إنهم كانوا إذا أجرمت فيهم البريطانية تركوها!
27 ذو القعدة 1428
إبراهيم الأزرق

[email protected]<BR><BR>جاء قرار المحكمة السودانية في قضية البريطانية المتهمة بالإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مخيباً للآمال، على الأقل في ظاهر الأمر الذي بدا لقطاع عريض.<BR>وأياً ما كان فقد تضمن قرار المحكمة إدانة للبريطانية بالإساءة ولذا فرضت عليها عقوبة إلاّ أنها مخففة.<BR>ونرجو ألا تكون لأفواه الساسة آثار في استصدار هذا الحكم.<BR>والقضية محتملة إذا كانت لها ملابسات لم يبلغها علمنا شريطة أن تكون المعلمة ممن عرف بتعظيم نبي الإسلام كما أشرت في مقال سابق، أما ما قرأناه من بيان هيئة العلماء، وما أعلن من أقوال حتى الآن فلا يتناسب والحكم الصادر، فمتى كان الجزاء الموافق للإدانة بالإساءة إلى نبي من الأنبياء رحلة مجانية إلى الأهل والأحباب؟! في أي شرع هذا؟ إن مثل هذا الصنيع يُجَرِّؤُ كل من سئم الخدمة في السودان من أمثال هؤلاء ويفتح له باباً للرجوع معززاً إلى دياره وسط هالة إعلامية تضفي عليه نوع تضحية وبطولة!<BR>لقد حاول بعضهم تبرئة المدرسة المسيئة ولسماجة الأعذار التي قدموها بالنيابة عنها أدينت المعلمة بعد المحاكمة، وإدانتها فيما يظهر حق حتى على ما سمعته آذاننا من كلام مدير المدرسة إذ لا ينطلي بمجرده على عاقل وإلاّ فمتى كان طلابنا يطلقون على صور الحيوانات أسماء زملائهم الأذكياء الموهوبين! ويالعقول من يزعمون أن الغوغاءَ هَوَّلوا القضية! وما كنت لأنعي لكم عقولهَم لو أنهم احترموا عقول مخالفيهم من العلماء والفضلاء الذين معهم جمهور الشارع السوداني العريض، وجدير بمن لم يحترم كل تلك العقول أن نبين للناس حقيقة عقله! لعله أحدهم يفيق من سكرته وينظر إلى أي درجة يعبث بهم الغربي ويسخر، ويحسبون بعد ذلك أنهم على شيء من المعقول؟<BR>ولعل الحديث مع قطعان الغرب –في داخل السودان أو خارجه- الذين يخضعون لإشارته، ويصدرون عن كلمته دون تفكير ليس وراءه كبير طائل ما لم يعلنوا تحرير عقولهم المنكسة المسترقة لثقافة الغرب وأهله.<BR>بل الحديث ههنا متوجه إلى السيد الرئيس عمر حسن أحمد البشير، وإلى من في معناه من أصحاب القرار الذين لا زلنا نحسب أن فيهم خيراً. <BR>أوجه هذه الرسالة إليه مع أني أحسب أنه يصدر في أمثال هذه القضية عن آراء مستشارين شرعيين يؤصلون ويقررون، ويجدون من الرخص باسم الضرورة وغيرها ما ينطلي على من لم تكن له قدم في العلم راسخة.<BR>أقول له من حق هذه النازلة أن تعرض قبل أن تصدر عن رأي فيها على مجلس هيئة العلماء، وألا يستبد بالرأي فيها فردٌ ولو لم يقض القضاء بشيء، فكيف والقضاء المخول من قبلكم قد أصدر حكمه المخفف؟ أفيسوغ بعد ذلك ديانة نقضه بمشورة بعضهم وإن خالفه سواد أهل العلم في البلاد؟<BR>السيد الرئيس قد ذم الله أقواماً باتباعهم الأحبار والرهبان دون بصيرة، وجعل فعلهم شركاً في الربوبية فقال: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ) [التوبة:31]، وهؤلاء إنما أحلوا لهم ما حرم الله والعكس فأطاعهم الناس في ذلك، فاحذر أن يكون فيك شبه من هؤلاء، وأعلم أن حق آحاد البشر لا يحل لحاكم أو إمام إسقاطه إلاّ بإذنهم فكيف بحق الله وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كيف بحق لكافة المسلمين فيه نصيب؟ مثل هذا لا يجوز لحاكم أن يسقطه بل ليس له ذلك بحال.<BR>وأما ما يتذرع به بعضهم من المصلحة، ولزوم دفع المفسدة الأكبر، فمحله القضايا غير المنصوصة، وإلاّ فالأصل أن ما كان فيه شرع مقرر للحكم فالمصلحة في اتباع الشرع، ومن زعم أن الشرع لم يف بمصالح العباد فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وأما إذا تنازعت القضية مصلحة ومفسدة شرعية، وكانتا متحققتين لا متوهمتين فهنا لإعمال قاعدة المصالح والمفاسد مجال.<BR>أما إذا كانت المفسدة من قبيل المخاوف المتوهمة من نحو قول الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم! فلا اعتبار لها، ومن شأن أهل الإيمان أن يزدهم مثل هذا ثباتاً وتوكلاً على الله، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران: 173-175].<BR>وبين أن الذين يقولون في نحو هذا نخشى أن تصيبنا دائرة هم أولئك الذين ضعف يقينهم، و وهنت قلوبهم: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:52].<BR>الأخ الرئيس إن الهلاك والبوار كل البوار في ترك إقامة حدود الله، والمداهنة على حساب الدين، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.<BR>فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله)، ثم قام فخطب ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).<BR>فهل كانت هذه الكافرة أشرف من سيدة نساء أهل الجنة فاطمة رضي الله عنها؟ إذا لم تكن فتأمل سبب هلاكهم.<BR>وجاء عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين! خمس إن ابتليتم بهن ونزلن فيكم وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعملوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم يكن مضت في أسلافهم) الحديث وفيه: (وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا ألقى الله بأسهم بينهم)، وأنت ترى بأس أهلنا كيف قد غدا بينهم، فهل ترجو بإسقاطك الحق عن تلك المرأة أن تَلُمَّ شَعَثَ الأُمَّةِ أو ترقع رتقها، هذا والله لايكون بنص هذا الحديث، إنْ هيَ إلاّ أمانِّي يزخرفها شياطين الإنس والجن ويتبعهم عليها الجاهلون وإني أعظك بالله أن تكون منهم، وأعيذك به من همزات شياطين الإنس والجن ومن أن يحضروك.<BR><br>