتوى، وبشكل مواز مسؤولية الجمعيات الخيرية والعاملين فيها. <BR>غير أن ثمة أموراً مهمة يجب أن ننظر إليها وأن نأخذها في عين الاعتبار، ويمكن أن أذكر منها مايلي:<BR>- أن تسعى الطائفة السنية، وأخص منهم الدعاة وطلبة العلم إلى إبعاد كل من يحاول تشويه الصورة النقية للدعوة إلى الله والإسلام، فلا يضيرنا أن ننبذه وأن نعلن البراءة من أفعاله، حتى لا يصيبنا رذاذ حمقه.<BR>- أن يشرع العلماء والدعاة في التخطيط لأعمال استراتيجية دعوية وتربوية، ذات أثر على المستوى الأبعد، وأن لا يستغرقوا في اللحظة الحاضرة، وينشغلوا بها عن التخطيط.<BR>- أن يفكّروا في أهمية الائتلاف والوحدة وأثرهما الإيجابي على العمل الإسلامي والدعوي، ويسعوا إلى ترجمة ذلك مشاريع فاعلة على أرض الواقع.<BR>- النظر في الأعمال التي يقوم بها الآخرون من غير أهل السنة في لبنان، والتي أكسبتهم قوة على الأرض، والإفادة من ذلك.<BR>- الدخول مع الناس بشكل مكثف، وبناء علاقات إيجابية معهم، وعدم الانزواء والعزلة، ويتبع ذلك الدخول في مؤسسات المجتمع المخلتفة وبناء علاقات إيجابية مع شرائح المجتمع المختلفة.<BR>- البحث والتفكير في ابتكار وسائل وطرائق دعوية، تستقطب شرائح جديدة من المجتمع، وتتلاءم مع الواقع اللبناني، لأن ما ينجح في مكان لا يمكن بالضرورة أن يكون مضمون النجاح في لبنان.<BR>- التفكير في المحافظة على المكتسبات وعدم الإطاحة بالوطن في مغامرات ترتد سلباً في اتجاهات مختلفة.<BR><BR>إن هذه المقالة تطرح رؤية بحاجة إلى تكميل من شرائح مختلفة من العاملين في الحقل الدعوي ، من خلال المناقشة وإبداء الرأي .<BR>والله المستعان .<BR><BR><BR><br>