ما أفرح الغطاريس العرب بديمقراطية لبنان!
30 ذو القعدة 1428

[email protected] <BR><BR>المفوض "السامي" الفرنسي الذي جلس في لبنان لفترة طويلة لتعيين رئيس الجمهورية اللبناني بشكل "ديمقراطي" أو على نحو توافقي بين فريقي الموالاة والمعارضة عارٌ على مفهوم الديمقراطية ذاته وعلى مفهوم السيادة الذي تبنى عليه آلية الديمقراطية لتنصيب الرؤساء على كراسي الحكم. <BR>والمستمعون للمؤتمر الصحفي الذي عقده برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي لم ولن تتولد لديهم قناعة بحصول ما يمكن أن يمت للديمقراطية بصلة في لبنان، أو يتسلل إليهم أمل بحدوث آلية نظيفة لنقل السلطة في هذا البلد البائس من دون أن يكون لليد الأجنبية اليد الطولى في التأثير على تركيبة الحكم فيه. <BR>كوشنير لم ينجح لحد الآن في "مساعيه" لتسمية رئيس لبنان، لكنه حاول ولم يجد من يعارض حضوره وتدخله السافر ولو عبر الوساطة في قضية محلية، بل في صميم السيادة الوطنية اللبنانية، ولم يُر معارض أو موالٍ يأنف على بلاده أن تصير نهباً لتدخلات سافرة كهذه في أخص خصوصيتها وهو تسمية رئيسها.<BR>والطريف أن من تحدث، وهو قائد ميليشيا الحرب السابق (القوات اللبنانية) سمير جعجع، عن التدخل الخارجي لم ير فيه إلا تدخلاً من جانب الإيرانيين فقط، وتجاهل وجود هذا "الضيف" الحال ببلاده يوفق بين الفرقاء في اختيار من مِن المفترض أن يختاره الشعب اللبناني!! فجعجع قد استبعد حدوث انفراجة في قضية الرئاسة من لقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري "لأن موضوع الرئاسة أصبح في إيران"، ولأن "هناك بعض الأمور في التاريخ تأخذ طابعاً مضحكاً، فاليوم نشهد واجهة مسيحية لجمهورية إسلامية ما يجب تحويله إلى لجنة الحوار المسيحي – الإسلامي" على حد ما قال جعجع!! <BR>وإغماضاً عن كون ما يقوله جعجع صحيح في زاوية التدخل الإيراني السافر في تشديد موقف المعارضة من الرئاسة وتعويقها لأي حال توافقي، وناهينا عن أن جعجع يسمي المزايا التي يتمتع بها المارون في لبنان بأنها ليست أكثر من واجهة لجمهورية "إسلامية" (والدقيق شيعية)، وهو ما يجافي الحقيقة بقوة ويدير لها ظهره، إلا أنه يكشف عن زاوية ثانية من الأزمة التي تجعل اللبنانيين يتجهون بأبصارهم صوب طهران وباريس وواشنطن ليتعرفوا إلى اسم رئيسهم القادم، وهو أكبر المخازي "الديمقراطية" في المحيطين العربي والإسلامي. <BR>إنها حالة عند الاقتراب منها، فلا أفرح من متابعتها إلا هؤلاء الغطاريس الجاثمين على صدور شعوبهم ما أذن لهم أن يجثموا، إذ إن النتيجة التي يمكن الخلوص إليها من متابعة الحالة اللبنانية أنه قد فشلت تجربتها الديمقراطية في إفراز نظام حكم مستقل لا تعبث به العواصم ولا تشرأب معه الأعناق للتطلع إلى تصريحات الآخرين من شرق وغرب ليقول لهم الجميع كلماتهم، ويصمت الشعب اللبناني ذاته الذي لم يعد بوسعه أن يسمي رئيسه من دون أن يفرض عليه من خارج الديار. <BR>وغبطة كل نظام ديكتاتوري في العالمين العربي والإسلامي كبيرة من هذه المشهد البائس للديمقراطية اللبنانية، إذ يمكنهم رفع عقيرتهم بلعن الديمقراطية التي تفرز هذا النمط من التبعية والارتهان للعواصم "الاستعمارية". <BR>جزء مما سيقولونه صحيح، لكن المشهد لن يكتمل إلا إذا تكاملت ألوانه؛ فلبنان أصلاً لا يعيش أجواء ديمقراطية لأن الصورة بلا رتوش ومساحيق تجهر بأن هذه العواصم "الاستعمارية" لم ترد يوماً للبنان ديمقراطية في وقت ترضى فيه للعواصم التابعة بحظ وافر من الجرأة على مصادرة الآراء والأفكار والرغبات والاختيارات ما يجعل العملة ذات وجهين كلاهما له القيمة نفسها في ديار الصرافة الشعبية.. إن واجب المكاشفة يقتضي القول بأنه أبداً لم تقم أية أنظمة ديمقراطية حقيقية في أي دولة عربية ولا إسلامية، وإن ظهرت قشور وخيالات للديمقراطية هنا أو هناك، وأن الدولة الوحيدة التي ظل يتردد أنها تمارس قدراً من التداول السلمي للسلطة إنما تخايل العواصم المتنفذة العالم بسراب يحسبه الظمآن ماءً لكنه ليس كذلك بكل تأكيد. <BR>إن كثيراً من أصحاب الياقات البيضاء في لبنان ما كان لهم أن يكونوا كذلك في مناصبهم ومكاناتهم إلا بحبل موصول بتلك العاصمة أو تلك، وبعضهم يملك من الوقاحة التي تمكنه من تغيير ولاءاته وقناعاته المعلنة كما تغير العارضة ملابسها، وإن الخصوصية اللبنانية بطبيعتها الفسيفسائية، ونظام حكمها ودستورها، اللذين فرضا عليها تبعية خارجية، وارتهاناً لدول فاعلة، لا يصح لها أن تكون أنموذجاً للديمقراطية تماماً مثلما لا تصلح الأنظمة الديكتاتورية التي تضع المساحيق الديمقراطية أن تمثل هي أيضاً ذلك النموذج. <BR>وليس في هذا أو ذاك ما يدعونا لأن نزداد شوقاً إلى "ديمقراطية" سرابية لن تأتي أبداً في ظل بقاء أحبال سُرية وسِرية تصل هؤلاء وأولئك بمن لا يرجون لنا خيراً أو استقلالاً، وإنما يدعونا لأن نجهر لدهاقنة الغرب بالقول، إن ديمقراطيتكم ـ كما ديكتاتوريتكم ـ كلتيهما بضاعته مزجاة عندنا، ليس لأننا لا نصلح للديمقراطية بالضرورة وإنما لأن "ديمقراطيتكم" لا تصلح لكل زمان ومكان!! <BR>إننا إذن أقدر على فهم ما يصلح به أمر دنيانا وحياتنا منكم؛ فلئن ضننتم بالديمقراطية فلأنكم تدركون أن الدائرة لن تكون لكم ولأذنابكم بها.. نضيف: ولا بغيرها. <BR><br>